«إذا أَذَّنْتَ المغربَ فَاحْدُرْهَا مع الشمسِ حَدْرًا».
رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم: (6744) من حديث أبي مَحْذُورَةَ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (298)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2245).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«فَاحْدُرْهَا»:
أي: أسرع، حَدَرَ في قراءته وأذانه يَحْدُرُ حَدْرًا، وهو من الحُدُور: ضد الصعود. النهاية، لابن الأثير (1/ 353).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
حَدَر الرجل الأذان والإقامة والقراءة وحَدَرَ فيها كلها حدرًا من باب قتل، أي: أسرع. المصباح المنير (2/ 308).
شرح الحديث
قوله: «إذا أَذَّنْتَ المغربَ فَاحْدُرْهَا مع الشمسِ حَدْرًا»:
قال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
قوله: «فاحدرها» أي: صلاة المغرب. السلسلة الصحيحة (5/ 300).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله- أيضًا:
وهذه من السنن المتروكة في بلاد الشام، ومنها عمّان؛ فإن داري في جبل هملان من جبالها، أرى بعيني طلوع الشمس وغروبها، وأسمعهم يؤذنون للمغرب بعد غروب الشمس بنحو عشر دقائق، علمًا بأن الشمس تغرب عمّن كان في وسط عمَّان ووديانها قبل أن تغرب عَنّا.
وعلى العكس من ذلك فإنهم يؤذنون لصلاة الفجر قبل دخول وقتها بنحو نصف ساعة -فإنا لله وإنا إليه راجعون-. سلسلة الأحاديث الصحيحة(5/ 301).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
مجرد غيبوبة القرص يدخل به وقت صلاة المغرب، كما يفطر الصائم بذلك، وهذا إجماع من أهل العلم، حكاه ابن المنذر وغيره.
قال أصحابنا والشافعية وغيرهم: ولا عبرة ببقاء الحمرة الشديدة في السماء بعد سقوط قرص الشمس وغيبوبته عن الأبصار.
ومنهم من حكى رواية عن أحمد باعتبار غيبوبة هذه الحمرة، وبه قال الماوردي من الشافعية، ولا يصح ذلك.
وأمّا إن بقي شيء من شعاعها على الجدران أو تلك الجبال فلا بد من ذهابه. فتح الباري (4/ 352).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
وهل يستحب أن يفصل بين أذان المغرب وإقامتها بجلسة خفيفة؟ فيه قولان:
أحدهما: يستحب، وهو قول النخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: يفصل بينهما بسكتة بقدر ثلاث آيات قائمًا؛ لأن مبناها على التعجيل، والقائم أقرب إليه، فإن وصل الإقامة بالأذان كُرِهَ عنده.
والقول الثاني: لا يستحب الفصل بجلوس ولا غيره؛ لأن وقتها مُضَيَّقٌ، وهو قول مالك.
وقال أحمد: الفصل بينهما بقدر ركعتين كما كانوا يصلون الركعتين في عهد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بين الأذان والإقامة للمغرب.
وعند الشافعي وأصحابه: يفصل بينهما فصلًا يسيرًا بقعدة أو سكوت ونحوهما. فتح الباري (4/ 356).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم من التابعين، اختاروا تعجيل صلاة المغرب، وكرهوا تأخيرها، حتى قال بعض أهل العلم: ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد، وذهبوا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث صلى به جبريل، وهو قول ابن المبارك والشافعي. سنن الترمذي (1/ 305).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العِلم على أنَّ تعجيلَ صلاة المغرب أفضلُ من تأخيرها. الأوسط (2/ 356).
وقال ابن عبد البَرِّ -رحمه الله-:
وقد أجمَعَ المسلمون على تفضيلِ تعجيل المغرِب. التمهيد (3/ 426).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
اتَّفقتِ الأمَّة فيها -أي: صلاة المغرب- على تعجيلِها والمبادرةِ إليها في حينِ غُروبِ الشَّمسِ؛ قال ابن خويز منداد: ولا نعلم أحدًا من المسلمينَ تأخَّر بإقامةِ المغرب في مسجدِ جماعةٍ عن وقتِ غروبِ الشَّمس. تفسير القرطبي (10/ 305).
وقال النووي -رحمه الله-:
المغرب تعجل عقب غروب الشمس، وهذا مجمع عليه، وقد حُكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه، ولا أصل له. شرح مسلم (5/ 136).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
لا خلاف بين العلماء في استحباب تعجيل صلاة المغرب بحيث تقع عقيب غروب الشمس، وتواري جميع جسمها في الأفق؛ وذلك حيث لا غيم يُعمّي على المرء غروبها، وبالأحرى يسن التعجيل بصلاة المغرب بمجرد تيقُّن غياب قرص الشمس جميعه، وهو الوقت الذي يباح فيه الفطر للصائم، ولا يقال: إن الصائم يسن له التعجيل بالفطر، فيتعارض مع استحباب التعجيل بصلاة المغرب؛ لأنا نقول: إن بالإمكان الجمع بين التعجيلين، فيأخذ عجالة من فطره، ثم يصلي، ثم يعود لفطوره؛ وبذلك يأتي بالسنة في كل منهما -والله أعلم-. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/ 345).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قيل: ما تقولُ في الأحاديث التي وردت في تأخير المغرب إلى قريب سقوط الشفق؟ قلتُ: تلك لبيان جواز التأخير، وهذه لبيان الأوقات التي كان -عليه السلام- يُواظب عليها لأجل فضيلتها إلا لعُذرٍ، فافهم. شرح أبي داود (2/ 282-283).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
حدثنا فهد قال: حدثنا عمرو بن حفص، قال: ثنا أبي عن الأعمش قال: حدثنا إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: صلى عبد الله (ابن مسعود) بأصحابه صلاة المغرب، فقام أصحابه يتراءون الشمس، فقال: ما تنظرون؟ قالوا: ننظر أغابت الشمس؟ فقال عبد الله: هذا -والله الذي لا إله إلا هو- وقت هذه الصلاة، ثم قرأ عبد الله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} الإسراء: 78، وأشار بيده إلى المغرب، فقال: هذا غسق الليل، وأشار بيده إلى المطلع، فقال: هذا دلوك الشمس، قيل: حدثكم عمارة أيضًا؟ قال: نعم... قال عبد الرحمن بن يزيد: صلى ابن مسعود بأصحابه المغرب حين غربت الشمس، ثم قال: هذا -والذي لا إله إلا هو- وقت هذه الصلاة...، عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود: أنه قال حين غربت الشمس: والذي لا إله إلا هو إن هذه الساعة لميقات هذه الصلاة، ثم قرأ عبد الله تصديق ذلك من كتاب الله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} الإسراء: 78، قال: ودلوكها حين تغيب، وغسق الليل حين يظلم، فالصلاة بينهما...
عن عبد الرحمن بن لبيبة قال: قال لي أبو هريرة -رضي الله عنه-: متى غسق الليل؟ قلتُ: إذا غربت الشمس، قال: فاحدر المغرب في إثرها، ثم احدرها في إثرها...
فهؤلاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا في أن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وهذا هو النظر أيضًا؛ لأنا قد رأينا دخول النهار وقتًا لصلاة الصبح، فكذلك دخول الليل وقت لصلاة المغرب، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله-، وأبي يوسف، ومحمد -رحمهما الله- وعامة الفقهاء. معاني الآثار (1/ 314-316).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما آخر وقت المغرب نص الشافعي -رحمه الله- في كتبه المشهورة الجديدة والقديمة: أنه ليس لها إلا وقت واحد، وهو أول الوقت، ونقل أبو ثور عن الشافعي: أن لها وقتين، الثاني منهما: ينتهي إلى مغيب الشفق، هكذا نقله عنه القاضي أبو الطيب وغيره، قال القاضي: والذي نص عليه الشافعي في كتبه: أنه ليس لها إلا وقت واحد، وهو أول الوقت، وقال صاحب الحاوي: حكى أبو ثور عن الشافعي في القديم: أن لها وقتين يمتد ثانيهما إلى مغيب الشفق، وقال: فمن أصحابنا من جعله قولًا ثانيًا، قال: وأنكره جمهورهم؛ لأن الزعفراني وهو أثبت أصحاب القديم حكى عن الشافعي: أن للمغرب وقتًا واحدًا، واختلف أصحابنا المصنفون في المسألة على طريقين: أحدهما: القطع بأن لها وقتًا فقط، وبهذا قطع المصنف هنا والمحاملي وآخرون من العراقيين، ونقله صاحب الحاوي عن الجمهور -كما سبق-، والطريق الثاني: على قولين: أحدهما: هذا، والثاني: يمتد إلى مغيب الشفق، وله أن يبدأ بالصلاة في كل وقت من هذا الزمان، وبهذا الطريق قطع المصنف في التنبيه، وجماعات من العراقيين وجماهير الخراسانيين، وهو الصحيح؛ لأن أبا ثور ثقة إمام، ونقل الثقة مقبول ولا يضره كون غيره لم ينقله، ولا كونه لم يوجد في كتب الشافعي، وهذا مما لا شك فيه، فعلى هذا الطريق: اختُلِف في أصح القولين، فصحح جمهور الأصحاب القول الجديد، وهو أنه ليس لها إلا وقت واحد، وصحح جماعة القديم، وهو أن لها وقتين، ممن صححه من أصحابنا: أبو بكر ابن خزيمة، وأبو سليمان الخطابي، وأبو بكر البيهقي والغزالي في إحياء علوم الدين، وفي درسه، والبغوي في التهذيب، ونقله الروياني في الحلية عن أبي ثور والمزني وابن المنذر وأبي عبد الله الزبيري، قال: وهو المختار، وصححه أيضًا العجلي والشيخ أبو عمرو ابن الصلاح، قلتُ: هذا القول هو الصحيح لأحاديث صحيحة. المجموع شرح المهذب (3/ 29-30).