«إِذَا دخلَ شَهْرُ رمضانَ فُتحتْ أبوابُ السماءِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّم، وسُلْسِلَتْ الشياطين».
رواه البخاري برقم: (1899) واللفظ له، ومسلم برقم: (1079)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«رَمَضَانُ»:
مأخوذ من رَمَضَ الصائم يرمض، إذا حَرَّ جوفُه من شدة العطش، والرَّمْضَاء شدة الحَرِّ. الغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد الهروي (3/ 777).
«سُلْسِلَتْ»:
قُيِّدَتْ بالسلاسل. مرقاة المفاتيح، للقاري(4/ 1361).
«الشياطين»:
جمع شيطان، وهو المارد من الجنِّ الكثير الشر، وهل هو مأخوذ من شَطُنَ أي: بَعُدَ عن الخير والرحمة، أو من شَاطَ يشِيْطُ إذا احتدَّ واحترق غيظًا؟ اختلف فيه النحويون، وعلى الأول: فالنون أصلية فينصرف واحدُه، وعلى الثاني: فهي غير أصلية فلا ينصرف. المفهم، للقرطبي (4/ 58).
شرح الحديث
قوله: «إِذَا دخلَ شهْرُ رمضانَ»:
قال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«إذا دخل شهر رمضان» ودخول رمضان يبدأ بمغرب أول ليلة منه. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (4/ 486).
وقال الفيروز آبادي -رحمه الله-:
«شهْرُ رمضانَ» سُمِّيَ به لأنَّهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة، سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق زمن الحَرَّ والرَّمَض، أو مِن رَمَضَ الصائم: اشتد حَرُّ جوفه، أو لأنَّه يحرق الذنوب، ورمضان، إنْ صحَّ من أسماء الله تعالى فغير مشتق، أو راجِع إلى معنى الغافِر، أي: يمحو الذنوب ويمحقها، والرَّمَضِيُّ: مُحَرَّكة من السحاب والمطر: ما كان في آخر الصيف وأول الخريف. القاموس المحيط (ص: 644).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«شهرُ رمضانَ» سُمي به لاشتهاره. فيض القدير (1/ 340).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال ابن النحاس: كان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقال: رمضان، قالا: وإنما نقول ما قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ} البقرة: 185؛ لأنَّا لا ندري لعلَّ رمضان اسم من أسماء الله، قال: وهذا قول ضعيف؛ لأنا وجدنا النبي -عليه السلام- قال: «رمضان» بغير شهر، فقال: «من صام رمضان»، «ولا تقدموا رمضان» والأحاديث كثيرة في ذلك. شرح صحيح البخاري (4/ 19).
وقال النووي -رحمه الله-:
«إذا دخل شهر رمضان» فيه دليل للمذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه البخاري والمحققون: أنه يجوز أن يقال: رمضان، من غير ذكرِ الشّهر بلا كراهة، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب:
قالت طائفة لا يقال: رمضان على انفراده بحال، وإنما يقال: شهر رمضان، هذا قول أصحاب مالك، وزعم هؤلاء أنَّ رمضان اسم من أسماء الله تعالى، فلا يطلق على غيره إلا بقيد.
وقال أكثر أصحابنا وابن الباقلاني: إنْ كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر، فلا كراهة، وإلا فيكره، قالوا: فيقال: صُمنا رمضان، قُمنا رمضان، ورمضان أفضل الأشهر، ويندب طلب ليلة القدر في أواخر رمضان وأشباه ذلك، ولا كراهة في هذا كله، وإنما يُكره أن يقال: جاء رمضان، ودخل وحضر رمضان، وأحبُّ رمضان، ونحو ذلك.
والمذهب الثالث: مذهب البخاري والمحققين أنَّه لا كراهة في إطلاق رمضان بقرينة وبغير قرينة، وهذا المذهب هو الصواب، والمذهبان الأولان فاسدان؛ لأن الكراهة إنما تثبت بنهي الشرع، ولم يثبت فيه نهي، وقولهم: إنه اسم من أسماء الله تعالى، ليس بصحيح، ولم يصح في شيء، وإن كان قد جاء فيه أثر ضعيف، وأسماء الله تعالى توقيفية، لا تطلق إلا بدليل صحيح، ولو ثبت أنه اسم لم يلزم منه كراهة، وهذا الحديث المذكور في الباب صريح في الرد على المذهبين؛ ولهذا الحديث نظائر كثيرة في الصحيح في إطلاق رمضان على الشهر من غير ذكر الشهر، وقد سبق التنبيه على كثير منها في كتاب الإيمان وغيره، والله أعلم. شرح النووي على مسلم (7/ 187-188).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُعلقًا:
وهو بحث نفيس جدًّا. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/ 371).
قوله: «فُتحت أبوابُ السَّمَاءِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فُتِّحَتْ» بالتشديد، والتخفيف «فُتِحَتْ» أي: تفتح التوفيق للخيرات الذي هو سبب لدخول الجنة. فيض القدير (1/ 340).
وقال السندي -رحمه الله-:
تفتح أبواب السماء تقريبًا للرَّحمَةِ إلى العباد. حاشية السندي على مسند الإمام أحمد (17/ 426).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«فُتحت أبواب السماء» عبارة عن تنزُّل الرحمة، وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد، تارة ببذل التوفيق، وأخرى بحسن القبول عنهم، والمنِّ عليهم بتضعيف الثواب، وإيتاء ليلة القدر، وفي رواية: «فُتحت أبواب الجنة»، وكلتا الراويتين متقاربتان في المعنى، والرواية في «فُتحت» بالتخفيف أكثر، وقد قرئ في التنزيل بالتشديد وبالتخفيف، والتشديد أبلغ وأكثر.
ويحتمل: أن يكون المانع من وروده في الحديث بالتشديد هو أنه حكاية عما يُبذل لهم منها في هذه الدار، والفتح كل الفتح إنما يكون في الآخرة؛ للدخول، والاستقرار فيها. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 456).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «فُتِحَتْ أبوابُ السَّماءِ» بالتخفيف والتشديد، وفي التشديد من المبالغة ما ليس في التخفيف، وقد قُرئت بهما في الآية: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} الزمر: 73، لكن التخفيف في الحديث أكثر وأشهر وأظهر؛ لأنَّ الفتح كل الفتح إنما يكون في الآخرة للدخول والاستقرار فيها، وأمَّا في الدنيا فشيء منها في الجملة، ثم إنهم قالوا: الفتح هنا كناية عن تنزيل الرحمة وكثرتها وتواترها، وتؤيده رواية: «فتحت أبواب الرحمة»، وكذلك فَتْحُ أبواب الجنَّة كناية عن التوفيق للخيرات الذي هو سبب لدخول الجنة. لمعات التنقيح (4/ 396/ 397).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
معنى الحديث: أنَّ أبواب السماء تُفتح عند قدوم رمضان حقيقةً لا مجازًا، احتفاءً بهذا الشهر الكريم، وترحيبًا به في الملأ الأعلى، وتنويهًا بفضله وشرفه، وإعلامًا للملائكة بدخوله، كما تفتح أبوابها لكل من مات فيه صائمًا قائمًا بواجباته، غير مُفْسِد له بالمحرمات والآثام؛ استقبالًا له، وترحيبًا بمقدمه، وتبشيرًا له بما أعد الله له في دار الكرامة. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 205)
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«فُتحت أبواب السماء» في هذا الحديث يراد بها أبواب الجنَّة بدليل قوله في الحديث: «وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّم»، وقد تبيَّن هذا المعنى في رواية مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، وهذا حُجَّة في أنَّ الجنَّة في السماء. شرح صحيح البخاري (4/ 20).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فتِحَت أبواب السماء» يعني: إذا دخل الوقت الشريف فُتِحَت أبواب السماء وأبواب الجنة؛ لتَنْزِلَ الرحمة على مَن عظَّم الوقت الشريف، ولِتَصِلَ طاعة من عظَّمَ هذا الوقت بالأعمال الصالحة، واجتناب المعاصي إلى محلِّ الكرامة. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 7).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وكأنَّ تفتيحها استبشار بفضل رمضان، وإعلام بأنهم يدخلون الصائمين الجنَّة، وبأنَّه علامة للملائكة بدخول الشهر العظيم، وتعظيم حرمته، وبمنع الشياطين من أذى المؤمنين، ويحتمل: أنْ يكون إشارة إلى كثرة الثواب، والعفو، وأنَّ الشياطين يقلُّ إغواؤهم، فيصيرون كالمصفَّدين. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 187).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«أبوابُ السَّماءِ» أي: الجنة؛ بقرينة ذكر جهنم في مقابلته. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (4/ 343).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأما الرواية التي فيها: «أبواب الرحمة» «وأبواب السماء» فمِن تَصَرُّف الرواة، والأصل «أبواب الجنة»؛ بدليل ما يقابله، وهو غلق أبواب النار.
واستُدِلَّ به على أنَّ الجنَّة في السماء؛ لإقامة هذا مقام هذه في الرواية، وفيه نظر. فتح الباري (4/ 114).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «أبواب السماء» وروي: «أبواب الرحمة»، وإذا فتحت أبواب الجنَّة التي فوق السماوات وسقفها عرش الرحمن، فأولى وأحرى أنْ تُفتح أبواب السماء التي تحتها. المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 243).
وقال السندي -رحمه الله-:
تقريبًا للرحمة إلى العباد؛ ولهذا جاء في بعض الروايات: «أبواب الرحمة»، وفي بعضها: «أبواب السماء»، وهذا يدلُّ على أنَّ أبواب الجنَّة كانت مغلَّقة، ولا ينافيه قوله تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} ص: 50؛ إذ ذاك لا يقتضي دوام كونها مُفَتَّحَةً. حاشية السندي على صحيح البخاري (1/ 252).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
و«فتحت أبواب الجنة...» قيل: يحتمل الحقيقة، وأنَّ فَتْحَ أبواب الجنة، وتغليق أبواب النار علامة لدخول الشهر، وعِظَم قَدْرِه، وكذلك تصفيد الشياطين؛ ليمتنعوا من أذى المؤمنين، وإغوائهم فيه.
وقيل: يحتمل المجاز لكثرة الثواب والعفو، والاستعارة لذلك بفتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار، وقد جاء في الحديث الآخر: «وفتحت أبواب الرحمة»، وبأنَّ الشياطين كالمصفَّدة؛ لمَّا لم يتم إغواؤهم بعصمة الله عباده فيه، ولم يفد خُبث سعيها شيئًا، ويكون معنى تصفيد الشياطين هنا خصوصًا عن أشياء دون أشياء، ولبعض دون بعض، أو على الغالب، وجاء في حديث آخر: «صُفِّدَت مَرَدَةُ الشياطين».
وقد يكون: فتح أبواب الجنَّة هنا عبارة عمَّا يَفْتَح الله على عباده من الطاعات المشروعة في هذا الشهر الذي ليست في غيره، من الصيام والقيام وفعل الخيرات، وأنَّ ذلك أسباب لدخول الجنة، وأبوابٌ لها. إكمال المعلم (4/ 6).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الزين ابن المنير: والأول أَوْجَهُ، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره... وجزم التوربشتي شارح المصابيح بالاحتمال الأخير.فتح الباري (4/ 114).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
قيل: إنَّ فَتْحَ أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار علامة على دخول هذا الشهر العظيم للملائكة وأهل الجنة؛ حتى يستشعروا عظمة هذا الشهر وجلالته.
ويحتمل أن يقال: إنَّ هذه الأبواب المفتَّحة في هذا الشهر هي: ما شرع الله فيه من العبادات والأذكار والصلوات والتلاوة؛ إذ هي كلها تؤدي إلى فتح أبواب الجنة للعاملين فيه، وغلق أبواب النار عنهم. المفهم (3/ 136/137).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
فتح أبواب السماء كناية عن تواتر نزول الرحمة، وتوالي صعود الطاعة، بلا مانع ومعاق. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 487/488).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وتأوَّل العلماء في قوله: «فتحت أبواب الجنة» معنيين:
أحدهما: ... فتح أبواب الجنة على ظاهر الحديث.
والثاني: على المجاز، ويكون المعنى في فتح أبواب الجنة: ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجب بها الجَنَّة؛ من الصلاة والصيام وتلاوة القرآن، وأنَّ الطريق إلى الجَنَّة في رمضان أسهل، والأعمال فيه أسرع إلى القبول، وكذلك أبواب النار تُغلَّق بما قُطِعَ عنهم من المعاصي، وترك الأعمال المستوجِب بها النار، ولقلَّة ما يؤاخِذ الله العباد بأعمالهم السيئة؛ ليستنقذ منها ببركة الشهر أقوامًا، ويَهَبُ المسيء للمحسن، ويتجاوز عن السيئات، فهذا معنى: الغلق. شرح صحيح البخاري (4/ 19/20).
وقال أبو الوليد الباجي -رحمه الله-:
يحتمل: أن يكون هذا اللفظ على ظاهره، فيكون ذلك علامة على بركة الشهر، وما يُرجى للعامل فيه من الخير.
ويحتمل: أن يريد بفتح أبواب الجنة كثرة الثواب على صيام الشهر، وقيامه، وأنَّ العمل فيه يؤدِّي إلى الجنة، كما يقال عند ملاقاة العدو: قد فُتِحَت لكم أبواب الجنة، بمعنى: أنه قد أَمْكَنَكم فعلٌ تدخلونها به. المنتقى شرح الموطأ (2/ 75).
قوله: «وغُلِّقت أبوابُ جهنَّمَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وَغُلِّقَتْ» -بالتشديد أكثر-، «أبواب جهنم» وهو كناية عن امتناع ما يدخل إليها؛ لأنَّ الصائم يتنزه عن الكبائر، ويُغفر له ببركة الصيام الصغائر، وقد ورد: «الصيام جُنَّة». مرقاة المفاتيح (4/ 1360).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«غُلِّقت أبواب جهنم» وذلك كناية عن تَنَزُّه أَنْفُس الصُّوام عن رجس الفواحش، والتخلص من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات، وإنما قال: «غُلِّقَت» بالتشديد، ولم يقل: أُغلقت؛ إرادة للمبالغة في إتمام هذه المنَّة على الصوام. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 456).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وغُلِّقت أبوابُ جهنَّمَ»؛ لكثرة عفو الله عن العُصاة. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 41).
وقال السندي -رحمه الله-:
«وغُلِّقت أبوابُ جهنَّمَ» أي: تبعيدًا للعقاب عن العباد، وهذا يقتضي أنّ أبواب النار كانت مفتوحة، ولا ينافيه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} الزمر: 71؛ لجواز أن يكون هناك غَلْقٌ قبيل ذلك. حاشية السندي على صحيح البخاري (1/ 252).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«وغُلِّقت أبوابُ جهنَّمَ» حقيقة عن الصائمين، فمن مات منهم كان من عتقاء رمضان. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 205).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«وغُلِّقت أبوابُ جهنَّمَ» روى النسائي وغيره: «أبواب الجحيم»، وهذا يدلُّ على أنها أسماء جهنَّم، خلافًا لمن تعدى فجعل ذلك عبارة عن انتهاء درجات جهنم أطباق سبع لها هذه التسميات، وليس كما زعم، إنما أبواب جهنم سبعة، ولم يُخلق إلى الآن من يُحدِّث عن محمد -صلى الله عليه وسلم- تسمية أبوابها؛ وذلك كله اعتداء على دين الله. عارضة الأحوذي (3/ 198).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
تغليق أبواب جهنم: عبارة عن انتفاء ما يدخل به صاحبه النار؛ فإنَّ الصائم فيه يتنزه عن كبائر الذنوب والفواحش، وتكون صغائره مكفَّرة ببركة الصوم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 488).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وكذلك تغليق أبواب النار، وتصفيد الشياطين عبارة عمّا يكفُّه الصوم، والشغل بفعل الخير في هذا الشهر، وعِظَم قَدْرِه في القلوب، وما جاء في النهى فيه عن أن يرفث أو يجهل، والكفُّ فيه عن المحارم والمعاصي، وأنَّ الصوم مانع عن كثير من المباحات، فكيف بما وراء ذلك، ومكفِّر للسيئات. إكمال المعلم (4/ 6).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
فإن قيل: ما منعكم أن تحملوه (يعني: إغلاق أبواب جنهم) على ظاهر المعنى؟
قلنا: لأنه ذُكر على سبيل المنَّ على صُوَّام شهر رمضان، وإتمام النعمة عليهم فيما أمروا به، ونُدبوا إليه، حتى صارت الجِنان في هذا الشهر كأنَّ أبوابها فُتِحَت، ونِعَمَهَا أُبِيْحَت، والنيران كأن أبوابها غُلِّقت، وأنكالها عُطِّلت، والفائدة في ذلك بَيِّنة ظاهرة.
وإذا ذهبنا فيه إلى الظاهر لم تقع المنَّة موقعها من الأول، بل تخلو عن الفائدة؛ لأنَّ الإنسان ما دام في هذه الدار، فإنه غير مُيَسَّر لدخول إحدى الدَّارين، فأيُّ فائدة في فتح أبواب الجنة، وإغلاق أبواب النار؟
اللهم أنْ يُحمل الأمر فيهما على الظاهر على أنه تحقيق المعنى، وتقرير أن يكون المفتوحة في المعنى مفتوحة في ظاهر الأمر، وعلى هذا المغلقة، أو يُحمل ذلك على أن الأمر في كليهما متعلَّق بمن مات من صُوَّامِ رمضان من صالِحِي أهل الإيمان وعُصَاتهم الذين استحقوا العقوبة، فإذا فُتِحَت على أولئك تلك الأبواب كل الفتح أتاهم من رَوْحِها ونعيمها فوق ما كان يأتيهم، وإذا غُلقت عن الآخرين أبواب النار لم يصيبهم من لَفْحِها ومن سَمُومِها؛ تنبيهًا على بركة هذا الشهر المبارك. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 456).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقد جوَّز الشيخ محيي الدين النواوي الوجهين في فتح أبواب السماء، وتغليق أبواب جهنم، أعني: الحقيقة والمجاز.
أقولُ: يمكن أنْ تكون فائدة الفتح توفيق الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وأنَّ ذلك من الله تعالى بمنزلة عظيمة، وأيضًا إذا عَلِمَ المكلف المعتقِد ذلك بإخبار الصادق يزيد في نشاطه، ويتَلَقَّاه بأريحيته، وينصره حديث عمر -رضي الله عنه-: «إنَّ الجنة تُزَخْرَف لِرمضان» الحديث. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1572/1573).
وقال العيني -رحمه الله-:
«وغُلِّقت أبوابُ جهنَّمَ»؛ لأنَّ الصوم جُنَّةٌ فتُغلق أبوابها بما قطع عنهم من المعاصي؛ ليُسْتَنقذ منها ببركة الشهر، ويهب المسيء للمحسن، ويجاوِز عن السيئات، وهذا معنى الإغلاق. عمدة القاري (10/ 270).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
ويكون معناه: أنَّ الجنَّة قد فُتِحَت وزخرفت لمن مات في شهر رمضان؛ لفضيلة هذه العبادة الواقعة فيه، وغلقت عنهم أبواب النار؛ فلا يدخلها منهم أحد مات فيه. المفهم (3/ 136).
قوله: «وسُلْسِلَتْ الشياطين»:
قال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «سُلْسِلَت» أي: رُبطت في السلاسل. عارضة الأحوذي (3/ 197).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وسلسلت الشياطين» أي: قُيِّدَتْ بالسلاسل مَرَدَتهم...، وكما هو مشاهَد أنَّ رمضان أقل الشهور معصية، وأكثرها عبادة. مرقاة المفاتيح (4/ 1361).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
جُعلت في سِلْسِلَةٍ، وهي: داير من حديد، يحيط بالعنق؛ وذلك ليقلَّ شرهم وإغواؤهم للعباد، ولا يلزم منه أنه لا يوجد عاصٍ، بل المراد: أنَّه يقلُّ شرُّهم، ويتوفر الناس على الطاعات، وهذا أمر معلوم، فإن كثيرًا من العصاة يُقْبِلُ على الطاعة في شهر رمضان، أو المراد: أنَّه تعالى يتجاوز عن العصاة، فلا يضرهم إغواء الشياطين لهم؛ إذ بعفوه لهم ما كأنهم أَغْوَوْهم، ويحتمل: أن السَّلسَلَةَ مجاز، وأنَّ المراد: منعهم عن إغوائهم حتى كأنهم مسلسلين.
وفيه: فضيلة رمضان. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 41).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«وسُلْسِلَتِ الشَّياطِين» أي: ورُبِطَت الشياطين بالسلاسل، حقيقة أيضًا، وحَمَله بعضهم على شياطين الوسوسة والإغواء، وهو أنسب. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 205).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«وسُلْسِلَتِ الشَّياطِين» أي: حقيقة، والمراد: مسترق السمع منهم، أو مجازًا، أي: يَقِلُّ إغواؤهم، فيصيروا كالمسلسلين. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (4/ 343).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وتصفيد الشياطين بالسلاسل مجاز عن امتناع التسويل عليهم، واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم، وحسم أطماعهم عن الإغواء؛ وذلك لأنه إذا دخل رمضان، واشتغل الناس بالصوم، وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعِيَيْن إلى أنواع الفسوق والمعاصي، وصَفَتْ أذهانهم، واشتعلت قرائحهم، وصارت نفوسهم كالْمَرائِي المتقابلة المتحاكية، فتنبعث قواهم العقلية داعية إلى الطاعات، ناهية عن المعاصي، فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات، عاكفين عليها، مُعْرِضين عن أصناف المعاصي، عازفين عنها، فتُفتح لهم أبواب الجِنَانِ، وتُغلق عليهم أبواب النيران، ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان، وهذه وإن كانت مخصوصة بالصائمين -لهذا الشهر- فلا يبعد في أن تشمل بركتهم مَن عَدَاهم، ويحيط بمن وراءهم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة(1/ 488).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
فأمَّا كون الشياطين تُسَلْسَل: فهذا الحديث يقتضي ألَّا يبقى شيطان إلا سُلْسِلَ، وإنَّما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا ليُعَلِّمنا أنَّ في غير رمضان قد كان للعصاة كالعذر؛ يكون إبليس مطلقًا يغوي ويوسوس ويسوِّل هو وجنوده؛ لأنَّ الله تعالى خلقه مصدرًا للمَذَامِّ، وعُذرًا في الجملة لأولاد آدم، فإذا سُلْسِلَ في شهر رمضان انقطع عذر مَن يحتج بإبليس وتسويله، وقيل له: إنَّ المعصية منك وَحْدَكَ الآن؛ فاستُفيد من هذا القول: شدَّة التحذير من المعاصي في رمضان. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 265).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ولنا أنَّ نَحْمِلَ ذلك على ظاهره، كما نحمل قوله سبحانه: {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} ص: 38، على الظاهر.
فإن قال قائل: فما أمارة ذلك ونحن نرى الفاسق في رمضان قَلَّمَا يرعوي عن فسقه، وإن ترك بابًا منه أتى بابًا آخر، حتى إن من هذه الزُّمرة مَن يتولى قتل النفس، وقطع الطريق، وغير ذلك من المناكير والعظائم؟
قلنا: أمارة ذلك: تَنَزُّه أكثر المنهمكين في الطغيان عن المعاصي، ورجوعهم إلى الله بالتوبة، وإكبابهم على إقام الصلاة بعد التهاون بها، وإقبالهم على تلاوة كتاب الله واستماع الذكر بعد الإعراض عنهما، وتركهم ارتكاب المحظورات بعد حرصهم عليها.
أما ما يُوجد من خلاف ذلك في بعضهم، ويُؤْنَس عنهم من الأباطيل والأضاليل، فإنها تأثيرات من تسويلات الشياطين، أعرقت في عِرْقِ تلك النفوس الشريرة، وباضت في رؤوسها، وقد أشار بعض العلماء فيه إلى قريب من المعنى الذي ذكرنا...
ورد في بعض طرق هذا الحديث: «وسلسلت مردة الشياطين»، ويصح أن يُستثنى منهم في التصفيد صاحب دعوتهم، وزعيم زُمْرتهم؛ لمكان الإنظار الذي سأله من الله فأُجيب إليه، فيقع ما يقع من المعاصي بتسويله وإغرائه. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 456/ 457).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وتأول العلماء في قوله: «وسُلْسِلَتِ الشَّياطِين» معنيين:
أحدهما: أنهم يُسَلْسَلُون على الحقيقة، فيقِلُّ أذاهم ووسوستهم، ولا يكون ذلك منهم كما هو في غير رمضان، وفتح أبواب الجنة على ظاهر الحديث.
الثاني: المجاز، يعني: أنَّ الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب عن المعاصي، والميل إلى وسوسة الشياطين وغرورهم، ذكره الداودي والمهلب، واحتج المهلب لقول مَن جَعَل المعنى على الحقيقة، فقال: ويَدُلُّ على ذلك ما يُذكر من تغليل الشياطين ومردتهم بدخول أهل المعاصي كلها في رمضان في طاعة الله، والتعفف عما كانوا عليه من الشهوات، وذلك دليل بيِّنٌ. شرح صحيح البخاري (4/ 19/20).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
والمعنى فيه -والله أعلم: أنَّ الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي، ولا يخلص إليهم فيه الشياطين، كما كانوا يخلصون إليهم في سائر السَّنَةِ. الاستذكار (10/ 252).
وقال السندي -رحمه الله-:
وقوله: «وسُلْسِلَتِ الشَّياطِين» أي: غُلِّلَت، ولا ينافيه وقوع المعاصي؛ إذ يكفي في وجود المعاصي شرارة النفس وخباثتها، ولا يلزم أن يكون كل معصية بواسطة شيطان، وإلَّا لكان لِكُلِّ شيطانٍ شيطانٌ ويتسلسل، وأيضًا معلوم أنَّهُ ما سبق إبليسَ شيطانٌ، فمعصيته ما كانت إلا مِنْ قِبَلِ نفسه، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على صحيح البخاري (1/ 252).
وقال ابن عاشور -رحمه الله-:
وأما قوله: «وسُلْسِلَتِ الشَّياطِين» فهو منع مخصوص من بعض الوساوس الشيطانية، فالكلام تمثيل لحال الشياطين في غَلِّ أيديها عن كثير من أعمالها بحال المصفود في سلسلة، فإنَّه لا تنقطع حركته تمامًا، وإنما يذهب نشاطه ومقدرته، فالتمثيل فيه عكس التمثيل في قوله تعالى: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} البقرة: 275.
وإن شئت فاجعل جميع ما في الحديث تمثيلًا مَكْنيًا ينحل إلى ثلاث تمثيلات مَكْنِية، وذلك بأنْ شبَّهَ شأن إكرام الله تعالى الصالحين، وقبوله أعمالهم بحال الكريم إذا ورد عليه الضيوف أن يفتح أبواب منزله، ويغلق أبواب مواقع الأذى والضرر، مثل الرابط، ويُسَلْسِل كلبَه أن ينالهم بِنَبْحِهِ، كما قال النابغة في تمثيل لسانه:
سأكْعَمُ كَلْبي أنْ يَريبك نبْحهُ *** وَلَوْ كُنْتُ أرْعَى مُسْحلان فحامرا.
وقد رمز إلى الهيئة المشبه بها بذكر فتح وغلق الأبواب والسلاسل، وهذا التشبيه المركَّب صالح لمقابلة كل جزء من الهيئة المشبهة بجزء من الهيئة المشبه بها، فالسماوات مشبهة بمنزل الكريم، والشياطين مشبهة بالكلاب، وهذا أحسن التمثيل، وهو الذي يصح معه تشبيهُ أجزاء المركَّب بأجزاء المركب الآخر، كقوله بشار:
كأن مُثار النَّقْع فوق رؤوسنا***وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه. النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح (ص: 55).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وعلى القول بحقيقة التعبير، وأنَّ هناك تصفيدًا فعليًّا لشياطين حقيقيين، ففائدة هذا التصفيد قيل: منعهم من أذى المسلمين، وإضعاف إغوائهم على المعاصي، وقيل: رفع عذر المكلف، كأنه يقال له: قد كَفَفْتُ الشياطين عنك، فلا تعتل بهم في ترك الطاعة، ولا في فعل المعصية، ويمكن جعل القول الأول فائدةَ التصفيد، والقول الثاني فائدة إخبار الصادق -صلى الله عليه وسلم- بالتصفيد...
أمَّا على القول بأنَّ التعبير مراد به الكناية فقيل: إنَّ اشتغال المسلمين بالصوم فيه كَفٌّ وقمع للشهوات، واشتغالهم بالمحافظة على آداب الصوم من ترك قول الزور، والعمل به، واشتغالهم بالذكر وقراءة القرآن، بالإضافة إلى تغمُّد المسلمين بفضل الله ورحمته وعفوه، كل ذلك يجعل الشياطين كأنهم عاجزون مكتوفو اليدين، فتصفيد الشياطين كناية عن عجزهم عن تحقيق أهدافهم من غواية الصائمين، وإيقاعهم في الشرور والمعاصي. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (4/ 488).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فإن قال مُسْتَريبٌ: إنَّا نرى المعاصي في رمضان كما هي في غيره، فما أفاد تصفيد الشياطين؟ وما معنى هذا الخبر؟
قلنا له: كذبْتَ أو جَهِلْتَ، ليس يخفى أن المعاصي في رمضان أقل منها في غيرها، ومَن زعم أن رمضان في الاسترسال على المعاصي وغيره سواء، فلا تكلِّموه، فقد سقطت مخاطبته، بل تَقِلُّ المعاصي، وبقي منها ما بقي؛ وذلك لثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون المعنى «صفدت» سلسلت المردة، وبقي من ليس بمارد، ولا عفريت، ويدل عليه الحديث الآخر الذي رواه أبو عيسى وغيره.
ثانيها: أن يكون المعنى أنَّها بعد تصفيدها كلها وسَلْسَلَتِهَا تَحْمِلُ على المعاصي بالوسوسة، فإنَّه ليس من شرط الوسوسة التي يجدها المرء في نفسه من الشيطان الاتصال، بل هي مع العبد صحيحة، فإنَّ الله هو الذي يخلقها في قلب العبد عند تكلم الشيطان بها، كما يخلق في قلب المسحور عند تكلم الساحر، وعند تكلم العائن في جسم المعين.
ثالثها: أن المعاصي ربما زالت بوسواس الشيطان، وبقية المعاصي أن تكون مِن قِبَلِ شهوات الإنسان وأعراضه الفاسدة. عارضة الأحوذي (3/ 198/199).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فإن قيل: فكيف نرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا؛ فلو كانت الشياطين مُصَفَّدةً لما وقع شر؟
فالجواب من أوجه:
أحدها: إنما تغلُّ عن الصائمين الصوم الذي حُوفِظَ على شروطه، ورُوعِيَت آدابه، أمَّا ما لم يُحافَظ عليه فلا يُغَلُّ عن فاعله الشيطان.
والثاني: أنا لو سلَّمنا أنها صُفدت عن كل صائم، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين ألَّا يقع شر؛ لأن لوقوع الشر أسبابًا أُخر غير الشياطين، وهي: النفوس الخبيثة، والعادات الركيكة، والشياطين الإنسية.
والثالث: أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين، والمردة منهم، وأمَّا من ليس من المردة فقد لا يُصَفَّد، والمقصود: تقليل الشرور، وهذا موجود في شهر رمضان؛ لأن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور. المفهم (3/ 136/137).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ولا ينافيه وقوع الشرور فيه؛ لأنها إنما تُغَل عن الصائم حقيقة بشروطه، أو عن كُل صائم، والشّر من جهات أخر، كالنفس الخبيثة، أو المقيد هو المتمرد منهم، فيقع الشر من غيره. فيض القدير (4/ 39).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي:
أولًا: فضل شهر رمضان؛ حيث تُفْتَح فيه أبواب السماء، وأبواب الجنَّة، كما في رواية أخرى في البخاري، وتُغْلَق أبواب النار.
وفيه: بشارة عظيمة لمن مات فيه قائمًا بحقوقه، والواجبات التي عليه.
وأنه تُربط فيه الشياطين عن الناس، وتمنع عن الوسوسة لهم، ولا يقال: كيف تُربط ونحن نرى الناس يذنبون في رمضان؟
فالجواب: أن هذا لا يتعارض مع الحديث؛ فإنَّ الإنسان تُوَسْوِسُ له نفسه أيضًا، فالمعاصي التي يرتكبها في رمضان نتيجة لغرائزه وشهواته النفسية. منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (3/ 205/ 206).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن رمضان تُفتح فيه أبواب الجنة والرّحمة، وتُغْلق أبواب جهنم؛ وذلك أن شُرب الخمور، وضرب الزُّمور، والتظاهر بالمنكرات التي يَكُف الناس عنها في شهر رمضان هي أبواب يدخل منها إلى النار، والصيام والقيام والقراءة وفنون التّعبد التي تكون في رمضان، أبواب يدخل منها إلى الجنة، فهي التي تُفتح وتُغلق في رمضان. الإفصاح عن معاني الصحاح (6/ 264).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)