الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«أَتُحِبُّونَ أيُّها النَّاسُ أنْ تَجْتَهِدُوا في الدُّعاءِ؟ قالوا: نعمْ يا رسولَ اللَّهِ، قال: قولوا: «اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسْنِ عبادَتِكَ»


رواه أحمد برقم: (7982)، والحاكم في المستدرك برقم: (1838) واللفظ له، والبيهقي في الدعوات الكبير برقم: (275)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (81)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (844). 


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «أَتُحِبُّون أيها الناس أن تجتهدوا في الدعاء؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: قولوا: اللهم أَعِنِّيْ على ذكرك»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أنْ تجتهدوا» أي: تبالغوا، «قُولُوا» أي: إن اجتهدتم، وفيه: أنَّ هذا يكفي لمن يريد المبالغة. حاشية السندي على مسند أحمد (2/542).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«اللهم أَعِنِّيْ» بقطع الهمزة، «على ذكرك» الشامل للقرآن وسائر الأذكار. دليل الفالحين (3/258).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أَعِنِّيْ على ذكرك» من طاعة اللسان. مرقاة المفاتيح (2/756).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«على ذكرك» يعني: بالقلب واللسان. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/185).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «أَعِنِّي على ذكرك» المطلوب منه شرح الصدر، وتيسير الأمر، وإطلاق اللسان، وأن يُلْهِمَهُ ويُرْشِدَه إلى كيفيته، وإليه لَمَّح قول الكليم -عليه السلام-: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} طه: 25-26 إلى قوله: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} طه: 33-34. الكاشف عن حقائق السنن (3/1052).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
«على ذكرك» هذا شامل لجميع أنواع الذكر، من قراءة القرآن والثناء على الله تعالى، والاشتغال بالعلم النافع، ونحو ذلك، وقدَّم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكرًا، لم يكن شاكرًا، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} البقرة: 152. منحة العلام شرح بلوغ المرام (ص: 158).

قوله: «وشكرك»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وشكرك» أي: شكر نعمتك الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية؛ التي لا يمكن إحصاؤها. دليل الفالحين (3/258).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وشكرك» من طاعة الْجَنَان. مرقاة المفاتيح (2/756).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وعلى شكرك» بالقلب واللسان والجوارح. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/185).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وشكرك» أي: وأَعِنِّي على إدامة شكرك. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/233).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وشكرك» المطلوب منه توالي النعم المستجلبة لتوالي الشكر، وإنما طلب المعاونة عليه لأنه عسير جدًّا؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُوْرُ} سبأ:13، وقيل: الشاكر: من يرى عجزه عن الشكر. الكاشف عن حقائق السنن (3/1052).

قوله: «وحسن عبادتك»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» أي: وأَعِنِّي على أن أحسن عبادتك التي أمرتني بها. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/233).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» من طاعة الأركان. مرقاة المفاتيح (2/756).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» وهو أن يحافظ على سنن العبادة الظاهرة وأذكارها وتسبيحاتها؛ حتى يأتي فيها بجميع السنن والآداب والهيئات، فهذه الأشياء مع الإخلاص والصدق في العبادة لا تحصل إلا بمعونة الله تعالى. شرح سنن أبي داود (7/336).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» أي: العبادة المتصفة بالإحسان الذي فسرها حديث: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه»، والمراقبة لله؛ فإن من راقب مولاه أحسن عبادته، وإحسان الطاعة: أن لا يشوبها بشيء من المخالفات لأوامر الله، ولا بشيء من الرياء. التنوير شرح الجامع الصعير (3/ 140).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «وحسن عبادتك» المطلوب منه التجرد عمَّا يشغله عن عبادة الله، ويُلْهِيه عن ذكر الله -سبحانه وتعالى- وعن عبادته؛ ليتفرغ لمناجاة الله ومناداته، وكما أشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وقُرَّةُ عيني في الصلاة»، و«أَرِحْنَا يا بلال»، وأخبر عن هذا المقام بقوله: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه»، ثم إذا نظرت إلى القرائن الثلاث وجدتها مرتبة على البدايات والأحوال والمقامات. الكاشف عن حقائق السنن (3/1053).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» أي: بالقيام بشرائطها وأركانها وسننها؛ من خضوع وخشوع وإخلاص واستغراق وتوجُّه تامٍّ. دليل الفالحين (3/258).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وحسن عبادتك» أي: التوفيق لإيقاع العبادة على الوجه الحسن المرضي شرعًا. فيض القدير (2/130).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وعطف «وحسن عبادتك» على الشكر عطف خاصٌّ على عامٍّ؛ إذ الشكر أداء العبودية؛ لما تقدم من أنه شرعًا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله، لكن منه ما هو حسن وهو ما صُحِبَ بالحضور والخضوع والخشوع، فيكون أقرب إلى القبول. دليل الفالحين (7/221).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وعلى حسن عبادتك» فهو أخص من الشكر؛ لأن الشكر يحصل بالعبادة، وإن كانت على غير الوجه الأحسن، لكن على حسن عبادتك أخص.
وفي الإعانة على هذه الأمور إعانة على ما فيه سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وفي سؤال العبد ربه أن يعينه على ذلك عنوانٌ على افتقاره إلى ربه، وأنه -سبحانه وتعالى- إن لم يُعِنْه فإنه لا يسعد، وهو كذلك، إذا لم يُمِدّك الله -عزَّ وجلَّ- بعونه فإنه إن وكَّلَك إلى نفسك وكَّلك إلى ضعفٍ وعجزٍ وعورة؛ ولهذا قرن الله الاستعانة بالعبادة فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين} الفاتحة: 5، وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} هود: 123، فلا بد من استعانة العبد بربه، فإن لم يُعِنْه شُغِلَ وعجز عن إدراك العمل.
وفي قوله: «حسن عبادتك» لم يقل: (على عبادتك)؛ لأن الإنسان قد يعبد ربه ولكن لا يكون عمله حسنًا؛ إما لِعَدَمِ إخلاصه، وإما لِعَدَمِ متابعته، والعمل لا يكون حسنًا إلا بأمرين: بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/185).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فهذا الدعاء بهذا اللفظ ورد مطلقًا كما هنا، وورد مقيَّدًا بأذكار الصلاة؛ ولهذا ذكره المصنف في البابين.
وفيه: طلب الإعانة من الرب -سبحانه وتعالى- على هذه الثلاثة الأمور، وهي الذكر لله -عز وجل-، والشكر له، وحسن عبادته، فإنه لا يقوم بها إلا الموقنون المعانون من الله -عز وجل-؛ لأن الذكر إذا وقع مع حضور وخشوع وتذلُّلٍ؛ كان له موقع غير موقع الدعاء مع الذهول وعدم الحضور وعدم الخشوع، وعدم التذلل والمراقبة.
وهكذا الشكر؛ فإنه لا يقوم به إلا من استحضر نعم الله تعالى عليه، وعرف مقدارها وشكرها عن خلوصٍ وإقبال، وتَطَابَقَ على الشكر لسانُهُ وقلبُهُ وأركانُهُ.
وهكذا العبادة؛ فإنه لا يهتدي لحسنها وإحسانها إلا الراغبون في الخير، المقبلون على الله -عز وجل-، الطالبون لما لديه من الثواب الجزيل، والعطاء الجليل. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 450).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وسؤاله لهذه الثلاث الخصال (يعني: الواردة في هذا الحديث وحديث معاذ) لشرفها، واستلزامها لجميع الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، ولا يكمُلُ فعلُ ذلك إلا بإعانة اللَّه وتيسيره العبد للخير، كما أردف العبادة بالاستعانة في فاتحة الكتاب الكريم. البدر التمام شرح بلوغ المرام (3/175- 176).


ابلاغ عن خطا