الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا تَنَخَّمَ أحدُكُم في المسجدِ، ‌فَلْيُغَيِّبْ ‌نُخَامَتَهُ؛ أنْ تصيبَ جلدَ مؤمنٍ أو ثوبَهُ فتُؤذِيَهُ».


رواه أحمد برقم: (1543)، وابن خزيمة برقم: (1311)، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (439)، سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: (1265).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«تَنَخَّمَ»:
نَخِم الرجلُ نَخَمًا ونَخْمًا، وتَنَخَّم: دَفع بِشَيْء من صَدره أَو أَنفه، واسم ذلك الشيء: النُّخَامة. ‌المحكم والمحيط الأعظم، لابن سيدة (5/ 224).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
أي: أراد إلقاء النُّخَامَة من فمِه. بذل المجهود في حل سنن أبي داود، (3/ 205).

«فَلْيُغَيِّبْ»:
أي: يواريها في التراب، أي: غير تراب المسجد، أو يبصق في طرف ثوبه أو ردائه، ثم يحك بعضه ببعض ليَضْمَحِلَّ. فيض القدير، للمناوي (1/ 320).

«نُخَامَتَهُ»:
هو ما يطرحه الْفَم من الصَّدر والرَّأْس من رُطُوبَة لَزِجَة. مشارق الأنوار، للقاضي عياض (2/ 6).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
النُّخَامَة: البَزْقَة التي تخرج من أقصى الحَلق. النهاية (5/ 34).


شرح الحديث


قوله: «إذا تَنَخَّمَ أحدكم في المسجد»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا تنخَّم» بالتشديد «أحدكم» أي: رمى النخامة، وهي: البصاق الغليظ، والمراد هنا: مطلق البصاق. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 86).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«إذا تنخم» أي: دفع النخامة من صدره أو رأسه، والنخامة: البصاق الغليظ. فيض القدير (1/ 320).

قوله: «‌فَلْيُغَيِّبْ ‌نُخَامَتَهُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
بأن يواريها في التراب، أي: غير تراب المسجد، أو يبصق في طرف ثوبه أو ردائه ثم يحك بعضه ببعض ليَضْمَحِلَّ، ومثل النخامة: البُصاق، وكل ما نزل من الرأس أو صعد من الصدر.
قال: «يُغَيِّب» دون يُغطي؛ إشارة إلى عدم حصول المقصود بالتغطية؛ إذ قد يزلق بها أحدٌ، أو يقعد عليها؛ وذلك مطلوب في غير المسجد أيضًا، وإنما خصَّه؛ لأن البصاق في أرضه أو جزء من أجزائه حرام، ومواراته في غير ترابه أو إخراجه واجب، وتركه حرام، وأما مواراته في غير المسجد فمندوب. فيض القدير (1/ 320).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «‌فَلْيُغَيِّبْ ‌نُخَامَتَهُ» بدفنها أو حكِّها في ثوبه أو نعله، وبالجملة لا يبقي لها أثر يُرى. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 5).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«‌فَلْيُغَيِّبْ ‌نُخَامَتَهُ» قال العلقمي: ظاهره في أرض المسجد ‌إذا ‌وقعت ‌فيه، ‌ومحله ما إذا كانت ترابية أو رمْلِيَّة، مثل مسجده -صلى الله عليه وسلم-. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 105).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
هذا مما يدل على أن قرار المسجد (القَرارُ: المستقرُّ من الأرضِ، وقرار المسجد: أرضيته) وباطنه يجوز أن يُجْعَلَ ‌مدفنًا ‌للأقذار ‌الطاهرة. فتح الباري (3/ 137).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
إن كان المسجد مفروشًا -كحال المساجد الآن- لم يَجُزْ البصق فيه بحال من الأحوال، لا سيما وقد تَيَسَّرَتْ -ولله الحمد- المناديل بأنواعها، وشاع استعمالها بين الناس. منحة العلام في شرح بلوغ المرام (2/ 493).

قوله: «أن تُصِيْبَ جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: لئلا يصيب «جلد مؤمن» أي: شيئًا من بدنه «أو ثوبه» يعني: ملبوسه ثوبًا أو ‌رِدَاءً أو عمامة أو غيرها، «فيؤذيه» أي: فيتأذى به بإصابتها له، ونحن مأمورون بكف الأذى عن خلق الله، فإن تحقق الأذى حَرُمَ، وخُصَّ المؤمن لأهمية كَفِّ الأذى عنه، وإلا فكف الأذى عن الذِّمِّيِّ واجب. فيض القدير (1/ 320).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أنْ تُصيب» أي: كراهة أنْ تُصيب، وفيه: دلالة على أنَّ المطلوب هو الاحتراز عن تأذِّي المؤمن، لا تعظيم المسجد، وإلا لم يغيب في المسجد، ولم يحسن تعليله بما ذُكر، -والله أعلم-. حاشية مسند أحمد (1/306).
وقال الصنعاني: -رحمه الله-:
«لا تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه» وهو منهيٌّ عن أذيته، وفيه: أن يتجنب كل ما يؤذي وإن لم يقصد أذاه، وفيه: جواز التنخُّم في المسجد؛ إلا أنه قد ثبت عند مسلم: «البصاق في المسجد خطيئة»، و... عند الشيخين: «البزاق خطيئة وكفارتها دفنها»، وعند مسلم: «رأيتُ أعمال أمتي فوجدتُ في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تُدْفَن»؛ فيكون حديث الكتاب أمرًا لفاعل هذه المعصية أن يغيبها، فلا يكون فيه دليل على الجواز، بل يكون كالإخبار بأن مَن أتى المعاصي فليستتر، والتعليل بأذية المؤمن لا ينافي كونها غير جائزة في المسجد؛ لجواز تعدد العلل للحكم الواحد، والاقتصار على بعضها في محل وعلى الآخر في غيره، وإلا فالمراد: لئلا يؤذي مؤمنًا، ولئلا يبقيها في المسجد. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 5).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فتؤذيه» أي: فيتأذَّى بإصابتها له؛ وذلك مطلوب في غير المسجد أيضًا، لكن البصاق في أرضه حرام، ومواراته أو إخراجه واجب، وفي غيره مندوب. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 172).
وقال العيني -رحمه الله-:
وروى أحمد أيضًا، والطبراني بإسناد حسنٍ من حديث أبي أُمامة مرفوعًا، قال: «من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة، وإن دفنه فحسنة». وفي حديث مسلم عن أبي ذر: «ووجدت في مساوئ أعمال أُمتي النخامة تكون في المسجد ولا تدفن». وقال القرطبي: فلم يثبت لها حكم السّيئة بمجرد إيقاعها في المسجد، بل به وبتركها غير مدفونة.عمدة القاري(4/١٥٤)
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الطبري: وفي هذا من الفقه: ترخيص الرسول في التفل في المسجد والتنخم فيه إذا دفنه، وأبان عن معنى كراهته لذلك إذا لم تدفن؛ وذلك أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه، وإذا كان ذلك كذلك: فَبَيَّنَ أن مُتَنَخِّمًا لو تنخَّم في المسجد في غير قبلته بحيث يأمن أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه، فلا حرج عليه فيه، واستحب له أن يدفنه، وإن كان بموضع يأمن أن يصيب به أحدًا؛ لقوله: «البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها» يَعُمُّ بذلك المسجد كُله، ولم يخصص منه موضعًا دون موضع. شرح صحيح البخاري (2/ 70).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال ابن العماد: ولا خلاف أن من بصق بالمسجد استهانة به كُفر. مرقاة المفاتيح(2/٥٩٩).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا