الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«إذا صَلَّى أحدكم فلا ‌يَضَعْ ‌نَعلَيهِ عن يمينه، ولا عن يَسَاره؛ فتكون عن يمين غيره، ‌إِلَّا ‌أَنْ لا يكون عن يَسَاره أحد، وليضعهما بين رجليه».


رواه أبو داود برقم: (654)، والحاكم في المستدرك برقم (954)، وابن خزيمة برقم: (1016)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم: (4259)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (645)، مشكاة المصابيح برقم: (767).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«نَعلَيهِ»:
النَّعْلُ: ‌الحِذاءُ، ‌مؤنَّثَةٌ، وتصغيرها نُعَيْلَةٌ، تقول: نَعَلْتُ وانْتَعَلْتُ، إذا احْتَذَيت. الصحاح (5/ 1831).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
النَّعْلُ: مُؤَنَّثة، وهي التي ‌تُلْبَس ‌فِي ‌المشْي، تُسَمَّى الآن: تاسُومة. النهاية (5/ 83).


شرح الحديث


قوله: «إذا صَلَّى أحدكم فلا ‌يَضَعْ ‌نَعلَيهِ عن يمينه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا صَلَّى أحدكم» أي: أراد أن يصلي «فلا ‌يَضَعْ ‌نَعلَيهِ» بالجزم جواب (إذا). مرقاة المفاتيح (2/ 637).
وقال المظهري-رحمه الله-:
قوله: «فلا ‌يَضَعْ ‌نَعلَيهِ عن يمينه» وعلةُ النهي عن وضع النعلين عن اليمين، ما ذكرنا في البزاقِ في الباب المتقدم وهو زيادةُ تعظيم المِلَكِ الذي هو عن اليمين؛ لأنه يكتب الحسنات، ومن يكتب الحسنات أشرفُ من الذي يكتب السيئات، ولأن جانب يمين الرجل خيرٌ من شماله. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 96-97).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا صَلَّى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه»؛ فإن عن يمينه مَلَك، فلا يضع ‌الْمُسْتَقْذَر من جهته؛ إكرامًا له. شرح سنن أبي داود (4/ 117).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فلا ‌يَضَعْ ‌نَعلَيهِ عن يمينه» كلمة (عَنْ) يجوز أن تكون بمعنى (عَلى) والتقدير: على موضعٍ في جهة يمينه، ويجوز أن تكون بمعنى: (جانِب) والتقدير: فلا يضع نعليه جانبَ يمينه.
أما اليمين؛ فلأنه تُصان عن كل شيء مما يكون محلًا للأذى. شرح سنن أبي داود (3/ 199).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فلا ‌يَضَعْ ‌نَعلَيهِ عن يمينه» لأن جهة اليمين محترمة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 600).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
نهى عن ذلك؛ لأن جهة اليمين مُعظَّمة، فتُصَان عن القاذورات. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 44-45).

قوله: «ولا عن يَسَاره؛ فَتَكُونَ عن يمين غيره»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ولا عن يَسَاره» إن كان عن يمين أحد من المصلين؛ «فتكون عن يمين غيره» من المصلين؛ إكرامًا للمَلك الذي عن يمين غيره.
وأما حديث ابن السائب أول الباب قبله: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع نعليه عن يساره» فمحمول على ما إذا كان منفردًا؛ ولهذا بوّب ابن حبان على حديث ابن السائب: "باب ذكر الموضع الذي يضع المرء نعليه إذا كان منفردًا يصلي". شرح سنن أبي داود (4/ 117).
وقال العيني -رحمه الله-:
وأما يساره: فإنما لا يَضع فيه إذا كان في يساره ناس، وهو معنى قوله: «ولا عن يساره» أي: ولا يضع عن يَساره؛ «فيكون عن يمين غيره» أي: فَلِأَنَّه يكون ذلك عن يمين غيره. شرح سنن أبي داود (3/ 199).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«ولا عن يَسَاره؛ فَتَكُونَ عن يمين غيره» فتكون محترمة في حقه، فيؤذيه ذلك، وأذى المؤمن حرام. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 600- 601).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
وقوله: «ولا عن يَسَاره» أي: ولا يضعهما عن يساره؛ لما في ذلك من الإيذاء لغيره، إن كان على يساره أحد، فإن لم يكن عن يساره أحد فيضعهما جهة اليسار حينئذٍ؛ لعدم المحذور. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 45).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فَتَكُونَ» بالنصب جوابًا للنهي، أي: ‌وَضْعُهُ ‌عن ‌يساره، ‌مع ‌وجود غيره سَبَبٌ لأن تكون عن يمين صاحبه، فعلى المؤمن أن يحبَّ لصاحبه ما يحب لنفسه، ويَكْره له ما يَكْره لنفسه. شرح المشكاة (3/ 968).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فتكون» بالتأنيث على الصحيح، أي: فتقع النعل «عن يمين غيره». مرقاة المفاتيح (2/ 637).

قوله: «إِلَّا ‌أَنْ لا يكون عن يَسَاره أحد»:
قال العيني -رحمه الله-:
«إِلَّا ‌أَنْ لا يكون عن يَسَاره أحدٌ» فحينئذٍ يضعهما عن يساره، كما مرَّ في الحديث في (باب الصلاة في النعْل). شرح سنن أبي داود (3/ 199).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إِلَّا ‌أَنْ لا يكون عن يَسَاره» وفي نسخة صحيحة: «على يساره أَحدٌ» أي: فيضعهما عن يساره. مرقاة المفاتيح (2/ 637).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«إِلَّا ‌أَنْ لا يكون عن يَسَاره أحدٌ» أي: فيجوز حينئذٍ أن يضعهما عن يساره. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 600).

قوله: «وَلْيَضَعْهُمَا بين رجليه»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
يعني: إن كانا طاهرين. شرح سنن أبي داود (4/ 117).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ولْيَضَعْهُمَا بين رجليه» إن لم يكن وضعَهُما عن يمينه أو يساره. شرح المصابيح (1/ 458).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «وَلْيَضَعْهُمَا بين رجليه» راجع إلى قوله: «ولا عن يساره» لما قلنا؛ لأنه إذا لم يكن عن يساره أحد يضعهما عن يساره. شرح سنن أبي داود (3/ 199).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وَلْيَضَعْهُمَا بين رجليه» أي: ‌قُدَّامَه، إذا كان على يساره أحدٌ. مرقاة المفاتيح (2/ 637).
وقال السندي -رحمه الله-:
«وَلْيَضَعْهُمَا بين رجليه» الفُرْجَة التي بين الرِّجْلَين لا تَسَعُ النعلين عادةً، إلا بنوع حرج، فلعل المراد في محاذاة الرِّجْلَين، أو عند الرِّجْلَين، أي: فيما بين الإنسان ومحل السجود، إلا أن يُقال: نِعَال العرب كانت في ذلك الوقت مما يمكن وضعها في الفُرْجة التي بين الرِّجْلَين بلا حرج، والكلام في نعالهم، والله تعالى أعلم. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (1/ 412).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«وَلْيَضَعْهُمَا بين رِجْلَيه» إذا كان عن يساره أحدٌ، ولعل المراد: الفُرْجَة التي بين رِجْلَيه، أو الفُرْجَة التي قُدَّام الركبتين. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 601).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وَلْيَضَعْهُمَا بين رِجْلَيه» أي: إن كان عن يساره أحدٌ، والمراد: أنَّه يضعهما أمام القدمين، فيكونان بين الساقين حال الجلوس والسجود.
ويحتمل أن المراد: أن يجعلهما تحت صدره، وقبل مكان سجوده. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 45).
وقال الهرري -رحمه الله-:
وضْعُ النعلين في اليسار جائز إذا لم يكن عن يسار المصلي أحدٌ، وإن يكن فلا، يدل عليه حديث أبي هريرة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (8/ 483).
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله-:
وإذا كان في المسجد أماكن مخصصة للأحذية كالأحواض الموجودة في هذا المسجد، فليجعلها فيها، أو تُجعل بين السواري إذا كان هناك سوارٍ ليس بينها صفوف، فالمهم أن الإنسان لا يؤذي بهما أحدًا. شرح سنن أبي داود (ص: 2).
وقال الشيخ العبَّاد -حفظه الله- أيضًا:
قد جاءت الأحاديث بأنه إذا لم يكن عن يساره أحد فإنه يضعهما عن يساره، ولا يضعهما عن يمينه، وإن كان يساره مشغولًا بأن كان بجواره أحد، فإنه لا يجعلهما عن يساره، بل يجعلهما بين قدميه؛ لأنه لو جعلهما عن يساره صارتا عن يمين غيره، فآذى بهما غيره، وإذا كان هناك أماكن مخصصة للأحذية فتوضع فيها، وكذلك بين السواري إذا كان المسجد فيه سواري؛ لأن بين السواري ليس محلاً للصلاة إلا عند الضرورة، حيث يمتلئ المسجد، فإنه يُصلى بين السواري. شرح سنن أبي داود (ص: 2).
وقال الشيخ عبد الرحمن السحيم -حفظه الله-:
وفي الحديث الآخر: «إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه، ولا عن يساره؛ فتكون عن يمين غيره، إلا ‌أَنْ لا يكون عن يساره أحد؛ وليضعهما بين رِجْلَيه» رواه أبو داود.
وما يَفعله كثير من الناس في أطهر البقاع مُخالِف لهذا الأمر النبوي، فإنك ترى كثيرًا من الناس إذا أراد أن يُصلي في الحرم المكي وَضَع نعليه أمامه، ثم يتقدّم فتكون أمام غيره. وفي هذا امتهان لأطهر البِقاع، وامتهان لكرامة المؤمن الذي كرّمه الله، فيأتي من يأتي فيضع نعاله أمام المصلين، وربما كانت قريبة جدًا منهم في السجود، بل إنها تُضايق أحيانًا المصلين.
وفاعل ذلك آثم بِفِعله، خاصة إذا كانت تلك الأحذية مُبلَّلة، أو تَحْمِل القَذَر. شرح عمدة الأحكام (1/ 305).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: باب من الأدب، وهو أن يُصَان مَيَامِن الإنسان عن كل شيء يكون محلاً للأذى.
وفيه: أن الأدب أن يضعَ الإنسان نعْلَه إذا أراد الصلاة بين يديه، أو عن يساره إن كان وحده.
وفيه: دليل على أَنَّ مَنْ خلع نعله فتركَها من ورائه، أو عن يمينه، أو متباعِدة عنه من بين يديه، ‌فَتَعَقَّلَ بها إنسان (أي: عَثَر) ‌فَتَلِفَ إما بأن خرّ على وجهه، أو تردَّى في بئر بقُرْبِه، أنَّ عليه الضمان، وهذا كواضع الحجر في غير ملكه، وناصبِ السكين، ونحوه، لا فرق بينهما، والله أعلم. معالم السنن (1/ 182).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دلّ الحديث على شرف الجهة اليمنى، وعلى أنه ينبغي حفظها من النجاسات، وعلى نهي من أراد الصلاة عن أن يضع نعليه على يساره إن كان به أحد، بل يضعهما أمام قدميه. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 45).
وقال العيني -رحمه الله-:
يُستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: صَوْنُ الميَامِن.
والثانية: أنه يضع نَعْليه إذا أراد الصلاة بين رِجْلَيْه إن كان عن يساره أحد.
الثالثة: يَضَعهما عن يَساره إذا كان خاليًا عن أحدٍ.
الرابعة: ذكرها الخطابي: أن مَن خلع نعليه فتركها مِن ورائه، أو عن يمينه، أو متباعدة عنه من بين يَدَيْه، فتعقَّل بها إنسان أي: عثر فتلف، إما بأن خرَّ على وَجْهه، أو تردى في بئرٍ بقُربه، أن عليه الضمان، وهذا لواضع الحجر في غير ملكه وناصِب السكين ونحوه لا فرق بَينهما. شرح أبي داود (3/ 199-200).


ابلاغ عن خطا