«أَوَّلُ مَا يُقضَى بين النَّاسِ يَومَ القيامةِ فيْ الدِّمَاءِ».
رواه البخاري برقم: (6864)، ومسلم برقم: (1678)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «أَوَّلُ مَا يُقضَى»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«أوَّلُ» بالرفع مبتدأ، «ما يُقضَى» بضم أوَّلِه، وفتح الضاد المعجمة، مبنيًّا للمفعول في محل الصفة، و«ما» نكرة موصوفة، والعائد الضمير في «يُقضَى»، أي: أول قضاءٍ يُقضى. إرشاد الساري (10/ 42).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وعائد الموصول محذوف، والتقدير: أول ما يُقضى فيه، ويجوز أن تكون «ما» مصدرية، ويكون تقديره: أول قضاءٍ في الدماء، أو يكون المصدر بمعنى اسم المفعول، أي: أول مَقْضِي فيه الدماء. نيل الأوطار (7/ 56).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ما» في الحديث موصول حرفي، ومتعلق الجار محذوف، أي: أول القضاء يوم القيامة في الدماء، أي: في الأمر المتعلق بالدماء. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (8/ 666).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أولُ ما يُقضَى» أي: يُحْكَمُ. مرقاة المفاتيح (6/ 2259).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ في الدِّمَاءِ» أي: أول ما يَحكم الله بين الناس فيها؛ لعظم مفسدة سَفْكِها، والأوْجَه أنَّ الأولية في هذا مطلقة، وفي أول خَصمين، وفي أول ما يُحاسب بمعنى: (مِنْ). التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 391).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ» أي: يَفصل الله بينهم. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 335).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
أول قضاء يقضيه الله بين عباده يوم القيامة هو القضاء بين القاتل والقتيل، ويجوز أن يكون التقدير: أول ما يُقضى فيه الأمر الكائن في الدماء، أي: في إراقتها وسفكها بغير حق. شرح بلوغ المرام (8/ 130).
قوله: «بَيْنَ النَّاسِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«بَيْنَ النَّاسِ» أي: المؤمنين. مرقاة المفاتيح (6/ 2259).
وقال إسماعيل الأنصاري -رحمه الله-:
«بَيْنَ النَّاسِ» فيما يتعلق بحقوق الخلق. الإلمام بشرح عمدة الأحكام (2/ 103).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «بَيْنَ النَّاسِ» أي: فيما بينهم، وإلا ففيما بينه وبين الله أول ما يُقضى هو الصلاة، كما جاء به، وبه اندفع التعارض. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 133).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ»...هذا في المظالم؛ لعِظَم القتل على كل مَظْلمة؛ لذلك قال: «بين الناس»، قال الداودي: وذلك لأنَّ الكفر إنَّما هو بين الله وعباده، وأنَّ حديث: «أول ما يَنْظُر الله فيه الصلاة» في خاصة نفسه بعد الانتصاف من المظالم، ولا يبقى (تبعة) إلَّا لله بالصلاة، فلا معارضة بينهما. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (31/ 296/ 297).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ» أي: في حقوق العباد، فلا ينافي أول ما يحاسب عليه العبد صلاته. لمعات التنقيح (6/ 272/273).
قوله: «في الْدِّمَاءِ»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«في الدِّمَاءِ» قال ابن فرحون: في الدماء في محل رفع خبر عن «أول»، فيتعلق حرف الجر بالاستقرار المقدَّر، فيكون التقدير: أول قضاء يُقضى كائن أو مستقر في الدماء، قال: ولا يصح أن يكون «يوم» في محل الخبر؛ لأنَّ التقدير يصير: أول قضاء يُقضى كائن يوم القيامة؛ لعدم الفائدة فيه. إرشاد الساري (10/ 42).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«في الدِّمَاءِ» وفي رواية: «بالدماء» أي: في متعلقات الدماء، أو أول القضايا القضاء في الدماء، أو أول ما يُقضى فيه الأمر الكائن في الدماء؛ وذلك لِعِظَم مفسدة سفكها. فيض القدير (3/ 89).
وقال المغربي -رحمه الله-:
«في الدماء»: خبر على كل تقدير. البدر التمام شرح بلوغ المرام (8/ 359/310).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والدماء جمع دم، والمراد به: القتل. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (5/ 228).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
والقتل تارةً يكون بحق، وتارةً يكون بغير حقٍّ، والمقصود بذلك القتل بغير حق، فهذا هو أول ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة. شرح رياض الصالحين (6/ 658 / 659).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والمعنى: أوَّلُ القضايا القضاء في الدماء، ويحتمل: أنْ يكون التقدير: أول ما يُقضى فيه الأمر الكائن في الدماء. فتح الباري (11/ 396).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ في الدِّمَاءِ» لأنَّها أكبر الكبائر بعد الشرك. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 391).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«في الدِّمَاءِ» أي: القضاء فيها؛ لأنها أعظم المظالم. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/ 359).
وقال البرماوي -رحمه الله- أيضًا:
«بالدماء» أي: القضاء بالدماء التي جرت بين الناس في الدنيا. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/ 45).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وذلك أن الناس يوم القيامة يقضي الله -سبحانه وتعالى- بينهم، ويفصل بينهم حتى بين المؤمنين والكافرين، كما قال الله تعالى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} النساء: 141، فيقضي الله بين الناس في كل شيء؛ الظالم ينتقم منه بظلمه ممن ظلمه في ماله أو غيره، لكن ما أوَّل ما يقضى بين الناس؟
الدماء؛ لأنها أعظم الجنايات، فإذا وقف الناس بين يدي الله يوم القيامة، فأول ما يُقضى بينهم في الدماء. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (5/ 228).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
من الأحاديث المنثورة التي ذكرها النووي -رحمه الله- في آخر كتابه رياض الصالحين، حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ في الْدِّمَاءِ»؛ وذلك أن الله تعالى يفصل يوم القيامة بين العباد، ويحكم بينهم، أما فيما بينهم وبين الله فحكمه دائر بين العدل والفضل، إمَّا أن يجازي بالعدل، وإمَّا بالفضل، وأمَّا فيما بين الناس بعضهم مع بعض فيجازي بالعدل، فكل إنسان منهم يُعطى حقه بدون نقص، ولا زيادة. شرح رياض الصالحين (6/ 658 / 659).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
هذا تعظيم لأمر الدماء، فإن البداءة تكون بالأهمِّ فالأهمِّ، وهي حَقِيْقةٌ بذلك، فإنَّ الذنوب تعْظُم بحسب عِظَم المفسدة الواقعة بها، أو بحسب فوات المصالح المتعلقة بعدمها، وهدم البنية الإنسانية من أعظم المفاسد، ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله تعالى أعظم منه، ثم يحتمل من حيث اللفظ: أن تكون هذه الأولية مخصوصة بما يقع فيه الحكم بين الناس.
ويحتمل: أنْ تكون عامة في أولية ما يُقضى فيه مطلقًا، ومما يقوي الأول: ما جاء في الحديث: «إنَّ أول ما يحاسب به العبد صلاته». إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (ص: 427).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولا تعارض بين هذا وبين قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أول ما يُحاسَب به العبد من عمله الصلاة»؛ لأنَّ كل واحد منهما أوَّلٌ في بابه، فأول ما يُنظر فيه من حقوق الله الصلاة؛ فإنَّها أعظم قواعد الإسلام العملية، وأول ما يُنظر فيه من حقوق الآدميين الدِّماء؛ لأنَّها أعظم الجرائم. المفهم (5/ 42).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ولا يعارض هذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- رفعه: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته» الحديث أخرجه أصحاب السنن؛ لأنَّ الأول: محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق. والثاني: فيما يتعلق بعبادة الخالق، وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- بين الخبرين، ولفظه: «أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يُقضى بين الناس في الدماء».
وتقدم في تفسير سورة الحج من صحيح البخاري ذكر هذه الأولية بأخص مما في حديث الباب، وهو عن علي -رضي الله عنه- قال: «أنا أول من يجثو للخصومة يوم القيامة»، يعني: هو ورفيقاه حمزة وعبيدة، وخصومهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة الذين بارزوا يوم بدر، قال أبو ذر -رضي الله عنه-: فيهم نزلت: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} الحج: 19، الآية، وتقدم شرحه هناك، وفي حديث الصور الطويل عن أبي هريرة -رضي الله عنه- رفعه: «أول ما يُقضى بين الناس في الدماء، ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه، فيقول: يا رب، سَلْ هذا فيم قتلني؟» الحديث، وفي حديث نافع بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رفعه: «يأتي المقتول معلقًا رأسه بإحدى يديه، مُلبِّبًا قاتله بيده الأخرى، تَشْخُب أوْدَاجُه دمًا، حتى يقِفَا بين يدي الله» الحديث، ونحوه عند ابن المبارك عن عبد الله بن مسعود موقوفًا. فتح الباري (11/ 396/ 397).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«أول ما يُقضى بين الناس بالدماء» في نسخة: «في الدماء»؛ وذلك لعظم شأنها، ولا ينافيه خبر أبي داود وغيره: «أول ما يحاسب به يوم القيامة صلاته»؛ لأن ذاك في الحساب، وهذا في القضاء. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 491).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلقًا:
الأظهر أنْ يقال: لأن ذلك من المنهيات، وهذا في المأمورات، أو الأول في المحاسبة، والثاني في الحُكم؛ لما أخرج النسائي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: «أول ما يُحاسَب العبد عليه صلاته، وأول ما يُقضى بين الناس في الدماء».
وفي الحديث إشارة إلى أنَّ الأول الحقيقي هو الصلاة؛ فإنَّ المحاسبة قبل الحُكم. مرقاة المفاتيح (6/ 2259).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
إنَّ هذا الحديث (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) مضطرب...، فكيف يقاوم حديث الصحيح؟ ولو سُلِّم فليس بينهما تعارض؛ لأنَّ لفظ حديث الصحيح: «أول ما يُقضى»، ولفظ حديث الباب: «أول ما يحاسب»، فيمكن أنْ تكون المحاسبة أولًا في الصلاة، ويكون القضاء أولًا في الدماء، فلا تعارض بينهما. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (4/ 333/ 334).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وفي الحقيقة: لا معارضة، فإنَّ حديث المحاسبة على الصلاة أولًا، وحديث النسائي في القضاء في الدماء أولًا، فلا منافاة بينهما: على أنَّ حديث الباب (أي: حديث المحاسبة على الصلاة) ضعيف؛ فإنَّ في سنده أنس بن حكيم الضبي، وفيه مقال...، فلا يقاوِم الصحيح الذي رواه النسائي. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 310).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ولا يناقضه خبر: «أول ما يحاسب به العبد الصلاة»؛ لأنَّ ذلك في حَقِّ الحقِّ -تبارك وتعالى-، وذا في حَقِّ الخلق، أي: أنَّ «أول» بمعنى: من أوَّل، أو أوَّل ما يحاسب به من الفرائض البدنية الصلاة، ثم أول ما يحكم فيه من المظالم الدماء.
قال الحافظ العراقي: وظاهر الأخبار أنَّ الذي يقع أولًا المحاسبة على حق الله تعالى، وفي حديث الصُّوْر الطويل: «أول ما يُقضى بين النَّاس في الدماء، ويأتي كل قتيل قد حمل رأسه فيقول: يا رب سَلْ هذا لم قتلني؟». فيض القدير (3/ 89).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وقد جاء في الحديث الصحيح: «إنَّ أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء»، وقد يقال: إنَّ بينهما شيئًا من التعارض، ولكن لا تعارض؛ لأنَّ الصلاة فيما يتعلق بحقوق الله هي أول شيء يُحاسَب عليه، وأول شيء فيما يكون بين الناس يُقضى ويحاسَب فيما بينهم في الدماء، فيكون الأول يحمل على حقوق الله، والثاني يحمل على حقوق الناس، وما يكون بينهم، فلا تعارض بين ما جاء في هذا الحديث، وبين الحديث الآخر الذي فيه: «إن أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء». شرح سنن أبي داود (112/ 7).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: تغليظ أمر الدماء، وأنَّها أول ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة؛ وهذا لعظم أمرها، وكثير خطرها، وليس هذا الحديث مخالِفًا للحديث المشهور في السنن: «أول ما يُحاسَب به العبد صلاته»؛ لأن هذا الحديث الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى، وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد، والله أعلم بالصواب. شرح النووي على مسلم (11/ 167).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه: دلالة على تعظيم الذنب الكائن بسبب دم ابن آدم...، وقد ورد في التغليظ في ذلك النصُّ في كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وأحاديثُ صحيحة، وأخبارٌ شهيرة. البدر التمام شرح بلوغ المرام (8/ 359).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا يدل على أنَّه ليس في حقوق الآدميين أعظم من الدّماء. المفهم (5/ 42).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: تعظيم لشأن الدماء، وأنها أهم ما يُنْتَصَف فيه من المظلوم لظالمه. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 335).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: إثبات القضاء يوم القيامة، وأنه حق، وأنَّه لا بد أن يُعطى كل مظلوم مَظْلَمته. شرح رياض الصالحين (6/ 658 / 659).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنَّه لمَّا كان يوم القيامة هو يوم الوزن الحق لم يُقدَّمْ فيه إلا الأهم، والنفوس هي مالكة الأموال والأعراض، فيُبدأ في يوم القيامة بفعل الأهم فالأهم، فإذا قُضي فيه بالحق فيما كان من الدنيا من إصابة النفوس والجراح عُدِلَ حينئذٍ إلى القضاء فيما كان ملكًا لهذه النفوس، أو مضافًا إليها؛ ليُعلم حينئذٍ تحرير التدبير في ذلك اليوم. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 74).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
وعلى كل حال قتلُ النفس المعصومة بغير حق من أكبر الكبائر، بل أكبر الكبائر بعدَ الشرك بالله تعالى، فإذا كان الأمر كما ذُكر، فلا ينبغي التجرؤ على هذه الكبيرة العظيمة، وإذا كان الله -جل شأنه- أول ما يقضي بين عباده في الدماء، فلا يسوغ للحكام، وولاة الأمور، إهمالُ شيء من ذلك، بل عليهم الاحتفالُ بشأنه، والمبادرةُ لإنفاذ ما حكم الله ورسوله، وقضاه في ذلك، من قَوَدٍ أو ديَة أو غيرهما، والله أعلم. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (6/ 94).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فيؤخذ من هذا الحديث فوائد:
منها: إثبات الحُكم والقضاء بين الناس، ووجه ذلك: قوله: «أول ما يُقضى ... إلخ».
ومن فوائد الحديث: أنَّ القضاء بين الناس يكون في الدماء وغيره؛ لقوله: «أول»؛ لأنَّ لكل أوَّلٍ آخرًا.
ومنها: تعظيم الدِّماء؛ حيث كانت أول ما يُقضى بين الناس.
ومنها: إثبات عدل الله -عز وجل-؛ لكونه يقضي بين العباد حتى يعطي كل ذي حقٍّ حقه.
ومنها: أنَّ من لم يؤخَذ منه الحق في الدنيا أُخِذَ في الآخرة، ويكون أشد وأعظم؛ لأن الإنسان يخزى به بين الناس، أنت إذا اقتصَّ منك في الدنيا لم يعلم بك إلا مَن شاهَد أو بلَغَه، وكل مَن سبقك لا يعلم بك، ومن بعدك قد يندثر العلم وتُنسى، لكن في الآخرة كل الناس يشاهدونك، فتكون المقاضاة في الآخرة أعظم من المقاضاة في الدنيا.
ويتفرع على هذه القاعدة أنَّه ينبغي للإنسان أن يُعَجِّل بالتحلل من حقوق الناس، حتى لا يُفضح بها في القيامة، ولا ننسى أن يوم القيامة سمِّي بذلك؛ لأنَّه يقوم فيه الناس من قبورهم لله، ويُقام فيه العدل، ويقوم فيه الأشهاد. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (5/ 228/229).
وقال الشيخ البسام -رحمه الله-:
ما يستفاد من الحديث:
أولًا: عِظَمُ شأن دم الإنسان؛ فإنه لم يُبْدأ به يوم القيامة إلا لكونه أهم وأعظم من غيره من أنواع مظالم العباد...
ثانيًا: أنَّه على القضاء والمحاكم العناية بأمر قضايا الدماء والقتل، وجعْل الأهمية لها، والأولوية على غيرها من القضايا. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 640).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وقد استُدل بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- على أنَّ القضاء يختص بالناس، ولا يكون بين البهائم، وهو غَلط؛ لأنَّ مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس، وليس فيه نفي القضاء بين البهائم مثلًا بعد القضاء بين الناس. نيل الأوطار (7/ 56).