الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

قلتُ: يا رسول الله، علمني شيئًا أقولُهُ عند منامي، قال: «إذا أخذتَ مضجعَكَ من الليلِ، فاقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1؛ فإنَّها براءةٌ من الشركِ»


رواه أحمد برقم: (23807) واللفظ له، وأبو داود برقم: (5055)، والترمذي برقم: (3403)، والنسائي في الكبرى برقم: (10569)، من حديث نَوْفَل بن معاوية -رضي الله عنه-.
وفي لفظ لبعضهم: «ثم نم على خاتمتها...».
صحيح سنن أبي داود برقم: (5055)، صحيح سنن الترمذي برقم: (3403).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مضجعك»:
أي: موضع نومك. عمدة القاري، للعيني (22/ 283).
فالْمَضْجَع: موضع الاضطجاع. شمس العلوم، لنشوان الحميري (6/ 3921).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
ضَجَعَ الرجل، أي: وضعَ جنبه بالأرض. الصحاح، للجوهري (3/ 1248).
والضِّجْعَة -بالكسر-: من الاضْطِجَاعِ، وهو النَّوم. النهاية، لابن الأثير (3/ 74).

«براءة»:
بَرَأَ: فأما الباء والراء والهمزة فأصلان إليهما ترجع فروع الباب: أحدهما: الخَلْق، يقال: بَرَأَ الله تعالى الخلق يَبْرَؤُهُمْ...والأصل الآخر: التباعد من الشيء ومزايلته، من ذلك: الْبُرْءُ وهو السلامة من السقم يقال: بَرِئْتُ وَبَرَأْتُ. مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 236).
وقال ابن الأعرابي -رحمه الله-:
البريء: المُتَفصِّي من القبائح، المتنحّي عن الباطل والكذب، البعيد من التُّهم، النَّقي القلب من الشرك. لسان العرب، لابن منظور (1/ 33).


شرح الحديث


قوله: «إذا أخذت مضجعك من الليل»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «إذا أخذت» أي: أتيت؛ كما في خبر البراء، «مضجعك» -بفتح الجيم وكسرها-: محل نومك، والمضجع: موضع الضجوع، يعني: وضعت جنبك بالأرض لتنام، «من الليل» بيان لزمن الاضطجاع، وذكره للغالب، فالنهار كذلك فيما أظن، بل يظهر أنه لو أراد النوم قاعدًا كان كذلك. فيض القدير(1/ 251).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إذا أخذت مضجعك من الليل» أي: إذا أردت أو إذا اضطجعت. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 511).

قوله: «فاقرأ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1»:
قال العَزِيزي -رحمه الله-:
قوله: «فاقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1» أي: اقرأ ندبًا السورة التي أوّلها ذلك، «ثم نم على خاتمتها» أي: اقرأها بكمالها واجعلها خاتمة كلامك. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 78).

قوله: «فإنها براءة من الشرك»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فإنها براءة من الشرك» يعني: أمر الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- في هذه السورة أن يجيب الكفار بأَنَّي {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون: 2، فهذا براءة من الشرك، فمن قرأ هذه السورة عن اعتقاد صحيح، فقد برئ من الشرك. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 94).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فإنها براءة من الشرك»؛ لأنها متضمنة البراءة من الشرك بالله تعالى، وهو عبادة آلهتهم وهي الأصنام، فقوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون: 2 نفي الشرك في الحال، وقوله تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} الكافرون: 4 نفي له في الاستقبال، فمن قرأها بلسانه وصوفها بقلبه أي: صفى بها قلبه فقد برئ من الشرك في الحال والاستقبال. شرح سنن أبي داود (19/ 266).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وإنما كانت براءة من الشرك؛ لما فيها من التبري من عبادة ما يعبده المشركون. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 136).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فإنها براءة من الشرك» أَنَّثَ الضمير؛ لأنه أراد بـ (يا) {أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1 : السورة لا هذا اللفظ، إما لأنه قد صار عَلَمًا لها، أو لأنه اقتصر عليه، والمراد به: السورة للعلم بذلك، والمراد: أنها تبري قائلها من الشرك؛ لأنها اشتملت على نفي عبادة ما يعبده المشركون بأبلغ عبارة وأوفى تأكيد، فإنه نفى عبادته لما يعبدونه بالجملة الفعلية المضارعية؛ ليفيد الحال والاستقبال؛ فقال تعالى: {لَا أَعْبُدُ} الكافرون: 2 ، أي: في الحال والاستقبال، ثم نفاه بالجملة الاسمية لما عبدوه فيما مضى؛ فقال تعالى: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} الكافرون: 4، كما نفى عبادتهم لما يعبده بالجملة الاسمية في الطرفين ما يعبدونه في الحال والاستقبال. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 511).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فإنها براءة من الشرك» وذلك لأن الله تعالى أمرَ رسولَه في هذه السورة أن يُجيبَ الكفارَ بـ{لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون: 2، فهذا براءةٌ من الشِّرك فهو عينُ التوحيد، فمَن قرأَها عن اعتقادٍ صحيحٍ فقد بَرِئَ من الشِّرك. شرح المصابيح (3/ 45).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فإنها براءة من الشرك» يعني: أمر الله تعالى رسولَهُ في هذه السورة أن يجيبَ الكفار بأني لا أعبدُ ما تعبدون، فهذا براءةٌ من الشِّركِ، فمن قرأ هذه السورة عن اعتقاد صحيح، فقد بَرِئ من الشرك.المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 94-95).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«فإنها براءة من الشرك» أي: توجب لقارئها متأملًا ما اشتملت عليه من سلب الألوهية عما سوى الله تعالى، وإثباتها له دون غيره، مع التزام ذلك، والدوام عليه، المستعار من {وَلِيَ دِينِ} الكافرون: 6، أنه قد برئ من اعتقاد شريك لله تعالى في ذاته أو صفته أو فعله؛ لأنه منزّهٌ عن كل سمة من سمات النقص، بل من السمات التي لم تصل إلى أعلى غايات الكمال، وتحلى بكل صفة من الصفات البالغة أقصى غايات الجلال والجمال. فتح الإله شرح المشكاة (7/162).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قوله: «فإنها براءة من الشرك» فمقصودها الأعظم هو: البراءة المطلوبة بين الموحدين والمشركين؛ ولهذا أتى بالنفي في الجانبين تحقيقًا للبراءة المطلوبة، هذا مع أنها متضمنة للإثبات صريحًا، فقوله تعالى: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون: 2، براءة محضة، وقوله تعالى: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} الكافرون: 3، إثبات أنَّ له معبودًا يعبده، وأنتم بريئون من عبادته، فتضمنت النفي والإثبات، وطابقت قول إمام الحنفاء -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّنِيْ بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} الزخرف: 26، 27، وطابقت قول فئة الموحدين: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} الكهف: 16، فانتظمت حقيقة لا إله إلا الله تعالى؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرنها بسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1، في سنة الفجر وسنة المغرب؛ فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص، وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما وهما توحيد العلم والاعتقاد.. بدائع الفوائد (1/ 138).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وسورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1، فيها التوحيد القصدي العملي، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} الكافرون: 1 -2، وبهذا يتميز من يعبد الله تعالى ممن يعبد غيره، وإن كان كلاهما يقر بأن الله تعالى رب كل شيء، ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلا إياه، ممن عبد غيره وأشرك به...؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنها براءة من الشرك». اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 394-395).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الكافرون: 1، تتعلق بتوحيد العبادة؛ لأنها مشتملة على البراءة من الشرك. شرح سنن أبي داود (574/ 8).

قوله: «ثم نم على خاتمتها»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ثم نم على خاتمتها» أي: اجعلها آخر أذكار المنام...، ولما كان النوم أخًا للموت حَسُن النوم على أكمل براءة من الشرك. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 511).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
مرّ معنا في حديث البراء: «واجعلهن آخر ما تقول»، وهنا قال: «نم على خاتمتها» فيمكن أنه يكون كل منهما في الآخر؛ بأن يقدم أحدهما على الآخر؛ ولكن قوله: «نم على خاتمتها» لم يأتِ أنها تكون في الآخر، وإذا كان متعددًا فيمكن أن يقدم هذا في بعض الأحيان، وهذا في بعض الأحيان، وحديث نوفل هذا ضعفه الشيخ مقبل -رحمه الله-، وتكلم فيه الترمذي -رحمه الله-، وقال: إنه لا يثبت، وتكلم فيه ابن عبد البر -رحمه الله- وقال: إنه لا يثبت؛ ولكن جاءت روايات كثيرة، وأغلبها يدور على أبي إسحاق السبيعي -رحمه الله-، وقد روى بالعنعنة وهو مدلس، ولكن حسنه الحافظ ابن حجر، وصححه الألباني، وذكرهُ ابن كثير -رحمه الله- عند تفسير هذه السورة، ذكر أرجح الطرق له، وذكر طريقًا آخر ليس من طريق أبي إسحاق -رحمه الله-، ولكن بيَّض لاسم الصحابي، وبعض العلماء حَسنه من أجل وروده من طرق أخرى غير طريق أبي إسحاق السبيعي -رحمه الله-. شرح سنن أبي داود (ص: 35).

وقال المظهري -رحمه الله-:
وهذا الحديث: يدلُّ على أن الإنسان يستحبُّ له إذا نام أن يجدِّدَ إيمانه، كما يستحبُّ عند النزع، فإن التلفظَ بكلمتي الشهادة عند الموت ليس بواجب، بل هو مستحبٌّ؛ لأن المؤمن مقرٌّ بقلبه بما أمر الله تعالى، والإيمانُ ثابتٌ في قلبه، فلو لم يتلفظ بكلمتي الشهادة عند الموت فلا بأسَ عليه؛ ولهذا لا نحكمُ بكفر من مات ولم نسمعْ منه كلمتي الشهادة عند النزع من المسلمين. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 94-95).


ابلاغ عن خطا