الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

أتيتُ المدينة، فأتاني عبدُ الله بن عمر فقال: هل تدري لم أتيتُك؟ قال: قلتُ: لا، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَن أحبَّ أن ‌يَصل ‌أباه ‌في ‌قبره، فليَصِلْ إخوان أبيه بعده»، وإنه كان بين أبي عمرَ وبين أبيك إخاءٌ وودٌّ، فأحببتُ أنْ أَصِلَ ذلك.


رواه أبو يعلى في مسنده برقم: (5669) واللفظ له، وابن حبان برقم: (777)، من حديث أبي بُرْدَةَ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5960)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1432).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«وَوُدٌّ»:
الْوُدُّ: المحبَّة. النهاية في غريب الحديث والأثر(5/ 165).


شرح الحديث


قوله: «مَن أحبّ أنْ ‌يَصل ‌أَباهُ ‌في ‌قبره»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «مَن أحبَّ أنْ يَصِلَ أباه في قبره» كما كان يَصِلُهُ في حياته. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 40).

قوله: «فلْيَصِلْ إخوان أبيه بًعدَه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَصِلْ إخوانَ أبيه» أصدقاءه وقراباته «مِن بعده»، وتقدَّم أنَّ هذا أبرَّ البِر. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 40).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَصِلْ إخوانَ أبيه» أي: أصدقاءه، «مِن بعده» أي: من بعد موته، أو مِن بعد سفره، ولا مفهوم له، بل هو قيد اتفاقي. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 388).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مِن بعده» أي: مِن بعد موته، أو مِن بعد سفره، ولا مفهوم له، وإنما ذُكِرَ بيانًا للتأبيد؛ ولأنه المظنَّة؛ فإن ذلك له صِلَة.
وسبق أنَّ الأعمال تُعرَض على الوالدين بعد موتهما، فإن وجدا خيرًا سَرَّهما ذلك، أو ضدَّه أحزنهما. فيض القدير (6/ 33).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ثم المعنى: أنَّ مِن جملة المبرَّات الفُضلى: مَبرَّة الرجل مِن أحبَّاء أبيه؛ فإنَّ مودة الآباء قرابة الأبناء.
وخلاصته: أنه إذا غاب الأب أو مات يُحفَظ أهلُ وُدِّهِ، ويُحْسَن إليهم؛، فإنه من تمام الإحسان إلى الأب، وإنما كان أَبَرَّ لأنه إذا حَفِظَ غَيْبَتَه، فهو يحفظ حُضوره أَوْلى، وإذا راعى أهل وُدِّه، فكان مراعاة أهلِ رَحِمِهِ أحرى. مرقاة المفاتيح (7/ 3084).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
فيُحْسِن إلى أصحابه -أي الأب- ولو حيًّا؛ لكن لما كان الأغلب إنما يحتاجونه بعد وفاة والده، قيَّدوه بكونه بعد الموت. غذاء الألباب (1/ 302).

قوله: «وإنَّه كان بين أبي عُمرَ وبين أبيك إخاءٌ وَوُدٌّ، فأحببتُ أنْ أَصِلَ ذلك»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
الوُدُّ: بضم الواو، وكسرها، أي: صديقًا من أهل موَدَّته ومحبته. منة المنعم في شرح صحيح مسلم (4/ 171).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الوُدُّ: المحبَّة، يُقالُ: وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوَدُّهُ وُدًّا، إذا أحببتُه.
وفي حديثِ ابن عمر: «إنَّ أبا هذا كان وُدًّا لعُمر» أي: صَديقًا، هو على حذف المضاف، تقديره: كان ذا وُدٍّ لِعُمر، أي: صَديقًا، وإنْ كانت الواوُ مكسُورة فلا يُحتاج إلى حذفٍ؛ فإنَّ الوِدَّ بالكسر: الصدِّيق. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 165).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: أنه ينفع الأبَ صِلَةُ إخوانه لأجله؛ لأنه لا بد للصِّلة من أجر، وقد كان الأبُ سببًا فيها فهو مأجور، فبشره باتصاله من الأجر فكان برًّا به؛ ولأنه يتسبَّب عن صلة ابنه لإخوان أبيه دعاءهم للأب، وترحُّمَهم عليه، واستغفارهم له.
وفيه: أنَّ صلة إخوان الأب في حياته، ومحبتهم لأجل الأب من البِرِّ به.
وفيه: أنَّ مَن أراد أذِيَّةَ أبيه بعد موته آذى إخوان أبيه بعد موته، وأساء إليهم.
والحديث من الأدلة أنَّ أعمال الأبناء تُعرض على الآباء في قبورهم، وقد ورد به أحاديث. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 40).


ابلاغ عن خطا