«كُلُّ ذُنوبٍ يُؤخرُ اللهُ منها ما شاءَ إلى يومِ القيامةِ، إلا البَغيَ وعُقُوقَ الوالدين، أو قطيعةَ الرَّحمِ، يُعَجِّلُ لصاحِبِهَا في الدنيا قبلَ الموتِ».
رواه البخاري في الأدب المفرد برقم: (591)، من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«البَغْيُ»:
التعدِّي، وبَغى الرجل على الرجل: استطال... وبَغى الوالي: ظلم، وكل مجاوزة في الحد وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء، فهو بغي. الصحاح تاج اللغة، للفارابي (6/ 2281).
والبغي: الاستطالة على الناس والكِبر. الغريبين في القرآن والحديث، للهروي (1/ 199).
وقال الفيروز آبادي -رحمه الله-:
بَغَى عليه يَبْغِي بَغْيًا: علا وظلم، وعَدَلَ عن الحق، واستطال، وكذب. القاموس المحيط (ص: 1263).
«عقوق الوالدين»:
هو الإساءةُ إليهم، والتَّضْييع لِحَقِّهِمْ. النهاية، لابن الأثير (1/ 116).
يُقال: عَقَّ والديه عقوقًا: إذا لم يبرهما. شمس العلوم، نشوان الحميري (7/ 4308).
قال الفيومي -رحمه الله-:
وأصل العَقِّ: الشَّقُّ، يقال: عَقَّ ثوبه كما يقال: شقّه بمعناه، ومنه يقال: عَقَّ الولد أباه عُقُوقًا؛ من باب قعد، إذا عصاه وترك الإحسان إليه؛ فهو عَاقٌّ. المصباح المنير، (ص: 218).
قوله: «قطيعة الرّحم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«قطيعة الرَّحم» مِن الاقتطاع من الرَّحمة، والرّحم: القَرابة. التيسير شرح الجامع الصغير (2/360).
وذلك بالإيذاء والصد والهجر. التنوير شرح الجامع الصغير(9/ 466).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
القطيعة: الهجران والصد، وهي فعيلة، من القطع، ويريد به: ترك البر والإحسان إلى الأهل والأقارب، وهي ضد صِلة الرَّحم. النهاية، لابن الأثير (4/ 82).
«الرّحم»:
رَحم: الراء والحاء والميم: أصل واحد يدل على الرِّقة والعطف والرَّأفة، يقال من ذلك: رحمه يرحمه، إذا رقَّ له وتعطف عليه...والرَّحم: علاقة القَرابة. مقاييس اللغة، لابن فارس (2/ 498).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وذو الرَّحم: هم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب، ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء، يقال: ذُو رحم مُحَرَّم ومَحْرم، وهم مَن لا يحل نكاحه: كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة. النهاية(2/ 210-211).
شرح الحديث
قوله: «كُل ذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: جميع أنواع المعاصي ما عدا الشرك، «يغفر الله منها» أي: من جملتها، «ما شاء» فـ(من) تبعيضية، والأظهر: أنها مبينة مقدمة. مرقاة المفاتيح (7/ 3098).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كُل ذُنُوب يؤخر الله منها ما شاء» أي: جزاءه، «إلى يوم القيامة» فيجازي بها فاعلها فيه إن شاء. فيض القدير (5/ 10).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «كُل ذُنُوب يؤخر الله منها ما شاء» أي: من العقوبة عليها «إلى يوم القيامة» فإنه يوم الجزاء. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 156).
قوله: «إلا البَغي»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «البغي» أي: من بغي الباغي، وهو الظلم أو الخروج على السلطان أو الكِبْر. مرقاة المفاتيح (7/ 3091).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «البغي» وهو الخروج على السلطان بغير حق، أو مطلق الظلم والتعدي على الخلق. شرح مسند أبي حنيفة (1/ 535).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «البغي» أي: الظلم والإساءة إلى المخلوقات.الحاشية على سنن ابن ماجه (2/ 552).
قوله: «وعقوق الوالدين»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إلا عقوق الوالدين» فإنَّه من الذنوب التي لا يؤخر جزاؤها. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 156).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
عقوق الوالدين: عصيانهما، وقطع البر الواجب عنهما. المفهم (1/ 282).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «عقوق الوالدين» أي: إيذاؤهما أو أحدهما، والمراد: من له ولادة وإن علا من الجهتين. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 34).
وقال القَسْطلاني -رحمه الله-:
قوله: «عقوق الوالدين» وهو إيذاؤهما بأيّ نوع كان من أنواع الأذى قلَّ أو كثُرَ، نُهيا عنه أو لم يُنْهَيَا عنه، أو مخالفتهما فيما يأمران أو يَنْهَيَان بشرط انتفاء المعصية في الكل. إرشاد الساري (9/ 6).
وقال محمد الخَوْلي -رحمه الله-:
عقوق الوالدين: إيذاؤهما بالقول أو العمل؛ فسبهما وشتمهما بل قول: أفٍّ لهما عقوق وقطيعة، وكذلك عصيان أمرهما، والتلكؤ في قضاء شؤونهما، ومد اليد بالسوء إليهما، كل ذلك عقوق، ونكران للجميل. الأدب النبوي (ص: 77).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «عقوق الوالدين» مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما الجائزة لهما، وعلى هذا: إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباحات في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوبات، وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يُصَيِّرُه في حق الولد مندوبًا إليه، وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدًا في ندبِيَّتِه، والصحيح الأول؛ لأن الله تعالى قد قرن طاعتهما، والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده فقال: {َقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الإسراء: 23. المفهم (6/ 520-521).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «عقوق الوالدين» فهو مأخوذ من العق، وهو القطع... وهو الذي شق عصا الطاعة لوالده؛ هذا قول أهل اللغة، وأما حقيقة العقوق المحرم شرعًا فَقَلَّ مَن ضَبَطَه، وقد قال الشيخ الإمام أبو محمد ابن عبد السلام -رحمه الله-: لم أقف في عقوق الوالدين وفيما يختصَّان به من الحقوق على ضابط أعتمده؛ فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه باتفاق العلماء.
وقد حرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع عضو من أعضائه؛ ولشدة تفجُّعهما على ذلك، وقد أُلْحِق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه أو عضو من أعضائه. شرح صحيح مسلم(2/ 87).
وقال المُظْهِري -رحمه الله-:
قوله: «عقوق الوالدين» عصيان أمرهما، وترك خدمتهما، فكل أمر يأمر به الأب أو الأم الولد واجب على الولد الإتيان بذلك الأمر إن لم يكن فيه إثم، مثل: أن يأمر الأب أو الأم الولد بالسرقة أو قتل أحد أو شتمه وما أشبه ذلك، فلا يجوز الإتيان بهذا الأمر؛ لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، ويجب على الولد خدمة الوالدين بقدر ما يطيق، ويجب عليه نفقتهما وكسوتهما إِنْ كانا فقيرين، إِنْ كان يقدر على نفقتهما وكسوتهما. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 137).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «إلا عقوق الوالدين» تغليظ وتشديد؛ ولذا عُدَّ أكبر الكبائر بعد الإشراك، ولعله تعالى يُرضِي الوالدين عنه يوم القيامة كما يُرضِي الخصوم. لمعات التنقيح (8/ 232).
قوله: «قطيعة الرَّحم»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
القطيعة: الهجران والصدُّ، وقطيعة الرّحم: ضد وصلها، وصلة الرحم معروفة، وهي الإحسان إلى الأهل والأقارب، والرفق والبر بهم. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 141).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «قطيعة الرحم» من الاقتطاع من الرحمة، والرَّحم: القَرابة ولو غير محَرم، بنحو إيذاء أو صد أو هجْر؛ فإنَّه كبير كما يفيده هذا الوعيد الشديد، أما قطيعتها بترك الإحسان فليس بكبير. فيض القدير (5/ 478).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «من البغي وقطيعة الرحم» لما فيهما من إيذاء الخلق وتضييع حقهم؛ أفحش من غيرهما من الذنوب. لمعات التنقيح(8/ 221).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «وقطيعة الرحم» ولا خلاف أن صِلة الرّحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة. شرح سنن أبي داود (18/ 650).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قاطع الرحم يُعجل له العقوبة بقلة المال، وعدم البركة في النّسل. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 466).
قوله: «وقطيعة الرَّحم»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
الرحم -بفتح الراء وكسر الحاء المهملة-: يطلق على الأقارب، وهُم من بينه وبين الآخر نسب؛ سواء كان يرثه أم لا، سواء كان ذا محرم أم لا، وقيل: هم المحارم فقط، والأول هو المرجَّح؛ لأن الثاني يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام، وليس كذلك. فتح الباري (10/ 414).
وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله-:
قال بعض أهل العلم: إنَّ الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم محرم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال.
وقيل: بل هذا في كُل رَحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث، محرمًا كان أو غير محرم، فيخرج من هذا أن رحم الأم التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم، ولا يحرم قطعهم.
وهذا ليس بصحيح، والصواب: أنَّ كل ما يشمله ويعمه الرحم تجب صلته على كل حال، قربة ودينية، على ما ذكرناه أولًا، -والله أعلم-. تفسير القرطبي (16/247- 248).
وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
فالرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة رحم الدِّين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله، ونصرتهم، والنصيحة، وترك مُضَارَّتِهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى، وحقوق الموتى؛ من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.
وأما الرحم الخاصة: وهي رحم القرابة من طرفي الرجل: أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بُدِئ بالأقرب فالأقرب. تفسير القرطبي (16/247- 248).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
عَدُّوا قطع الرَّحم من الكبائر، وضبطوا ذلك: بترك ما أَلِفَهُ من إحسان، أو نحوه، كمكاتبة ومراسلة، ونحوها. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 587).
وقال الشيخ موسى شاهين-رحمه الله-:
واختُلف في المراد بالقطيعة، فقال أبو زرعة: ينبغي أن تختص بالإساءة، وقال غيره: هي ترك الإحسان ولو بدون إساءة؛ لأن الأحاديث آمرة بالصلة، ناهية عن القطيعة، ولا واسطة بينهما، والصلة إيصال نوع من الإحسان، كما فسرها بذلك غير واحد، فالقطيعة ضدها، فهي ترك الإحسان. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 11).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ويدخل في قطيعة الرحم: جميع حقوق المسلمين ومظالمهم، وقد بيَّنا أنَّ الرحم ضربان: رحم الإسلام، ورحم القَرابة. المفهم (7/ 63).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «وقطيعة الرحم»..فيه: أن البلاء بسبب القطيعة في الدنيا لا يدفع بلاء الآخرة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 360).
قوله: «يعجل لصاحبها في الدنيا قبل الموت»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «يعجل» أي: الله «لصاحبه» أي: لمرتكب العقوق جزاء ذنبه «في الحياة قبل الممات» أي: فلا يؤخر إلى يوم القيامة، واللام عوض عن المضاف إليه، أي: في حياة العاق قبل مماته، ويمكن أَنْ يكون التقدير في حياة الوالدين قبل مماتهما، ثم يحتمل أن يكون في معناهما سائر حقوق العباد؛ ولأن مثل هذا الوعيد أيضًا ورد في حق أهل الظلم والبغي بغير الحق. مرقاة المفاتيح(7/ 3098).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فهما (البغي وقطيعة الرحم)أسرع الذنوب عقوبة في الدنيا، وعقوبة الآخرة على أصلها، وفيه: عظمة شأن البغي وقطيعة الرحم؛ فكل واحدة كبيرة من أمهات الكبائر، فكيف إذا اجتمعتا كما يقع ذلك كثيراً لملوك الدنيا؛ فلا أكثر من اجتماع البغي فيهم وقطيعة الرحم؛ ولذا قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} محمد: 22. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 465).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لأن فاعل ذلك لمّا افترى باقتحام ما تطابقت على النهي عنه الكتب السماوية والإشارات الحكمية، وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه؛ أسرع إليه الوبال في الدنيا مع ما ادخر له من العقاب في العقبى، والمراد بالسرعة هنا: أنه تعالى يعجل ثواب ذلك وعقابه في الدنيا، ولا يؤخره للآخرة؛ بدليل الخبر المار: «اثنان يعجل الله عقوبتهما في الدنيا»، وذكر هنا: «البغي وقطيعة الرحم»، وفي حديث آخر: «البغي واليمين الفاجرة»، وفي آخر: «البغي وعقوق الوالدين»؛ فدل على عدم الانحصار في عدد، وإنما كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يخاطب كل إنسان بما يليق بحاله، وبما هو ملتبس به أو يريد العزم عليه؛ فلذلك اختلفت الأجوبة. فيض القدير (1/ 505).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
لا يغتر العاق بتأخير التأثير حالًا؛ بل يقع ولو بعد حين؛ كما وقع لابن سيرين -رحمه الله- أَنَّه لما ركبه الدَّيْن اغتمَّ فقال: إني لأعرف هذا الغمَّ بذنب أصبته منذ أربعين سنة، ونظر بعض العباد إلى أمرد فقيل له: لتَجِدَنَّ غِبَّه بعد أربعين سنة، فكان كذلك. فيض القدير (5/ 10).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
فأما البغي فهو سبب إفساد الحال، وقطيعة الرّحم أشد الفساد؛ لأن سوء ذات البين دليل على أنه أفسد في الأجانب لفساد العقيدة التي تحمل على ذلك؛ ولذلك قال النبي -عليه السلام-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وأصل بَدْءِ الصلاح بين الناس: إفشاء السلام، وإطعام الطعام. عارضة الأحوذي (9/316).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
تعجيل العقوبة في الدنيا دليل غضب الرّب على المعصية وسرعة انتقامه من فاعلها، وعقوبة الآخرة وإن كانت أشد إلا أنها دار الرحمة ودار الشفاعات، فرُبَّ ذنب فيها يغفر، وجرم فيها يكفَّر، وحسنات تُرَجَّح، فتعجيل العقوبة دليل أنه لا يكفرها إلا التوبة، ثم في تعجيل عقوبة العقوق زجرٌ للعباد عن ذلك فهو لطف لهم ينزجرون به عن العقوق، وقد يكون سببًا لتوبة العاقِّ عن عقوقه، وتلافيه مما ارتكب من ذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 156-157).
وقال أبو جعفر الطبري -رحمه الله-:
فإنْ قال قائل: أَفَتَكُون العقوبة على البَغي والعقوبة على قطيعة الرّحم أسرع من العقوبة على الكُفر بالله -عز وجل- لمن كفر به؟
فكان جوابنا له في ذلك: أنَّ ما في هذين الحديثين اللذين ذكرناهما في هذا الباب لم يرد به ما ظن هذا القائل، وليس شيء أَشدّ عند الله تعالى من الكُفر، ولا عُقوبة أَشدّ من العقوبة عليه، إلا أنْ تدرك التوبة من كان منه ذلك، وإنما أُريد بما في الحديثين اللذين ذكرناهما في هذا الباب: عقوبة من كان منه البَغي وقطيعة الرَّحم من أهل الشريعة، التي لم يخرج منها بذلك، وكان ما توعّد به من ذلك عقوبة على بغيه، وقطيعة الرّحم التي أمره الله تعالى بصلتها، وأما العقوبة على الكفر فأغلظ من ذلك، -وبالله التوفيق-. شرح مشكل الآثار (15/ 262).
وللاستفادة من الراوية الأخرى ينظر (هنا)