«إذا أراد الله -عزّ وجل- بأهل بيت خيرًا، أدْخَلَ عليهم الرِّفْقَ».
رواه أحمد برقم: (24427)، والبيهقي في شُعَب الإيمان برقم (6140)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (303)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1219).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الرِّفْقَ»:
الرفق: لِيْنُ الجانب، وهو خلاف العُنْف. النهاية (2/ 246).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
هو لِين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، وهو ضد العُنف.فتح الباري (10/ 449).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
هو الْمُدَاراة مع الرُّفَقاء، ولِيْنُ الجانب، واللُّطفُ في أخذ الأمرِ بأحسَنِ الوُجوهِ وأيسَرِها. مرقاة المفاتيح (8/ 3170).
وقال المناوي -رحمه الله-:
الرِّفْقُ: حُسن الانقياد لما يُؤدِّي إلى الجميل. التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 179).
شرح الحديث
قوله: «إذا أراد الله -عزّ وجل- بأهل بيت خيرًا، أدْخَلَ عليهم الرِّفْقَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا، أدْخَلَ عليهم الرِّفْقَ» بكسر الراء، وفي نُسَخٍ: «أدْخَلَ عليهم بابَ الرفق»؛ وذلك بأن يَرْفُقَ بعضهم ببعض، والرِّفْقُ لِيْنُ الجانب، واللُّطْف والأخذ بالأسهل، وحسن الصنيع.فيض القدير (1/ 263).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا أدْخَلَ عليهم الرِّفْقَ» بالكسر، لين الجانب، واللطف، والأخذ بالتي هي أحسن. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 130).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا، أدْخَلَ عليهم الرِّفْقَ» هو لين الجانب، واللطف في الفعل، والأخذ بالأسهل. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 533).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «الرِّفْق» أي: ترك التكلُّف في المعيشة، والاكتفاء بما تيسَّر، وتركُ الشدة في المعاملة بينهم. حاشية السندي على مسند أحمد (5/486).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أحبَّ الله أهل بيت أدْخَلَ عليهم الرفق»؛ بأن يرفق بعضهم ببعض، فيستد أمرهم. اتحاف السادة المتقين (8/ 45).
وقال ابن حبان -رحمه الله-:
الواجب على العاقل لُزُوم الرفق في الأمور كلها، وترك العَجَلة والخِفَّة فيها؛ إذ الله تعالى يُحب الرفق في الأمور كلها، ومَن مُنِعَ الرفق مُنِع الخير، كما أن من أُعطي الرفق أُعطي الخير، ولا يكاد المرء يتمكن من بُغْيَته في سلوك قَصْدِه في شيء من الأشياء على حسب الذي يحبُّ إلا بمقارنة الرفق، ومفارقة العَجَلة. روضة العقلاء (ص: 215).
وقال ابن حبان -رحمه الله- أيضًا:
العاقل يلزم الرفق في الأقوات، والاعتدال في الحالات؛ لأن الزيادة على المقدار في المبْتَغَى عيب، كما أن النقصان فيما يجب من المطلب عَجْزٌ، وما لم يصلحه الرفق لم يصلحه العنف، ولا دليل أمْهَر مِن رِفْقٍ، كما لا ظهير أوْثَق من العقل، ومن الرفق يكون الاحتراز، وفي الاحتراز تُرجى السلامة، وفي ترك الرفق يكون الخَرْقُ، وفي لزوم الخَرْقِ تُخاف الهلكة. روضة العقلاء (ص: 216).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
الرفق محمود، ويُضَادُّه العنف والحِدَّة، والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة، وقد يكون سبب الحِدَّة الغضب، وقد يكون سببها شدة الحرص واستيلاءه؛ بحيث يُدهش عن التفكر، ويُمنع من التثبُّت؛ فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حُسن الخلق، ولا يحسُن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة، وحفظهما على حدِّ الاعتدال؛ ولأجل هذا أثنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرفق وبالغ فيه. إحياء علوم الدين (3/ 184-185).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
مَن رَفَقَ بعباد الله رَفَقَ الله به...، ومن عامَل خلْقَه بصفةٍ عامَلَه الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة؛ فالله تعالى لِعَبده حسب ما يكون العبد لخَلْقِه. الوابل الصيب (ص: 35).
وقال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-:
ومن أسمائه (الرفيق) في أفعاله وشرعه، وهذا قد أُخذ من قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «إنَّ الله رفيق يحب أهل الرِّفق، وإن الله يعطي على الرِّفق ما لا يُعطي على العنف».
فالله تعالى رفيق في أفعاله، خَلَق المخلوقات كلها بالتدريج شيئًا فشيئًا بحسب حكمته ورِفْقِه، مع أنه قادر على خلْقِهَا دُفعة واحدة، وفي لحظة واحدة.
ومن تدبر المخلوقات، وتدبر الشرائع كيف يأتي بها شيئًا بعد شيء شاهَدَ مِن ذلك العجب العجيب، فالمتأنِّي الذي يأتي الأمور برفق وسكينة ووقار؛ اتباعًا لِسننِ الله في الكون، واتباعًا لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان هذا هدْيُه وطريقُه تتيسر له الأمور، وبالأخص الذي يحتاج إلى أمر الناس ونهيهم وإرشادهم، فإنه مضطر إلى الرفق واللين، وكذلك مَن آذاه الخلق بالأقوال البَشِعَة وصان لسانه عن مُشَاتمتِهِم، ودافَعَ عن نفسه برفق ولين، اندفع عنه مِن أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفعالهم، ومع ذلك فقد كسب الراحة والطمأنينة والرزانة والحلم.
ومَن تأمل ما احتوى عليه شرعه من الرفق، وشرع الأحكام شيئًا بعد شيء، وجريانها على وجه السعة واليسر ومناسبة العباد، وما في خلقه من الحكمة؛ إذ خَلَق الخلق أطوارًا، ونقَلَهم من حالة إلى أخرى بحِكَم وأسرار لا تحيط بها العقول.
والرفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقًا في أموره متأنيًا، ومع ذلك لا يفوِّت الفُرصَ إذا سَنَحَت، ولا يهملها إذا عرضَت. تفسير أسماء الله الحسنى (ص:206-207.
وقال الشيخ جمال الدين القاسمي-رحمه الله-:
وسِرُّ الترغيب في الرفق والثَّناء عليه هو كون الطِّباع إلى العنف والحِدَّة أَميل، وإن كان العنف في مَحله حسنًا؛ فإن الحاجة قد تدعو إليه ولكن على الندور، والكامل من يميز مواقع الرفق عن مواقع العنف، فَيُعْطِي كُلَّ أَمْرٍ حَقَّهُ.موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين(ص: 213).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)