الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

أنَّ النبيَّ -صلى عليه وسلم- كان إذا خافَ قومًا، قال: «اللهم إنَّا نجعلُكَ في نُحورِهِم، ونعوذُ بك من شرورِهِم».


رواه أحمد برقم: (19720)، وأبو داود برقم: (1537)، والحاكم برقم: (2629)، والنسائي في الكبرى برقم: (8577)، والطبراني في الأوسط برقم: (2531)، والبيهقي في الكبرى برقم: (10325) من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4706)، وصحيح أبي داود برقم: (1375).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«في نحورهم»:
أي: في إزاء صدورهم. التيسير، للمناوي (2/ 479).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
والنحر: موضع القلادة من الصدر، والجمع: نحور... وتطلق ‌النحور على الصدور. المصباح المنير (2/ 595).

«نعوذ»:
أي: نلجأ ونعتصم. دليل الفالحين، لابن علان (6/ 469).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
يقال: عاذ فلان بربه يعوذ عوذًا إذا لجأ إليه واعتصم به. تهذيب اللغة (3/ 93).


شرح الحديث


قوله: «أن النبي -صلى عليه وسلم- كان إذا خاف قومًا»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«كان إذا خاف قومًا» والخوف أمر طبيعي للبشر لا قدح فيه أصلًا، قال تعالى عن موسى وهارون: {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} طه: 45. دليل الفالحين (6/ 469).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«كان إذا خاف قومًا» من الكفار أو من غيرهم. شرح سنن أبي داود (7/ 367).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان إذا خاف قومًا» أي: شَرَّ قوم. فيض القدير (5/ 121).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان إذا خاف قومًا» فيه: جواز الخوف على المعصوم؛ كما خاف موسى عند إلقاء السحرة لسحرهم. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 371).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قيل: النبي -عليه السلام- محفوظ من شر الإنس والجن بحفظ الله إياه، ومؤيد بالملائكة، فكيف يجوز أن يخاف قومًا وهم أعداء الله تعالى؟ قلتُ: هنا ثلاثة أجوبة:
الأول: أن الطبيعة البشرية من خواصها: الخوف مع قطع النظر عن العارض.
والثاني: يجوز أن يكون خوفه على صحابته.
والثالث: أن هذا تعليم لأمته أنهم إذا خافوا قومًا يدعون بهذا الدعاء، وهذه الأجوبة لاحت لي في هذا المقام من الأنوار الربانية، فإن ذكرها أحد غيري يكون من توارد الخواطر والاتفاقيات. شرح سنن أبي داود (5/448).

قوله: «قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال» عند رؤيتهم «‌اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم» فيه حذف يحتمل أن يكون تقديره: نجعل سهام أوليائك، أو سيوف أنصار ذمتك في نحور أعدائك، والمراد به: طلب إهلاكهم؛ لأن المنحر هو المقتل وموضع الهلاك غالبًا، -والله أعلم-. شرح سنن أبي داود (7/367-368).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «إِنا نجعلك» هو على حذف مضاف كما لا يخفى، أي: نجعل قدرتك، وقيل: معنى «نجعلك» قوله: «في نحورِهم» أي: حائلًا بيننا، ودافعًا عنا، أي: فهو كناية عن الاستعانة به في دفعهم؛ إذ لا حول ولا قوة لنا إلَّا به سبحانه، وأصله: جعلتُ فلانًا في نحر العدو، أي: مقابلته ليحول بيني وبينه، ويدفعه عني؛ وخص النحر بالذكر لأن العدو يستقبل به عند التَّصَافِّ للقتال، وللتفاؤل بأن المؤمنين ينحرونهم عن آخرهم. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية(4/ 16- 17).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «اللهم إنا نجعلك» أي: نجعل وقايتك، «في نحورهم» فتدفع عنا كيدهم في نحورهم. دليل الفالحين (6/ 469).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«اللهم إنا نجعلك» أي: نجعل أمرك، أو حكمك «في نحورهم» فيدفعهم ذلك عما يريدون. دليل الفالحين (7/ 126).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
تقول: جعلتُ فلانًا في نحر العدو: إذا جعلته قبالته، وترسًا يقاتل عنك، ويحول بينه وبينك، والمعنى: نسألك أن تصد صدورهم، وتدفع شرورهم، وتكفينا أمورهم، وتحول بيننا وبينهم. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 101- 102).
وقال المظهِري -رحمه الله-:
قوله: «‌اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم» النحور: جمع نحر، وهو الصدر؛ يعني: اللهم إنا نجعلك في إزاء أعدائنا حتى تدفعهم عنا، فإنه لا حول ولا قوة لنا، بل القوة والقدرة لك. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 228).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
«اللهم إنا نجعلك في نحورهم» يقال: جعلتُ فلانًا في نحر العدو، أي: قبالته حذاءه، وتخصيص النحر بالذكر؛ لأن العدو يستقبل بنحره عند المناهضة للقتال، والمعنى: نسألك أن تتولانا في الجهة التي يريدون أن يأتونا منها، ونتوقى بك عما يواجهوننا، فأنت الذي تدفع في صدورهم، وتكفينا أمرهم، وتحول بيننا وبينهم، ولعله اختار هذا اللفظ؛ تفاؤلًا بنحر العدو، أعني: قتلهم، مع ما أراد من المعنى الذي ذكر. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 571).
وقال المناوي -رحمه الله-:
خص النحر تفاؤلًا بنحرهم، أو لأنه أسرع وأقوى في الدفع، والتمكن من المدفوع. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 245).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قال: «‌اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم» أي: في إزاء صدورهم. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/59).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قال: «‌اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم» فلا يستطيعون إيقاع شر بنا. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 371).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: ‌«اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم» أي: نسألك يا ألله أن تجعل بطشك وهزيمتك فيهم، فهو خبر بمعنى الإنشاء. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/ 196).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ثم ذكر المؤلف حديثًا فيما يسن للإنسان إذا خاف ناسًا أو غيرهم ماذا يقول؟ مثلًا قابلك أناس تخشى منهم، قابلك شخص تخشى من شره فقل: ‌«اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم»، إذا قلتَ ذلك بصدق وإخلاص ولجوء إلى الله كفاك الله شرهم، ‌«اللهم ‌إنا ‌نجعلك ‌في ‌نحورهم» أي: أمامهم تدفعهم عنا، وتمنعنا منهم. شرح رياض الصالحين (4/ 617).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وذكر النحور في مقابل من يريد أن يفتك، فهو يلقي بنحره، ويقابل بخلاف الذي يكون مجبرًا أو موليًا ظهره، ولكن الذي يكون مصممًا وحريصًا على الإيقاع بمن يريد الإيقاع به؛ فإنه يلقي بنحره، ويقبل في وجهه. شرح سنن أبي داود (ص: 2).

قوله: «ونعوذ بك من شرورهم»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ونعوذ بك» أي: نلتجئ إليك من كل ما يحذر. شرح سنن أبي داود (7/ 368).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ونعوذ بك من شرورهم» قدَّم الجعل في النحور؛ لأنه الأهم، والمراد من الاستعاذة، وجاء بهذا على طريقة التكميل. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 371).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ونعوذ بك من شرورهم» والمعنى: نسألك أن تصد صدورهم، وتدفع شرورهم، وتكفي أمورهم، وتحول بيننا وبينهم، وقيل: المعنى: نسألك أن تتولانا في الجهة التي يريدون أن يأتوا منها، وقيل: نجعلك في إزاء أعدائنا حتى تدفعهم عنا فإنه لا حول ولا قوة لنا، وحاصله: نستعين بك في دفعهم. مرقاة المفاتيح (4/ 1693).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «ونعوذ بك من شرورهم» هو كالعطف التفسيري. الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (4/ 17).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: أنه دعاء يندب عند لقاء من يُخَافُ شرُّه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 371).
وقال فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أن من اعتصم بالله تعالى ولجأ إليه كفاه كيد الأَعادي والحُسَّاد، قال الله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} البقرة: 137. تطريز رياض الصالحين (ص: 574).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
فيه: السجع في الدعاء، ولا منع منه إلا إن كان يؤدي إلى التكلف أو تفويت الخشوع، وفيه: إيماء إلى دواء من وقع في كيد الأعادي، وترياق من أصابته سموم أفاعي الحُسَّاد البواغي؛ وذلك الاعتصام بحبل الله سبحانه، والركون بالقلب إلى الرب. دليل الفالحين (6/ 469).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«ونعوذ» أي: نعتصم «‌بك ‌من ‌شرورهم» فيه: التحصن بأسماء الله تعالى، واللوذ به، واللجأ إليه تعالى فيما ينزل بالإِنسان مما يشفق منه، وأنه لا ينافي التوكل. دليل الفالحين (7/ 126).
وقال النووي -رحمه الله-:
ويُستحب أنْ يدعو معه (أي: مع هذا الدعاء) بدعاء الكرب. الأذكار (ص:225).
وقال فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
فيه: التحصن بالله تعالى، والالتجاء إليه فيما ينزل بالإنسان. تطريز رياض الصالحين (ص: 731).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وفي الحديث: دليل على مشروعية الدعاء عند الخوف من قوم بهذا الدعاء. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين (ص: 257).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ونعوذ بك من شرورهم» ففي هذه الحال يكفيك الله شرهم، كلمتان يسيرتان إذا قالهما الإنسان بصدق وإخلاص؛ فإن الله تعالى يستجيب له، -والله الموفق-. شرح رياض الصالحين (4/ 617).


ابلاغ عن خطا