كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا خرجَ من بيتِهِ قال: «بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ من أَنْ نَزِلَّ، أو نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أو نَجْهَلَ، أو يُجْهَلَ علينا».
وفي لفظ: «ما خرجَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من بيتي قطُّ إلَّا رفع طَرْفَهُ إلى السَّماءِ فقال: اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ، أو أُضَلَّ، أو أَزِلَّ، أو أُزَلَّ، أو أَظْلِمَ، أو أُظْلَمَ، أو أَجْهَلَ، أو يُجْهَلَ عَلَيَّ».
رواه الترمذي برقم: (3427) واللفظ له، والنسائي برقم: (5486) وأحمد برقم: (26616) عن أم سلمة -رضي الله عنها-.
واللفظ الآخر: رواه داود برقم: (5094)، والطبراني في الأوسط برقم: (2383)، مِن حديث أم سلمة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (4708)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (3163).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تَوَكَّلْتُ»:
أي: اعتمدتُ عليه في جميع أموري. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (2/ 245).
وقال ابن بطال الركبي -رحمه الله-:
وأصلُ التوكل: إظهارُ العجزِ والاعتماد على غيركَ. النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب (1/ 8).
وقال ابن سيده -رحمه الله-:
ويقال: وكَّلتُ إليه الأمر: أسلمته إليه. المخصص (1/ 201).
وقال الفتني -رحمه الله-:
ووكَّلتُ أمري إليه، أي: ألجأته إليه، واعتمدتُ فيه عليه. مجمع بحار الأنوار (5/ 103).
«أعوذُ»:
أي: أَعْتَصِم. تحرير ألفاظ التنبيه، للنووي (ص: 64).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
يقال: عاذ فلان بربه يعوذ عوذًا: إذا لجأ إليه، واعتصم به. تهذيب اللغة (3/ 93).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
والعوذ: الالتجاء. تاج العروس (9/ 438).
«أَضِلَّ»:
بفتح الهمزة، وكسر الضاد؛ أي: أضل غيري. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 341).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أَضِلَّ: أي: عن الحق، من الضلال، وهو ضد الرشاد والهداية. مرقاة المفاتيح (4/ 1694).
«أو أُضَلَّ»:
بفتح الضاد، مع ضم الهمزة، أي: يضلني غيري من شيطان وآدمي. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 341).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أو أُضَلَّ: أي: يضلني أحدٌ. مرقاة المفاتيح (4/ 1694).
«أَزِلَّ»:
بفتح الهمزة، وكسر الزاي؛ يعني: عن طريق الهدى قولًا وفعلًا. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 341).
«أو أُزَلَّ»:
بضم الهمزة، وفتح الزاي؛ أي: يحملني الشيطان من الإنس والجن على الزلل، وهو الخطأ والذنب. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 341).
«أو أَظْلِمَ»:
بفتح الهمزة، وكسر اللام؛ أي: أظلم غيري. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 342).
«أو أُظْلَمَ»:
بضم الهمزة، وفتح اللام؛ أي: يظلمني غيري. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 342).
«أو أَجْهَلَ»:
أي: أجهل الحق والصواب من الأقوال والأفعال. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 342).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: أفعل بالناسِ فعل الجهال من الإيذاء أو الإضلال. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 246).
«أو يُجْهَلَ عليَّ»:
بضم الياء، وفتح الهاء؛ أي: يجترئ عليَّ أحدٌ بجهلٍ منه. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (19/ 342).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
بصيغة المجهول، أي: يفعل الناس بي أفعال الجهال من إيصال الضرر إليَّ. مرقاة المفاتيح (4/ 1694).
شرح الحديث
قوله: «قال: بسم الله»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«بسم الله» أي: خرجت أو أستعين به، وبذكره في حكمه وأمره وقضائه وقدره. مرقاة المفاتيح (4/ 1693).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فإذا استعان العبد ببسم الله هداهُ وأرشدهُ، وأعانه في الأمور الدينية والدنيوية. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 246).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بسم الله» أي: أتحصّن. دليل الفالحين (2/ 286).
قوله: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من بيته»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وظاهر الحديث يدل على المواظبة والمداومة والمعنى أبدًا. مرعاة المفاتيح (8/ 195).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فهذا الذكر ينبغي أن يقوله الإنسان إذا خرج من بيته؛ لما فيه من اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- والاعتصام بِه. شرح رياض الصالحين (1/ 567).
قولها: «ما خرجَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- من بيتي قطُّ »:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«ما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بيتي» لا ينافي هذا رواية: «من بيته»؛ لأن بيت أُم سلمة راوية هذا الحديث هو بيته -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونها من أمهات المؤمنين. مرعاة المفاتيح (8/ 195).
قوله: «إلَّا رفع طَرْفَهُ إلى السماءِ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إلا رفع طرفه إلى السماء» قيل: لأنها قبلة الدعاء، وقيل: ليتفكر في خلق السماوات والأرض. شرح سنن أبي داود (19/ 341).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«إلا رفع طرفه إلى السماء» المقصود به: الإشارة إلى علو الله -عز وجل-، فهو يخاطب الله، ويدعوه. شرح سنن أبي داود (29/ 86).
قوله: «توكَّلتُ على الله»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«توكلت على الله» أي: اعتمدت عليه في جميع أموري. مرقاة المفاتيح (4/ 1693).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«توكلت على الله» أي: فوضت أمري إليه، وعوَّلْت في سائر الأحوال عليه. دليل الفالحين (2/ 286).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وإذا توكل عليه، وفوض أمره إليه؛ كفاه فيكون حسبه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 246).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فإن في هذا دليلًا على أن الإنسان ينبغي له إذا خرج من بيته أن يقول هذا الذكر، الذي منه التوكل على الله والاعتصام به؛ لأن الإنسان إذا خرج من بيته فهو عرضة لِأَنْ يصيبه شيء، أو يعتدي عليه حيوان، من عقرب أو حية أو ما أشبه ذلك، فيقول: «بسم الله توكلت على الله»، وسبق لنا أن التوكل على الله، والاعتماد عليه من الثقة به وحسن الظن. شرح رياض الصالحين (1/ 566).
قوله: «اللَّهُم إني أعوذُ بِكَ أن أَضِلَّ أو أُضَلَّ»، وفي رواية: «نَضِلّ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أن أضل» بفتح الهمزة وكسر الضاد؛ أي: أضل غيري، «أو أُضَل» بفتح الضاد مع ضم الهمزة؛ أي: يضلني غيري -وهو المروي في النسخ المعتمدة- من شيطان وآدمي. شرح سنن أبي داود (19/ 341- 342).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أو نَضِل» أي: من الضلالة؛ أي: عن الحق «أو نُضَل» على بناء المجهول، أي: أضلني أحد. شرح المصابيح (3/ 203).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أو نَضِل» من الضلالة، أي: عن الهدى، وفي المصابيح زيادة: «أو نُضَل» على بناء المجهول، أي: يضلنا أحد. مرقاة المفاتيح (4/ 1694).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «أن أَضِل» بلفظ المعلوم: من الضلال، وقوله: «أو أُضِل» من الإضلال معلومًا أو مجهولًا. لمعات التنقيح (5/ 229).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
الأول فيهما مبني للفاعل والثاني للمفعول. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 60).
قوله: «أو أَزِلَّ أو أُزَلَّ»، وفي رواية: «من أن نزلّ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
أي: يحملني الشيطان من الإنس والجن على الزلل، وهو الخطأ والذنب، وأوقعاني في الزلة؛ كما قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} البقرة: 36، وقال: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} آل عمران: 155. شرح سنن أبي داود (19/ 341- 342).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «من أن نَزِل» الزلة في الأصل: استرسال الرجل من غير قصد، يقال: زلت رجله تزل، والمزلة المكان الزلق، وقيل للذنب من غير قصد له: زلة تشبيهًا بزلة الرِّجْل.
أقول: والمناسب هنا: أن يحمل على الاسترسال إلى الذنب؛ ليزدوج مع قوله: «أو نضل». الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1904).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«اللهم إنا نعوذ بك من أن نَزِل» أي: عن الحق، وهو بفتح النون وكسر الزاي وتشديد اللام: من الزلة، وهي ذنب من غير قصد؛ تشبيهًا بزلة الرِّجْل، وفي الحصن (الحصين، لابن الجزري) زيادة: «أو نُزَل» من الإزلال معلومًا ومجهولًا. مرقاة المفاتيح (4/ 1694).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
الأول فيهما مبني للفاعل والثاني للمفعول. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 60).
قوله: «أو أَظْلِمَ أو أُظلَمَ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أو أظلم» بفتح الهمزة وكسر اللام؛ أي: أظلم غيري «أو أظلم» بضم الهمزة وفتح اللام؛ أي: يظلمني غيري. شرح سنن أبي داود (19/ 341- 342).
قوله: «أو أَجهَل» وفي رواية: «أو نجهَل»:
قال المظهِري -رحمه الله-:
قوله: «أو نَجهَل» الجهل: نقيض العلم؛ يعني: أو نجهل أمور الدين، أو معرفة الله، أو حقوق الله وحقوق الناس، أو نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء، وإيصال الضرر إليهم. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 228).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أو أَجهل» أي: أجهل الحق والصواب من الأقوال والأفعال. شرح سنن أبي داود (19/ 341- 342).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«أو نجهل» بلفظ المتكلم المعلوم، أي: نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء والإضرار. لمعات التنقيح (5/ 228).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أو أَجهل» أسْفَه. شرح رياض الصالحين (1/ 567).
قوله: «أو يُجْهَل عَليَّ» وفي رواية: «أو يُجْهَل عَلينا»:
قال المظهِري -رحمه الله-:
قوله: «أو يُجهَل علينا» يعني: أو يفعل الناس بنا فعل الجهال من إيصال الضرر إلينا. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 229).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أو يجهل عليّ» بضم الياء وفتح الهاء؛ أي: يجترئ عليّ أحدُ بجهل منه. شرح سنن أبي داود (19/ 341- 342).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
و«يجهل» بلفظ الغائب المجهول، أي: يفعل الناس بنا ذلك (أي: فعل الجهال من الإيذاء والإضرار). لمعات التنقيح (5/ 228).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
إن الإنسان إذا خرج من منزله، لا بد أن يعاشر الناس ويزاول الأمور، فيخاف أن يعدل عن الطريق المستقيم...وإما أن يكون في أمر الدنيا...وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة، فإما أن يجهل أو يُجهل عليه؛ فاستعيذ من هذه الأحوال كلها بلفظ سلس موجز، وروعي المطابقة المعنوية، والمشاكلة اللفظية، كقول الشاعر:
ألا لا يجهلنْ أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1904).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أو يجهل علي» يسفه عليَّ أحد، ويعتدي عليَّ أحدٌ. شرح رياض الصالحين (1/ 567).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
استعاذ من أن يصدر عنه ذنب بغير قصد أو قصد، ومن أن يظلم الناس في المعاملات، أو يؤذيهم في المخالطات، أو يجهل أي: يفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء. مرقاة المفاتيح (4/ 1694).