الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَطْرُقُ أهلَهُ ليلًا، وكان يأتيهم غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً».


رواه البخاري برقم: (1800)، ومسلم برقم: (1928) واللفظ له، من حديث أنس -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لا يَطْرُقُ»:
بضم الراء: من الطرق، وهو الإتيان ليلًا. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، للبرماوي (6/ 248).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
وقيل: أصْلُ الطُّروقِ من الطَّرْق، وَهُوَ الدّقُّ؛ وسُمِّي الْآتِي باللّيل طارِقًا لحاجَتِه إلى دَقِّ البابِ. تاج العروس (26/ 65).
وقال ابن درستويه -رحمه الله-:
وقال بعضهم: قد يكون الطروق بالنهار أيضًا، وهو: المجيء بغتة على غفلة، أي وقت كان، واحتج بدعاء يروى عن النبي -صلى الله عليه-: «وأعوذ بك من طوارق الليل والنهار، إلا طارقًا يطرقُ بخير». تصحيح الفصيح وشرحه (ص: 343).

«غُدْوَةً»:
الغدوة من الغدو: وهو من أول النهار إلى انتصافه. كشف المشكل، لابن الجوزي (2/ 93).

«عَشِيَّةً»:
بعد ‌العصر إلى الليل. كتاب الألفاظ، لابن السكيت (ص:310).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يَطْرُقُ أهله ليلًا»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
«لا يطرق» -بضم الراء-: من الطروق وهو الإتيان بالليل. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/ 18).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
لا يأتيهم ليلًا إذا رجع من سفره. مصابيح الجامع (4/ 232).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«لا يطرق» أي: لا يجيء ليلًا، بل بالنهار في أوله وفي آخره قبل الغروب، وإنما يدخل نهارًا؛ كي يبلغ خبر مجيئه إلى الزوجات؛ ليجعلن على أنفسهن نظافة، كي لا تنفر طباع أزواجهن منهن بترك التنظيف. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 381).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«لا ‌يطرق ‌أهله ‌ليلًا» أي: لا يُقْدِمُ عليهم من سفر ولا غيره في الليل على غفلة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 265).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«كان لا يطرق أهله ليلًا» بل كان يبيت ويصلي الفجر بالْمُعَرَّس (المكان الذي ينزل فيه المسافر آخر الليل)، وبعد ذلك يدخل إلى المدينة -صلى الله عليه وسلم-. شرح سنن أبي داود (234/ 28).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
الطرق لا يكون إلا ليلًا، وإنما قيده بذلك لدفع توَهُّم التجَوُّز. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (8/ 540).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
كراهية أن يهجم منها على ما يقبح عنده اطلاعه عليه، فيكون سببًا إلى شنآنها وبغضها، فنبههم -عليه السلام- على ما تدوم به الألفة بينهم، ويتأكد به المحبة، فينبغي لمن أراد الأخذ بأدب نبيه أن يتجنب مباشرة أهله في حال البذاذة وغير النظافة، وألا يتعرض لرؤية عورة يكرهها منها. شرح صحيح البخاري (4/ 452).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
والعلة في ذلك: أنه ربما يجد أهله على غير أُهْبَةٍ من التنظيف والتزيُّن المطلوب من المرأة؛ فيكون ذلك سببًا للنفرة بينهما، أو يجدها على غير حالة مرضية، والستر مطلوب بالشرع. إرشاد الساري (8/ 121).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
لئلا يجد منها ريحًا أو حالة يكرهها، فيكون ذلك سببًا إلى بغضها، وهذا من حسن أدبه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (24/ 214).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
لئلا يطلع منها على ما يكون سببًا لنفرته منها، وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع مُحَرِّض على الستر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «أن يتخونهم ويتطلب عثراتهم»؛ فعلى هذا: من أعلم أهله بوصوله، وأنه يقدم في وقت كذا مثلًا لا يتناوله هذا النهي. فتح الباري (9/ 340).
وقال محمد أنور شاه الكشميري -رحمه الله-:
واعلم أنَّ الشَّرع كما يكره الدّياثةَ، كذلك يكره التَّجَسُّس أيضًا، فللنهي عن التطرُّق مَحلّ، وكذا للنهي عن الدّياثةِ أيضًا مَحَلٌّ آخَر. فيض الباري شرح البخاري (7/ 37).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أن الكامل في أحواله يحترز من النقائص؛ ليكون ذلك مما يقتدى به فيه، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على طهارة أهله ونفسه وأمانة أزواجه، كان لا يطرقهن ليلًا؛ حتى يقتدي به غيره، فلا يطرق أحد أهله ليلًا فجأة؛ من أجل أنه ربما يكون من ذلك ما يكره.
وأيضًا فإن المرأة إذا كان زوجها مسافرًا قد لا تهتم بنفسها كما يكون حاضرًا من الطيب وغسل الثوب وغير ذلك؛ فلو قد أتى الإنسان أهله وهي على ذلك الشعث والتفل (أي: سوء الرائحة وقذر الجلد) لم يكن بعيدًا من أن يبقى في نفسه مرارة ذلك الاجتماع دهرًا، فإذا شعرن بقدوم بعولتهن افتقدن أنفسهن، وغسلن أثوابهن، وتطيبن، وكان اجتماع بعولتهن بهن أدعى للألفة وأَعْمَرَ لمواطن المحبة. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 95، 96).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفي هذا من التنبيه على رعاية المصالح الجزئية في الأهل، والإرشاد إلى مكارم الأخلاق، وتحسين المعاشرة ما لا يخفى؛ وذلك: أن المرأة تكون في حالة غيبة زوجها على حالة بذاذة، وقلة مبالاة بنفسها، وشعث، فلو قدم الزوج عليها وهي في تلك الحال ربما نفر منها، وزهد فيها، وهانت عليه؛ فنبه على ما يزيل ذلك. المفهم (4/ 219، 220).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن أبي جمرة: فيه ‌النهي ‌عن ‌طروق ‌المسافر أهله على غرة من غير تقدم إعلام منه لهم بقدومه. فتح الباري (9/ 340).
وقال النووي -رحمه الله-:
فأما من كان سفره قريبًا تتوقع امرأته إتيانه ليلًا فلا بأس، كما قال في إحدى هذه الروايات: «إذا أطال الرجل الغيبة». شرح مسلم (13/ 71).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
أما إذا كانت الغيبة قصيرة، وهم يعلمون وقت رجوعه؛ فقد زال المحظور، وكذلك إذا أعلمها بالهاتف عن موعد وصوله. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (5/ 417).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيكره قدوم الليل على الأهل، ظاهره: ولو قَدِم إليهم الخبر بقدومه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 502).
وقال النووي -رحمه الله-:
وإذا كان في قَفْلٍ عظيم أو عسكر ونحوهم، واشتهر قدومهم ووصولهم، وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم، وأنهم الآن داخلون، فلا بأس بقدومه متى شاء؛ لزوال المعنى الذي نهي بسببه، فإن المراد: أن يتأهَّبوا، وقد حصل ذلك، ولم يقدم بغتة، ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الآخر: «أمهلوا حتى ندخل ليلًا -أي: عشاء-؛ كي تمتشط الشَّعِثَة، وتَسْتَحِدَّ المغيبة»؛ فهذا صريح فيما قلناه، وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول في أوائل النهار بغتة، فأمرهم بالصبر إلى آخر النهار؛ ليبلغ قدومهم إلى المدينة، وتتأهب النساء وغيرهن -والله أعلم-. شرح مسلم (13/ 71-72).

قوله: «وكان يأتيهم غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
الغدوة: من الصباح إلى الزوال، والعشية: من الزوال إلى الغروب. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (4/ 185).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إلا غدوة أو عشية» لم يرد بالعشية الليل، كقوله: «لا يطرق أهله ليلًا»، وإنما المراد: بعد العصر. الكاشف عن حقائق السنن (8/ 2683).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
أي: أول النهار، أو آخره أوائل الليل، والعشي والعشية من الزوال إلى المغرب، أو من صلاة المغرب إلى العتمة. فتح المنعم شرح صحيح مسلم(7/ 601).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
غدوة أو عشية، يعني: في أول النهار، أو في آخره. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (5/ 417).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«عشية» قيل: هي من صلاةِ المغربِ إلى العتمة، وقيل: من الزوالِ إلى الغروبِ، وهو المرادُ هنا للنهي عن الدخول ليلًا. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (4/ 247).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«وكان يأتيهم غدوة وعشية» وكأنه ‌كان ‌أكثر ‌قدومه ‌في ‌أول ‌النهار؛ ليبدأ بالصلاة في المسجد، فكان يتأخر حتى يخرج وقت النهي -والله أعلم-. المفهم (2/ 355).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
ليبلغ خبر قدومه إلى الزوجات فيتهيأن له. شرح المصابيح (4/ 363).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
لكراهته لطروق أهله، -والله أعلم-. إرشاد الساري (3/ 279).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
والدخول بالعشي مباح، وإنما النهي عنه أن يطرق القادم أهله ليلًا. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (12/ 261).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
لا ينبغي له أن يفاجئها بوصوله، حتى ولو كان بالنهار؛ لنفس الحكمة التي أشار إليها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (7/ 49).


ابلاغ عن خطا