«مَن سألَ الجنةَ ثلاثَ مراتٍ، قالتِ الجنةُ: اللهم أدخلْهُ الجنةَ، ومَن استجارَ من النارِ ثلاث مرات، قالتِ النارُ: اللهم أَجِرْهُ من النارِ».
رواه أحمد برقم: (12170)، والترمذي برقم: (2572)، والنسائي برقم: (5521)، وابن ماجه برقم: (4340) واللفظ له، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5630)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (3654).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الجَنَّة»:
البستان، وقال بعضهم: الجَنَّة عند العرب: النَّخْل الطِّوال. شمس العلوم، الحميري (2/ 929).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
فالجنة ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستور عنهم اليوم، والجنة البستان، وهو ذاك؛ لأن الشجر بورقه يَسْتُرُ. مقاييس اللغة (1/ 421).
«النار»:
معروفة، وهي: حارة يابسة شديدة الحرارة واليبوسة، وتصغيرها: نُوَيْرَةٌ، وبها سُمِّيَ الرجل. شمس العلوم، الحميري (10/ 6792).
وقال البركتي -رحمه الله-:
وهي: جوهرٌ لطيف لهيبٌ محرِقُ. التعريفات الفقهية(ص: 224).
«أَجِرهُ»:
الجار والْمُجير والْمُعيذ واحد، وهو الذي يمنعك ويجيرك. تاج العروس، الزبيدي (10/ 478).
قال أبو عُبيد الهَرَوي -رحمه الله-:
قوله تعالى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} المؤمنون: 88، أي: يُؤمِّن من أخافه غيره، ومن أخافه هو لم يؤمنه أحد، وقوله: {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} الأنفال: 48، أي: مجير، والجار يكون المجير ويكون المستجير. الغريبين في القرآن والحديث (1/ 382).
شرح الحديث
قوله: «مَن سأل الجنةَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «مَن سأل الجنة» بأن قال: اللهمَّ إني أسألك الجنةَ، أو قال: اللهمَّ أدخلني الجنةَ، وهو الأظهر. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «مَن سأل الجنةَ» أي: دخولها بصدق وإيقان وحُسن نية. فيض القدير (6/ 144).
وقال الصنعاني رحمه الله-:
أي: سأل الله أن يدخله إياها بصدق ورغبة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 248).
قوله: «ثلاث مرات»:
قال الملا علي القاري-رحمه الله-:
قوله: «ثلاث مرات» أي: كرَّره في مجالس أو في مجلس بطريق الإلحاح على ما ثبت أنه من آداب الدعاء، وهذا هو الظاهر المتبادر، ويحتمل: أن يكون المراد به: ثلاث أوقات، وهي: عند امتثال الطاعة، وانتهاء المعصية، وإصابة المصيبة، أو عند التصديق والإقرار والعمل. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
قوله: «قالتِ الجنةُ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «قالتِ الجنةُ» قول الجنة والنار يجوز أن يكون حقيقة ولا بُعْد فيه، كما في قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ق: 30، ويجوز أن تكون استعارة، شبَّه استحقاق العبد بوعد الله تعالى ووعيده الجنة والنار في تحققهما وثبوتهما بنطق الناطق، كأنَّ الجنة مشتاقة إلى السائل داعية دخوله، والنار نافرة عنه داعية له بالبعد عنها، فأطلق القول وأراد التحقيق والثبوت، وفي وضع الجنة والنار موضع ضمير المتكلم تجريد ونوع من الالتفات.
ويجوز أَنْ يُقَدَّرَ مضاف، أي: قالت خزنةُ الجنة وخزنةُ النار؛ فالقول إذن حقيقي. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1921).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «قالتِ الجنةُ» ببيان الحال أو بلسان القال؛ لقدرته تعالى على إنطاق الجمادات، أو المراد: أهل الجنة من الحُور والوِلْدان وخزنتها. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
عن حديث: «واشتكت النار»: الظاهر: أنَّ هذا حقيقة، عملًا بالقاعدة الْمُقرِّرة: أنَّ ما ورد في الكتاب والسنة، ولم يَحُلِ العقل على ظاهره، إلا إذا ورد دليل يصرفه عنه. فتح الإله شرح المشكاة (3/58).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
لكن الإسناد مجازي، قال ابن حجر -رحمه الله-: الحمل على لسان الحال وتقدير المضاف مخالف للقاعدة الْمُقرِّرة: أنَ كل ما ورد في الكتاب والسنة ولم يَحُلِ العقل حمله على ظاهره لم يصرف عنه إلا بدليل، ونطق الجمادات بالعرف واقع كتسبيح الحصى في يده -صلى الله عليه وسلم-، وحنين الجذع وغيره اهـ.
أقول (أي: القاري): هذه قاعدة قريبة إلى القواعد الظواهرية؛ فإن المفسرين أجمعوا على تأويل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} يوسف: 82، ولم يقل أحد: إنَّه يمكن بطريق خرق العادة سؤال القرية وجوانبها؛ مع أن الأمر كذلك في نفس الأمر؛ نظرًا إلى المألوف المعتاد. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «قالتِ الجنةُ» وهذا القول يحتمل كونه بلسان القال بأن يخلق الله تعالى فيها الحياة والنطق، وهو على كل شيء قدير، أو بلسان الحال وتقديره: قالت خزنةُ الجنة، من قبيل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} يوسف: 82، ويؤيده ذكر الجنة في قوله: «اللهم أدخله الجنة»، وإلا لقالت: اللهم أدخله إياي، ويحتمل: كونه التفات من التكلم إلى الغيبة. وكذا الكلام في قوله: «قالتِ النارُ». فيض القدير (6/ 144).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «قالتِ الجنةُ» قولًا حقيقيًّا كما هو الظاهر. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 248).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الظاهر: أنَّ هذا المقال هو حقيقة، وأن الله سبحانه يخلق فيهما الحياة والقُدرة على النطق، وقيل: هو بلسان الحال لا بلسان المقال، وقيل: هو على حذف مضاف، أي: قالت خزنة الجنة، وقالت خزنة النار. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 80).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «قالتِ الجنةُ» أي: بلسان المقال، وقد أَبْعَدَ من قال: بلسان الحال. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 77).
قوله: «اللهم أدخله الجنة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أدخله الجنة» أي: دخولًا أوّليًّا أو لحوقًا آخريًا. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أدخله الجنة» أي: دخولًا أَوليًا من غير سبق عذاب، أو لحوقًا آخريًّا، والأول أقرب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 77).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أدخله الجنة» أي: وَفِّقْه لأعمال الداخلين، أو تفضل عليه بها إنْ قَصُرَ عمله عنها. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 248).
قوله: «ومن استجار»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «ومن استجار» أي: استحفظ. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «ومن استجار» أي: طلب الجوار، أي: الحفظ. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 77).
قوله: «من النار»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «من النار» بأَنْ قال: اللهمَّ أَجِرْنِي من النار. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
قوله: «ثلاث مرات»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ثلاث مرات» ظاهره: ولو مرة في عمره. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 249).
قوله: «قالتِ النارُ: اللهم أَجِرهُ من النار»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: احفظه أو أنقذه من النار، أي: من دخوله أو خلوده فيها. مرقاة المفاتيح (4/ 1716).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أَجِرهُ من النار» فيه إشارة إلى أنَّ دعاءهما مقبول. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 299).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال السمهودي -رحمه الله-: لك أن تقول: ما الحكمة في تخصيص الثلاث مع أن الحسن بن سفيان -رحمه الله- روى عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: «ما سأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات...»؟ وأجيب بأنه خَصَّ الثلاث في هذا الحديث لأنَّها أول مراتب الكثرة، والسبعة في غيرها لأنَّها أول مراتب النهاية في الكثرة لاشتمالها على أقل الجمع من الأفراد، وأقل الجمع من الأزواج. فيض القدير (6/ 145).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
وجاء في رواية ذكر العدد في الاستجارة من النار ثلاثًا وحذفه في سؤال الجنة، وهو تنبيه على أنَّ الرحمة تغلب الغضب، وعلى أن عذابه شديد، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} البقرة: 196، فيكفي في طلب الجنة السؤال الواحد بخلاف الاستجارة من النار. فيض القدير (6/ 145).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ورد في حديث... «ما سأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة: إن عبدك فلانًا سألني فأدخله» ومثله في النار، فيحتمل أنَّ ذلك ينقض هذا؛ ولهذا يحتمل أن بالسبع يكون منازله أشرف من صاحب سؤال الثلاث؛ وذلك أنه لا يسأل الله الجنة، ويستجير به من النار، إلا من عنده يقين بالله تعالى وبالدارين. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 249).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
وفي الحديث: حث على كثرة سؤال الجنة والتعوذ من النار.مرعاة المفاتيح (8/ 241).