«تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ في الوِتْرِ من العشْرِ الأواخِرِ من رمضانَ».
رواه البخاري برقم: (2017) واللفظ له، ومسلم برقم: (1169)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تَحَرَّوْا»:
بفتح المثناة والمهملة والراء، وإسكان الواو، من التحرِّي، أي: اطلبوا بالاجتهاد. إرشاد الساري، القسطلاني (3/ 433).
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
«تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْر» أي: تعَمّدُوا طَلبهَا...، والتَّحَرِّي: القَصْد والاجتِهادُ في الطَّلَبِ، والعَزْم على تَخْصِيص الشَّيءِ بالفعلِ والقولِ. النهاية (1/ 376).
«ليلةَ القَدْرِ»:
هي الليلة التي تُقَدَّر فيها الأرزاقُ وتُقْضَى. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 22).
قال محمد اليفرني -رحمه الله-:
ليلة القدر قيل: سُمِّيت بذلك لِعِظَم شأنها وفضلها، أي: ذات القدْرِ العظيم...، كقولهم: لفلان قَدْر في الناس، أي: مَزِيَّة وشَرَف، وقيل: القدر: الزيادة في المقدار...، وقيل: ليلة القدر: ليلة الحُكْم والتقدير، سُمِّيت بذلك؛ لأن الله تعالى يُقدِّر فيها ويفصِل كل ما يكون مِن السَّنة إلى السَّنة القابلة. الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب (1/ 349-350).
«في الوِتْرِ»:
الوتر: بكسر الواو وفتحها: وهو الفرد، أي: في أوتار تلك الليالي، وأوَّلها ليلة الحادي والعشرين، إلى آخر ليلة التاسع والعشرين، لا ليلة إشفاعها. فتح الباري، لابن رجب (4/ 300) وإرشاد الساري، القسطلاني (3/ 433).
وقال ابن بطال الركبي -رحمه الله-:
وأصل الوتر: كُل عددٍ لا ينقسم حبورًا، كالواحد والثلاثة والخمسة. والزّوج: كُلُّ عددٍ ينقسم جبورًا لمتساويين، كالاثنين والعَشرة والمائة، وشبهها. النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (1/89).
شرح الحديث
قوله: «تَحَرَّوْا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«تَحرَّوْا» بفتح أوَّلِه، أي: اطلبوا باجتهاد، وفي لفظ التَّحرِّي مبالغة في طلب ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 13).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «تَحرَّوْا» من التَّحرِّي، وهو الطلب بالاجتهاد. عمدة القاري (11/ 135).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«تَحَرَّوْا» أي: احرصوا على طلبَهَا. شرح السيوطي على مسلم (3/ 255).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «تَحرَّوْا»... أَمْرٌ من التَّحرِّي. مرعاة المفاتيح (7/ 122).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«تَحَرَّوْا» وقال في الطريق الأُوْلى: «الْتَمِسُوا»، وكل منهما بمعنى الطلب والقصد، لكن معنى التَّحرِّي أبلغ؛ لكونه يقتضي الطلب بالجد والاجتهاد. إرشاد الساري (3/ 434).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«تَحرَّوْا» التَّحرِّي: التعمُّد والاجتهاد في طلب الشيء، مِن حرى يحرى، إذا أنقص، كأنَّه في غاية الكَدِّ يُنْقِصُ قُوَاه. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 336).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «تَحرَّوْا» أَمْرٌ مِن (تتحرى) تَفَعَّل من الحر، أو معنى تحراه: تعمَّد، وطلب ما هو أحرى وأولى، أي: اطلبوا ليلة القدر. لمعات التنقيح (4/ 503).
وقال محمد اليفرني -رحمه الله-:
قوله: «تَحَرَّوْا» معناه: انظروا والْتَمِسُوا، والمتحرِّي: قاصد طريق الصواب، والتَّحرِّي: الطلب للصواب. الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب (1/ 353).
وقال القرطبي -رحمه الله- عن رواية: «التمسوها»:
هو أمرٌ على جهة الإرشاد إلى وقتها، وترغيب في اغتنامها؛ فإنها ليلة عظيمة، تُغْفَر فيها الذنوب، ويُطْلِعُ الله تعالى فيها مَن شاء من ملائكته على ما شاء من مقادير خليقته، على ما سبق به عِلْمُه؛ ولذلك عظَّمها سبحانه بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} القدر: 2، إلى آخر السورة. المفهم (3/ 250).
قوله: «ليلةَ القَدْرِ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ليلة القدر» بسكون الدّال، قيل: إنما سُكِّنت وإنْ كان الأكثر في القَدَر الذي هو قرين القضاء الفتح: إعلامًا بأنَّه لم يرد به هنا ذلك، فإنَّ القضاء سبق الزمان، وإنَّما أُريد به تفصيل ما جرى به القضاء وتبيينه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 13).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: وسُمِّيت ليلة القدر لما يُكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السَّنة، كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} القدر: 4، ومعناه: يُظْهِر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو مِن وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق عِلْمُ الله تعالى به، وتقديره له، وقيل: سُمِّيت ليلة القدر: لِعِظَم قدرها وشرفها. شرح النووي على مسلم (8/ 57).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
ليلة القدر مختصَّة بهذه الأُمَّة، زادها الله شرفًا، فلم تكن لمن قَبْلها، وسُمِّيت ليلة القدر، أي: ليلة الحُكْم والفَصْل، هذا هو الصحيح المشهور، قال الماوردي وابن الصباغ وآخرون: وقيل: لعظم قدرها. المجموع شرح المهذب (6/ 447).
وقال المظهري -رحمه الله-:
سُمِّيت ليلةُ القَدْر بهذا الاسم؛ لأن معنى القَدْر: عظيمُ الشأن والمنزلة، هذه الليلةُ عظيمةُ القَدْرِ والمنزلةِ، وقيل: سُمِّيت هذه الليلةُ بليلة القَدْرِ؛ لِمَا يجري فيها من قضاء الله وقَدَره أكثر مما يجري سائرَ الليالي. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 52).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ويُحتمل: أنها سُمِّيت ليلة القَدْر لتقدير الله ما كان ينزل فيها من القرآن أيام حياة النبي -عليه السلام- إلى مثلها من العام المقبل. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 480-481).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقيل: لعظم قَدْرِها وشرفها، أو لأن مَن أتى بقيامها صار ذا قَدْر. شرح سنن أبي داود (6/ 614).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
وسُمِّيت الليلة ليلة القَدْر: إما لأنها ليلة تقدير الأمور، فإنَّه تعالى بيَّن فيها لملائكته ما يحدث إلى مثلها من العام القابل، كما قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وإما لخَطَرها وشرفها على سائر الليالي. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
اختلف العلماء لم سُمِّيت ليلةَ القَدْر؟
فقيل: المعنى: أنها ليلةُ الشَّرَف والمنزلة والفضيلة، فسمَّاها بهذا لنزول القرآن جملةً إلى سماء الدنيا، وثباتِ خيرها ودوامِه، وهو معنى البركة في قوله تعالى: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الدخان: 3، في الآية الأخرى.
وقيل: لأنها ليلةُ تقديرِ الأمور وقضائِها؛ من قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وقيل: المراد بهذه الآية: ليلةُ النصف من شعبان.
ومعنى ذلك -واللَّه أعلم-: إظهارُ ما قَدَّره اللَّه تعالى في أَزَلهِ من ذلك لحَمَلةِ وَحْيِه، وملائكةِ سماواته، ونفوذُ أمره بذلك لهم ووحيه، أو إظهارُ ما شاء من أفعاله الدالة على ذلك عندهم، وإلا فقَدَرُ اللَّه وسابقُ علمِه بالآجال والأرزاق، وقضاؤه بما كان، ويكونُ، لا أولَ له.
وقيل: سمَّاها ليلة القَدْر؛ لأنها يتنزل فيها مِن فضل اللَّه، وخزائن مِنَنِهِ ما لا يُقدَر قدرُه، قلتُ: وفي هذا التعليل الأخير عندي نظر.
ثم اختلفوا في سرِّ كونها خيرًا من ألف شهر، وتخصيصها بهذه المدة، فقيل: إنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَكَرَ رجلًا من بني إسرائيل حملَ السلاحَ في سبيل اللَّه ألفَ شهر، فعَجِبَ المؤمنون من ذلك، وتقاصَرَتْ إليهم أعمالُهم، فأُعْطُوا ليلةً هي خيرٌ من مدة ذلك الغازي.
وقيل: إنَّ الرَّجُل كان فيما مضى ما كان يقال له: عابدٌ حتى يَعْبُد اللَّه ألفَ شهر، فأُعطوا ليلةً إنْ أَحْيَوها كانوا أحقَّ بأنْ يسمَّوا عابدين من أولئك العُبَّاد.
وروى مالك في موطَّئه أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُري أعمالَ الناس قبله، أو ما شاء اللَّه من ذلك، فكأنَّه تقاصرَ أعمارَ أُمَّته أن لا يَبْلُغوا من العمل مثلَ الذي بلغَ غيرُهم في طول العمر، فأعطاه اللَّه ليلةَ القدر خير من ألف شهر.
قلتُ: هذا أحدُ الأحاديث الأربعة الواقعة في الموطأ المطعونِ فيها، على ما نَقَله ابن بزيزة في شرح الأحكام لعبد الحق -رحمهما اللَّه-، وغيرُه. رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (3/ 492-494).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
عَظَّم القرآن (يعني في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر} القدر: 1) من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنْ أُسْنِد إنزاله إليه، وجعله مختصًّا به دون غيره.
والثاني: أنَّه جاء بضميره دون اسمه الظاهر؛ شهادة له بالنباهة، والاستغناء عن التنبيه عليه.
والثالث: الرفع مِن مقدار الوقت الذي أُنزل فيه. الكشاف (4/ 786).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
واختُلف الناس اختلافًا كثيرًا في ليلة القدرِ هل كانت مخصوصة بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لا؟
فالجمهور: على أنها ليست مخصوصة، ثم اختلفوا: هل هي متنقلة في الأعوام أو ليست متنقلة؟ ثم الذين قالوا: إنها ليست متنقلة اختلفوا في تعيينها، فمِن مُعيِّن ليلة النصف من شعبان، ومِن قائل: هي ليلة النصف من رمضان، ومِن قائل: هي ليلة سبع عشرة، ومِن قائل: هي ليلة تسع عشرة، ثم ما من ليلةٍ من ليالي العشر إلا وقد قال قائل: بأنها ليلة القَدْر، وقيل: هي آخر ليلة منه، وقيل: هي مُعيَّنة عند الله تعالى، غير مُعيَّنة عندنا، وهذه الأقوال كلها للسَّلف والعلماء، وسبب اختلافهم اختلاف الأحاديث كما ترى.
قلتُ: والحاصل من مجموع الأحاديث، ومما استقر عليه أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلبها: أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها متنقلة فيه، وبهذا يجتمع شتات الأحاديث المختلفة الواردة في تعيينها، وهو قول مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وغيرهم على ما حكاه أبو الفضل عياض، فاعتَمِد عليه، وتَمَسَّك به. المفهم (3/ 251).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماءُ في ليلة القَدْر اختلافًا كثيرًا، وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولًا، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشترَكتَا في إخفاء كل منهما؛ ليقع الجد في طلبهما ثم سرد الأقوال. فتح الباري (4/262- 263).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأجْمَع مَن يُعتَدُّ به على وجودها، ودوامها إلى آخر الدّهر؛ للأحاديث الصحيحة المشهورة. شرح النووي على مسلم (8/ 57).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وشذَّ قومٌ فقالوا: إنها كانت خاصَّة للنبي -عليه السلام- ثم رُفِعَت، واحتجوا بالحديث الذي جاء فيه أنه أُعلمها -عليه السلام- حتى تَلَاحَى (تخاصم) رجلان فرُفِعَت، ومعنى هذا عندنا: أنَّه رُفِعَ عنه علم عينِها، كما قال في الحديث: «فأنسيتُهَا». إكمال المعلم (4/ 146).
قوله: «في الوِتْرِ من العشْرِ الأواخِرِ من رمضانَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «في الوتر» أي: في ليالي الوتر «من العشر الأواخر من رمضان». مرقاة المفاتيح (4/ 1436).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» أي: في الأفراد من ليالي العشر. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 13).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «في الوِتر» أي: في ليالي الوِتر «من العَشر الأواخر من رمضان»، مثل الحادي والعشرين، والثالث والعشرين... إلى آخرها. شرح المصابيح (2/ 555).
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
قوله: «في الوتر» أي: الحادية والعشرين، والثالثة، والخامسة، والسابعة، والتاسعة. تطريز رياض الصالحين (ص: 672).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
أي: اطلبوا ليلة القدر في الأوتار من ليالي العشر الأواخر من رمضان، وهي خمس ليالٍ. لمعات التنقيح (4/ 503).
وقال عبيد لله المباركفوري -رحمه الله-:
«في الوتر» أي: في ليالي الوتر «من العشر الأواخر من رمضان».
فيه: دليل على أنَّ ليلة القدر منحصِرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلةٍ منه بعينها، وقد تقدَّم أنَّه القول الراجح. مرعاة المفاتيح (7/ 122).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
يُستحب طلَبُها في جميع ليالي رمضان، وفي العشر الأواخر آكد، وفي ليالي الوتر منه آكد.
وقال أحمد: هي في العشر الأواخر، وفي وِتْرٍ من الليالي، لا يخطئ إن شاء الله، كذا روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. المغني (6/ 203).
وقال محمد أنور شاه الكشميري -رحمه الله-:
قد مرَّ مني التنبيه على أنَّ تلك الليلة وإنْ كانت في الأوتار إلا أنَّ المأمورَ بالقيام هو العشرة بتمامها، الأَشْفَاعُ والأَوْتَارُ، كلُّها سواء، وإليه يُشِيرُ قوله -صلى الله عليه وسلّم- في حديث الباب: «فمن كان مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحَرَّها في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ»، ويُخَالِفهُ ما أخرجه البخاريُّ في الباب الآتي: «تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْر في الوِتْر من العَشْرِ الأَوَاخِر من رمضان»؛ فإنَّه يُشْعِرُ بابتغائها في الأوتار خاصَّةً.
والوجه عندي: أنَّه قد تبيَّن عندنا أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلّم- اعتكف في العشرة الأخيرة من رمضان، وأمر باعتكافها.
وأمَّا الأمرُ بالاجتهاد في الأوتار فَيُبْنَى على الظن بالأغلب على كونها فيها، دون الاقتصار عليها، ويَدُلُّ على ما قلنا قولُه -صلى الله عليه وسلّم-: «فابْتَغُوهَا في العَشْرِ الأَواخِرِ، وابْتَغُوها في كلِّ وِتْرٍ». فيض الباري على صحيح البخاري (3/ 378).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ليلة القدر منحصِرة في رمضان، ثم في العَشر الأخير منه، ثم في أوتاره، لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها، وقد ورد لليلة القَدْر علامات أكثرها لا تَظْهر إلا بعد أنْ تمضي. فتح الباري (4/ 260).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
والمذهب (عند الحنابلة): لا تختص -يعني: بأوتار العشر الأخير-، بل المذهب: أنها آكد وأبلغ من ليالي الشفع، وعلى اختيار صاحب المحرر (المجد ابن تيمية): كلُّها سواء. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (4/ 35).
وقال المرداوي -رحمه الله-:
ليالي الوتر آكد، هذا المذهب (عند الحنابلة) وعليه جماهير الأصحاب، واختار المجد (ابن تيمية): أنَّ كل العشر سواء. الإنصاف (3/ 354).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
ليلة القَدْر في العشر الأواخر من شهر رمضان، هكذا صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «هي في العشر الأواخر من رمضان»، وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتُطْلَب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين.
ويكون باعتبار ما بقي، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لتاسعةٍ تبقى، لسابعةٍ تبقى، لخامسةٍ تبقى، لثالثةٍ تبقى».
فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع، وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسَّره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح، وهكذا أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في الشهر، وإنْ كان الشهر تسعًا وعشرين كان التاريخ بالباقي، كالتاريخ الماضي.
وإذا كان الأمر هكذا، فينبغي أنْ يتحرَّاها المؤمن في العشر الأواخر جميعه. مجموع الفتاوى (25/ 284-285).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
في الحديث: دليل على طلب ليلة القَدْر في ليالي الوتر من العشر الأواخر، مع دلالته على ترجيح انحصارها فيه.
وفيه: الأمر بالاجتهاد في طلبها.
وفيه: الإرشاد من غير استرشاد.
وفيه: عدم اختصاص ليلة القَدْر بالسَّبع الأواخر، والله أعلم. العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام (2/ 918).