الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

عن بَهْزِ بن حَكِيمٍ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ: عوراتُنَا ما نأتي منها وما نَذَرُ؟ قال: «احفظْ عورتَكَ إلا من زوجتِكَ أو ما ملكتْ يمينُكَ» قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إذا كانَ القومُ بعضُهُم في بعضٍ؟ قال: «إنْ استطعتَ أنْ لا ‌يَرَيَنَّهَا أحدٌ فلا ‌يَرَيَنَّهَا» قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إذا كانَ أحدُنَا خاليًا؟ قال: «اللهُ أحقُّ أنْ يُسْتَحْيَا منه مِن الناسِ».


رواه أبو داود برقم: (4017) واللفظ له، وأحمد برقم: (20034) ورقم: (20040)، وابن ماجه برقم: (1920)، والترمذي برقم: (2769) ورقم: (2794)، والنسائي في الكبرى برقم: (8923)، من حديث معاوية بن حَيْدَة القُشَيْرِي -رضي الله عنه-.
ورواه البخاري تعليقًا (1/ 64)، من حديث بهز بن حَكِيمٍ عن أبيهِ عن جَدِّهِ عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «أَحَقُّ ‌أن ‌يُسْتَحْيَا منه من الناس».
صحيح سنن أبي داود برقم: (4017)، صحيح سنن ابن ماجه برقم: (1920).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عوراتنا»:
«العورات» جمع عورة، وهي: كل ما يستحيا منه إذا ظهر، وهي من الرجل: ما بين السرة والركبة، ومن المرأة الحرة: جميع جسدها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، وفي أخمصها خلاف، ومن الأَمَة: مثل الرجل، وما يبدو منها في حال الخدمة، كالرأس والرقبة والساعد فليس بعورة. النهاية، لابن الأثير (3/ 318- 319).

«نَذَرُ»:
أي: ما نتركه ظاهرًا. شرح سنن أبي داود لابن رسلان (16/ 173).

«خاليًا»:
أي: منفردًا، ليس معه أحد. الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية للمناوي(ص: 19).
وقال الصاحب بن عباد -رحمه الله-:
يقال: خلا الشيء يخلو خلاءً أي: فرغ. المحيط في اللغة (4/ 414).

«أحق»:‌
أي: ‌أوجب. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 46).

«يُسْتَحيا»:
الحياء: ‌انقباض ‌النفس من شيء وتركه حذرًا عن اللوم فيه. التعريفات، للجرجاني (ص: 94).
الحياء: انحصار النفس عن خوف ارتكاب القبائح، أو عن خوف ما يعاب. معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، للسيوطي (ص:205).
الحياء: ‌انقباض ‌النفس عن عادة انبساطها في ظاهر البدن لمواجهة ما تراه نقصًا، حيث يتعذر عليها الفرار بالبدن، وقيل: التراقي عن المساوئ خوف الذَّمِّ. التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي (ص: 150).


شرح الحديث


قوله: «قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ: عوراتنا ما نأتي منها وما نَذَرُ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
أي: عوراتنا التي نستحي من رؤيتها ما نستر منها وما نتركه ظاهرًا؟ شرح سنن أبي داود (16/ 173).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «عوراتنا» إلخ، أي: أيّ عورة نسترها وأيّ عورة نترك سترها؟ حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 593).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«قال: قلتُ: يا رسول الله، عوراتنا» أي: عوراتنا التي نستحي من رؤيتها «ما نأتي منها وما نذر؟» أي: ما نستتر منها وما نتركه ظاهرًا. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (12/ 46).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ظاهر الإتيان المراد به: الوطء. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 453).

قوله: «احفظ عورتك»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «احفظ ‌عورتك» عدل عن قوله: استر إلى «احفظ» ليدل سياق الكلام على الأمر بستر العورة استحياءً ممن ينبغي أن يستحى منه من الله تعالى ومن خلقه، ويشير به إلى معنى قوله تعالى: {‌وَالَّذِينَ ‌هُمْ ‌لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} المؤمنون: 5؛ لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة، وهي إلى الزنا. الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2275).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال: «احفظ عورتك» من كل الآدميين. شرح سنن أبي داود (16/ 173).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«احفظ ‌عورتك» أي: من التكشُّف أو من الجماع والأول أبلغ. مرقاة المفاتيح (5/ 2056).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«احفظ عورتك» صُنها عن العيون؛ لأنها خُلِقَت من آدم مستورة، وقد كانت مستورة عن آدم وحواء، ودخلا الجنة ولم يعلما بها حتى أكلا من الشجرة فانكشفت؛ فَأُمِرا بسترها. فيض القدير (1/ 195).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وهذا يعمُّ حفظَها من النظر والمسِّ. شرح عمدة الفقه (1/ 441).

قوله: «إلا من زوجتك»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إلا من زوجتك» هذا الخطاب وإن كان لمفرد مواجه فإنه خطاب للجميع الحاضر منهم والغائب؛ لقرينة عموم السؤال، فاكتفى بتبيين الحكم له خاصة؛ لمشاركة غيره له ومساواته في الحكم.
وفيه: أنه ليس على الرجل حفظ عورته من زوجته، كما أن المرأة ليس عليها حفظ عورتها من زوجها، ولا يحرم على أحد الزوجين أبدًا شيء لصاحبه من نفسه؛ لهذا الحديث، ولا خلاف فيه في غير الفرج، إنما الخلاف في جواز نظر الرجل إلى فرج امرأته، والصحيح عند الشافعي: الكراهة. شرح سنن أبي داود (16/ 173).
وقال البهوتي -رحمه الله-:
ولأن الفرج محل الاستمتاع، فجاز النظر إليه كبقية البدن، والسنة ألّا ينظر كلّ منهما إلى فرج الآخر، قالت عائشة: «ما رأيتُ فرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» رواه ابن ماجه، وفي لفظ قالت: «ما رأيته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا رآه مني». كشاف القناع (11/ 171).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وهذا يدل على أن النكاح والمِلْك يُبيحان النظر إلى السوءتين من الجانبين. شرح المصابيح (3/ 553).
وقال ابن بطال -رحمه الله -:
أجمع العلماء على أن للرجل أن يرى عورة أَهله وترى عورته. شرح صحيح البخاري (1/ 396).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ومفهوم قوله: «إلا من زوجتك» يدل على أنه يجوز لها النظر إلى ذلك منه، وقياسه أنه يجوز له النظر، ويدل أيضًا على أنه لا يجوز النظر لغير من استُثْنِيَ، ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة. فتح الباري (1/ 386).

قوله: «أو ما ملكت يمينك»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أو ما ملكت يمينك» يدخل فيه الذكر والأنثى، والقنَّة والمدبَّرة والمكاتَبَة والمعلَّق عتقُها بصفة، وأم الولد، فإن الكل يضمنون بالقيمة. شرح سنن أبي داود (16/ 173).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والسيد إن ملك وطء أمة فهما كالزوجين، وإن لم يملك كأخته وعمته أو رضيعته أو صرته، فهي كما لو كانت حرة، كذا قالت الشافعية. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 453).
وقال عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله-:
«أو ما» أي: والأمة التي «ملكت يمينك» وحل لك وطؤها؛ وعبَّر باليمين لأنهم كانوا يتصافحون بها عند العقود. تحفة الأحوذي (8/ 44).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والمرأة تحفظ عورتها حتى مما ملكت يمينها إلا من زوجها. فيض القدير (1/ 195).

قوله: «قال: قلتُ: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: قلتُ: يا رسول الله» أرأيت «إذا كان القوم بعضهم» بالرفع بدل و«في بعض» خبر «كان» يحتمل أن يراد به: رؤية الأقارب بعضهم في بعض؛ كالأب والجد والابن وابنه ومن في معناهم، ويحتمل أن يراد به: الْمِثْل لِمِثْله؛ كالرجل للرجل والمرأة مع المرأة، ويدل عليه حديث الترمذي، فإن لفظه: فقال: «الرجل يكون مع الرجل؟». شرح سنن أبي داود (16/ 174).
وقال السندي -رحمه الله-:
«بعضهم في بعض» أي: مختلطون فيما بينهم مجتمعون في موضع واحد. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 593).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا كان القوم بعضهم في البعض» خصَّ السائل هذه الحالة؛ لأنها مَظِنَّة انكشاف العورة للازدحام وضيق الأماكن وعدم السراويل؛ كما كانت عليه العرب. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 429).
وقال عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله-:
«إذا كان القوم بعضهم في بعض» أي: مختلطون فيما بينهم، مجتمعون في موضع واحد، ولا يقومون من موضعهم، فلا نقدر على ستر العورة وعلى الحجاب منهم على الوجه الأتم والأكمل في بعض الأحيان؛ لضيق الإزار، أو لانحلاله لبعض الضرورة، فكيف نصنع بستر العورة، وكيف نُحْجَبُ منهم؟ تحفة الأحوذي (8/ 44).

قوله: «إن استطعت أن لا يَرَيَنَّها أحد فلا يَرَيَنَّها»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قال: «إن استطعت أن لا يراها أحد..» أما الأب وما في معناه فيبينه الحديث الصحيح عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنَّعَت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطَّت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك»؛ ففي هذا: جواز إبداء الشعر والقدمين للأب والمملوك، وأما الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة فيجوز -مع الأمن- النظر لما عدا ما بين السرة والركبة، وقيل: لا يجوز إلا ما ينظر الرجل من المحرم...
وفيه: دليل على الاجتهاد على حفظ العورة على حسب الاستطاعة، فإن دعت الضرورة إلى شيء من ذلك جاز، كأن لا يجد ما يستر به، فإن وجد ما يستر البعض تعين ستره، ويقدم ستر الأقبح فالأقبح. شرح سنن أبي داود (16/ 174).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إن استطعت أن لا يَرَيَنَّها أحد» بنون التوكيد شديدة، أو خفيفة (فلا يَرَيَها أحد)، اجتهِدْ في حفظها ما استطعت، وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها. فيض القدير (1/ 195).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قال: «إن استطعت أن لا يَرَيَنَّها أحد فلا يَرَيَنَّها» فجعل ذلك بالاستطاعة؛ إما لإرادة التسهيل في مثل تلك المواقف لتعذر الاحتراز، ويحتمل: أنه أراد أن ذلك مستطاع على كل حال من الأحوال. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 429).

قوله: «قلتُ: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: قلتُ: يا رسول الله» أرأيت «إذا كان أحدنا خاليًا؟» من الناس. شرح سنن أبي داود (16/ 174- 175).
وقال عبد الرحمن المباركفوري رحمه الله-:
«قلتُ: فالرجل يكون خاليًا» أي: في خلوة، فما حكمة الستر حينئذٍ؟ تحفة الأحوذي (8/ 44).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إذا كان الرجل خاليًا» أي: هل يجوز النظر إلى عورته؟ «قال: فالله أحق أن يستحيا منه» يدل على وجوب الستر في الخلوة. شرح المصابيح (3/ 553).

قوله: «الله أحق أن يستحيا منه من الناس»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«الله أحق أن يستحيا» زاد البخاري: «منه من الناس»، وهذه القطعة ذكرها البخاري في الطهارة تعليقًا، وفي بعض نُسَخِهِ بدل «أن يستحيا منه»: «أن يستتر منه»، وترجم عليه: باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل.
وقوله: «من الناس» متعلق بقوله: «أحق». شرح سنن أبي داود (16/ 175).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أن يستحيا منه» أي: فاستر طاعة له، وطلبًا لما يحبه منك ويرضيه، وليس المراد: فاستتر منه، إذ لا يمكن الاستتار منه -جل ذكره وثناؤه-. وقوله: «من الناس» متعلق بـ«أحق». حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 593).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«الله أحق» أي: أوجب «أن يستحيا» بالبناء للمجهول «منه من الناس» عن كشف العورة، وهو تعالى وإن كان لا يحجبه شيء، ويرى المستور كما يرى العاري؛ لكن رعاية الأدب تقتضي الستر.
قال العلائي وغيره: وهذا إشارة إلى مقام المراقبة؛ فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فَلَأَنْ يستحيي من ربه المطلع عليه في كل حال وكل وقت أولى، والداعي إلى المراقبة أمور أعظمها الحياء. فيض القدير (1/ 195).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «الله أحق» يعني: أن الله سبحانه وإن كان يعلم سِرَّهم ونجواهم إلا أنه ينبغي أن يُسْتَحْيَا منه مما يُسْتَحْيَا فيما بين الناس، فهذا من الآداب. فيض الباري على صحيح البخاري (1/ 467).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
يحتمل أن المراد: أنه تعالى لا يفارقك بحال؛ فلا تكشف عورتك أصلًا، ويحتمل: أن الملائكة لا تفارقك؛ فلا تبرز عورتك وأنت خالٍ، وعلى كل حال، فهو إرشاد إلى حفظ العورة في جميع الأحوال. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 429).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
فهو محمول عند الفقهاء على الندب والاستحباب للتستر في الخلوة لا على الإيجاب. شرح صحيح البخاري (1/ 395).
وقال الدميري -رحمه الله-:
فإن قيل: الستر لا يحجب عن الله؛ لأنه تعالى يرى المستور كما يرى المكشوف؟ فالجواب: أنه يرى المكشوف تاركًا للأدب، والمستور متأدبًا. النجم الوهاج في شرح المنهاج (2/ 189).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ثم إن ظاهر حديث بهز يدل على أن التعرِّي في الخلوة غير جائز مطلقًا، لكن استدلَّ المصنف على جوازه في الغسل بقصة موسى وأيوب -عليهما السلام-، ووجه الدلالة منه -على ما قال ابن بطال-: أنهما ممن أمرنا بالاقتداء به، وهذا إنما يأتي على رأي من يقول: شرع من قبلنا شرع لنا، والذي يظهر: أن وجه الدلالة منه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قص القصتين ولم يتَعَقَّب شيئًا منهما، فدل على موافقتهما لشرعنا، وإلا فلو كان فيهما شيء غير موافق لَبَيَّنَه، فعلى هذا فيجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز بن حكيم على الأفضل، وإليه أشار في الترجمة، ورجح بعض الشافعية تحريمه، والمشهور عند متقدميهم كغيرهم الكراهة فقط. فتح الباري (1/ 386).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
ولم يختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس لا تجوز الصلاة عريانًا مع قدرته على اللباس باتفاق العلماءمجموع الفتاوى(22/117)


ابلاغ عن خطا