الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه رأى قومًا يتوضؤون من الـمِطْهَرَةِ، فقال: أَسْبِغُوا الوُضُوءَ، فإني سمعتُ أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول: «ويلٌ ‌للْعَرَاقِيْبِ من النارِ».


رواه البخاري برقم: (165)، ومسلم برقم: (242) واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وفي رواية للبخاري برقم: (60)، ومسلم برقم: (242) «ويل للأعْقَابِ من النار» مرتين أو ثلاثًا، واللفظ للبخاري، من حديث عبد اللَّهِ بن عمرٍو -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«المِطْهَرَةِ»:
بالكسرِ والفتح إناءٌ يُتَطَهَّرُ به. القاموس المحيط، للفيروزآبادي(ص: 432).
قال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: المَطْهَرَةُ كُل إناءٍ يُتَطَهَّرُ به، وهي بِكسرِ الميم وفتحها، لغتان مشهورتان. ‌مَنْ ‌كَسر ‌جعلها ‌آلة، ومَن فتحها جعلها موضعًا للتطهر. شرح مسلم (3/ 131).

«أَسْبِغُوا»:
أي: أَتِمُّوا. المفاتيح في شرح المصابيح، للمظهري (1/ 397).
قال الرازي -رحمه الله-:
وإسباغ الوضوء إتمامه. مختار الصحاح (ص:141).
وقال الفيروزآبادي -رحمه الله-:
أَبْلَغَه مواضعه، ووفَّى كُل عضوٍ حقّه. القاموس المحيط (ص: 783).

«وَيْلٌ»:
الويل كلمة تقال لكل مَن وقع في هلكة وعذاب. لسان العرب، لابن منظور (2/639).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
الويل: الحُزْن والهلاك والمشقة من العذاب، وكل مَن وقع في هلكة دعا بالويل. النهاية(5/237).

«‌للْعَرَاقِيْبِ»:
العَرَاقِيبُ: جَمْعُ عُرْقُوبٍ بضمِّ العينِ في المفرَدِ، وفتحِهَا في الجمع، وهو العَصَبة التي فوقَ العَقِبِ. شرح النووي على مسلم (3/ 131).
قال الفيومي -رحمه الله-:
والعَرقوب: عَصَبٌ مُوْثَقٌ خلف الكَعْبِ. المصباح المنير (2/405).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
عَصَبٌ غليظ مُوتَّر (أي: مشدود) فوق عَقِب الإنسان، ومن الدابة في رِجْلها بمنزلة الرُّكْبة في يدها. تاج العروس (3/357).

«للأعْقَابِ»:
الأعقاب: جمع: عَقِب بِفَتْحٍ فَكَسْر، وهي مُؤَخِّر القَدَم، وعَقِب كل شيء: آخره، وهي مؤنثة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لابن الملقن (3/ 261).
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال الأصمعي: العَقِب ما أصاب الأرض من مُؤَخِّر الرِّجل إلى موضع الشِّرَاك. مشارق الأنوار (2/99).


شرح الحديث


قوله: «أنه رأى قومًا يتوضؤون من المِطْهَرَةِ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أنَّه» أي: أن أبا هريرة «رأى قومًا يتوضؤون من الْمِطْهَرَة». الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (5/254).

قوله: «فقال: أَسْبِغُوا الوضوء»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
أي: أَكْمِلُوه بواجباته وسُنَنه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (5/254).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «أَسْبِغُوا الوضوء» أي: أَكْمِلُوه، وكأنه رأى منهم تقصيرًا، أو خَشِيَهُ عليهم. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/286).

قوله: «فإني سمعتُ أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقوله: «فإني سمعتُ أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- يقول... إلخ» فيه: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكنيته، وهو حَسن، وذكره بوصف الرسالة أحسن منه.
وفيه: أنه ينبغي للعالِم أنْ يستدل على ما يُفتي فيه؛ ليكون أَوْقَع في نفس سامعه. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/286).

قوله: «وَيْلٌ ‌للْعَرَاقِيْبِ من النارِ»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وَيْلٌ»:... ارتفاعه على الابتداء، والمخصِّص كونه مصدرًا في معنى الدعاء كما في "سلامٌ عليكم". نخب الأفكار (1/335).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وعيد وتهديد عظيم لمن لم يستكمل الغسل، فهو دليل الوجوب. الكاشف عن حقائق السنن (3/795).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ويلٌ» أي: هَلَكَةٌ وخيبة، «للعراقيب» أي: لِتَارِكِ غَسْلِها في الوضوء...
«من النَّار» أي: من أَجْل عذابها؛ لتركه الواجب الذي هو غسلها في الوضوء؛ لأنَّه يؤدي إلى عدم صحة الوضوء المؤدِّي إلى عدم صحة الصَّلاة، المؤدي إلى العقوبة بالنار الأخروية. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (5/254).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ويلٌ للأعقاب من النار» أي: أنها المعذَّبة التي تصيبها النار، أو أن بسبب تركها يُعَذَّب صاحبُها، أو تُعَذَّب هي من جملة الرِّجْل المغسولة، وأن مواضع الوضوء لا يمسها النار كما جاء في أثر السجود أنه يحرم على النار، وإلى هذا ذهب أحمد بن نصر. إكمال المعلم (2/34).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«ويلٌ للأعقاب من النار»: أي: لأصحاب الأعقاب، ويحتمل: أن يَخُصَّ العَقِبَ نفسها بألم من العذاب عند تعذيب صاحبها والله أعلم. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/145).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
معنى الحديث: أنّ الأعقاب أو العراقيب تُعذَّب إنْ لم تُعَمَّ بالغسل، وإنما خصَّ الأعقاب أو العراقيب؛ لأن الحديث ورد على سببٍ، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى قومًا وأعقابهم تلوح؛ فقال: «ويل للأعقاب من النار». رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (1/54).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
معناهُ: أن الأعقاب والعَراقيب: تُعاقَب بالنار إِن لم يَعم جميعها بالغسل، وإنما خصَّ الأعقاب والعَراقيب؛ لأن الحديث ورد على سبب، وهو أنه رأى أعقابهم تلوح. شرح سنن أبي داود(1/٦٤٣).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
ويحتمل: أن يريد صاحبها، ففيه حذف المضاف. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (3/261).
وقال محمد عبد الغني المجددي -رحمه الله-:
أراد صاحبَها، وقيل: نفسَها؛ لعدم غسلها؛ لأنهم كانوا لا يستقصون غَسْلَ أرجلهم في الوضوء. شرح سنن ابن ماجه - ضمن الشرح المجموع للسيوطي والكنكوهي والمجددي (ص: 36).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما قال ذلك لأنهم كانوا لا يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء، والمقصود: استيعاب غسل الرجلين. شرح مسند أبي حنيفة (1/267-268).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وقيل: لعلهم كانوا حديثي عهد بالإسلام وأحكامه، فتجوَّزُوا في غَسْل أرجلهم؛ لجهلهم بأحكام الشرع. شرح المصابيح لابن الملك(1/274)
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «من النار» كلمة (مِن) للبيان، كما في قوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} الحج: 30.
ويجوز أن تكون بمعنى: (في) كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الجمعة: 9 أي: في يوم الجمعة. عمدة القاري (2/9).

قوله: «مرتين أو ثلاثًا»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «مرتين» تثنية مرّة، وتجمع على مرات. عمدة القاري (2/9).
وقال الشيخ محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
وقوله: «مرتين أو ثلاثًا» شكٌ من عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (3/ 22).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
إنما كان يكرر الكلام ثلاثًا، والسلام ثلاثًا، إذا خَشِيَ أن لا يُفْهَم عنه، أو لا يُسمع سلامُه، أو إذا أراد الإبلاغ في التعليم، أو الزجر في الموعظة.
وفيه: أن الثلاث غاية ما يقع به البيان، والإعذار به. شرح صحيح البخاري (1/173).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
(فيه) تكرار المسألة توكيدًا لها، ومبالغة في وجوبها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (3/264).
وقال النووي -رحمه الله-:
ومراد مسلم -رحمه الله تعالى- بإيراده (الحديث) هنا: الاستدلال به على وجوب غسل الرِّجْلين، وأن المسح لا يجزئ، وهذه مسألة اختَلف الناس فيها على مذاهب، فذهب جَمْعٌ من الفقهاء من أهل الفتوى في الأعصار والأمصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين، ولا يجزئ مسحهما، ولا يجب المسح مع الغسل، ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يُعْتَدُّ به في الإجماع.
وقالت الشيعة: الواجب مسحهما.
وقال محمد بن جرير (وهو غير ابن جرير الطبري، وإنما هو آخر رافضي له نفس الاسم، كما نبَّه عليه ابن القيم في حاشيته على أبي داود وغيره) والجبَّائي رأس المعتزلة: يتخيَّر بين المسح والغسل.
وقال بعض أهل الظاهر: يجب الجمع بين المسح والغسل.
وتعلَّق هؤلاء المخالفون للجماهير بما لا تظهر فيه دلالة....
وجواب ما تعلَّق به المخالفون ...: أنَّ جميع مَن وَصَفَ وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مواطن مختلفة، وعلى صفات متعددة متفقون على غسل الرِّجْلين. شرح مسلم (3/127-128).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وفيه: دليل على وجوب غَسْلِ الرِّجلين، وهو المنقول مِن فِعْلهِ عليه الصلاة والسلام وفِعْلِ الصحابة.شرح المصابيح لابن الملك(1/274)
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال القرطبي: وقد حكي عن ابن عَباس وأنَس وعكرمة أنَّ فرضهما المسح، إن صح ذلك عنهم وهو مذهب الشيعة، وذَهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين المسح والغسل. شرح سنن أبي داود(1/٦٤٣).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وقد ترجَم عليه البخاري في الطهارة: باب غسل الرِّجْلين ولا يمسح على القدمين، ففُهِم منه أن القدمين لا يمسحان بل يغسلان. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (3/262).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه من الفقه: أنَّ المسح لا يجوز على النَّعلين، وأنه لا يجوز ترك شيء من القدَم وغيره من أعضاء الوضوء لم يمسه الماء قلَّ ذلك أو كَثُر؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لا يتَوَعَّدُ على ما ليس بواجب. معالم السنن (1/46)
وقال الشافعي -رحمه الله-:
ولا يقال: ويل لهما من النار إلا وغُسْلُهُما واجب؛ لأن العذاب إنما يكون على تَرْكِ الواجب. اختلاف الحديث (8/633).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ولو لم يكن الغسل واجبًا ما خوَّف مَن لم يغسل عَقِبَيْه وعُرْقُوْبَيْه بالنار؛ لأن المسح ليس من شأنه الاستيعاب، ولا يبلغ به العراقيب ولا الأعقاب. التمهيد (24/257).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وفي هذه الأحاديث من الوعيد الشديد ما يفيدُ وجوبَ غسل الرِّجْلين، ويمنعُ صحة المسح حيثُ لا حَائِل شرعي على القدمين، ولا يمسح على النعلين.
وقد تواترت الأخبار عن النبي المختار -صلى الله عليه وسلم- في صفة وضوئه أنه غَسَل رِجْلَيه. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (1/51-52).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
فتواعدهم بالنار؛ لعدم طهارتها، ولو كان المسح كافيًا لما تواعدهم بالنار. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (3/556).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فمَن توضأ كما تتوضأ المبتدعة -فلم يغسل باطن قدميه ولا عَقِبِهِ بل مَسَحَ ظَهْرَهُما- فالويل لِعَقِبِهِ وباطن قدميه من النار.
وتواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- المسح على الخفين، ونقل عنه المسح على القدمين في موضع الحاجة، مثل أن يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما.
وأما مسح القدمين مع ظهورهما جميعًا فلم ينقله أحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مخالف للكتاب والسنة. مجموع الفتاوى (21/128).
وقال العيني -رحمه الله-:
ويستفاد منه: وجوب استيعاب غسل الرِّجْلين، وأن المسح غير جائز، ووجوب تعميم الأعضاء بالمطهر، وأنَّ ترك البعض منها غير مجزئ، حتى إذا كان تحت أظفاره وسَخ أو عجينٌ يَمنعَ وصولَ الماء إليه لا يجوز.
وأنه إذا غَسَلَ أعضاء وضوئه ولم يَسِلِ الماءُ، بل استعمله مثل الدهن لا يجوز. نخب الأفكار (1/336).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: الحث على تفقد الأماكن التي لا يصل إليها الماء غالبًا إلا بالتفقد؛ فإن العَقِبَ لكونه مِن وراء الإنسان قد ربما لا يشمله الماء، ولا يرى المتوضِّئ ذلك، وعلى هذا يقاس الْمِفْصَل الذي بين اللحية والأُذن، وكذلك المرفقان. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/196).
وقال العيني -رحمه الله-:
و(فيه): أنَّ الجسد يُعذَّب في النار، وهو مذهب أهل الحق.
وأنَّ العالِم ينبغي له إنكار ما يرى من تضييع الفرائض والسنن، ويُغَلِّظ القول في ذلك.
وأنَّ تعليم الجاهل وإرشاده واجب. نخب الأفكار (1/336).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وهذه الأحاديث كلها تدلّ على أن فرض الرِّجْلين الغسل لا المسح، وهو مذهب جمهور السلف وأئمة الفتوى. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (6/286).


ابلاغ عن خطا