الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

كان ابن عمر، إذا خرج إلى مكة، كان له حمار ‌يَتَرَوَّحُ عليه، إذا مَلَّ رُكُوبَ الراحلة، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بها رأسه، فبينما هو يومًا على ذلك الحمار، إذ مرّ به أعرابي، فقال: ألست ابن فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه الحمار، وقال: اركب هذا، والعمامة قال: اشدد بها رأسك، فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أَعْطَيْتَ هذا الأعرابي حمارًا كنت ‌تَرَوَّحُ عليه، وعمامة كنت تَشُدُّ بها رأسك؟ فقال: إِنِّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ مِن أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يُوَلِّيَ، وإن أباه كان صديقًا لعمر».


رواه مسلم برقم: (2552)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عِمَامَة»:
العِمامةُ، بالكسرِ: ‌المِغْفَرُ، ‌والبَيْضَةُ، وما يُلَفُّ على الرأسِ.القاموس المحيط (ص: 1141).

«يَتَرَوَّحُ»:
بتشديد الواو، أي: يستريح.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 189).

«مَلَّ»:
أي: سَئِمَ وضَجِرَ.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 189).

«الْبِرِّ»:
البِرُّ: التَّوسُّعُ في فِعلِ الخيرِ.المفردات في غريب القرآن (ص: 114).
وقال الرازي -رحمه الله-:
البِرُّ: اسمٌ جامعٌ للطَّاعاتِ وأعمالِ الخيرِ الْمُقَرِّبةِ إلى اللهِ تعالى.مفاتيح الغيب (5/ 213).
وقال القاضي المهديُّ:
البِرُّ: هو الصِّلةُ، وإسداءُ المعروفِ، والمبالغةُ في الإحسانِ.صيد الأفكار (2/32).

«صِلَةَ»:
الصِّلَة: ‌العطف ‌والحنان ‌والرحمة.إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 20).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
صلة الرحم: ‌كناية ‌عن ‌الإحسان ‌إلى ‌الأقربين، من ذَوِيْ النسب والأصهار، والتَّعَطُّف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا أو أساءوا، وقطع الرحم: ضد ذلك كله، يقال: وصل رحمه يصلها وصلًا وصلة، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر.النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 191-192).

«وُدّ»:
بضم الواو، بمعنى: الموَدَّة.شرح المصابيح لابن الملك (5/ 278).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
بضم الواو، وتشديد الدال المهملة، وهو الحب.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 187).


شرح الحديث


قوله: «كان ابن عمر، إذا خرج إلى مكة»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«كان إذا خرج» وسافر من المدينة «إلى مكة».الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).

قوله: «كان له حمار ‌يَتَرَوَّحُ عليه»:
قال المازري -رحمه الله-:
أي: يسير عليه، يقَال: رَوَّح القَوم إذا ساروا أيّ وقت كان، وفي الحديث: «من راح إلى الجمعة» أي: من خَفَّ إليها، ولم يُرِدْ رواح النّهار.المعلم بفوائد مسلم (3/ 285).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الأشبه عندي في هذا الموضع: أن يكون من الاستراحة، ألا تراه كيف قال: «مَلَّ رُكُوبَ الراحلة»، وأنه يستريح بتبديل مركبه، وهذا موجود معلوم، والراحة، والروح والرواح بمعنى. قاله صاحب العين والجمهرة.إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 16).
وقال النووي -رحمه الله-:
معناه: كان يستصحب حمارًا؛ ليستريح عليه إذا ضَجِرَ من ركوب البعير.شرح النووي على مسلم (16/ 110).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«كان له حمار» هو الذكر من الحيوان الناهق، والأنثى أتان، وحمارة نادر، والجمع: حمير، وحُمُر –بضمتين-، وأَحْمِرَة، كذا في المصباح.
«‌يَتَرَوَّحُ» بتشديد الواو، أي: يستريح.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 189).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«كان له حمار» أي: يستصحبه في سفره «‌يَتَرَوَّحُ عليه» أي: يركبه، فيستريح بركوبه عليه.منة المنعم في شرح صحيح مسلم (4/ 171).

قوله: «إذا مَلَّ رُكُوبَ الراحلة»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«إذا مَلَّ» أي: إذا سَئِمَ وضَجِرَ «رُكُوبَ الراحلة» أي: المركب من الإبل ذكرًا كان أو أنثى، قال في المصباح: وبعضهم يقول: الناقة التي تصلح أن تُرْحَل.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 189).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وفيه: أنه من جنس تدبير الرجل: أن يكون له ما يستريح به إلى ركوبه عن ركوب راحلته، فيجمع في ذلك بين أن يُرِيْح بدنه من نَفْضِ الراحلة، وبين تَرْوِيح راحلته في وقت ركوب حماره أو بغله.الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 275).

قوله: «وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بها رأسه»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
فيه: إن وضع العمائم إنما كان لِشَدِّ الرؤوس؛ ولأنها نفاية من الحرب والحر والبرد؛ لأنها إذا شُدَّتْ بها الرؤوس كان منها شيء تحت الْحَنَكِ، كان الفارس إذا ركض غير مشدودة بما ينتشر منها، أو يخاف من سقوطها، فتكون حافظة محفوظة.الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 275).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بها رأسه» ‌إذا ‌صدَّع.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).

قوله: «فبينما هو يومًا على ذلك الحمار، إذ مرَّ به أعرابي، فقال: ألست ابن فلان بن فلان؟»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «فبينا هو يومًا على ذلك الحمار إذ مرَّ به أعرابيّ فقال» يعني: ابن عمر «ألستَ فلان ابن فلان»؟ استفهام تقريري.
وفلان: قال ابن السراج: كناية عن اسم يُسَمَّى به ‌الْمُحدَّث عنه خاص غالبًا، ويستعمل من غير (أل) في غير الآدمي، ومنه حديث أبي يعلى الموصلي بسند صحيح على شرط مسلم عن ابن عباس قال: «ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالوا: يا رسول الله، ماتت فلانة، يعني: الشاة»، قال المصنف: هكذا في الأصل الْمُصَحَّح، فلانة من غير (أل) فهو صريح في جواز ذلك، وعدم تعين (أل) فيه في غير الآدميين خلافًا للجوهري.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 189).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فبينا هو» أي: ابن عمر «يومًا» راكب «على ذلك الحمار، إذ مرّ به» أي: على ابن عمر «أعرابي» أي: رجل من سكان البادية، «فقال» ابن عمر للأعرابي: «ألست» أيها الرجل «ابن فلان ابن فلان؟».الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فقوله هنا: «فبينا» مضاف إلى قوله: «هو» مبتدأ خبره: «على ذلك الحمار»، وقوله: «يَوْمًا» منصوب على الظرفيّة، متعلّق بما تعلّق به قوله: «على ذلك الحمارِ»؛ أي: راكب عليه، «إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ» لم يُعرف الأعرابيّ، ولا أبوه، ولا جدّه، «فَقَالَ» ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ؟».البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 267).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: استحسان سؤال الرَّجل عن الرجل إذا لقيه في الطريق؛ فإنه لا يعدم من سؤاله فائدة من أن يعرف نسبه، هل يتصل به، أو يبعد عنه؛ أو يكون في نسبه من بينه وبينه دَمٌ ينحدر منه.الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 275).

قوله: «قال: بلى»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قال» الأعرابي: «بلى» حرف يُجَاب به النفي فيكون لنفي النفي، ونفي النفي إثبات، والمعنى حينئذ: ليس الأمر كما قلت من نفي النفي، بل أنا ابن فلان ابن فلان.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
«قَالَ» الأعرابيّ: «بَلَى»؛ أي: أنا ابنه، قال الفيّوميّ -رحمه الله-: «بَلَى» حرف إيجاب، فإذا قيل: ما قام زيد، وقلت في الجواب: بَلَى، فمعناه: إثبات القيام، وإذا قيل: أليس كان كذا؟ وقلت: بَلَى، فمعناه: التقرير، والإثبات، ولا تكون إلَّا بعد نفي، إما في أول الكلام، -كما تقدم-، وإما في أثنائه، كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى} الآية، القيامة: 3، 4، والتقدير: بلى نجمعها، وقد يكون مع النفي استفهام، وقد لا يكون، -كما تقدم-، فهو أبدًا يرفع حكم النفي، ويوجب نقيضه، وهو الإثبات.البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40/ 267).

قوله: «فأعطاه الحمار، وقال: اركب هذا، والعمامة قال: اشدُدْ بها رأسك»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فَأَعْطَاه» أي: فأعطى ابن عمر الأعرابيَّ «الحمار» الذي يتروَّح عليه، «وقال» ابن عمر للأعرابي: «اركب هذا» الحمار، «و» خذ هذه «العمامة» و«اشدد بها رأسك» أي: تعمم بها على رأسك.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
«فَأَعْطَاه الْحِمَارَ»؛ أي: أعطى ابن عمر -رضي الله عنهما- الأعرابيّ ذلك الحمار الذي كان يَتَرَوَّحُ عليه إذا مَلَّ رُكُوبَ الراحلة، «وقال: ارْكَبْ هذا، وَالْعِمَامَة»؛ أي: وأعطاه العمامة التي كان يشدّ بها رأسه.البحر المحيط الثجاج (40/ 267).

قوله: «فقال له: بعض أصحابه: غفر الله لك»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فقال له: بعض أصحابه» منهم ابن دينار ...، وقد يُبْهِم الراوي نفسه لغرض، «غفر الله لك» فيه تنبيه على أدب العتاب أن يقدم الدعاء للمخاطب، ثم يعاتب، وهذا أُخذ من قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} التوبة: 43.
قال القاضي عياض في الشفاء: يجب على المسلم المجاهد نفسه، الرائض بزمام الشريعة خُلُقَه، أن يتأدب بآداب القرآن في قوله، وفعله، ومُعاطاته، ومحاوراته، وليتأمل هذه الملاطفة العجيبة، والسؤال من رب الأرباب، المنعم على الكل، المستغني عن الجميع، ويتبين ما فيها من الفوائد، وكيف ابتدأ بالإكرام قبل العتب، وآنس بالعفو قبل ذكر الذنب، إن كان ثَم ذنب. ا. هـ.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 190).

قوله: «أَعْطَيْتَ هذا الأعرابي حمارًا كنت ‌تَرَوَّحُ عليه، وعمامة كنت تَشُدُّ بها رأسك؟»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«أَعْطَيْتَ» يحتمل: أن يكون بتقديره همزة الاستفهام الإنكاري، ويحتمل: أن يكون إخبارًا لبيان لازم الخبر، والأول أقرب، أي: أَعْطَيْتَ «هذا الأعرابي حمارًا كنت ‌تَرَوَّحُ» بتشديد الواو والرفع، وحُذِفت من أوله إحدى التاءين تخفيفًا، أي: تتروح.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 190).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«أَعْطَيْتَ هذا الأعرابي حمارًا ..؟» قال له ذلك توبيخًا، ولومًا على إكثاره العطاء، فإن الأعراب يكفيهم قليل من العطاء.البحر المحيط الثجاج (40/ 266).

قوله: «فقال: إِنِّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«فقال» دفعًا لإنكار ما أنكروه عليه مما حاصله وضع الشيء في غير موضعه ببيان الحامل على ذلك.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 190).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
«فقال» ابن عمر -رضي الله عنهما- ردًّا على هذا التوبيخ: «إِنِّي» بكسر الهمزة؛ لوقوعها في ابتداء الكلام.البحر المحيط الثجاج (40/ 266).

قوله: «إِنَّ مِن أَبَرِّ الْبِرِّ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
يعني: أفضلُ البرِّ.المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 204).
وقال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
«إِنَّ مِن أَبَرِّ الْبِرِّ» أي: أفضله بالنسبة إلى والده، وكذا الوالدة أو هي بالأولى.
ومن أَبَرِّ الْبِرِّ: الوفاء لمن يلزم بِرّه بِصِلَة مَن كان يَبِرُّه هو، كما قال -عليه السلام- في خبر خليلة خديجة: «إن حسن العهد من الإيمان».مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3083).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إِنَّ أَبَرّ»، وفي رواية: «مِن أَبَرِّ الْبِرِّ» أي: الإحسان، جَعَلَ البرَّ بارًّا ببناء أفعل التفضيل منه، وإضافته إليه مجازًا، والمراد منه: أفضل البر، فأفعل التفضيل للزيادة المطلقة، قال الأكمل: أَبَرُّ البِرِّ من قبيل: جل جلاله، وجد جده، بجعل الجد جادًّا، وإسناد الفعل إليه.فيض القدير (2/ 405).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أبرّ البرّ» أي: أكمله وأبلغه.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 187).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إِنَّ مِن أَبَرِّ الْبِرِّ» وأفضله وأكثره أجرًا.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).

قوله: «صِلَةَ الرجل»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«صِلَة» الذي هو مصدر يعمل عمل الفعل، ويقدر بأن والفعل، ويدل عليه رواية مسلم: «أَبَرُّ الْبِرِّ أن يصل الرجل أهل وُدِّ» بضم بالواو «أبيه».شرح سنن أبي داود (19/ 424).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«صِلة الرجل» أي: إعطاء الرجل جائزة وعَطِيَّة.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285):
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي -رحمه الله-:
«صِلَةَ الرَّجُلِ» بنصب صِلةَ اسمًا لـ إنّ مؤخّرًا، وخبرها الجارّ والمجرور قبله، والصلة بكسر الصاد المهملة، مصدرٌ، يقال: وصلته وصلًا، وصِلَةً، ضدّ هَجَرته.[البحر المحيط الثجاج (40/ 268)
.
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«أن يصل الرجل» ومثله المرأة ... وإفراده بالذكر؛ لشرفه.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 188).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
الصلة واللطف والتَّحَفِّي أحد معاني البر ...إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 16).

قوله: «أهل وُدِّ أبيه»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفي الرواية الأخرى: «أن يصل وُدّ أبيه» بضم الواو، أي: وداده.إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 16).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: أن يُحْسِنَ الرجل إلى أحباءِ أبيه.المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 204).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال القاضي: رويناه بضم الواو وكسرها، أي: صديقًا من أهل مَوَدَّتِهِ وهي محبته.شرح النووي على مسلم (16/ 109).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أهل وُدِّ أبيه» بضم الواو بمعنى: المودة.فيض القدير (2/ 405).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وُدّ أبيه» بضم الواو وتشديد الدال المهملة، وهو الحب.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 187).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أهل وُدّ أبيه» أي: أهل محبة أبيه وصداقته.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 285).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «أهل وُدّ أبيه» بضم الواو، بمعنى المودّة؛ أي: أصحاب مودّته، ومحبته.تحفة الأحوذي(6/25).
قال النووي -رحمه الله-:
وفي هذا فضل صِلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإِكرامهم، وهو متضمنٌ لِبرِّ الأب، وإكرامه؛ لكنه بسببه، وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة وقد دلت الأحاديث في إكرامه -صلى الله عليه وسلم- خلائل خديجة -رضي الله عنها-. شرح صحيح مسلم(16/١١٠)
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: فضيلة صِلَة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو مُتَضَمِّنٌ لِبِرِّ الأب، وإكرامه بسببه، ويلتحق به أصدقاء الزوجة والمشايخ؛ فإنهم في معنى الآباء، بل أعظم حُرمة.شرح سنن أبي داود (19/424).

قوله: «بعد أن يُوَلِّيَ»:
قال التوربشتي -رحمه الله-:
الكلمة الأخيرة من الحديث ‌يتخبط ‌الناس ‌فيها، والذي أعرفه هو أن الفعل مسند إلى أبيه، أي: بعد أن يغيب أبوه أو يموت، من وَلَّى يُوَلِّيْ، يدل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي أسيد الساعدي -رضي الله عنه-: «وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصِلَة الرحم التي لا تُوْصَل إلا بهما، وإكرام صديقهما».الميسر في شرح مصابيح السنة (3/ 1066).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«بعد أن يُولِّيَ» أبوه، وَلَّى يُوَلِّي إذا أدبر؛ يعني: بعد موت أبيه، هذا إشارةٌ إلى تأكيد حقِّ الأب، فإنه إذا كان الإحسانُ إلى أَحِبَّاءِ الأب لِحُرْمَة الأبِ أفضلَ البرِّ، فالإحسان إلى الأب بطريق الأَولى أن يكون أفضلَ القُرُبات.المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 204-205).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
«أن يُولِّيَ» -بضم الياء، وفتح الواو، وكسر اللام المشددة-، والمعنى: أن من جملة ‌الْمَبَرَّاتِ الْفُضْلَى مَبَرَّةَ الرجل مع أَحِبَّاء أبيه؛ فإن مَوَدَّة الآباء قرابة الأبناء.
أي: إذا غاب الأب أو مات يحفظ أهل وُدِّهِ، ويحسن إليهم؛ فإنه من تمام الإحسان إلى الأب، وإنما كان أَبَرَّ؛ لأنه إذا حَفِظَ غيبته فهو يَحْفَظُ حضوره أولى وأحرى.شرح المشكاة (10/ 3159).
وقال المُلّا علي القاري -رحمه الله-:
«بعد أن يُولِّيَ» -بتشديد اللام المكسورة-، أي: يُدْبِرُ ويغيب بسفر أو موت، وهو الأظهر؛ لكونه أبعد من الرياء والسمعة، فيكون أخلص؛ فأجره أكثر، ولما روى أبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه: «‌مَنْ ‌أَحَبَّ أن يَصِلَ أباه في قبره، فَلْيَصِلْ إخوان أبيه من بعده».مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 3084).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«بعد أن يُولِّيَ» -بتشديد اللام المكسورة-، أي: بعد موته، والمراد: أنه لا ينقطع بِرُّ الأب بعد موته كما هو قبل موته، فقبل موته من بِرِّ الأبوين: إكرام صديقهما، والإحسان إليه.شرح سنن أبي داود (19/ 424).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بعد أن يُولِّيَ» -بضم التحتية، وتشديد اللام المكسورة-، أي: بعد أن يموت.
قال العاقولي: والمعنى: من جملة بِرِّ الرجل بوالده: أن يَوَدَّ أصحاب أبيه، وأهل وُدِّهِ بعد موته.
وأقول: إن المعنى: أن من جملة بِرِّهِ: صِلَة أهل وُدِّ أبيه بعد موته.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 190).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«بعد أن يُولِّيَ» أي: غاب، أَعَمُّ من أن يكون بموت أو سفر، وفيه إشارةٌ إلى تأكيد حق الأب.شرح المصابيح (5/ 278).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال الحافظ العراقي -رحمه الله-:
جعله أَبَرَّ الْبِرِّ أو من أَبَرِّهِ؛ لأن الوفاء بحقوق الوالدين والأصحاب بعد موتهم أبلغ؛ لأن الحي يجامل، والميت لا يُستحيا منه، ولا يجامل إلا بحسن العهد، ويحتمل: أن أصدقاء الأب كانوا مُكَيَّفِيْنَ في حياته بإحسانه وانقطع بموته، فأمر بنيه أن يقوموا مقامه فيه.
وإنما كان هذا أَبَرَّ الْبِرِّ لاقتضائه التَّرَحُّم والثناء على أبيه؛ فَيَصِلُ لروحه راحة بعد زوال المشاهدة المستوجبة للحياة، وذلك أشد من بِرِّهِ له في حياته، وكذا بعد غيبته؛ فإنه إذا لم يظهر له شيء يوجب ترك المودة، فكأنه حاضر، فيبقى وُدُّهُ كما كان، وكذا بعد المعاداة رجاء عود المودة، وزوال الوحشة.
وإطلاق التولية على جميع هذه الأشياء إما حقيقة، فيكون من عموم المشترك، أو من التواطؤ، أو بعضها، فيكون من الجمع بين الحقيقة والمجاز.
ونَبَّهَ: بالأب على بقية الأصول، وقياس تقديم الشارع الأم في البِرِّ كون وصل أهل وُدَّها أقدم وأهم.
ومن البيّن أن الكلام في أصل مسلمٍ، أما غيره فيظهر أنه أجنبي من هذا المقام، نعم؛ إن كان حيًا ورَجَا بِبِرِّ أصدقائه تَأَلُّفَه للإسلام، تَأَكَّدَ وَصْلُهُ.
وفي معنى الأصول: الزوجة؛ فقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يصل صُوَيْحِبَات خديجة بعد موتها، قائلًا: «حسن العهد من الإيمان»، وَأَلْحَقَ بعضهم بالأب الشيخَ ونحوَه.فيض القدير (2/ 405).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
«بعد أن يُولِّيَ» أي: يصرف وجهه من هذه الدنيا إلى دار الآخرة، أي: بعد أن يموت.منة المنعم في شرح صحيح مسلم (4/ 171).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وإنما كانت الوصلة بأولياء والده بعده أَبَرَّ؛ لأن ذلك يُؤَدِّي إلى كسب الدعاء له، وبقاء الْمَوَدَّة، وفيه إشارة إلى تأكيد حق الأب؛ لأن صِلَة أصدقائه إذا كانت أبرَّ الإحسان ففضل صِلَتِه يخرج عن وصف اللسان.الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (24/ 286).

قوله: «وإن أباه كان صديقًا لعمر»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وَإِنَّ أَبَاهُ» أي: أبا المعطى «كان صديقًا لعمر رضي الله عنه» أي: فلذا وصلته. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/ 190).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«وَإِنَّ أَبَاهُ» أي: أبا هذا الأعرابيّ «كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ» بن الخطّاب؛ أي: فأحببت وَصْله بما أعطيته؛ عملًا بهذا الحديث.البحر المحيط الثجاج (40/ 268).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وفيه: إحسان الرجل إلى من بينه وبين أبيه معرفة وموَدَّة، وإن بَعُدَ ذلك؛ فإن ابن عمر أكرم هذا الأعرابي؛ لأن أباه كان صديقًا لعمر.الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 275).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: دليل على امتثال الصحابة، ورغبتهم في الخير ومسارعتهم إليه؛ لأن ابن عمر استفاد من هذا الحديث فائدة عظيمة، فإنه فعل هذا الإكرام بهذا الأعرابي من أجل أن أباه كان صديقًا لعمر، فما ظنك لو رأى الرجل الذي كان صديقاً لعمر؟ لأكرمه أكثر وأكثر.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه إذا كان لأبيك أو أمك أحد بينهم وبينه وُدٌّ فأكرمه، كذلك إذا كان هناك نسوة صديقات لأمك؛ فأكرم هؤلاء النسوة، وإذا كان رجال أصدقاء لأبيك؛ فأكرم هؤلاء الرجال، فإن هذا من البِرِّ.
وفي هذا الحديث أيضاً: سعة رحمة الله -عز وجل-؛ حيث إن البر بابه واسع لا يختص بالوالد والأم فقط؛ بل حتى أصدقاء الوالد وأصدقاء الأم إذا أحسنت إليهم فإنما بَرَرْتَ والديك؛ فتثاب ثواب البارِّ بوالديه.
وهذه من نعمة الله -عز وجل-، أن وَسَّعَ لعباده أبواب الخير وكثرها لهم، حتى يَلِجُوا فيها من كل جانب.شرح رياض الصالحين (3/ 216).
وقال الدكتور موسى شاهين -رحمه الله-:
فقه الحديث:
1- في الحديث فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم، وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب، وإكرامه، لكونه بسببه، ويلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة.
2- وفيه قُوَّة ودقة عمل ابن عمر بالسنة.
3- وفيه أن بَرَّ أقارب الميت ينفع الميت، وقد روى أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه: أن رجلًا من بني سلمة جاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، هل بقي عليّ من بِرِّ أَبَوَيَّ شيء أُبِرُّهُما بعد وفاتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما» أي: الدعاء لهما، «والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا تُوْصَل إلا بهما».
وقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في بِرِّ أصدقاء خديجة بعد وفاتها، -رضي الله عنها-.فتح المنعم شرح صحيح مسلم (9/ 629-630).


ابلاغ عن خطا