الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«‌أُحِلَّتْ ‌لكم ‌مَيْتَتَانِ ‌ودَمَانِ، فأما الميتتانِ، فالحُوتُ والجَرَادُ، وأما الدَّمَانِ، فالكَبِدُ وَالطِّحَالُ».


رواه أحمد برقم: (5723)، وابن ماجه برقم: (3314)، والبيهقي في الكبرى برقم: (1196) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1118)، صحيح سنن ابن ماجه برقم: (3314).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«مَيْتَتَانِ»:
تثنية ميتة، وهي ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (1/ 47).

«‌الحُوتُ»:
معروف، وهو ما عظُم من السّمك، وَالْجمع: حيتان وأحوات، وقال قوم: بل السّمك كُله حيتان. جمهرة اللغة، لابن دريد (1/ 387).
وقال الجوهري -رحمه الله-:‌
الحوتُ: السمكة، والجمع: الحيتانُ. الصحاح (1/ 247).


شرح الحديث


قوله: «‌أُحِلَّت ‌لكم ‌مَيْتَتَانِ ‌ودمان»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«أُحِلَّتْ لنا ميتتان» تثنية ميتة، وهي ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية، «ودمان» تثنية دم بتخفيف ميمه وشدِّها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 47).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وذلك أن قوله -عليه السلام-: «أحلت لنا ميتتان» مذكور لبيان الرخصة، والاستثناء من الميتة المحرم أكلها؛ وذلك يقتضي الحصر؛ لأن ما عداه يبقى على الأصل في التحريم، فيضم في الدلالة إلى التخصيص بهذا المعنى. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 157).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أُحِلَّتْ لنا ميتتان ودمان» أي: في حال الاختيار والاضطرار. مرقاة المفاتيح (7/ 2674).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أُحِلَّتْ لنا ميتتان» أي: بعد تحريمهما الذي دلت عليه الآيات، «ودمان» كذلك. سبل السلام (1/ 35).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«أُحِلَّتْ لنا ميتتان ودمان» فيه الإبهام أولًا ثم التفسير ثانيًا؛ إشارة إلى عظم الْمِنَّة بذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 435).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «أُحِلَّتْ لنا ميتتان» إذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أُحِلَّتْ، أُحِلَّ لنا، أو نُهِيْنَا عن كذا، أو أُمِرْنا بكذا، فالفاعل مَن؟ الله -عز وجل-، فيكون «أُحِلَّتْ لنا» أي: أَحلّ الله لنا. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 102).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «أُحِلَّتْ لنا ميتتان ودمان» هذا كالاستثناء من قوله تعالى: {‌حُرِّمَتْ ‌عَلَيْكُمُ ‌الْمَيْتَةُ ‌وَالدَّمُ} المائدة: 3، ومعلوم أن الميتة والدم نجسان؛ لأنهما حرام، وقد ذكرنا قبل أن كل حيوان محرم فهو نجس. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 103).

قوله: «فأما الميتتان، فالحُوتُ»:
قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
اشتهر بين الفقهاء حديث: «أُحِلَّتْ لنا ميتتان ودمان، فالميتتان السمك والجراد»؛ فإذا نظرنا إلى هذا مع عموم قوله -عليه السلام-: «الحل ميتته» كان هذا اللفظ عامًّا، لكن قوله: «أُحِلَّتْ لنا ميتتان»، وتعيين الميتتين في السمك والجراد مما يظهر فيه التخصيص، وتعيين الميتتين في هذين المذكورين، فيُشْكِلُ عليه مذهب عامة الفقهاء في عدم تخصيص الحل بالسمك، إلا أن يُدَّعَى في بعض ما يقال بحله أن السمك ينطلق عليه.
وقد قيل: إن الخلاف في تحريم ما له نظير محرَّم في البَرِّ يبنى على هذا؛ أعني: أنه هل يسمى سمكًا، فيؤخذ حله من اللفظ المقتضي تحليل ميتة السمك أم لا؟
ويؤخَذُ حِلُّ ما عدا السمك من دليل آخرَ، كقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} المائدة: 96، وينظرُ مع ذلك في اللفظين معًا بما يقتضيه النظرُ الصحيحُ، وإنما ذكرنا هذا للتنبيه على ما ينبغي أن يُؤخَذَ من الحديث وما لا. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (1/ 156- 157).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فأما الميتتان فالحوت» يعني: حيوان البحر الذي يحل أكله وإن لم يُسَمَّ سمكًا، وكان على غير صورته ولو طافيًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 47).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وكذلك يدل على حل ميتة الحوت على أي صفة وجد، طافيًا كان أو غيره؛ لهذا الحديث، وحديث: «الحل ميتته». سبل السلام (1/ 35).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وقد ذهب الجمهور إلى إباحة ميتة البحر؛ سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالاصطياد، وعن الحنفية والهادي والقاسم والإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه: إنه لا يحل إلا ما مات بسبب آدمي أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه، وأما ما مات أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحل. نيل الأوطار (8/ 169).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«والحوت» يشمل جميع ما في البحر من حيوان، كل ما في البحر فإنه حوت وميتته حلال، ميتة البحر حلال مستثناة من الميتة. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 103).

قوله: «والجَرَاد»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: أكل الجراد مباح على عُموم الأحوال عند أكثر العلماء، لا يفرقون بين ما مات منه بعد أن يؤخذ، وبين ما وجد منه ميتًا، وسكوت الحديث عن تفصيل أمره دليل على التسوية فيه على اختلاف أحواله.
وذهب مالك بن أنس في الجراد إلى أن ما وُجد منه حيًّا ثم قطع أو شوي شيًّا فلا بأس بأكله، وما أُخِذ حيًّا فغفل عنه حتى يموت فلا يؤكل، وإنما هو بمنزلة ما وجد ميتًا قبل أن يُصاد؛ لأنه من صيد البر، وأنَّ ذكاته قَتله، وقال اللَّيث بن سعد: أكره الجراد ميتًا، فأما ما أُخذ وهو حيٌّ فمات، فلا يرى بأكله بأسًا، وقال مالك في المجوسي يصطاد الجراد: لا يؤكل، وأكثر أهل العلم على إباحته، والمسلم والمجوسي في صيده سواء؛ لأن ميتته بمنزلة الذّكي. أعلام الحديث (3/ 2074-2075).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«والجراد» هَبْهُ مات باصطياد بقطع رأس أم غيره أم حتف أنفه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 47).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ويدل على حل ميتة الجراد على أي حال وُجِدَتْ، فلا يعتبر في الجراد شيء، سواء مات حتف أنفه أو بسبب.
والحديث حُجة على من اشترط موتها بسبب عادي، أو بقطع رأسها، وإلا حرمت. سبل السلام (1/ 35).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
وأما حديث: «الجراد أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه» فهو من أدلة حله، خلافًا لمن زعم خلاف ذلك، وإنما ترك أكله لعلة كما ترك أكل الضب. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 103).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأجمع المسلمون على إباحته (أي: الجراد)، ثم قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والجماهير: يحل؛ سواء مات بذكاة، أو باصطياد مسلم، أو مجوسي، أو مات حتف أنفه، سواء قطع بعضه، أو أحدث فيه سبب، وقال مالك في المشهور عنه وأحمد في رواية: لا يحل إلا إذا مات بسبب، بأن يقطع بعضه، أو يسلق، أو يلقى في النار حيًّا، أو يشوى، فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل، -والله أعلم-. شرح مسلم (13/ 103-104).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
والجراد أشكال، منه مأكول، ومنه ما لا يؤكل؛ لضرره، وقلة فائدته في التغذية؛ ولأجل أكله يُفدى في الإحرام، وجراد الحجاز كله مأكول، وجراد الأندلس غير مأكول، إنما هو ضرر محض، والكل يقتل، ويُدعى عليه؛ لما فيه من فساد الأرزاق في النبات والأشجار والثمار، وقطع المعاش. عارضة الأحوذي (6/14).
وقال الشوكاني -رحمه الله- مُعلقًا:
وهذا إن ثبت أنه يَضُرُّ آكله بأن يكون فيه سُمِّيَّة تخصه دون غيره من جراد البلاد تَعَيَّنَ استثناؤه.
وذهب الجمهور إلى حل أكل الجراد ولو مات بغير سبب، وعند المالكية اشتراط التذكية، وهي: هنا أن يكون موته بسبب آدمي، إما بأن يقطع رأسه أو بعضه أو يسلق أو يلقى في النار حيًّا، فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل.
واحتج الجمهور بحديث ابن عمر المذكور في الباب. ولفظ الجراد: جنس يقع على الذكر والأنثى، ويميز واحده بالتاء؛ وسمي جرادًا لأنه يجرد ما ينزل عليه، أو لأنه أجرد: أي أملس، وهو من صيد البر وإن كان أصله بحريًّا عند الأكثر. نيل الأوطار (8/ 169).
وقال المغربي -رحمه الله-:
روي في البحر عن مالك: أنه لا بد من قطف رؤوسِها وإلا حرُمت، والحديث حجة عليهم. البدر التمام شرح بلوغ المرام (1/ 117).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
يباح أكل الجراد بإجماع أهل العلم، وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: «غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد»، رواه البخاري وأبو داود، ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب في قول عامة أهل العلم؛ منهم: الشافعي، وأصحاب الحديث، وأصحاب الرأي، وابن المنذر.
وعن أحمد: أنه إذا قتله البرد لم يؤكل، وعنه: لا يؤكل إذا مات بغير سبب، وهو قول مالك، ويروى أيضًا عن سعيد بن المسيب.
ولنا عموم قوله -عليه السلام-: «أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان»؛ فالميتتان السمك والجراد ولم يُفَصِّل، ولأنه تباح ميتته، فلم يعتبر له سبب كالسمك، ولأنه لو افتقر إلى سبب لافتقر إلى ذبح وذابح وآلة كبهيمة الأنعام. المغني (11/ 43).

قوله: «وأما الدمان: فالكَبِدُ والطِّحَالُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الكبد» بفتح فكسر...، «والطحال» بكسر أوله، وهما دمان جامدان. مرقاة المفاتيح (7/ 2674).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأما الدمان: فالكبد والطِّحال» بِزِنَةِ (كتاب): معروف، وتسميتهما (دمًا) باعتبار ما كانا عليه، وإلا فإنهما لا يؤكلان إلا وقد صارا لحمًا. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 435-436).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
والكبد حلال بالإجماع، وكذلك مثلها الطحال، فإنه حلال. سبل السلام (1/ 35).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«‌والطِّحال» -بكسر الطاء-: من الأمعاء معروف، ويقال: هو لكل ذي كرش إلا الفرس فلا طِحال له. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 61).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وأما الدمان فالكبد» بفتح فكسر أفصح، «والطحال» ككتاب، قال العراقي: وهذا لا يقتضي اختصاص الْحِلِّ بالميتتين المذكورتين أو الدمين؛ لأنه مفهومُ لقب، وهذا سماه السبكي: مفهوم العدد، وهو غير حجة اتفاقًا، وفرق بينه وبين مفهوم المعدود عند القائل بحجيته بأن العدد يشبه الصفة، والمعدود لا يذكر معه أمر زائد، فيفهم منه انتفاء الحكم عما عداه. فيض القدير (1/ 200).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وأما الدمان: فالكبد والطحال» الكبد: معروف، والطحال: قطعة تشبه الكبد من بعض الوجوه، لاصقة في المعدة، هذه أيضًا حلال مع أنها دم. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 103).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
فيُستفاد من هذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: أنه ليس للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يحلل إلا بإذن الله؛ لقوله: «أُحِلَّت لنا»، وهذا مبني على صحة الحديث مرفوعًا...
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وإلقائه الخطاب؛ وذلك بالإجمال ثم التفصيل: «ميتتان ودمان» عندما يرد على سمع المخاطب مثل هذه تجده يتشوق ما هذا؟ ما هاتان الميتتان وهذان الدمان؟ وهذا لا شك أنه من حسن التعليم، أن الإنسان يأتي بالشيء مجملًا ثم يأتي به مفصلًا... فالإجمال ثم التفصيل لا شك أنه من أساليب البلاغة البالغة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الجراد ميتته حلال، وهذا إذا صار بفعل آدمي فلا شك في ذلك كما لو شوى الجرادة، أو كبها في الماء الذي يغلي من النار؛ هذا واضح أنه حلال؛ لأنه من فعل العبد، لكن لو وجدنا جرادًا ميتًا على ظهر الأرض أحلال هو أم لا؟ حلال، إلا إذا علمنا أنه مات بسم؛ يعني: أن مبيدات رُشَّتْ عليه ومات، فهنا نقول: لا تأكله؛ لأن في ذلك ضررًا، والدين الإسلامي قاعدته: (لا ضرر ولا ضرار)...
ومن فوائد هذا الحديث:
حل جميع حيوانات البحر، ونسأل لو وُجِدَتْ سمكة على صورة أنثى -فتاة- حلال أم حرام؟ حلال، جميع الحيتان حلال سواء على صورة آدمي، أو صورة سبع، أو صورة كلب؛ لعموم قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُم صَيْدُ البَحْرِ وَطَعَامُهُ} المائدة: 96.
ومن فوائد هذا الحديث: حل الكبد ولو كانت تقطر دمًا، لكن بشرط أن تكون من مُذَكَّاة مع أنها دم، ماذا نقول في دم القلب بعد الذبح؟ لأن القلب بعد الذبح يتحجر فيه الدم؛ ولهذا إذا شقه الإنسان صار فيه دم أهو نجس أم طاهر؟ أحلال أو حرام؟ حلال.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الميتات التحريم، الدليل: «أُحِلَّ ميتتان» يعني: غير هذا حرام، ويؤخذ هذا من المنطوق أو من المفهوم؟ من المفهوم، يعني: وحرم علينا ما سواهما. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 103-106).


ابلاغ عن خطا