الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«احْلِفُوا بالله تعالى، وبَرُّوا واصْدُقُوا، فإنَّ اللهَ تعالى يُحبُّ أَنْ يُحلفَ بِهِ».


رواه أبو نعيم في حلية الأولياء(ص267)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (211)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1119).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«احلفوا»:
الحَلْفُ: هو اليمين، حَلف يحِلف حلْفًا، وأصلها: العقد بالعزم والنية. النهاية، لابن الأثير (1/ 425).
وحَلَفَ أي: أقسم. الصحاح، للجوهري (4/ 1346).

«وبُروا»:
البِرُّ: الصدق، يقال: بَرَّ في يمينه، وبَرَّت يمينُه. شمس العلوم، نشوان الحميري (1/ 404).
بَرَّ: الباء والراء في المضاعف أربعة أصول: الصدق... فقولهم: صدق فلان وَبَرَّ، وَبَرَّتْ يمينُه: صدقت، وَأَبَرَّهَا: أمضاها على الصدق. مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 177).

«واصدقوا»:
صدق: الصاد والدال والقاف: أصل يدل على قوة في الشيء؛ قولًا وغيره، من ذلك: الصدق: خلاف الكذب؛ سمي لقوته في نفسه؛ ولأنَّ الكذب لا قوة له، هو باطل. مقاييس اللغة، لابن فارس (3/ 339).


شرح الحديث


قوله: «احلفوا بالله تعالى»:
قال الصنعاني-رحمه الله-:
قوله: «احلفوا بالله تعالى»...والحلِف بالشيء تعظيم له؛ ولذا نُهي عن الحلف بغير الله تعالى. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 437).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «احلفوا» ندبًا إذا كان الداعي للحلف مصلحة، قوله: «بالله تعالى» أي: باسم من أسمائه أو صفة من صفاته؛ لأن الحلف به مما تُؤكَّد به العهود، وتُشَدُّ به المواثيق. فيض القدير (1/ 200).

قوله: «احلفوا بالله تعالى»:
قال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
لأنّ كُلَّ ما سِوى الله مخلوق، والحَلف إِنما هو بالخالق دون المخلوق.
وقد جاء أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» يعني: لا يحلف، وإن كان حالفًا فحلفه يجب أن يكون بالله -عزّ وجلّ-. شرح سنن أبي داود(ص59).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قال العلقمي: أرشد -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الحالف إذا كان غرضه لفعل طاعة كجهاد أو فعل خير، أو توكيد كلام، أو تعظيم، وهو جازم على فعل ذلك أنه لا حرج عليه في اليمين، بل هي طاعة، وحينئذ فلا ينافي ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} البقرة: 224. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/61).

قوله: «وبُروا واصدقوا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «وبُروا واصدقوا» والبر: خلاف الفجور، والمراد: الوفاء بما حلف به من فعل أو ترك، وهذا مُقَيَّد بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير». التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 437).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وبَرُّوا» بفتح الموحدة، «واصدقوا» في حلفكم. فيض القدير(1/ 200).
وقال ابن رجب –رحمه الله-:
وقد ورد التشديد العظيم في ‌الحَلِف الكاذب، ولا يصدر كثرة ‌الحَلِف بالله والحَلِف به ‌كاذبًا إلا من الجهل بالله وقِلّة هيبته في الصدور. نور الاقتباس (3/97).

قوله: «فإن الله تعالى يحب أَنْ يحلف به»:
قال الصنعاني-رحمه الله-:
«فإن الله تعالى يحب أَنْ يحلف به» لأنه تعظيم له، وأما قوله: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} البقرة: 224، فلا ينافيه؛ لأنه (أي: الله) نهى عن الحلف به ما أمر به أن يوصل، وجعل القسم معترضًا بين فعل الخير والوفاء به، أو نهى عن كثرة الحلف، أي: لا تجعلوا الله تعالى معرضًا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به؛ ولذلك ذم تعالى: {كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} القلم: 10. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 437).
قال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
يُحبُّ أن يُحلف به، وذلك لما يتضمن من تعظيم الله تعالى. سبل السلام (4/552).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وهذا الذي ذكر في كراهة الأَيْمان على الإطلاق، وردَ فيه حديثٌ يخالفُه، ذُكِرَ فيه: «فإنَّ الله يُحب أن يُحْلَف بِه» فإنْ صحَّ، أو كان بمثابةِ ما يَسْتَدِلُ به الفُقهاءُ، لَزِمَ القولُ بخلافه؛ إمَّا في نَفْس الأمر، أو إلْزَامًا لَهُمْ. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (2/ 121).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ الله تعالى» أكد بـ(إنَّ) ووضع الظاهر موضع المضمر؛ تفخيمًا ودفعًا لتَوَهُّمِ المنع، «يحب أَنْ يحلف به» أي: يرضاه إذا كان غرض الحالف طاعة: كفعل جهاد أو وعظ أو زجر عن إثم أو حث على خير، وقد حكى الله تعالى عن يعقوب -عليه الصلاة والسلام- أنَّه طلب من بنيه الحلف حين التمسوا إرسال أخيهم معهم، فهو إذن منه في ذلك، ولا يأذن إلا فيما هو محبوب مطلوب، ولا يناقضه قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} البقرة: 224، فإن معناه: لا تكثروا منها، أو يحمل الحديث على ما إذا كانت في طاعة، أو دعت إليها حاجة، والآية على خلافه، وبذلك عُلِمَ أنه لا تدافع. فيض القدير (1/ 200).
وقال ابن تيمية –رحمه الله-:
فإن الكتاب والسنة وإجماع المسلمين: أثبتت ‌محبة ‌الله لعباده المؤمنين ومحبتهم له كقوله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} البقرة: 165، وقوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: 54.مجموع الفتاوى (2/354).
وقال ابن الوزير -رحمه الله-:
أهل السنة يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه من محبة الطاعات وأهلها، دون سائر الفرق؛ لما مر تقريره في الصفات. فقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} البقرة: 205، لا يلائم مذهب المعتزلة، إن مفهومه أن صفة المحبة جائزة على الله تعالى، وإنما لم يعلق بالفساد لقبحه، ومفهومه أنه تعالى يحب الصلاح والصالحين كما صرح به القرآن، لكن المعتزلة لا تجيز صفة المحبة على الله تعالى، ويقولون: إنها صفة نقص، وإنه يجب تأويلها بالإرادة، وكذلك قوله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} الزمر: 7، متى كان الرضا بمعنى المحبة، وأما قوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} الإسراء: 38؛ فإن المعتزلة وافقت أهل السنة على تقرير الكراهة على ظاهرها، وهذا يلزمهم الموافقة على تقرير المحبة من غير تأويل، وهم ظنوا أن المحبة تستلزم الشهوة، وأن الكراهة لا تستلزم النفرة، وهذا كله تحكم؛ فإنهم إن رجعوا إلى قياس الخالق على المخلوقين، لزمهم منع الكراهة؛ لأنها في المخلوقين تستلزم النفرة. العواصم والقواصم (5/ 401-402).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المحبة صفة من صفات الله حقيقة، فهو عز وجل يحب حقيقة، وليست محبته بمعنى الثواب أو الجزاء، كما قاله بعض أهل التحريف الذين ينكرون من الصفات ما ينكرون ومنها المحبة. تفسير العثيمين: آل عمران (2/ 269-270)
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:‌
أجمع ‌السلف ‌وأئمة ‌الخلف ‌ومن ‌سلك ‌سبيلهم على أن الله تعالى موصوف بالمحبة على الوجه اللائق به، وأنه يُحِب ويُحَب، وهذا ظاهر في القرآن والسنة قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: 54، ففيه إثبات المحبة من الجانبين أن الله يحِب ويحَب -سبحانه وتعالى- وهي محبة حقيقة كسائر صفاته، ولا يجوز لنا أن نؤولها تأويل تحريف بأن نخرجها عن معناها الذي أراد الله بها؛ فإن هذا من القول على الله بلا علم، ومن الجناية على كلامه، ومن تحريف الكلم عن مواضعه، وهو من دأب اليهود والنصارى الذين حرفوا كلام الله وأخرجوه عن ظاهره.
وقد ذهب بعض أهل التحريف إلى تحريف المحبة بمعنى: الإثابة، وقالوا: يحبهم يعني: يثيبهم، ومعنى: يحبونه أي: يفعلون ما يقتضي الثواب، فلا يثبتون أن الله يحِب ولا أنه يحَب. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 488).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وخرج بالحلف بالله تعالى الحلف بغيره فهو مذموم؛ كما جاء مصرحًا به في أخبار أخر. فيض القدير (1/ 200).
وقال النووي -رحمه الله-:
جواز الحلف بغير تحليف، بل هو مستحب، إذا كان فيه مصلحة، كتوكيد أمر، وتحقيقه، ونفي المجاز عنه، وقد كثرت الأحاديث الصحيحة في حلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا النوع لهذا المعنى. شرح النووي على مسلم (7/ 74).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية، نُسيت لها الجاهلية الأولى؛ وذلك أنَّ الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شيء لم يُقبل منه، ولم يعتدَّ بها، حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف. الكشاف (3/ 318).
وقال المناوي -رحمه الله- مُعلقًا:
وأقول: قد استحدث الناس في هذا الباب الآن في إسلامهم جاهلية، وهو أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها لم يقبل منه حتى يقول: وسر الشيخ فلان؛ وذلك عندهم جهد اليمين. فيض القدير (1/ 200).


ابلاغ عن خطا