الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نَفَسًا؛ يَفْرُغُ الآكِلُ من طعامه في مَهَلٍ، ويقضي المتوضِّئُ حاجته في مَهَلٍ».


رواه أحمد برقم: (21285)، من حديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (150).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«نَفَسًا»:
بالتحريك، ساعة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 36).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
بالتحريك للفاء، سَعَة وفُسحة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/373).

«مَهَلٍ»:
أي: من غير عَجَلة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 36).


شرح الحديث


قوله: «يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نَفَسًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«اجعل» بكسرٍ، فسكون، «يا بلال، بين أذانك وإقامتك» للصلاة «نَفَسًا» بفتح الفاء، أي: ساعة.
قال الزمخشري: تقول: أنت في نَفَس من أمرك، أي: في سَعَة، وتَنَفَّس الصُّبح وتنَفَّس النهار: طال. فيض القدير (1/ 159).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«بين أذانك» ندائك «للصلاة، وإقامتك لها نَفَسًا» بالتحريك للفاء، سَعة وفسحة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 373).
وقال الطحطاوي -رحمه الله-:
والنَّفَس -بفتحتين- واحد الأنفاس، وهو ما يخرج من الحي حال التنفس؛ ولأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت؛ ليتهيؤوا للصلاة بالطهارة، فيحضروا المسجد، وبالوصل ينتفي هذا المقصود. حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 198).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وقوله: «واجعل بين أذانك وإقامتك».. إلح: فيه دلالة على مشروعية الفصل بينهما، وقد أشار إلى ذلك البخاري، فترجم: (باب كم بين الأذان والإِقامة)، ولكن التقدير لم يثبت، فلذلك لم يذكر الحديث. البدر التمام شرح بلوغ المرام (2/ 297).

قوله: «يَفْرُغُ الآكِلُ من طعامه في مَهَلٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«يَفْرُغُ الآكِلُ» بالمد وكسر الكاف «مِن» أكل «طعامه في مَهَلٍ» بأن يشبع، فيُندب للمؤذِّن أن يفصل عند اتساع الوقت بين الأذان والإقامة بقدر فعل المذكورات، وقدر السنة والاجتماع. فيض القدير (1/ 159).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«ويَفْرُغُ الآكِلُ» بالمد «من طعامه» بأن يشبع «في مَهَلٍ»، أي: من غير عجلة، فيندب أن تُؤخَّر الإقامة بقدر فعل المذكورات عند اتساع الوقت، وذلك منوط بنظر الإمام، وأما الأذان فبنظر المؤذن. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 46).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
هو أمر للمؤذن أن يجعل بين أذانه وإقامته فُرجة وسَعَة؛ حتى يُدرك السامع حضور الصلاة؛ فإن النداء دعاء إليها لمن هو غير حاضر، فلا يدرك الصلاة إلا إذا تأخرت الإقامة، وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، وهو يفيد أنَّ من سمع النداء وهو على طعام فلا يقوم حتى يفرغ من قضاء وطره منه؛ فإن فاتته الجماعة كان التفريط من المؤذن. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 373-374).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: إذا أذَّنتَ فاصبر بقَدْرِ ما يَفْرُغُ الآكل مِن أكله، والشارب من شُربه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 44).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«واجعل بين ‌أذانك ‌وإقامتك قدرَ ما يَفْرُغُ الآكِلُ من أكله»: قيل: كأنه في العشاء؛ لاتِّساع وقته. شرح المصابيح (1/ 396).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
مقدار ما يفرُغ الآكل من أكله؛ لأنه لا صلاة بحضرة طعام، ولو أقام سريعًا والناس على أطعمتهم شقَّ عليهم ترك الطعام، وشقَّ عليهم ترك الصلاة مع الجماعة؛ فلهذا ينبغي أن يُراعي، أي: يجعل بين الأذان والإقامة مقدار ما يفرغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه، كم المقدار؟ عشر دقائق. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 481).

قوله: «ويقضي المتوضئ حاجته في مَهَلٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«يقضي» أي: يتم «المتوضئ» يعني: المتطهر، أي: الشارع في الطُّهْر، «حاجته» ويأتي بالشروط والفروض والسنن، «في مَهَلٍ» بفتح أوَّلَيْه بضبط المؤلف، يعني: بتُؤَدَةٍ وسكينة إذا اتَّسع الوقت. فيض القدير (1/159).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«حتى يقضي المتوضئ» أي: مُريد الوضوء (حاجته في مَهَلٍ) بفتح الميم والهاء، أي: بتُؤَدَةٍ وسكون. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 46).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الظاهر: أنه -عليه السلام- أراد قضاء الحاجة الضرورية العامة التي قد باشرها مُريد الصلاة حقيقة أو حكمًا، غير مختصة بصلاة دون صلاة. مرقاة المفاتيح (2/ 551)
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والحديث يدل على مشروعية الفصل بين الأذان والإقامة، وكراهة الموالاة بينهما؛ لما في ذلك من تفويت صلاة الجماعة على كثير من المريدين لها؛ لأن من كان على طعامه أو غير متوضئ حال النداء إذا استمر على أكل الطعام أو توضأ للصلاة فاتته الجماعة أو بعضها؛ بسبب التعجيل وعدم الفصل، لا سيما إذا كان مسكنه بعيدًا من مسجد الجماعة، فالتراخي بالإقامة نوع من المعاونة على البر والتقوى المندوب إليها. نيل الأوطار (2/ 12-13).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قلتُ: لا ريب أنَّ شرعية الأذان سببها إرادة اجتماع الناس للصلاة جماعة، وأنه دعاء للغائبين السامعين ليحضروا الجماعة، وإعلام بدخول الوقت، ولا بد أن يرتقب من دعا لمن دُعي له -بالمهملة- بين الأذان والإقامة مأخوذة من شرعية الأذان، وإن لم تثبت بها الأحاديث.
وأما قدر الانتظار: فأحسن ما فيه قول ابن بطال: إنه لا حدَّ لذلك غير تمكن دخول الوقت، واجتماع المصلين. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 211).
وقال ابن سيد الناس -رحمه الله-:
فيه: التنبيه على مقدار الزمن الفاصل بين الأذان والإقامة بالتقريب؛ لأن الآكل والشارب والمعتَصِر مختلفة أحوالهم في ذلك بالإطالة والإسراع، فيحمل على التوسط فيه، وهو يتناول المغرب وغيرها؛ لأن الأذان اسم جنس مضاف هنا إلى المعرفة فيعُمَّ، والإقامة كذلك، وقد خرج عن ذلك صلاة المغرب في سعة الفصل باتفاق؛ لاتفاقهم إما على عدم الفصل بين الأذان لها والإقامة، كما ذهب إليه مالك وأبو حنيفة في أشهر قوليه، أو بقيد الفصل اليسير، كما ذهب إليه الشافعي وأحمد والأكثرون.
ولا يُعرف الفصل بين أذان المغرب وإقامتها كغيرها من الصلوات عن أحد من السلف لا قولًا ولا عملًا، فهو من باب تخصيص عموم السنة بالإجماع.
وقد وقع هذا الفصل مقيَّدًا بانتظار الجماعة فيما خرجه البيهقي من حديث عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإن رأى بأهل المسجد قِلَّةً جلس حتى يرى منهم جماعة ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة أقام الصلاة» ...
وكذلك أيضًا في هذا الحديث المراد بالنداء: النداء لما عدا المغرب؛ لما عُلم من حالهم في الحضور إلى المغرب أوَّل ما يُؤذن لها.
مسألة: قال العلماء: والإقامة منوطة بنظر الإمام، كما أن الأذان منوط بالمؤذن، وعلمه بأحوال الوقت لا يحتاج إلى مراجعة الإمام، والمعنى فيه أن الإقامة من شأنها أن يتعقبها الصلاة على الاتصال، والصلاة للإمام، فينبغي أن يكون عازمًا على الشروع فيها عند تمام الإقامة، فلا بد من إذنه. النفح الشذي شرح جامع الترمذي (4/ 51-52).
وقال ابن حجر -رحمه الله- تعليقًا على قول الإمام البخاري: كم بين الأذان والإقامة؟:‌
ولعله ‌أشار ‌بذلك ‌إلى ‌ما ‌روي ‌عن ‌جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يَفْرُغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والمعتَصِر إذا دخل لقضاء حاجته» أخرجه الترمذي، والحاكم لكن إسناده ضعيف، وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ، ومن حديث أُبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، وكلها واهية، فكأنه أشار إلى أن التقدير بذلك لم يثبت.
وقال ابن بطال: لا حدَّ لذلك غير تمكُّن دخول الوقت واجتماع المصلين، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب. فتح الباري (2/106).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
لا بد من تقدير وقت يتَّسع للذهاب للصلاة وحضورها، وإلا لضاعت فائدة النداء. سبل السلام (1/ 192).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
ويستحب أن يفصل بين الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين، يتهيؤون فيها، وفى المغرب يفصل بجلسة خفيفة.
وحكي عن أبي حنيفة والشافعي أنه لا يُسنُّ في المغرب. ولنا ما روى عبد الله بن الإمام أحمد في المسند، عن أُبي بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا بلال، اجعل بين أذانك وإقامتك نفَسًا، يَفرُغ الآكل من طعامه في مَهَلٍ، ويقضي حاجته في مَهَلٍ».
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفْرُغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والْمُعْتَصِر إذا دخل لقضاء حاجته» رواه الترمذي.
وروى تمَّام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سُنَّة».
قال إسحاق بن منصور: رأيت أحمد خرج عند المغرب، فحين انتهى إلى موضع الصف أخذ المؤذن في الإقامة، فجلس.
وروى الخلال بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء وبلال في الإقامة، فقعد».
وقال أحمد: يقعد الرَّجل مقدار ركعتين إذا أذَّن المغرب. قيل: من أين؟ قال: من حديث أنس وغيره: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أذَّن المؤذن ابتدروا السواري وصلوا ركعتين.
ولأن الأذان شُرع للإعلام فيُسن الانتظار؛ ليدرك الناس الصلاة ويتهيؤوا لها، دليله سائر الصلوات. المغني (2/ 66 - 67).
وقال الزيلعي -رحمه الله-:
«ويجلس بينهما إلا في المغرب» أي: بين الأذان والإقامة؛ لما روينا ولما روي أنه -عليه الصلاة والسلام- قال لبلال: «اجعل بين أذانك ‌وإقامتك ‌نفَسًا يفرغ المتوضئ من وضوئه مهَلًا، والْمُتَعشِّي من عَشائِه»؛ ولأن المقصود الإعلام بدخول الوقت ليتأهب السامعون بالطهارة ونحوها فيُفصل بينهما؛ ليحصل به المقصود، ولم يذكر في ظاهر الرواية مقدار الفصل.
وروى الحسن عن أبي حنيفة في الفجر قدر ما يقرأ عشرين آية، وفي الظُّهر قدر ما يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة عشر آيات، وفي العصر بقدر ركعتين يقرأ فيهما عشرين آية، والعِشاء كالظهر، والأَولى أن يصلي بينهما؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «بين كل أذانين صلاة إن شاء»، وفي المغرب لا يجلس عند أبي حنيفة، وعندهما يجلس جلسة خفيفة؛ لأن الوصل مكروه، ولا يحصل الفصل بالسكتة؛ لوجودها بين كلمات الأذان، فيجلس كما بين الخطبتين وكما في سائر الصلوات. تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/92).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
الصحيح عند أصحابنا: أنه يُستحب أنْ تكون الصلاة بعد مُضي قدر الطهارة وغيرها من شرائط الصلاة، وكذلك هو الصحيح عند أصحاب الشافعي، وقالوا: لا يضر الشغل الخفيف كأكْلِ لُقَمٍ وكلام قصير، ولا يكلف خلاف العادة.
ولهم وجه آخر: أنه لا يحصل فضيلة أول الوقت حتى يقدم ذلك كله قبل الوقت؛ حتى تنطبق الصلاة على أول الوقت.
قال بعضهم: وهذا غلط صريح مخالف للسنة المستفيضة، وقد جعله مالك قول الخوارج وأهل الأهواء.
وللشافعية وجه آخر: لا تفوت فضيلة أول نصف الوقت، ولا يستحب عندهم أن ينتظر بها مصير الفيء مثل الشِّراك. وحكى الساجي عن الشافعي أنه يُستحب ذلك، وحكى عن غيره أنه لا يجوز فعلها قبل ذلك؛ فإن جبريل -عليه السلام- صلى بالنبي -صلى اللهُ عليه وسلم- أول يوم الظهر والفيء مثل الشِّراك.
وهذا ليس بشيء، وهو مخالف للإجماع، وقد حمل حديث جبريل على أن الشمس يومئذٍ زالت على قدر الشِّراك من الفيء.
ونقل ابن القاسم عن مالك أنه كان يُستحب لمساجد الجماعات أن يؤخِّروا صلاة الظهر بعد الزوال حين يكون الفيء ذراعًا، صيفًا وشتاءً؛ عملاً بما رواه في الموطأ عن نافع أن عمر كتب إلى عماله بذلك.
وقال سفيان الثوري: كان يُستحب أن يُمْهِل المؤذن بين أذانه وإقامته في الصيف مقدار أربعين آية، وفي الشتاء على النصف منها، ويُمْهِل في العصر أربعين آية، وفي الشتاء على النصف منها، وفي المغرب إذا وجبت الشمس أذَّن، ثم قعد قعدة، ثم قام وأقام الصلاة، قال: ويُمْهِل في العشاء الآخرة قدر ستين آية، وفي الفجر إذا طلع الفجر أذَّن، ثم صلى ركعتين، ثم سبَّح الله وذَكَره.
وهذا يدل على استحباب الإبراد بالعصر في الصيف، وحكي مثله عن أشهب من المالكية.
وقد استحب كثير من السلف المشي إلى المساجد قبل الأذان، وكان الإمام أحمد يفعله في صلاة الفجر، والآثار في فضل المبادرة بالخروج إلى المساجد كثيرة. فتح الباري (4/ 254-255).
وقال محمد الخضر الشنقيطي -رحمه الله-:
ونَصَّت الحنَفية على أن الوصل بين الأذان والإقامة مكروه؛ لأن المقصود بالأذان إعلام الناس بدخول الوقت؛ ليتأهبوا للصلاة بالطهارة، فيحضروا المسجد لإقامة الصلاة، وبالوصل ينتفي هذا المقصود، واختلفوا في حد الفصل، فقيل: ‌يقعد ‌المؤذن ‌مقدار ‌ركعتين أو أربع، أو مقدار ما يفرغ الآكل من أكله، والشارب من شربه، والحَاقِنُ من قضاء حاجته.
وقيل: مقدار ما يقرأ عشر آيات، ثم يثوِّب، ثم يقيم.
وللطحاويّ: يفصل بينهما مقدار ركعتين، يقرأ في كل ركعة نحوًا من عشر آيات، وينتظر المؤذن الناسَ، ويقيم للضعيف المستعجل، ولا ينتظر رئيس المحِلَّة وكبيرها، وهذا كله إلا في غير صلاة المغرب عند أبي حنيفة؛ لأن تأخيرها مكروه، فيكتفي بأدنى الفصل، وهو سكتة يسكت قائمًا، ثم يقيم، ومقدار السكتة عنده قدر ما يتمكن فيه من قراءة ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة.
وروي عنه: ما يخطو ثلاث خطوات.
وقال أبو يوسف ومحمد: يفصل بينهما بجلسة خفيفةٍ، مقدار الجلسة بين الخطبتين.
ومذهب الشافعيّ: قال النوويّ: يستحب أن يفصل بين أذان المغرب وإقامتها فصلًا يسيرًا بقعدة أو سكوت أو نحوهما، ولم يختلف العلماء في التطوع بين الأذان والإقامة إلا في المغرب. كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (8/ 288-289).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أن الإقامة إلى المؤذن، وليس كذلك إلا إذا عمَّده الإمام فيكون وكيلًا عن الإمام، وإلا فإن المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة، لكن إذا حدَّده وقال: اجعل بين الأذان والإقامة كذا وكذا، فذلك جائز، ولكنه مع ذلك لا يقيم حتى يرى الإمام، ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يقوموا حتى يروه؛ لأنهم ربما يقومون أو يقيمون الصلاة والإمام لم يحضر فيكون في هذا مشقة على الناس لقيامهم وقوفًا، أو يكون هناك فاصل بين الإقامة والصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي أن يُبادر بالإقامة، أي: أن يجعل بين الأذان والإقامة قدر ما يفرُغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه.
ومن فوائد الحديث: مراعاة أحوال الناس، وأنه ينبغي لمن ولَّاه الله على عباده أن يراعي أحوالهم.
فإن قال قائل: هذه المدة قصيرة بالنسبة للصلوات التي لها رواتب قبلها مثل الظهر والفجر؟
نقول: إذن يضاف إلى هذا أن يتمهل مقدار ما يفرغ الآكل من أكله، والمتوضئ من وضوئه، والمتنفل من تنفُّله.
فإن قال قائل: هل الأَولى أن يُجعل وقت محدد لا يزيد ولا ينقص، أو يُجعل هذا تبع الأحوال والقرائن؟
الجواب: الأول؛ لئلا يغُرَّ الناس، فمثلًا لو كان في يوم يتقدم وفي يوم يتأخر لغرَّ الناس، ولم يكونوا على وتيرة واحدة.
ولو أن ولي الأمر حدد وقتًا معينًا كثلث ساعة، أو نصف ساعة، أو ربع ساعة، فهل يلزم ذلك أو لا يلزم؟
الأصل: أنه لا يلزم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: «اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرُغ الآكل من أكله»؛ فالأصل أنه غير لازم، لكن إذا رأى الإمام وأهل الحي أن من المصلحة أن يؤخر الوقت فهذا حسن، بمعنى: أنه يجوز أن يتعدى ما حُدِّد، إلا أنه يجب أن يخبر المسؤولين بأنه رأى أنَّ من المصلحة التأخير.
ومن فوائد الحديث: أن السُّنة في الأذان الترسل والتمهُّل، وفي الإقامة الحدر، وعدم الاستعجال، والتأني. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 481-482).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلاة في أول الوقت إلا العشاء الآخرة، فإنه كان ينظر إلى اجتماع الناس، إذا رآهم اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم أبطؤُوا أخَّر، وكان يبقى في البيت حتى يأتيه المؤذِّن فيُعْلمه بحضور الصلاة، وربما خرج إليها بدون إعلام.
فالسنة تعجيل جميع الصلوات إلا العشاء، وإلا الظهر عند اشتداد الحر، ولكن الصلوات التي لها نوافل راتبة كالفجر والظهر ينبغي للإنسان أن يراعي حال الناس؛ بحيث يتمكنون من الوضوء بعد الأذان، ومن صلاة هذه الراتبة. مجموع الفتاوى(12/190).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
قوله: «اجعل بين أذانك وإقامتك..» أي: يَجعل بينهما وقتًا يكفي لتحصيل شرط الصلاة.
الأوقات المحددة بين الأذان والإقامة من قبل الجهة المعنية أمور تنظيمية لا مانع من الإلزام بها إذا رأى ولي الأمر ذلك، وإلا فالأصل إذا لم يشق على الناس أن الإمام يراعي حال المأمومين، فإذا اجتمعوا بادر، وإذا تأخروا تأخر، لكن في مثل هذه الأوقات لا يمكن ضبط الناس بهذه الطريقة، ولو وجد مجموعة تكون ظروفهم متماثلة، فإنه يطبق فيهم السنة. مهمات في الصلاة (شرح كتاب الصلاة من البلوغ (4/ 26).


ابلاغ عن خطا