«كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَه أَمْرٌ صلَّى».
رواه أحمد برقم: (23299) وأبو داود برقم: (1319) والبيهقي في شعب الإيمان برقم: (2913) من حديث حُذيفَةَ بن اليَمَانِ -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4703)، صحيح أبي داود برقم: (1192).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«حزبه»:
أي أَصابَه. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، لأبي موسى المديني(1/ 439).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«إذا حزبه أمر» أي: إذا نزل به هم أو أصابه غم. النهاية (1/ 377)
وقال ابن سيده -رحمه الله-:
والأمر يحْزُبه حَزْبًا: نابه واشتد عليه، وقيل: ضغطه، والاسم الحُزَابةُ، وَأمر حازِب وحَزِيبٌ: شديد. المحكم والمحيط الأعظم (3/ 232).
شرح الحديث
قوله: «إذا حزبه أمر صلى»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إذا حزبه» بموحدة في آخره، أي: نزل به أمر شديد، أو بنون من حزن كنصر، بمعنى: أحزن. حاشية السندي على مسند أحمد (5/369).
وقال المظهِري -رحمه الله-:
قوله: «إذا حزبه أمر صلى» «حزبه» أي: نزل عليه؛ يعني: أو أنزل عليه أمر صلى؛ ليسهل ذلك الأمر ببركة الصلاة. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 303).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا حزبه» بفتح الحاء المهملة والزاي المخففة، والباء الموحدة «أمر» أي: إذا نزل به أمر مهم وألم به أو أصابه غم، أو كرب من أمور الدنيا أو الآخرة في ليل أو نهار «صلى» ومقتضى قواعد المذهب أنها تصلى في أوقات الكراهة؛ لأنها ذات سبب متقدم عليها -خلافًا للغزالي- واحترزنا بالسبب المتقدم عن المتأخر كركعتي الإحرام والاستخارة؛ فإن السبب متأخر عنها فلا تفعل، ورأيتُ بعض مشايخنا يفعلها في غير وقت الكراهة؛ حين قصد بعض الظلمة أن ينهب الرملة ويسفك فيها الدماء، فاجتمع أهل المدينة من أطراف الرملة يقاتلونهم ويذبون عن أهليهم وذراريهم، كل ذلك وهو مقبل في صلاته على الله تعالى إلى أن هزمه الله تعالى، ورده خاسئًا مخذولًا، فلله الحمد. شرح سنن أبي داود (6/ 486).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«إذا حزبه» أي: نابه «أمر» شديد «صلَّى» أي: بادر إلى الصلاة، فالمراد بالصلاة الصلاة الشرعية أو الدعاء. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (5/ 562).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«صلى» أي: تسهيلًا للأمر وامتثالًا للأمر الذي في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} البقرة: 45، أي: بالصبر على البلايا والالتجاء إلى الصلاة... وهذه الصلاة ينبغي أن تسمى بصلاة الحاجات؛ لأنها غير مقيدة بكيفية من الكيفيات ولا مختصة بوقت من الأوقات. مرقاة المفاتيح (3/ 990).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«صلى» لأن الصلاة معينة على دفع جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه؛ وذلك شأن كل كبير في حق من أقبل بكليته عليه. فيض القدير (5/ 120).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزبه أمرٌ قام إلى الصلاة؛ لأن الصلاة صلة، وكان يقول: «وجعلت قرة عيني في الصلاة». الحكم الجديرة بالإذاعة (ص: 21).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«كان إذا حزبه أمر صلى»...نحوه قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} البقرة: 45، أي: استعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها، والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها، عن ابن عباس: أنه نُعي إليه أخوه قُثَم -وهو في سفر- فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين، ثم قرأ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} البقرة: 45. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1247).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«صلى» لما في الصلاة من الإعانة على دفع النوائب والأحزان؛ إذ هي إقبال على الله تعالى وإعراضًا عما سواه وهو تعالى مفرج كل كربة وكاشف كل هم وحزن وهل يصلي إلى أن ينجلي القلب عن كسوف الحزن أو يجزئ بالركعتين ونحوها. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 368 369).
وقال ابن باديس -رحمه الله-:
«كان إذا حزبه أمر صلى» وفزع للصلاة، يعني: إذا نزل به مهم أو أصابه غم فزع للصلاة، فبين لنا بالفعل أنَّ الفرار إلى الله بالتلبس بطاعته وصدق التوجه اليه، والدعاء والتضرع والخشوع له، والاستسلام لدينه وشرعه والإخلاص في عبادته والاعتماد عليه، وذلك كله موجود على أكمله في الصلاة التي هي عمود الدين ومظهر كماله، جعلنا الله والمسلمين من الفارين اليه، والمقبولين لديه، آمين. تفسير ابن باديس (ص: 364).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قوله: «كان إذا حزبه أمر صلى» يعني: فزع إلى الصلاة -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك أن الصلاة فيها الأنس بالله -عز وجل-، ومناجاته، والتسلية عن الشيء الذي أَحزنه وحزبه وأهمه، فكان يفزع إلى الصلاة -صلى الله عليه وسلم-. شرح سنن أبي داود (161/ 18).
وقال العيني -رحمه الله-:
ويستفاد من هذا: أن الرجل إذا نزل به أمر يهمه، يستحب له أن يصلي. شرح سنن أبي داود (5/ 226).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
واختلف إشاراتهم في أن الاشتغال بالعبادة يكشف الغم والحزن عن القلب، فقال بعض المحققين: إذا اشتغل الإنسان بالعبادة انكشف عالم الربوبية، ومتى حصل ذلك الانكشاف صارت الدنيا بكليتها حقيرة، فخف على القلب فقدانها ووجدانها، فلا يستوحش من فقدانها، ولا يستريح من وجدانها، وعند ذلك يزول الحزن والغم، وقال بعضهم: إذا نزل بالعبد بعض المكاره وفزع إلى الطاعات كأنه يقول: تحتسب علي عبادتك، سواء أعطيتني الخيرات أو ألقيتني في المكروهات. لمعات التنقيح (3/ 435).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه دليل على أن الصلاة تدفع الهموم والأحزان، وأنها دواء لذلك الداء. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 20).
وقال محمد بن نصر المروزي -رحمه الله-:
لا نعلم طاعة يدفع الله بها العذاب مثل الصلاة.تعظيم قدر الصلاة(1/٢٣٠)
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل الحديث على أنه ينبغي لمن نزل به كرب وهمّ أن يفزع إلى خدمة مولاه بالصلاة.
ومنه أخذ بعضهم ندب صلاة المصيبة وهي ركعتان عقبها. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (7/ 248).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
وخص الصلاة بالالتجاء إليها لأنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية، من الطهارة وستر العورة، وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الحق، وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين، وكف النفس عن الأطْيَبَيْنِ (هما الأكل والجماع)، حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (11/ 448).