الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، لا يضرُّكَ بأيِّهِنَّ بدأتَ».


رواه مسلم برقم: (2137)، من حديث سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سبحان الله»:
معناه: سَبَّحتُ الله ونزَّهتُه عن كل عيب. غريب الحديث، للخطابي (1/ 140).
وقال الجوهري-رحمه الله-:
والتسبيح: التنزيه، و«سبحان الله» معناه: التنزيه لله، نُصِبَ على المصدر، كأنه قال: أُبرِّئُ الله من السُّوءِ براءة. الصحاح (1/ 372).
وأصل التسبيح: التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص. النهاية لابن الأثير (2/ 331).

«الحمد لله»:
«الحمد»: هو الثناء على الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها. التعريفات، للجرجاني (ص: 93).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
«الحمد»: الرضا، والجزاء، وقضاء الحق. تاج العروس(8/ 38).
وقال الليث -رحمه الله-:‌
التحميد: كثرة حمد الله بالمحامد الحسنة. تهذيب اللغة، للأزهري (4/ 252).

«الله أكبر»:
قيل: معناه: الله أكبر مِن كُلِّ شيء، أي أَعظم. وقيل: معناه: ‌الله ‌أكبر ‌مِن ‌أن ‌يُعرف ‌‌كُنْهُ ‌كِبريائه وعَظمتِه. النهاية في غريب الحديث(4/١٤٠)
وقال الراغب -رحمه الله-:
والتكبير يقال لتعظيم الله تعالى بقولهم: الله أكبر، ولعبادته واستشعار تعظيمه. المفردات، للراغب (ص: 698).


شرح الحديث


قوله: «أحب ‌الكلام ‌إلى ‌الله أربع»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «أحب ‌الكلام ‌إلى ‌الله أربع» أي: أحقه قبولًا، وأكثره ثوابًا، ويعني بالكلام: المتضمن للأذكار، والدعاء، والقُرَبِ من الكلام، وإنما كانت هذه الكلمات كذلك؛ لأنها تضمنت تنزيهه عن كل ما يستحيل عليه، ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله، وانفراده بوحدانيته، واختصاصه بعظمته وقِدَمِه المفهومَيْن من أَكْبَرِيَّتِهِ. المفهم (5/ 461).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
فقد مضى هذا الحديث بأن الأربعة متساوية في الأفضلية والأحَبِّيَّة؛ من غير مراعاة تقديم بعضها على بعض، ولا تأخيره، وأن التسبيح وحده لا ينفرد بالأفضلية، ولا التهليل وحده أيضًا ينفرد بها، وإذا ثبت ذلك فحيث أطلق أن أحد هذه الأذكار الأربعة أفضل الكلام أو أحبه، إنما يُرَادُ إذا انضمت إلى أخواتها الثلاث المذكورة في هذا الحديث، إما مجموعة في اللفظ، أو في القلب بالذكر؛ لأن اللفظ إذا دل على واحد منهما بالمطابقة دل على سائرها باللزوم. المفهم (7/ 59).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
الظاهر: أن المراد من «الكلام»: كلام البشر، فإن الثلاث الأُوَلَ وإن وُجِدَتْ في القرآن، لكن الرابعة لم توجد فيه، ولا يفضل ما ليس فيه على ما هو فيه... والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من التنزيه والتحميد والتوحيد والتمجيد، ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالًا. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 61- 62).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أحب الكلام إلى الله»... وفي رواية: «أفضل» هذا محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل، -والله أعلم-. شرح النووي على مسلم (17/ 49).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
هذه الفضائل وما شاكلها إنما هي ‌لأهل ‌الشرف ‌في ‌الدِّين، ‌والكمال والطهارة من الجرائم العظام، ولا يُظَنُّ أن من فعل هذا وأصرّ على ما شاء من شهواته، وانتهك دين الله وحرماته؛ أنه يلحق بالسابقين المطهرين، وينال منزلتهم في ذلك- بحكاية أحرف ليس معها تُقى ولا إخلاص، ولا عمل، ما أظلمه لنفسه من يتأوَّل دين الله على هواه. شرح صحيح البخاري (10/ 134).
وقال المغربي -رحمه الله- مُعلقًا:
ويشهد له قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الجاثية: 21، -والله سبحانه أعلم-. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 429).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال بعض المتكلمين على المعاني: هذه الفضائل التي جاءت في هذه الأذكار إنما هي لأهل الشرف في الدين، والطهارة من الكبائر، دون الْمُصِرِّين وغيرهم، وفيما قاله نظر، والأحاديث عامة، ولو قال: لمن قالها معظِّمًا لرَبِّه، مخلصًا من قلبه، نيتُه صادقة مطابقة لقوله- كان أولى. إكمال المعلم (8/ 226).
وقال النووي -رحمه الله- مُعلقًا:
قلتُ: الصحيح أنها لا تختص، -والله أعلم-. شرح النووي على مسلم (17/ 48).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
يحتمل أن يتناول كلام الله أيضًا؛ فإنها موجودة فيه لفظًا إلا الرابعة فإنها موجودة معنى، وأفضليتها مطلقًا؛ لأنها هي الجامعة لمعاني التنزيه والتوحيد، وأقسام الثناء والتحميد، وكُل كلمة منها معدودة من كلام الله. مرقاة المفاتيح (4/ 1592).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أي: ما يتكلم به الإنسان، فيخرج من ذلك القرآن الكريم؛ فإنه أحب ما يُتَقَرَّبُ إلى الله به: ما خرج منه وهو القرآن. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 478).

«سبحان الله»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
إنما التسبيح ‌أحب ‌الكلام ‌إلى ‌الله -عز وجل- لأن معنى التسبيح: التنزيه له عن كل ما لا يجوز عليه من المثل والشّبه والنقص، وكل ما ألحد فيه الملحدون من أسمائه. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 194).
وقال الزجاج -رحمه الله-:
معنى سبحانه: التبْرِئَة عَنْ كُل سُوءٍ، لا اختلاف بين أهل اللغة في معنى التسبيح أنه التبرئة للَّهِ -جلَّ وعزَّ-. معاني القرآن وإعرابه (2/ 278).
وقال ابن القاسم الأنباري -رحمه الله-:
معنى سبحانك: تنزيهًا لك يا ربنا من الأولاد والصاحبة والشركاء. الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 49).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وبيان ذلك: أن معنى سبحان الله: البراءة له من كل النقائص، والتنزيه عما لا يليق بجلاله، ومن جملتها: تنزيهه عن الشركاء والأنداد. المفهم (7/ 59).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فمنطوق «‌‌سبحان ‌الله» ‌تنزيه، ومفهومه توحيد. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1822).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: أعتقد تنزُّهَهُ عن كل ما لا يليق بجمال ذاته، وكمال صفاته، وهذا بمنزلة التحلية؛ ولذا أردفه بما يدل على أنه المتصف بالأسماء الحسنى، والصفات العلى. مرقاة المفاتيح (4/ 1592).

قوله: «والحمد لله»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولما وجب تنزيهه عن صفات النقص لزم اتصافه بصفات الكمال؛ إذ لا واسطة بينهما، وهي المعبر عنها بالحمد لله. المفهم (7/ 59).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والحمد لله» توحيد بالجلال والكمال ونعوت الكمال...أردفه بما يدل على أنه المتصف بالأسماء الحسنى، والصفات العلى، المستحق لإظهار الشّكر، وإبداء الثناء، وهو بمنزلة التحلية.مرقاة المفاتيح (4/ 1592).

قوله: «ولا إله إلا الله»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ومن جملتها تنزيهه عن الشركاء والأنداد، وهذا معنى «لا إله إلا الله» هذا مدلول اللفظ من جهة مطابقته. المفهم (7/ 59).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ومنطوق «لا إله إلا الله» توحيد، ومفهومه تقديس. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1822).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا إله إلا الله» توحيد للذات وتفريد للصفات...
ثم أشار إلى أنه مُتَوَحِّدٌ في صفاته السلبية ونعوته الثُّبوتِيَّة. مرقاة المفاتيح (4/ 1592).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا إله إلا الله» مشتملة على ‌نفي ‌وإثبات، أما النفي فهو "لا إله" وأما الإثبات "إلا الله" و"الله" لفظ الجلالة بدل من خبر "لا" المحذوف والتقدير "لا إله حق إلا الله". شرح الأصول الثلاثة(ص:71)
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
«لا إله» بمعنى مألوهٍ، ‌وهو ‌الذي ‌تألهه ‌القلوب، أي تُحبُّه وتَذِلُّ له. وأصل التّألُّه: التّعبُّد، والتّعبد آخر مراتب الحبِّ.مدارج السالكين(3/394)
وقال-رحمه الله- أيضًا:
فإن الإله هو الذي ‌يَأْلَهُهُ العباد ذُلًّا، وخوفًا ورجاء، وتعظيمًا وطاعة له، بمعنى: مألوهٌ. ‌وهو ‌الذي تَأْلَهُهُ ‌القلوب. أي: تُحبه وتَذِلُّ له.مدارج السالكين(3/27)

قوله: «والله أكبر»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ثم لما تنزَّه عن صفات النقص، واتصف بصفات الكمال، وجبت له العظمة والجلال، وهو معنى: الله أكبر. المفهم (7/ 59- 60).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ثم أومأ إلى أنه لا يُتَصَوَّرُ كُنْهُ كبريائه وعظمة إزاره وردائه بقوله: «والله أكبر» إثبات الكبرياء والعظمة مع اعتراف بالقصور عن المحمدة. مرقاة المفاتيح (4/ 1592).

«والله أكبر»:‌
قال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله -:
أكبر ‌من ‌كل ‌شيء مهما بلغ عندك من التصور، فالله أكبر -عز وجل-. الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 140).
وقال -رحمه الله- أيضًا:
إذن عندما نقول "الله أكبر" لابد أن نشعر؛ بأنه ‌أكبر ‌من ‌كُل ‌شيء علمًا وقُدرةً وسلطانًا وحكمة وتدبيرًا وغير ذلك، كما أنّ ذاته تعالى ‌أكبر ‌مِن ‌كُل ‌شيء.فتح ذي الجلال والإكرام، شرح بلوغ المرام(6/٤٧٥)
فتكبيرهُ -سبحانه- جامع لإثبات كُلِّ كمال له، وتنزيهه عن كُلّ نقص وعيبٍ، وإفراده وتخصيصه بذلك، وتعظيمه وإجلاله.صلاة المؤمن للشيخ سعيد بن وهف القطحاني(1/ ٣٧٦)

قوله: «لا يضرُّك بأيِّهِنَّ بدأت»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «لا يضُرُّك بأيِّهِنَّ بدأت» يعني: أن تقديم بعض هذه الكلمات على بعض لا يُنْقِصُ ثوابها، ولا يُوْقِفُ قبولها؛ لأنها كلها كلمات جامعات طيبات مباركات. [المفهم (5/ 461).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
فقد ظهر لك: أن هذه الأربعة الأذكار متلازمة في المعنى، وأنها قد شملها لفظ الأحَبِّيَّة، كما جاء في الحديث، فمن نطق بجميعها فقد ذكر الله تعالى بأحب الكلام إلى الله، لفظًا ومعنى، ومن نطق بأحدها فقد ذكر الله ببعض أحب الكلام نطقًا، وبجميعها معنى من جهة اللزوم الذي ذكرناه، فتدبر هذه الطريقة، فإنها حسنة، وبها يرتفع التعارض المتوهَّم بين تلك الأحاديث، -والله تعالى أعلم-. المفهم (7/ 60).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وهذا النظم وإن لم يتوقف عليه المقصود، لاستقلال كل واحدة من الجمل الأربع؛ ولذلك جاء في بعض رواياته: «لا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت»؛ لكنه حقيق بأن يُرَاعَىْ؛ لأن الناظر المتدرِّج في المعارف يعرفه سبحانه أولًا بنعوت الجلال الذي هي تنزيه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصًا، ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي بها يستحق الحمد، ثم يعلم أن مَن هذا شأنه لا يماثله غيره، ولا يستحق الألوهية سواه، فينكشف له من ذلك: {‌كُلُّ ‌شَيْءٍ ‌هَالِكٌ ‌إِلَّا ‌وَجْهَهُ ‌لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} القصص: 88. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 62).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «لا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت» لأن كلًّا منها مستقل فيما قصد بها من بيان جلال اللَّه وكماله، ولكن لهذا الترتيب معانيَ مناسبةً؛ لأن الناظر في معرفة اللَّه يجد تنزيهه تعالى، ثم يجد النعم والكمالات كلها ثابتة للَّه سبحانه، ثم ينكشف له التوحيد، ثم عجزه عن ثنائه وتوحيده تعالى. لمعات التنقيح (5/ 126).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت» دل على أنه لا ترتيب بينها، ولكن تقديم التنزيه أولى؛ لأنه تقدم التخلية -بالخاء المعجمة- على التحلية -بالحاء المهملة-، والتنزيه تخلية عن كل قبيح، وإثبات الحمد والوحدانية والأكبرية تحلية بكل صفات الكمال، لكنه لما كان تعالى منزهة ذاته عن كل قبيح لم تضر البداءة بالتحلية وتقديمها على التخلية. سبل السلام (2/ 706).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قوله: «لا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت» هذا من أسلوب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التعليم، أحيانًا يذكر الأشياء محصورة بعدد من أجل تقريبها للحفظ؛ لأن الشيء إذا كان محصورًا كان أقرب إلى الحفظ والإدراك، وإن كان هناك أشياء أخرى توافق هذا الحكم...
يعني: أن الترتيب ليس بشرط، ممكن أن نقول: الله أكبر، ولا إله إلا الله، والحمد لله، وسبحان الله، أو تخالف بينهن، المهم أن تقولها، وإنما نص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على ذلك لئلا يكلف الإنسان نفسه في مراعاة الترتيب، يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 478).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا