الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

جاء أعرابيان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهما: يا رسول الله، أَيُّ الناس خيرٌ؟ قال: «طُوبى لمن طال عُمْرُهُ، وحَسُنَ عَمَلُهُ» ‌وقال ‌الآخر: ‌أيُّ ‌العمل ‌خير؟ قال: «أنْ ‌تُفارق ‌الدنيا ‌ولسانك رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ -عزّ وجلّ-».


رواه أبو نعيم في حليلة الأولياء برقم: (6/111)، وابن الجعد في مسنده برقم: (3431)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني برقم: (1356)، والبغوي في شرح السنة برقم: (1245)، من حديث عبد الله بن بُسر المازني -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3282)، سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: (1836).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«طُوبَى»:
فُعْلىَ من الطيب، والمراد بها: الثناء عليه، والدعاء له بطيب حاله في الدارين.
كذا ذكره ابن حجر. والأظهر: أنه خبر؛ لأنه في جواب: أي الناس خير؟ مرقاة المفاتيح للقاري (4/ 1552).

«عُمُرُهُ»:
العمر: بالفتح وبالضم وبضمتين: الحياة. القاموس المحيط (ص: 444).
بضمتين على ما هو الأفصح الوارد في كلامه سبحانه، وبضم فسكون على ما هو المشهور على ألسنة العامة تخفيفًا، وفتح العين، وسكون الميم لغة فيه، ومنه قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} الحجر: 72. مرقاة المفاتيح للقاري (8/ 3306).

«رَطِبٌ»:
أي: طريًّا مشتغلًا قريب العهد من ذكر الله. مرقاة المفاتيح للقاري (4/ 1558).


شرح الحديث


قوله: «جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ»:
قال النووي -رحمه الله-:
الأعرابي: هو الذي يسكن البادية. شرح النووي على مسلم (3/ 190).
وقال العراقي -رحمه الله-:
الأعرابي: هو ساكن البادية، وقيل: من سكنها من العرب، وجمع الأعرابي: أعراب، وقال ابن دقيق العيد: إنَّ الأعرابي منسوب إلى الأعراب، وهم سكان البوادي. طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 135).

قوله: «أَيُّ الناس خيرٌ؟»
قال الملا القاري -رحمه الله-:
«أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟» أي: أيُّ أصنافهم؟ مرقاة المفاتيح(8/ 3306).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
«أَيُّ الناس خَيْرٌ؟» أي: أفضل حالًا، وأطيب مآلًا. مرقاة المفاتيح (4/ 1552).
وقال الملا القاري -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «خَيْرٌ؟» أي: أَخْيَر. مرقاة المفاتيح(8/ 3306).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فالمعنى فيه: أنه من خير الناس؛ لأنه قد ذَكَرَ غَيرَه بمثل ذلك، فقال: «خير الناس من طال عمره، وحسن عمله»، وقال: «خياركم من تعلم القرآن وعلمه»، وقال تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} النمل: 26، ولم تُؤْتَ مما اختصَّ به سليمان شيئًا.التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 558).

قوله: «قَالَ: طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قاله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جوابًا لمن سأله: أيُّ الناس خير؟ التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 120).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«طُوبَى لمن...» كلمة إنشاء؛ لأنها دعاء، معناها: أصاب خيرًا من طال عمره، وحسُن عمله، وكان من الظاهر أن يُجَاب عنه بقوله: «من طال»؛ فالجواب من الأسلوب الحكيم، أي: غير خاف أنَّ خير الناس من طال عمره، وحسُن عمله؛ بل الذي يهمُّك أن تدعو له فتصيب من بركته. شرح المشكاة(5/ 1734).
وقال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
قلتُ: إنما عدل في الجواب عن وتيرة السؤال؛ لأن الرجل سأل عمّا لا يصح للإنسان أن يحكم عليه بعلمه، وهو الخيرية التي غُيِّبت عنَّا حقيقتها، وأُظْهِرَت لنا أماراتها؛ فأخبره بالأمارة التي جُعِلَ للإنسان إلى معرفتها سبيل. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 520).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
إنما عَدَلَ في الجواب إلى أَمَاراتٍ تدلُّ على حال المسؤول عنه من سعادته في الدارَين إذا طالَ عمرُه وحَسُنَ عملُه؛ لأن ‌العلمَ ‌بالمسؤول ‌عنه ‌من ‌الأمور ‌الغَيبية التي استَأثَرَ الله تعالى بعلمها. شرح المصابيح(3/ 93).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
لما كان السؤال عما هو غيب لا يعلمه إلا الله تعالى، عدل عن الجواب إلى كلام مبتدأ يشعر بأمارات تدل على المسؤول عنه، وهو: طول العمر، مع حسن العمل، فإنه يدل على سعادة الدارين، والفوز بالحسنى. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 18).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال: طوبى لمن طال عمره، وحَسُنَ عمله»؛ فُعلى من الطيب، والمراد بها: الثناء عليه، والدعاء له بطيب حاله في الدارين، كذا ذكره ابن حجر. والأظهر: أنه خبر؛ لأنه في جواب: أيُّ الناس خير؟ ويمكن أن يكون المراد من طوبى: الجنة، أو شجرة في الجنة تَعُمُّ أهلها، وتشمل مَحَلَّها.
..وإذا فتشتَ هذا الكلام ترى هباءً منثورًا، بلا بقاء ونظام، ثم خطر ببالي أنه -صلى الله عليه وسلم- لعله زاد كلمة: «طوبى» لتكون كلمة جامعة، وحكمة رابعة مستقلة غير تابعة للسؤال المانع عن الاستقلال. مرقاة المفاتيح(4/1552- 1553).
وقال المُظْهِري -رحمه الله-:
قوله -عليه السلام- في جواب الأعرابي: «طُوبى لمن طال عُمْرُهُ، وحَسُنَ عَمَلُهُ» يعني: خير الناس من طال عمره، وحَسُنَ عمله. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«طُوبى لمن طال عُمْرُهُ، وحَسُنَ عَمَلُهُ»؛ لأنه لا تمرُّ به ساعة إلا في طاعة، وكل طاعة إصابة خير وفوز بكل حَظٍّ ديني ودنيوي. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 159).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «طُوبى لمن طال عُمْرُهُ، وحَسُنَ عَمَلُهُ»، الأوقات والساعات كرأس المال للتاجر، فينبغي أن يتَّجِرَ فيما يربح فيه، وكلما كان رأس المال كثيرًا كان الربح أكثر، فمن مضى لطيبه فاز وأفلح، ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسرانًا مبينًا. شرح المشكاة(10/ 3328).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
خير الناس «من طال عمره؛ وحَسُنَ عمله»؛ لأنه لا يزال يأتي بالحَسَنِ من الأعمال، ويدَّخِرها، ولو لم يكن إلا استمراره على الإيمان، والقيام بحقه من الأركان. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 563/ 564).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«خير الناس من طال عمره، وحَسُنَ عمله»؛ لأن الإنسان كُلّمَا طال عُمرهُ في طاعة الله زاد قُربًا إلى الله، وزاد رفعة في الآخرة؛ لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره فهو يقربه إلى ربه -عز وجل-؛ فخير الناس من وُفِّقَ لهذين الأمرين. شرح رياض الصالحين (2/ 106).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وبقي صنفان مستويان ليس فيهما زيادة من الخير والشر، وهما: من قَصُرَ عمره، وحَسُنَ عمله، أو ساء عمله. مرقاة المفاتيح(8/ 3306).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وهذان قسمان من أربعة: طرفان بينهما واسطة؛ لأنه إما طويل العمر، أو قصيره، ثم هو حسن العمل أو سيئه، فطويل العُمر حَسَن العمل، وطويل العُمر سيء العمل، طرفان شرهما: الثاني، وقصير العُمر سيء العمل، واسطتان خيرهما الأول. فيض القدير (3/ 480).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وإنما كان خير الناس من طال عمره، وحَسُنَ عمله؛ لأن مثل الإنسان في الدار الدنيا مع عمله الصالح، كمثل تاجر سافر من مقره إلى فُرْضَة؛ ليتجر فيها ويربح، فيرجع إلى وطنه سالمـًا غانمًا، فيصيب خيرًا، فرأس مال الإنسان عمره، ونقده أنفاسه، ومزاولة جوارحه، وربحه الأعمال الصالحة، فكلما زاد رأس المال زاد الربح، ومقره ومستقره الدار الآخرة، فمتى استقر فيها وجد ثواب ما ربح موفى{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} فاطر: 29، ومن لم ينتبه لذلك، وأضاع رأس ماله، فلم يوفق للعمل {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}البقرة: 16. شرح المشكاة(5/ 1734).
وقال الطيبي -رحمه الله- أيضًا:
لا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة، والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن البر والسلوك لطريق الله -تمني الموت- وعليه ما ورد: «خياركم من طال عمره، وحسن عمله»؛ لأن من شأنه الازدياد، والترقي من حال إلى حال، ومن مقام إلى مقام، حتى ينتهي إلى مقام القُرْب، فكيف يطلب القطع عن مطلوبه؟ شرح المشكاة(4/ 1361).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
واختلف الصوفية في الأفضل من طلب الحياة: لما ورد من حديث: «طوبى لمن طال عمره، وحَسُنَ عمله»، ولرجاء التوبة، وحسن العمل، وحصول الأمل.
أو يطلب الموت؛ نظرًا إلى الشوق إلى الله، وحصول لُقْيَاهُ، وقد ورد «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه»، وخوفًا من التغَيُّر، ولقاء المحن، والوقوع في الفتن.
والمختار: التفويض والتسليم، كما دل عليه الحديث الشريف. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (1/ 181).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإن قُلتَ: جاء في الحديث: «خيركم من تعلم القرآن وعلّمه»، و«خير الناس من طال عمره، وحَسُنَ عمله»، ونحو ذلك.
قُلتُ: اختلافهما بحسب اختلاف الأوقات والأقوام والأحوال. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (23/ 16).
وقال المناوي -رحمه الله-:
موت الإنسان بعد أن كبُر وعرف ربه، خير من موته طفلًا بلا حساب في الآخرة، قاله الطيبي. فيض القدير (4/ 281).
وقال الصنعاني ـ -رحمه الله- ـ :
التعمير في الإسلام شرف؛ لقوله في الحديث: «خير الناس من طال عمره، وحسن عمله». التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 287).
قال الطيبي- رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم- في جواب من سأله: «أي الناس خير؟» قال: «من طال عُمره، وحَسُنَ عمله»؛ فقوله: «وأحسنكم أخلاقًا» كقوله: «وحَسُنَ عمله» في إرادة الجمع بين طول العمر، وحسن الخلق، -والله أعلم-. شرح المشكاة(10/ 3242).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفي هذا فضيلة عظيمة لمن طال عمره، وحَسُنَ عمله. شرح سنن أبي داود (11/ 142).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا دليل على أن مجرد طول العمر ليس خيرًا للإنسان إلا إذا أحسن عمله؛ لأنه أحيانًا يكون طول العمر شرًا للإنسان، وضررًا عليه، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} آل عمران: 178، فهؤلاء الكفار يملي الله لهم -أي: يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات، لا لخير لهم، ولكنه شر لهم- والعياذ بالله؛ لأنهم سوف يزدادون بذلك إثمًا.
ومن ثم كره بعض العلماء أن يُدعى للإنسان بطول البقاء، قال: لا تقل: أطال الله بقاءك إلا مقيدًا؛ قل: أطال الله بقاءك على طاعته؛ لأن طول البقاء قد يكون شرًّا للإنسان. شرح رياض الصالحين (2/ 107/108).
وقال الشيخ الخضير -حفظه الله-:
«خيركم من طال عمره» لكن بالقيد: «وحَسُنَ عمله»، ولا يُتَصَوَّر أو يُتَوَقَّع ممن رُدَّ إلى أرذل العمر أنه يحسُن عمله؛ ولذا جاء أنه كان يتعوذ بالله -جل وعلا- من أن يُرَدَّ إلى أرذل العمر. شرح بلوغ المرام(32/ 21).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وأما طول الأمل في تحصيل العلم والعمل، فمحمود بالإجماع، كما قال -صلى الله تعالى عليه وسلم-: «طوبى لمن طال عمره»، وقال: «لو عشت إلى قابل لأصومَنَّ التاسع»، وكذلك الحرص في أمر جمع المال، وكثرة الجاه، والإقبال مذموم، وإلا فالحرص على القتال، وعلى تحصيل العلوم، وتكثير الأعمال؛ فمستحسن بلا نزاع. مرقاة المفاتيح(8/ 3296).
وقال الشيخ الخضير -رحمه الله-:
فلا ينبغي للمسلم أن يتمنى الموت؛ لأنه في كل يوم يزداد خيرٌ، و«خيركم من طال عمره، وحَسُنَ عمله»؛ لكن إذا خشي على نفسه الفتنة، وأنه سبب هذه الفتنة يخشى على رأس المال، على الدين، نعم؛ فيضحي حينئذٍ ببعض المكاسب التي يستفيدها في عمره، فيقول: «إن كان ولا بد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي». شرح كتاب العلم لأبي خيثمة(7/ 24).

قوله: « أَيُّ العمل خَيْرٌ؟»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
وفي حديث أبي ذر-رضي الله عنه- حين سأل: أي العمل خير؟ قال: «إيمان بالله، وجهاد في سبيل الله».
وقيل في حديث عائشة -رضي الله عنها-: «أحسن الأعمال الحج»، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في أفضل الأعمال.
فالتوفيق بين هذه الأحاديث: أنه -عليه الصلاة والسلام- أجاب في كل منها بما كان موافقًا لغرض السائل، أو ترغيبًا له فيما هو بصدده، أو إرشادًا له إلى ما هو الأصلح. شرح المصابيح(1/ 359).
وقال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
أجابه على حسب ما عرف من حاله توقيفًا له على ما خفي عليه من باب الفضيلة. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 176/ 177).

قوله: «أنْ ‌تُفارق ‌الدنيا ‌ولسانك رَطْبٌ منْ ذِكْرِ -عزّ وجلّ-».
قال المناوي -رحمه الله-:
«أَنْ تُفَارِقَ الدنيا» يعني: تموت. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 527).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وَلِسَانُكَ» الواو للحالية «رطب» أي: قريب العهد، أو متحرك طري. مرقاة المفاتيح(5/ 1553)
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ولسانك رَطبٌ» رطوبة اللسان: عبارة عن سهولة جريانه، كما أن يُبْسه عبارة عن ضده، ثم إنّ جريان اللسان حينئذٍ عبارة عن مداومته الذكر قبل ذلك، فكأنه قيل: وخير الأعمال مداومة الذكر، فهو من أسلوب قوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران: 102. شرح المشكاة (5/ 1734).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«رَطبٌ من ذكرِ الله» وهو كناية عن مداومة الذِّكر. لمعات التنقيح(5/ 43/44).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«رطب من ذكر الله» حث على ذكر الله، وأن يستمر حتى يوافيه الموت وهو ذاكر فيه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 556).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولسانك رطب من ذكر الله» تعالى؛ لأن ذلك أحب الأعمال إلى الله تعالى.التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 527).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «رطب من ذكر الله» أي: ولسانك متحرك بذكر الله. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 143).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
جعل اللسان رطبة بالذكر: إما أنه يجري الريق حقيقة بالذكر، أو لأنها كاليابسة عن الخير إذا لم يذكر. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 556).
وقال الصنعاني-رحمه الله- أيضًا:
قوله: «ولسانك رطب» جعل الذكر للسان بمثابة الماء؛ وذلك لأن بالذكر حياة القلب، كما أن بالماء حياة الأرض، فأثبت له الرطوبة، كما هي ثابتة بالماء، أو لأن بالذكر يجري ماء اللسان بخلافه مع السكوت، كما قال الزمخشري: ومن المجاز رطب لساني بذكرك. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 384/385).
وقال الملا القاري -رحمه الله-:
رَطْبُ اللسان بلّ القلبِ بذكر المولى، فإن الإناء يترشح بما فيه، ومن أحب شيئًا أكثر ذكره بفيه. مرقاة المفاتيح(4/ 1553)
وقال الشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
رطوبة اللسان بالذكر عبارة عن مداومته، وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} آل عمران: 190، 191. تطريز رياض الصالحين (ص: 785).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
المداومة على ذكر الله تعالى تُولِّد الأنس بالله تعالى، وتُوجِب الحب، حتى تعظم اللذة به عند فراق الدنيا، والقدوم على الله سبحانه؛ إذ اللذة على قدر الحب، والحب على قدر المعرفة والذكر. الأربعين في أصول الدين (ص: 56).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وقال بعض الصوفية: أراد بالـ«رطب» عدم الغفلة، فإن القلب إذا غفل يبس اللسان. فيض القدير (1/ 215).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والذكر يشمل الجلي والخفي، واللسان يحتمل القلبي والقالبي، ولا منع من الجمع، بل هو أدعى إلى مقام الجمع.
وفيه الإشارة إلى أن أفضل الأعمال ما يُخْتَم به الأحوال. مرقاة المفاتيح(4/ 1553).
وقال الونشريسي -رحمه الله-:
وقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة، أن الذكر أفضل الأعمال، وأجل الأقوال. المعيار المعرب والجامع المغرب (1/ 66).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فإن الذكر هو المقصود، وسائر الأعمال وسائل إليه. مرقاة المفاتيح(4/ 1553).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الذكر حقيقة في ذكر اللسان. سبل السلام (2/ 700).
وقال ابن حجر-رحمه الله-:
الذّكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح مما فُرِض من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحيح التوجه، وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال. فتح الباري (11/ 209).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وظاهره: أنه يكفي الذكر اللساني، وإن لم يحضر القلب، وإن كان ذلك أعلى قدرًا. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 556).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
فالمهم أن الله شرع لعباده من الأذكار ما يجعلهم إذا حافظوا عليها يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم.
واعلم أن الذكر أيضًا يكون على وجهين:
ذكر تام: وهو ما تواطأ عليه القلب واللسان.
وذكر ناقص: وهو ما كان باللسان مع غفلة القلب، وأكثر الناس -نسأل الله أن يعاملنا جميعًا بعفوه- عندهم ذكر الله باللسان مع غفلة القلب، فتجده يذكر الله، وقلبه يذهب يمينًا وشمالًا، في دكانه وسيارته وفي بيعه وشرائه، لكن هو مأجور على كل حال، ولكن الذكر التام هو: الذي يكون ذكرًا لله باللسان وبالقلب، يعني: أنك تذكر الله بلسانك، وتذكر الله بقلبك، فأحيانًا يكون الذكر بالقلب أنفع للعبد من الذكر المجرد، إذا تفكر الإنسان في نفسه وقلبه في آيات الله الكونية والشرعية، بقدر ما يستطيع، حصل على خير كثير.شرح رياض الصالحين (1/ 583).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وفي الحديث: حث على الذكر؛ حيث علَّق به حكم الأحبية، وكل مؤمن يرغب في ذلك كمال الرغبة؛ ليفوز بهذه المحبة، فتتأكد مداومة ذكر الله تعالى في جميع الأحوال، لكن يستثنى من الذكر القرآن حال الجنابة بقصده فإنه حرام، ويستثنى من عمومه أيضًا: الْمُجَامع، وقاضي الحاجة؛ فيكره لهما الذكر اللساني، أما القلبي فمستحب على كل حال.فيض القدير (1/ 166).


ابلاغ عن خطا