«مَن أتى النساءَ في أَعجازهِنَّ فقد كَفَرَ».
رواه الطبراني في الأوسط برقم: (9179)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ورواه ابن بطة في الإبانة الكبرى برقم: (1017)، موقوفًا على أبي هريرة -رضي الله عنه-،
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (3378)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (2430).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَتى»:
أَتَى زوجته إتْيَانًا، كِنَايَةٌ عن الجِماع. المصباح المنير، الفيومي (1/ 3).
«أَعجازهن»:
هو جمع عَجُز؛ كعَضُد: مُؤخر الشيء. مجمع بحار الأنوار، الفَتَّنِي (5/ 529).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
العَجُز: مُؤخر الشيء، يؤنث ويذكر، وهو للرجل والمرأة جميعًا، والجمع: الأعجاز، والعَجيزَةُ: للمرأة خاصة. الصحاح(3/ 883).
«فقد كَفر»:
الكُفْر بالضَّم: ضِد الإِيمان، ويُفتَح، وأَصل الكُفْر: من الكَفْر بِالْفَتْح: مصدر كَفَرَ، بِمَعْنى: السَّتْر. تاج العروس، الزبيدي (14/ 50).
وقال ابن الأثير-رحمه الله-:
أَصل الكفر: تغطية الشيء تغطية تستهلكه. النهاية في غريب الحديث(4/ 186-187).
شرح الحديث
قوله: «مَن أتى النساء»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله في رواية: «ولا تأتوا النساء» أي: لا تجامعوهن. مرعاة المفاتيح (2/ 30).
قوله: «في أَعجازهن»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «في أَعجازهن» أي: أدبارهن. مرقاة المفاتيح (1/ 364).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «في أَعجازهن» أي: جمع عَجُز -بفتح العين وضم الجيم على المشهور-: مؤخر الشيء، والمراد: الدبر. لمعات التنقيح (2/ 42).
وقال الصنعاني-رحمه الله-:
قوله: «في أَعجازهن» في الدبر نفسه، لا في القبل من الدبر. التحبير لإيضاح معاني التيسير (7/ 249).
قوله: «فقد كَفر»:
قال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد وردت نصوص اختلف العلماء في حملها على الكفر الناقل عن الملة، أو على غيره...، وتردد إسحاق بن راهويه فيما ورد في إتيان المرأة في دبرها أنه كفر: هل هو مخرج عن الدين بالكلية أم لا؟ ... قيل لأحمد -رحمه الله-: حديث أبي هريرة -رضي الله-: «من أتى النساء في أعجازهن فقد كفر»؛ فقال: قد روي هذا، ولم يزد على هذا الكلام...، وعن أحمد: أنه ذكر هذه الأحاديث التي ورد فيها لفظ الكفر، فقال: نسلمها، وإن لم نعرف تفسيرها، ولا نتكلم فيه، ولا نفسرها إلا بما جاءت.
ومنهم: من فرق بين إطلاق لفظ الكفر، فجوَّزه في جميع أنواع الكفر، سواء كان ناقلًا عن الملة أو لم يكن، وبين إطلاق اسم الكافر، فمنعه، إلا في الكفر الناقل عن الملة؛ لأَنَّ اسم الفاعل لا يشتق إلا من الفعل الكامل. فتح الباري (1/ 129-131).
وقال ابن رجب -رحمه الله- أيضًا:
أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من اتباع هوى النفس بما هو كفر وشرك، كـ «قتال المسلم» «من أتى حائضًا، أو امرأة في دبرها» ...، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية؛ ولهذا قال السلف: كفر دون كفر، وشرك دون شرك. التوحيد (ص: 25-26).
وقال ابن نجيم -رحمه الله-:
استحلال اللواطة بزوجته كفر عند الجمهور. الأشباه والنظائر (ص: 160).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا فقد كفر بما أنزل على محمد» الظاهر: أنه محمول على التغليظ والتشديد؛ كما قاله الترمذي، وقيل: إن كان المراد: الإتيان باستحلال وتصديق؛ فالكفر محمول على ظاهره، وإن كان بدونهما فهو على كفران النعمة. تحفة الأحوذي (1/ 355).
قوله: «فقد كَفر»:
قال ابن سيد الناس -رحمه الله-:
..وأما إتيان الحائض أو الدبر فيحتاج إلى التأويل؛ إذ هو معصية وارتكاب محرّم لا ينتهي إلى الكفر، فقد يقبل التأويل لمن فعل ذلك مستحلًّا كما قيل في نظائره. النفح الشذي شرح جامع الترمذي (3/ 203-210).
وقال -رحمه الله- أيضًا:
وأما إتيان المرأة في دبرها: فنقل عن بعض السلف إباحته...، والذي استقرَّ عليه بعد ذلك عند الفقهاء الأربعة، وغيرهم فيه: التحريم. النفح الشذي شرح جامع الترمذي (3/ 207).
وقال النووي -رحمه الله-:
واتفق العلماء الذين يُعتَدُّ بهم: على تحريم وطء المرأة في دُبرها حائضًا كانت أو طاهرًا... قال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال. شرح مسلم (10/ 6).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
وأما إتيان النساء في الأدبار، فهو اللوطية الصغرى، وهو حرام بإجماع العلماء، إلا قولًا واحدًا شاذًّا لبعض السلف، وقد ورد في النهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. تفسير ابن كثير (3/ 446).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وذهبت الإمامية إلى حِلِّه في الزوجة وفي الأمة، بل وفي المملوك. البدر التمام شرح بلوغ المرام (7/ 199-200).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وطء المرأة في دبرها حرام بالكتاب والسنة، وهو قول جماهير السلف والخلف؛ بل هو اللوطية الصغرى، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله لا يستحيي من الحق؛ لا تأتوا النساء في أدبارهن»، وقد قال تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} البقرة:223، والحرث هو موضع الولد؛ فإن الحرث هو محل الغرس والزرع، وكانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها جاء الولد أحول؛ فأنزل الله هذه الآية، وأباح للرجل أن يأتي امرأته من جميع جهاتها؛ لكن في الفرج خاصة، ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عُزِّرَا جميعًا؛ فإن لم ينتهيا وإلا فُرِّقَ بينهما؛ كما يُفَرَّق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به -والله أعلم-. مجموع الفتاوى (32/ 266).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
الكبيرة الخامسة والستون بعد المائة: إتيان الزوجة أو السرية في دبرها...
تنبيه: عدَّ هذا (أي: من ضمن الكبائر) هو ما صرَّح به غير واحد، وهو ظاهر؛ لما علمتَ من هذه الأحاديث الصحيحة أنه كُفر، وأن الله لا ينظر لفاعله، وأنه اللواطية الصُّغرى، وهذا من أَقبح الوعيد وَأَشَدِّهِ.
فقول الجلال البلقيني في عَدِّ ذلك كبيرة: فيه نظر، وقد صرَّح شيخ الإسلام العلائي بأن ذلك ينبغي أن يلحق باللواط؛ لأنه ثبت في الحديث لعن فاعله. الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 46-47).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والدليل على أنه لا يجوز (إتيان المرأة في دبرها) من خمسة أوجه:
أحدها: أنه سيأتي في المتفق عليه من حديث جابر: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نِسَاؤكُم حَرْثٌ لَكُم} البقرة: 223، فقد بان المقصود من {أَنَّى}.
والثاني: أنَّ لفظة {أَنَّى} يختلف معناها على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون بمعنى كيف.
والثاني: بمعنى متى.
والثالث: بمعنى من أين، فإن قلنا: هي بمعنى كيف؛ فسبب الآية يؤكده، والمعنى: كيف شئتم مقبلة أو مدبرة، وعلى كل حال، إلا أن الإتيان يكون في الفرج، وهذا تفسير ابن عباس ومجاهد في خلق كثير، وإن قلنا: إنها بمعنى متى، فالمعنى: أي وقت شئتم، وهذا تفسير ابن الحنفية والضحاك، وإن قلنا: إنها بمعنى: مِنْ أين، فالمعنى: إن شئتم من بين يديها، وإن شئتم من ورائها، وهذا يرجع إلى القول الأول...
والثالث: أن الآية دلت على موضع الإتيان بقوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُم} البقرة: 223، وموضع الزرع إنما هو مكان الولد؛ لأن الولد مُشبَّه بالنبات، فلم يَجُزْ أن يقع الوطء في محل لا يكون منه ولد.
والرابع: أنه قد روى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النهي عن هذا: عمر وعلي وابن مسعود وجابر وعبد الله بن عمر وابن عباس والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وخزيمة بن ثابت وأبو هريرة، وفي لفظ حديث أبي هريرة: «ملعون من أتى النساء في أدبارهن»، وقد ذكرت هذه الأحاديث بأسانيدها في كتاب (تحريم المحل المكروه)، وذكرت هناك نهي جماعة من الصحابة عنه، منهم: ابن مسعود وأبي بن كعب وأبو الدرداء وابن عباس وأبو هريرة، ومن التابعين: الحسن ومجاهد وعكرمة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، ولا يصح عن مالك.
والخامس: أن تحريم إتيان الحائض كان لعلة الأذى، والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه. كشف المشكل (2/ 583-584).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وممن نُسب إليه هذا القول (تجويز إتيان المرأة في دبرها):سعيد بن المسيِّب، ونافع، وابن الماجشون من أصحابنا، وحكي عن مالك في كتاب يُسمَّى كتاب السرِّ، ونُسب الكتاب إلى مالك، وحُذَّاق أصحابه ومشايخهم ينكرونه، وقد حكى العُتبِيُّ إباحة ذلك عن مالك، وأظنه من ذلك الكتاب المنكَر نَقَلَ، وقد تواردت روايات أصحاب مالك عنه بإنكار ذلك القول وتكذيبه لمن نقل ذلك عنه، وقد حكينا نصَّ ما نقل عن مالك من ذلك في جزء كتبناه في هذه المسألة سَمَّيناه: (إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار)، وذكرنا فيه غاية أدلة الفريقين، ومتمسكاتهم من الكتاب والسُّنة على طريقة التحقيق والتحرير، والنقل والتحبير، ومن وقف على ذلك قضى منه العَجب العُجاب، وعَلِمَ أنه لم يكتب مثله في هذا الباب، وجمهور السلف والعلماء وأئمة الفتوى على تحريم ذلك. المفهم (4/ 157).
وقال الدماميني -رحمه الله-:
لكن ناقله عنه (أي: مالك) كاذب مُفْتَرٍ، وقد قال ابن وهب: سألتُ مالكًا، فقلتُ له: حَكَوا عنك أنك تراه؟ قال: معاذَ اللهِ، وتلا: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} البقرة: 223، وقال: لا يكون الحرثُ إلا في موضع الزرع، وإنما نُسب هذا إليه في كتاب السِّرِّ، وهو كتاب مجهول، لا يجوز اعتمادُ النقلِ منه أصلًا. مصابيح الجامع (8/ 169).
وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله-:
وما نُسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل، وهم مُبَرَّؤُون من ذلك؛ لأن إباحة الإتيان مختصَّة بموضع الحرث؛ لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} البقرة:223؛ ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل، فغير موضع النسل لا يناله مالك النكاح، وهذا هو الحق.
وقد قال أصحاب أبي حنيفة: إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم؛ ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض، فكان أشنع، وأما صمام البول فغير صمام الرحم. تفسير القرطبي (3/ 94).
وقال أبو عبد الله القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعَرِّجَ في هذه النازلة على زَلَّة عالم بعد أن تصح عنه، وقد حذرنا من زَلَّة العالم، وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا، وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به -رضي الله عنه-، وكذلك كذَّب نافع من أخبر عنه بذلك، كما ذكر النسائي، وقد تقدم، وأنكر ذلك مالك واستعظمه، وكذَّب من نسب ذلك إليه. تفسير القرطبي (3/ 95).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
(حد اللواط) واختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- في حده؛ فروي عنه أَنَّ حده الرجم؛ بكرًا كان أو ثَيِّبًا...، وهو أحد قولي الشافعي -رحمه الله-.
والرواية الثانية: أن حدَّه حدُّ الزاني...، وهو المشهور من قولي الشافعي... وروي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه أمر بتحريق اللوطي...، وقال الحكم وأبو حنيفة: لا حد عليه؛ لأنه ليس بمحل الوطء، أشبه غير الفرج...
ولو وَطِئَ زوجته أو مملوكته في دبرها، كان محرمًا، ولا حد فيه؛ لأن المرأة محل للوطء في الجملة، وقد ذهب بعض العلماء إلى حِلِّه، فكان ذلك شبهة مانعة من الحدِّ، بخلاف التلوط. المغني (9/ 60-61).
وقال ابن قدامة -رحمه الله- أيضًا:
فإن وَطِئَ زوجته في دبرها، فلا حد عليه؛ لأن له في ذلك شبهة، ويعزَّر لفعله المحرم، وعليها الغسل؛ لأنه إيلاج فرج في فرج، وحكمه حكم الوطء في القبل في إفساد العبادات، وتقرير المهر، ووجوب العِدَّة، وإِنْ كان الوطء لأجنبية وجب حد اللوطي، ولا مهر عليه؛ لأنه لم يُفَوِّت منفعة لها عوض في الشرع.
ولا يحصل بوطء زوجته في الدبر إحصان، إنما يحصل بالوطء الكامل، وليس هذا بوطء كامل، والإحلال للزوج الأول؛ لأن المرأة لا تذوق به عسيلة الرجل، ولا تحصل به الفيئة، ولا الخروج من العِنَّة؛ لأن الوطء فيهما لحق المرأة، وحقها الوطء في القبل، ولا يزول به الاكتفاء بصمتها في الإذن بالنكاح؛ لأن بكارة الأصل باقية. المغني (7/ 297).
وقال النووي -رحمه الله-:
ولو وَطِئَ زوجته أو أمته في دبرها، فالمذهب: أن واجبه التعزيز، وقيل: في وجوب الحد قولان، كوطء الأخت المملوكة. روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 91).
وقال الحطاب الرعيني المالكي -رحمه الله-:
ولوطئه زوجته أو أمته في دبرها، فإنه ليس بزنا، ولا حد عليه في ذلك؛ لأنه قد قيل بإباحته، وإن كان القول بذلك شاذًّا أو ضعيفًا، ويجب عليه الأدب على المعروف. مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (6/ 291).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وأما الدبر: فلم يُبَحْ قطُّ على لسان نبي من الأنبياء، ومن نسب إلى بعض السلف إباحة وطء الزوجة في دبرها، فقد غلط عليه، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ملعون من أتى المرأة في دبرها»...
قلتُ: ومن هاهنا نشأ الغلط على من نُقِلَ عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدبر طريقًا إلى الوطء في الفرج، فَيَطَأُ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع ولم يظن بينهما فرقًا، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه، وقد قال تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ} البقرة: 222، قال مجاهد: سألتُ ابن عباس عن قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ} البقرة: 222، فقال: تأتيها من حيث أُمِرْت أن تعتزلها، يعني: في الحيض، وقال علي بن أبي طلحة عنه يقول: في الفرج، ولا تُعَدِّه إلى غيره.
وقد دلت الآية على تحريم الوطء في دبرها من وجهين:
أحدهما: أنه أباح إتيانها في الحرث، وهو موضع الولد لا في الحش الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله: {مِن حَيْثُ أَمَرَكُم اللهُ} البقرة: 222، الآية، قال: {فَأْتُوا حَرْثَكُم أَنَّى شِئْتُم} البقرة: 223، وإتيانها في قبلها من دبرها مستفاد من الآية أيضًا؛ لأنه قال: {أَنَّى شِئْتُم} أي: من أين شئتم من أمام أو من خلف، قال ابن عباس: {فَأْتُوا حَرْثَكُم} البقرة: 223، يعني: الفرج، وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحش الذي هو محل الأذى اللازم؛ مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل، والذريعة القريبة جدًّا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان.
وأيضًا: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصل مقصودها.
وأيضًا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هُيِّئَ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعًا.
وأيضًا: فإن ذلك مضر بالرجل؛ ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم؛ لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن؛ لمخالفته للأمر الطبيعي.
وأيضًا: يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جدًّا لمخالفته للطبيعة.
وأيضًا: فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه.
وأيضًا: فإنه يضر بالمرأة جدًّا؛ لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع، منافر لها غاية المنافرة.
وأيضًا: فإنه يحدث الهم والغم، والنفرة عن الفاعل والمفعول.
وأيضًا: فإنه يُسَوِّد الوجه، ويُظْلِم الصدر، ويطمس نور القلب، ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة.
وأيضًا: فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد، والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بد.
وأيضًا: فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فسادًا لا يكاد يرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضًا: فإنه يذهب بالمحاسن منهما، ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودة بينهما، ويبدلهما بها تباغضًا وتلاعنًا.
وأيضًا: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه، وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه؟!
وأيضًا: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب، استحسن القبيح واستقبح الحسن، وحينئذٍ فقد استحكم فساده.
وأيضًا: فإنه يحيل الطباع عما ركَّبها الله، ويُخرِج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يُرَكِّب الله عليه شيئًا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى، فيستطيب حينئذٍ الخبيث من الأعمال والهيئات، ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختياره.
وأيضًا: فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه.
وأيضًا: فإنه يورث من المهانة والسفال والحقارة ما لا يورثه غيره.
وأيضًا: فإنه يكسو العبد من حلة المقت والبغضاء، وازدراء الناس له، واحتقارهم إياه، واستصغارهم له ما هو مشاهد بالحس، فصلاة الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه، واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه، وما جاء به. زاد المعاد (4/235-242).
ولمزيد من الفائدة: ينظر حديث «هي اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى». (من هنا)
وحديث: لعن من أتى امرأته في دبرها (من هنا)