«أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أَوَى إلى فراشِهِ، قال: الحمدُ للَّهِ الذي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فكمْ ممَّنْ لا كافِيَ له ولا مُؤْوِيَ».
رواه مسلم برقم: (2715)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَوَى»:
أي: دخل فيه. فيض القدير، للمناوي (5/ 111).
وقال الراغب الأصفهاني -رحمه الله-:
والمأوَى: مصدر: أَوَى يَأْوِي أَوِيًّا ومَأْوىً، تقول: أوى إلى كذا: انضمَّ إليه، يأوي أويًّا ومأوى، وآوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً. المفردات (ص: 103).
وقال البندنيجي -رحمه الله-:
والأوي: مصدر: آوى يأوي أويًّا: إذا نزل دارًا. التقفية في اللغة (ص: 694).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
يُقال: أَوَى وآوَى بمعنًى واحدٍ، والمقصورُ منهما لازمٌ ومُتَعَدٍّ. النهاية (1/ 82).
«الحمد»:
الحمد: هو الثناء على الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها. التعريفات، للجرجاني (ص: 93).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
والحمد: الرضا، والجزاء، وقضاء الحق. تاج العروس (8/ 38).
«وكفانا»:
أي: دفعَ عنا شرَّ المؤذِيات، وحَفِظَنَا، وهيَّأ أسبابنا. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 170).
وقال الصاحب بن عباد -رحمه الله-:
يقال: كفى يكفي كفاية: إذا قام بالأمر. المحيط في اللغة (6/ 338).
«وآوانا»:
أي: ردَّنا إلى مأوى لنا، ولم يجعلنا منتشرين كالبهائم، والمأوى: المنزل. النهاية، لابن الأثير (1/ 82).
شرح الحديث
قوله: «كان إذا أوى إلى فراشه»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «أوى إلى فراشه» أي: انضم إليه، يقال بالمد والقصر. إكمال المعلم (8/ 211).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان إذا أوى إلى فراشه» أي: دخل فيه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
قوله: «قال: الحمد لله»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما حمد الله تعالى على الطعام والسقي وكفاية المهمات في وقت الاضطجاع؛ لأن النوم فرع الشبع والري وفراغ الخاطر عن المهمات، والأمن من الشرور. مرقاة المفاتيح (4/ 1656).
وقال موسى شاهين -رحمه الله-:
مناسبة هذا الدعاء للنوم: استجماع حصيلة النهار من النعم والحمد عليها. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 278).
قوله: «الذي أطعمنا وسقانا»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«الذي أطعمنا» فأشبعنا «وسقانا» فأروانا. شرح سنن أبي داود (19/ 263).
وقال السندي -رحمه الله-:
«أطعمنا» قدمه لزيادة الاهتمام به على مقتضى الحال، ولما كان الطعام لا يخلو عن شرب في أثنائه أو بعده ذكره تبعًا فقال: «وسقانا». فتح الودود في شرح سنن أبي داود (3/ 762).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أن الإنسان في غالب أمره وأكثر حاله، إنما يأوي إلى فراشه لينام عليه بعد أن يأكل ويشرب؛ وذلك من حكمته -عز وجل- في عباده، فإنه يلذ له النوم، ويلطف الله حرارته على باطنه فتهضم غذاءه، فيخلف على بدنه ما تملك في يقظته، فلما أوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الفراش ذكر النعمة التي تقدمت على الفراش من الطعام والشراب، وقال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا» يعني -صلى الله عليه وسلم-: أنه من أسدي إليه نعمة على أثر نعمة؛ فلا ينبغي له أن يشكر إحداهن، ولا أن يذكر الأخرى وينسى الأولى؛ بل يعددهن بتمامهن عند تكاملهن، فكان من تمام النعمة على من أكل وشرب أن يسهل له مكانًا يأوي إليه، فكم من آكل لا يجد ماء يشربه، وكم من آكل شارب لا يجد ما يأوي فيه، فقال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا». الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 384 385).
قوله: «وكفانا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وكفانا» أي: دفع عنا شرَّ المؤذيات، أو كفى مهماتنا، وقضى حاجاتنا. مرقاة المفاتيح (4/ 1656).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وكفانا» دفع عنا شر خلقه. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «وكفانا» أي: كفى مهماتنا، وقضى حاجتنا، ودفع عنا شر ما يؤذينا؛ فهو تعميم بعد تخصيص. مرعاة المفاتيح (8/ 120).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كفانا» عامٌّ بعد خاصٍّ، أو المراد به: كفاية العدو. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 353).
قوله: «وآوانا»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «آوانا» ممدود، وقد ذكر فيه القصر أيضًا، وقد يكون معنى «وآوانا» أي: رحمنا، وقال في الحديث الآخر: «حتى نأوي له» أي: نرحمه ونرق له. إكمال المعلم (8/ 211).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وآوانا» أي: ضمَّنا إلى بيوتنا وفرشنا التي رزقنا إياها. شرح سنن أبي داود (19/ 263).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: رزقنا مساكن، وهيأ لنا المأوى. مرقاة المفاتيح (4/ 1656).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وآوانا» في كِنٍّ (الغطاء الذي يقي من الحر والبرد) نسكن فيه يقينا الحرَّ والبرد، ونحرزُ فيه متاعنا، ونحجب به عيالنا. فيض القدير (5/ 111).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وآوانا» أي: ردَّنا إلى مأوى لنا، ولم يجعلنا متشردين كالبهائم. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 228).
قوله: «فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
«كم» تقتضي الكثرة، ولا يُرى ممن حاله هذا إلا قليلًا نادرًا، على أنه افتتح بقوله: «أطعمنا وسقانا»، ويمكن أن ينزل هذا المعنى على قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} محمد: 11، فالمعنى: إنا نحمد الله تعالى على أنْ عرَّفنا نعمته، ووفقنا لأداء شكرها، فكم من منعَم عليه لم يعرفها، فكفر بها، وكذلك الله مولى الخلق كلهم، بمعنى: أنه ربهم ومالكهم، لكنه ناصر للمؤمنين، ومحب لهم، فالفاء في «فكم» لتعليل الحمد. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1875).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فكم ممن لا كافٍ» بالتنوين اسم «لا»؛ لأن المقام هنا ليس هو مقام عموم، فإن من الناس من ليست له كفاية في الرزق، ومنهم من له كفاية، ولو كانت «لا» التي لنفي الجنس لاقتضت العموم وانتصب، وكان لا كافيَ «له ولا مؤوٍ» بكسر الواو الثانية مع التنوين، كما في كافٍ، أي: لا راحم له ولا عاطف عليه. شرح سنن أبي داود (19/ 263- 264).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فكم ممن لا مؤوي له» أي: لا راحم ولا عاطف عليه، أو يكون معناه على الوجه الأول: لا موطن له ولا مسكن يأوي إليه ويسكن إياه، وهو ضائع الأمر. إكمال المعلم (8/ 211).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وفيه ما يُسْتَدَل به على أن الإنسان إذا أنعم عليه بنعمة كان من أحسن الأشياء له: أن يذكر مَن حُرِمَ تلك النعمة؛ فيشكر المنعم عليها بما حرمه الله أخاه. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 385).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «فكم ممن لا كافي له، ولا مؤوي» أي: كثير من الناس ممن أراد الله إهلاكه، فلم يطعمه ولم يسقه ولم يكسه، إما لأنه أعدم هذه الأمور في حقه، وإما لأنه لم يقدره على الانتفاع بها حتى هلك، هذا ظاهره، ويحتمل أن يكون معناه: فكم من أهل الجهل والكفر بالله تعالى لا يعرف أن له إلهًا يطعمه ويسقيه ويؤويه، ولا يقر بذلك، فصار الإله في حقه وفي اعتقاده كأنه معدوم. المفهم (7/ 45).
وقال المظهِري -رحمه الله-:
قوله: «فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي»، «الكافي» و«المؤوي» هو الله؛ يعني: يكفي شر بعض الخلق عن بعض، ويهيئ لهم المأوى والمسكن. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 208).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فكم ممن لا كافيَ له» بفتح الياء، وما وقع في بعض النسخ بالهمز فهو سهو، «ولا مؤوي» بصيغة الفاعل وله مقدر، أي: فكم شخص لا يكفيهم الله شر الأشرار، بل تركهم وشرهم حتى غلب عليهم أعداؤهم، ولا يهيئ لهم مأوى، بل تركهم يهيمون في البوادي، ويتأذَّون بالحر والبرد. مرقاة المفاتيح (4/ 1656).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي» أي: كثير من الخلق لا يكفيهم الله شر الأشرار، ولا يجعل لهم مسكنًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«فكم ممن لا كافي له» بل تركهم وشرَّهم، «ولا مؤوي» بل تركهم يهيمون في البوادي، أو المراد بالكفاية والإيواء: النصر المخصوص بالمؤمنين، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} محمد: 11. لمعات التنقيح (5/ 192).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
يفهم منه: أن المراد «ممن لا كافي ولا مؤوي» هي البهائم ونحوها، والسباع والطير. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 229).
وقال الصنعاني -رحمه الله تعالى- أيضًا:
«وآوانا» بالمد: جعل لنا مأوى نأوي إليه، ونسكن فيه، ونحرز أنفسنا ومتاعنا فيه. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 353).
وقال الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله-:
فيه: تعداد العبد للنعم على نفسه، والنظر إلى من جعلهم الله دونه، فهو أجدر أن لا يزدري نعمة الله عليه. تطريز رياض الصالحين (ص: 802).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
فالمعنى: إنا نحمد الله على أن عرَّفنا نعمه، ووفَّقنا لأداء شكره؛ فكم من مُنْعَم عليه لا يعرفون ذلك ولا يشكرون، وكذلك الله مولى الخلق كلهم، بمعنى: أنه ربهم ومالكهم لكنه ناصر للمؤمنين ومحب لهم؛ فالفاء في «فكم» للتعليل. مرعاة المفاتيح (8/ 121).