الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله ‌إِنّ ‌شرائعَ ‌الإسلام ‌قد ‌كَثُرتْ ‌عليّ، ‌فأخبرني بشيء أَتَشَبَّثُ به، قال: «لا يزال لِسانك رطبًا مِن ذِكرِ الله».


رواه الترمذي برقم: (3375) واللفظ له، وأحمد برقم: (17680) ورقم: (17698)، وابن ماجه برقم: (3793)، وابن حبان برقم: (814)، والحاكم برقم: (1822)، من حديث عبد الله بن بُسْر -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع، برقم: (7700)،صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (1491).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


قوله: «شَرَائِعُ الإسلام»:
الشرائع: الْمَواضع التي تُورَد، الواحدة شريعة. غريب الحديث، للحربي (1/165).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الشرع والشريعة: هو ما شَرَع الله لعباده من الدِّين: أي سَنَّه لهم، وافترضَه عليهم، يُقال: شَرَعَ لهم، يَشْرَعُ، شرعًا، فهو شارع، وقد شرع الله الدِّين شرعًا إذا أظهَره وبيَّنه. النهاية (2/ 460).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
سُمّيت بذلك -أي الشِّرعة والشريعة- لوضوحها وظهورها، وجمعها: شرائع، وشَرَعَ الله لنا كذا يَشْرَعُه: أظْهَرَه وأوْضَحَه. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 310).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ المراد بها هنا: النوافل. مرقاة المفاتيح (4/ 1558).

«أَتَشَبَّثُ»:
بتاء مُثنَّاة فوق، ثم شين معجمة، ثم باء موحدة، مفتوحات، ثم ثاء مثلثة، ومعناه أتَعَلَّق به، وأستمسك.فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (7/235-239).

«لِسَانُكَ»:
أي: القالَبِيُّ أو القَلْبِي. مرقاة المفاتيح (4/ 1558).

«رَطْبًا»:
أي: طريًّا مُشْتغلًا قريب العهد من ذكر الله. مرقاة المفاتيح (4/ 1558).
وقال عبيد الله المباركفوري - رحمه الله -:
وهو كناية عن المداومة على الذّكر.مرعاة المفاتيح (7/413).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ شَرَائِعَ الإِسلام»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «أنَّ رجلًا» هذا لفظ الترمذي، ولابن ماجه: «أنّ أعرابيًا». مرعاة المفاتيح (7/ 413).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
الشريعة: مَورد الإبل على الماء الجاري، وفي الشريعة: ما شرع الله لعباده من الدِّين، أي: سَنّه لهم، وافترضه عليهم. الكاشف عن حقائق السنن(5/1739).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«إنَّ شَرَائِعَ الإسلام» جمع شريعة، بمعنى: مشروعة، أي: مشروعاته مِن واجب، أو مندوب، التي شرعها الله لعباده من الأحكام. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 237).
وقال الملا علي القاري - رحمه الله -:
الظاهر: أن المراد بها هنا النوافل؛ لقوله: «قد كثُرت عليَّ». مرقاة المفاتيح (4/ 1558).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المعنى: أن هذا الرجل كثُرت عليه النوافل، أما الفرائض فلا يُغني عنها قول: لا إله إلا الله، ولا غيره، الفرائض لا بد منها، أما النوافل إذا شقَّ على الإنسان بعضها، فالذكْر قد يسُد ما يحصل به الخلل. شرح رياض الصالحين (5/ 519- 520).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
المقصود من ذلك: النوافل، وإلا فإن الفرائض يتعيَّن على كل مسلم أن يأتي بها، ولكن السائل يسأل عن الشيء الذي يمكنه أن يعتني به، وأن يحرص عليه فيما يتعلَّق بالنوافل، فهو يطلب أن يدله -صلى الله عليه وسلم- على باب منها يتمسك به، يكون جامعًا للخير، ومحصِّلًا للأجر. شرح الأربعين النووية (36/5).

قوله: «قد كثُرتْ عليَّ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قد كَثُرتْ عليَّ» بضم المثلثة، ويفتح، أي: غَلَبَت عليَّ بالكثرة، حتى عجزْتُ عنها؛ لضَعْفي. مرقاة المفاتيح (4/ 1558).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
أي: غَلبَتْني حتى عجزْتُ عنها؛ لضَعْفي، وقِلَّة جهدي.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(7/ 237).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
ولم يُرد بقوله: «قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ» أنه يترك ذلك رأسًا، ويشتغل بغيره فحسب، وإنما أراد أنه بعد أداء ما افترض عليه يتشبَّثُ بما يستغني به عن سائر ما لم يفترض عليه.
وعدَّى «كَثُرَتْ» بـ«عَلَيَّ» تضمينًا لمعنى غلَبَتِهَا إياه، وعجْزِه عنها. الكاشف عن حقائق السنن (5/1739).

قوله: «‌فأخبرني بشيء أَتَشَبَّثُ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ» أي: ليسْهُل عليه أداؤُها، أو ليحصل به فضل ما فات منها من غير الفرائض، ولم يرد الاكتفاء به عن الفرائض والواجبات. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (6/418).
وقال ابن علان - رحمه الله -:
«بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ» أي: أتعلَّق وأعْتَصِم «بِهِ»؛ ليكون مُغنيًا لي عن النوافل التي كثُرت عليَّ، فعَجزْتُ عن استقصائها. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 237).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
والتنكير في «بِشَيْءٍ» للتقليل المتضمن لمعنى التعظيم، كقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} التوبة: 72، معناه: أخْبِرْني بعملٍ يسيرٍ، مُسْتَجْلِبٍ لثواب كثير، فأُلَازِم عليه، وأعْتَصم به. الكاشف عن حقائق السنن (5/1739).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والأظهر: أن التنوين لمجرد التنكير، أي: أخبرني بشيء «أَتَشَبَّثُ» أي: أتعَلَّق «بِهِ»، من عبادة جامعة غير شاقة مانعة في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، وحال دون حال، مِن قِيام وقعود، وأكل وشُرب، ومُخالطة واعتِزال، وشبابٍ وهَرَمٍ، وغير ذلك، ويكون جابرًا عن بقيَّتها، مُشتملًا على كُلِّيتها. مرقاة المفاتيح (4/ 1558).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قال القاري: والأظهر أن التنوين –أي: «بِشَيْءٍ»- لمجرد التنكير. انتهى. قلتُ: بل الأظهر هو ما قال الطيبي، فتأمل. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/264-265).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
أي: إذا أردت ذلك، فهنا شيء واحد قليل الكُلْفَة، عظيمُ النفع والثواب، فلازِمْ عليه، يُغْنيك عن سائِرِها، ويُثبِّتك تثبيتًا بليغًا على أمهات الخير، ومحاسن الأحوال والأخلاق، وهو أنك تُدْمِن على الذكر بلسانك وقلبك في سائر أحوالك. فتح الإله في شرح المشكاة (7/338).

قوله: «لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال: «لَا يَزَالُ» أي: هو أنه لا يزال «لِسَانُكَ» أي: القَالَبِيُّ أو القَلْبِي، «رَطْبًا» أي: طريًّا مُشتغلًا قريب العهد «مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». مرقاة المفاتيح (4/ 1558).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
قوله: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا»... الخ، بإقامة الدال مقام المدلول، فإن المقصود إنما هو تذكُّر القلب، إلا أن الذكر اللساني سبب له، ومُنْبِئ عنه، فيُثاب عليه أيضًا، وأما إذا اجتمعا فهو أولى وأحرى. الكوكب الدري على جامع الترمذي (4/332).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا» أي: طريًّا مشتغلًا قريب العهد منه، وهو كناية عن المداومة على الذِّكْر. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/264-265).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه، كما أنَّ يُبْسَه عبارة عن ضده، ثم إنّ جريان اللسان حينئذٍ عبارة عن مداومته الذِّكر قبل ذلك، فكأنه قيل: وخير الأعمال مداومة الذِّكر، فهو من أسلوب قوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} آل عمران: 102. شرح المشكاة (5/ 1734).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
ومن المجاز: رَطُبَ لساني بذكرك، وترطَّبَ، وما زلتُ أُرَطِّبُه به، وهو رَطِيب به، وما رطّب لساني بذكرك، إلا ما بَلَّلْتَني به من بِرِّكَ. أساس البلاغة (1/ 360).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وقال بعض الصوفية: أراد بالرَّطْبِ عدم الغفلة، فإنَّ القلب إذا غفل يَبِسَ اللسان. قال الزمخشري: ومن المجاز: رَطُبَ لساني بذكرك..فيض القدير (1/ 166).
وقال محمد عويضة:
الرُّطوبة في الزرع علامة على النضارة والاخضرار والحياة، ورطوبة اللسان علامة على استمرار مقومات الحياة له، وعكس الرطوبة: اليُبْسُ والجُمود، وهو يعني: التَّحَجُّر والموت والقساوة. فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب (7/ 14).
وقال فيصل آل مبارك -رحمه الله-:
رطوبة اللسان بالذكر عبارة عن مداومته، وهذا الحديث موافق لقوله تعالى: }إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} آل عمران: 190-191.
قال الحسن: "أحب عباد الله إلى الله أكثرهم له ذكرًا، وأتقاهم قلبًا".
وقيل لبعض الصالحين: ألا تستوحش وحدك؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: «أنا جليس من ذكرني»؟. تطريز رياض الصالحين (ص: 785).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
«لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» هذا لا شك أنه من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإنسان يأتي بذكر الله -عز وجل-، وذكر الله -عز وجل- هو تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل وتعظيم وثناء على الله -عز وجل-، ويكون لسانه رطبًا بذلك؛ لأنه إذا كان مشتغلًا بذكر الله -عز وجل- صار منشغلًا عن غير ذكر الله -عز وجل- من الكلام الذي لا يليق، والذي لا ينبغي، فتعويد الإنسان نفسه أن يكون ذاكرًا لله يحصل به الحسنات العظيمة لعمل يسير، وشيء سهل خفيف؛ ولهذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، وهما من ذكر الله -عز وجل-، فوصَفَهما بأنهما خفيفتان على اللسان، وذكر الله -عز وجل- كله خفيف على اللسان.
فأرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا العمل العظيم الذي هو إدامة ذكر الله، وكثرة ذكره -سبحانه وتعالى-، وهذا يكون من الإنسان وهو ماشٍ وقائم وقاعد ومضطجع، وفي جميع أحواله، وذلك سهل عليه؛ لأنه لا يحتاج إلى كُلْفَة، ولا يحتاج إلى مشقة، وليس فيه إلا تحريك اللسان بخير؛ حتى يعود على الإنسان بخير، والحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضِعْف، إلى أضعاف كثيرة. شرح الأربعين النووية (36/5).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
المراد بذكر الله...: الذكر الكامل، وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب؛ بالتفكر في المعنى، واستحضار عظمة الله تعالى، وأن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلًا من غير استحضار لذلك، وأن أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد، فمن اتفق له أنه جمع ذلك، كمن يذكر الله بلسانه وقلبه، واستحضاره، وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلًا، فهو الذي بلغ الغاية القصوى. فتح الباري (11/ 210).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
المراد بالذكر هنا: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار منها، مثل الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحَوْقَلة والبسملة والحَسْبَلة والاستغفار، ونحو ذلك، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة.
ويُطلق ذكر الله أيضًا ويراد به المواظبة على العمل بما أَوْجَبه، أو نَدَب إليه، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتَّنَفُّل بالصلاة.
ثم الذكر يقع تارة باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يشترط استحضاره لمعناه، ولكن يشترط ألا يقصد به غير معناه، ولمن انضاف إلى النطق الذكر بالقلب فهو أكمل، فإن انضاف إلى ذلك استحضار معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح مما فرض من صلاة أو جهاد أو غيرهما ازداد كمالًا، فإن صحح التوبة، وأخلص لله تعالى في ذلك فهو أبلغ الكمال. تحفة الأحوذي (9/ 222).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
إدامة الذكر تَنُوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنيَّة، أو مالية، أو بدنيَّة مالية، كحجِّ التطوع، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة: أنَّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضْلُ أموال يحُجُّون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، فقال: «ألا أُعَلِّمُكم شيئًا تُدركون به مَن سبَقكم، وتَسْبِقُون به مَن بعدكم، ولا أحد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تُسبِّحون، وتحمدون، وتُكبِّرون خلف كل صلاة...» الحديث، متفق عليه.
فجعل الذكر عوضًا لهم عَمّا فاتهم من الحج والعمرة والجهاد، وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذِّكر، فلمّا سمع أهل الدُّثور بذلك عملوا به، فازدادوا -إلى صدقاتهم وعباداتهم بمالهم- التعبد بهذا الذكر، فحازوا الفضيلتين، فنَافَسَهم الفقراء، وأخبروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنهم قد شاركوهم في ذلك، وانفردوا عنهم بما لا قدرة لهم عليه، فقال: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
وفي حديث عبد الله بن بُسْر قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، كثرت عليَّ خِلَالُ الإسلام وشرائعه، فأخبرني بأمر جامع يكفيني، قال: «عليك بذكر الله تعالى»، قال: ويكفيني يا رسول الله؟ قال: «نعم، ويَفْضُل عنك».
فدلَّه الناصح -صلى الله عليه وسلم- على شيء يبعثه على شرائع الإسلام، والحرص عليها، والاستكثار منها، فإنه إذا اتخذ ذكر الله تعالى شعاره أحبَّه، وأحبَّ ما يُحبُّ، فلا شيء أحب إليه من التقرب بشرائع الإسلام، فلذلك دلَّه -صلى الله عليه وسلم- على ما يتمكن به من شرائع الإسلام، وتسهل به عليه، وهو ذكر الله -عز وجل-.
يوضحه: أن ذكر الله -عز وجل- من أكبر العون على طاعته؛ فإنه يحببها إلى العبد، ويسهِّلها عليه، ويُلَذِّذُها له، ويجعل قرَّة عينه فيها، ونعيمه وسروره بها، بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل، والتجربة شاهدة بذلك. الوابل الصيب (1/184).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وذِكْرُ الله - عز وجل - نوعان:
- نوع مطلق في كل وقت، وهو الذي يُشرع للإنسان دائمًا، أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا قال له: إنَّ شرائع الإسلام كثُرت عليَّ، وإنِّي كبير فأوصني، فقال: «لا يزال لسانُك رطْبًا من ذكر الله»، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أحيانه»، أي: في كل حين. فذكر الله هنا مطلق لا يتقيد بعدد، بل هو إلى الإنسان على حسب نشاطه.
- والنوع الثاني: ذِكْرٌ مُقَيَّد بعدد، أو في حال من الأحوال، وهو كثير، منها أذكار الصلوات في الركوع والسجود وبعد السلام، وأذكار الدخول للمنزل، والخروج منه، وأذكار الدخول للمسجد والخروج منه، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار الركوب على الدابة، وأشياء كثيرة شرعها الله - عز وجل- لعباده؛ من أجل أن يكونوا دائمًا على ذكر الله -عز وجل-، فالمهم أن الله شرع لعباده من الأذكار ما يجعلهم إذا حافظوا عليها يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم.
واعْلَم أن الذكر أيضًا يكون على وجهين:
- ذكر تام: وهو ما تَواطَأ عليه القلب واللسان.
- وذكر ناقص: وهو ما كان باللسان مع غفلة القلب.
وأكثر الناس - نسأل الله أن يعاملنا جميعًا بعفوه - عندهم ذكر الله باللسان مع غفلة القلب، فتجده يذكر الله وقلبه يذهب يمينًا وشمالًا، في دكانه وسيارته، وفي بيعه وشرائه، لكن هو مأجور على كل حال، ولكن الذكر التام هو الذي يكون ذكرًا لله باللسان وبالقلب، يعني: أنك تذكر الله بلسانك وتذكر الله بقلبك، فأحيانًا يكون الذكر بالقلب أنفع للعبد من الذكر المجرد، إذا تفكر الإنسان في نفسه وقلبه، في آيات الله الكونية والشرعية، بقدر ما يستطيع، حصل على خير كثير. شرح رياض الصالحين (1/ 582- 583).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فلما أراد بابًا جامعًا يتمسك به من أبواب الخير فيما يتعلق بالنوافل، أرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يزال لسانه رطبًا من ذكر الله -عز وجل-؛ وذلك بكثرة ذكر الله -سبحانه وتعالى-. ومعلوم أنَّ ذِكر الله -عز وجل- يُطْلَق إطلاقًا عامًا، ويُطْلق إطلاقًا خاصًا، فإطلاقه العام يدخل تحته الصلوات، ويدخل تحته قراءة القرآن، ويدخل تحته الأذكار، وأما الذكر الخاص فهو الأذكار الخاصة كالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، فإن هذه الأذكار هي الذكر الخاص، وإلا فإن الصلاة ذكر لله -عز وجل-؛ لأنها مشتملة على ذكر الله من أولها إلى آخرها، وكذلك قراءة القرآن فهو خير الذكر، وخير الكلام، وأفضل الكلام، ثم بعد ذلك الأذكار التي مع الأدعية؛ لأن الأدعية هي سؤال الله -عز وجل- ما يريده الإنسان، وأما الأذكار فهي الثناء على الله -عز وجل- بما يليق به من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، وهذه هي الأذكار التي أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون الإنسان لسانه رطبًا بها؛ وذلك سهل عليه في أي وقت، وفي أي حين. شرح الأربعين النووية (36/5).

وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله- أيضًا:
هذا الحديث فيه: حرص الصحابة -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- على الخير، وسؤالهم عن أمور الدين، وعن الأمور الجامعة التي يُحصِّلون فيها الأجور العظيمة، وهي أعمالٌ خفيفة ويسيرة، لا مشقة فيها، بل عمَلُها يسير، وفضْلُها كبير، وجزاؤها عظيم من الله -سبحانه وتعالى-.شرح الأربعين النووية (36/5).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا