كُنَّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غَزَاةٍ، قال: فاستأذنتُ أتعجَّل، قلتُ: إني تزوجتُ، قال: «ثَيِّبًا أم بِكْرًا؟» قال: قلتُ: ثَيِّبًا، قال: «فَأَلَّا كانت بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟» قال: «انطلق واعمل عملًا كَيِّسًا». قال أبو بكر: يعني: لا تَطْرُقْهُنَّ ليلًا.
رواه أحمد برقم: (14896)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (273)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1190).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«غَزَاةٍ»:
أي: غزوة، والمراد بها هنا: غزوة ذات الرِّقَاعِ. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (8/ 542).
«ثَيِّبًا»:
الثَّيِّبُ: المرأة التي دَخَلَ بها الزوج، وكأنَّها ثَابَتْ إلى حال كبار النساء غالبًا. طرح التثريب (7/ 10).
«بِكْرًا»:
البِكْر: هي التي لم تُوطَأ في قُبُلِها. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 210).
«تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ»:
من اللعب وهو معروف، وقيل: من اللُّعَاب وهو الرِّيق، ويؤيد الأول قوله: «وتُضَاحِكُها وتُضَاحِكُك»، وذلك ينشأ عنه الألفة التامة. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 173-174).
وهو كناية عن الألفة التامة، والمحبة الكاملة؛ فإن الثيِّبَ قد تكون متعلِّقة الخاطر بالزوج الأول عند عدم وجدان الثاني كما تريد. لمعات التنقيح، للدهلوي (6/ 13).
«كَيِّسًا»:
«الكَيْسُ» الجِمَاعُ والعقل، والمراد حَثُّه على ابتغاء الولد، يقال: أَكْيَسَ الرَّجُل إذا ولد له أولاد أَكْياسٌ.الكواكب الدراري (19/ 173).
شرح الحديث
قوله: «قال: كُنَّا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غَزَاة»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
يقال: إنَّ الغزوة التي كان فيها هي غزوة ذات الرِّقَاعِ. فتح الباري (4/ 321).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
هي غزوة ذات الرِّقَاعِ، كذا رواه ابن هشام في السِّيَر. الكوثر الجاري (8/ 542).
قوله: «قال: فاستأذنتُ أتَعَجَّل، قلتُ: إني تزوجتُ، قال: «ثَيِّبًا أم بِكْرًا؟» قال: قلتُ: ثَيِّبًا»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
زاد في النكاح «فقال: ما يُعْجِلُك؟» فقلتُ: يا رسول الله، إني حديثُ عَهْدٍ بِعُرُسٍ. بضم العين والراء وتُسكَّن، أي: قريب البناء بامرأة. إرشاد الساري (8/ 123).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وفي رواية عطاء عن جابر في الوكالة: فلما دنونا من المدينة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام- أخذتُ أرْتَحِلُ، قال: «أين تريد؟» قلتُ: تزوَّجتُ، وفي رواية أبي عقيل عن أبي المتوكل عن جابر: «مَن أحبَّ أن يتعَجَّل إلى أهله فلْيَتعَجَّل» أخرجه مسلم. فتح الباري (9/ 122).
وقال الهرري -رحمه الله- عن رواية أخرى:
قال جابر: «فقلتُ له -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله: إني عَرُوس» تائق إلى أهلي، «فاستأذنته» في التقدم إلى المدينة «فأذن لي» فيه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (17/ 361).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وفيه: أنَّ من كان حديث عهْدٍ بعُرُس، أو متعلِّق القلب بأهله وولده، فلا بأس أن يستأذن في التعجيل عند القَفْلَة إلى دار الإسلام، كما فعل جابر.
وفي هذا المعنى حديثٌ لداود النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في غزوة خرج إليها: (لا يتبعني مَن مَلَكَ بُضْعَ امرأة، ولم يَبْنِ بها، أو بنى دارًا ولم يسكنها)؛ فإنما أراد أن يخرج معه من لم يشغل نفسه بشيء من علائق الدنيا؛ ليجتهد فيما خرج له، وتَصْدُق نيَّتُه، ويثبت في القتال، ولا يفر؛ فيُدْخِل الجُبْنَ على غيره ممن لا يريد الفرار. شرح صحيح البخاري (5/135- 136).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«قال: أبِكْرًا أم ثَيِّبًا؟» قلتُ: ثَيِّبًا. هو منصوب بفعل محذوف تقديره: أتزوَّجْتَ وتزوجت؟ وكذا وقع في ثاني حديث الباب: «فقلتُ: تزوجتُ ثيبًا»، في رواية الكشميهني في الوكالة من طريق وهب بن كيسان، عن جابر قال: «أتزوجتَ؟» قلتُ: نعم، قال: «بكرًا أم ثَيِّبًا؟» قلتُ: ثَيِّبًا.
وفي المغازي عن قتيبة، عن سفيان، عن عمرو بن دينار عن جابر بلفظ: «هل نكحتَ يا جابر؟» قلتُ: نعم، قال: «ماذا، أبكرًا أم ثَيِّبًا؟» قلتُ: لا، بل ثَيِّبًا.
ووقع عند أحمد عن سفيان في هذا الحديث: «قلتُ: ثيبٌ» وهو خبر مبتدأ محذوف تقديره: التي تزوجتها ثيب، وكذا وقع لمسلم من طريق عطاء، عن جابر. فتح الباري (9/ 122).
قوله: «قال: فَأَلَّا كانت بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وتُلَاعِبُك؟»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«بِكرًا» تزوجت...، فيدوم بذلك الائتلاف والموافقة، ويبتعد وقوع الطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله، نعم الثيِّب أولى لعاجز عن الافتضاض، ولمن عنده عيال يحتاج لكاملة تقوم عليهن، كما اعتذر به جابر للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الخبر السابق، واسْتَصْوَبَهُ منه.
قيل: فيه: رد لقول الأطباء: إنَّ جِماع الثيب أنفع، وأحفظ للصحة، وإن جماع البكر لا ينفع، بل يضر، وهذا كما ترى غير مستقيم؛ لأن مراد الأطباء بكراهة نكاح البكر كراهة وطئها في فم الفرج مع بقاء بكارتها، بخلاف الثيب. فيض القدير (4/ 444).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فهَلَّا جارية» في رواية وهب بن كيسان: «أفلا جارية» وهما بالنصب، أي: فهَلَّا تزوجت؟ وفي رواية يعقوب الدورقي، عن هشام بإسناد حديث الباب: «هلَّا بِكرًا».
قوله: «تُلاعِبُها وتُلاعبك» زاد في رواية النفقات: «وتُضَاحِكُها وتُضَاحِكُك»، وهو مما يؤيد أنه من اللعب، ووقع عند الطبراني من حديث كعب بن عجرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل -فذكر نحو حديث جابر- وقال فيه: «وتَعُضُّها وتَعُضُّك»، ووقع في رواية لأبي عبيدة: «تُذَاعبها وتُذَاعِبُك» بالذال المعجمة بدل اللام.
وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار، عن جابر ثاني حديثي الباب بلفظ: «ما لك وللعذارى ولِعَابِها؟» فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام، وهو مصدر من الملاعبة أيضًا، يقال: لاعَب لِعَابًا وملاعبة، مثل قاتَلَ قِتالًا ومقاتلة.
ووقع في رواية المستملي بضم اللام والمراد به الرِّيق، وفيه: إشارة إلى مصِّ لسانها، ورشف شفتيها، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل، وليس هو ببعيد كما قال القرطبي، ويؤيد أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول قول شعبة في الباب: إنه عرض ذلك على عمرو بن دينار فقال: اللفظ الموافق للجماعة، وفي رواية مسلم التلويح بإنكار عمرو رواية محارب بهذا اللفظ، ولفظه: إنما قال جابر: «تُلاعبها وتُلاعبك»، فلو كانت الروايتان متَّحدَتين في المعنى لما أنكر عمرو ذلك؛ لأنه كان ممن يُجِيزُ الرواية بالمعنى.
ووقع في رواية وهب بن كيسان من الزيادة: «قلتُ: كُنَّ لي أخوات، فأحببتُ أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشِّطْهُن، وتقوم عليهن» أي: في غير ذلك من مصالحهن، وهو من العام بعد الخاص، وفي رواية عمرو، عن جابر الآتية في النفقات: «هلك أبي وترك سبع بنات -أو تسع بنات-، فتزوجتُ ثيبًا، كرهتُ أن أَجِيئَهُن بمثْلِهِن، فقال: بارك الله لك، أو قال: خيرًا».
وفي رواية سفيان عن عمرو في المغازي: «وترك تسع بنات، كن لي تسع أخوات، فكرهتُ أن أجمع إليهن جارية خَرْقَاء مثلهن، ولكن امرأة تقوم عليهن، وتمشطْهن، قال: أصبتَ».
وفي رواية ابن جريج عن عطاء وغيره عن جابر: «فأردتُ أن أَنْكِحَ امرأة قد جَرَّبَتْ، خَلَا منها أي: مضى معظم عمرها، قال: فذلك».
وأما امرأة جابر المذكورة فاسمها: سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسيَّة، ذكره ابن سعد. فتح الباري (9/ 122).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لجابر: «فهلَّا بِكْرًا تلاعبها وتلاعبك؟» قال الإمام -يعني: المازري-: قال بعضهم: يحتمل أن يكون أراد بقوله: «تلاعبها» من اللُّعاب، ويدل عليه ما في بعض طرق مسلم: «فأين أنت من العذارى ولِعَابها؟»، وما جاء في الحديث الآخر: «أنهن أطيب أفواهًا، وأنْتَق أرحامًا»، ورواية أبي ذر في البخاري، مِن طريق المستملي: «ولُعَابها» بالضم.
أكثر المتكلمين على الحديث حملوا الملاعبة من اللَّعب، بدليل قوله في الحديث: «تُضَاحِكُها وتُضَاحِكُك».
وفي كتاب أبي عبيد: «تُداعبها وتُداعبك»، وروايتنا في كتاب مسلم: «لِعَابها» بكسر اللام، وهو مصدر لَاعَبَ، من الملاعبة، كالقِتَال من المقاتلة.
وفي الحديث: فضل تزويج الأبكار، ولا سيما للشباب.
وفيه: سؤال الإمام رعيته عن أمورها، وتفقده مصالحها.
وأن مقصود النكاح الاستمتاع والاستلذاذ، وبقدر ذلك تكون الألفة، وذلك في الأبكار أوجد.
وفيه: جواز ملاعبة الأهل والترغيب فيها، وقد مدح الله تعالى نساء أهل الجنة، فقال: {عُرُبًا أَتْرَابًا} الواقعة: 37، قيل: العُرُب: المتحبِّبات لأزواجهن، وقيل: الحَسَنة التَّبَعُّل، وهو من هذا. إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 674).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«تُلَاعِبُهَا» من اللعب المعروف، وفيه: دليل على أنه يقصد ملاعبة الزوجة، وقيل: إنه من اللُّعاب، وهو الرِّيق، وهو بعيد، «وتُلَاعِبُك» يُلاعب كل منهما صاحبه.التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 518).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
في البِكْر معانٍ: منها: حداثة السِّن، وللنفس في ذلك حظ وافر.
ومنها: قوة الحرارة التي تحرك الباءة.
ومنها: أن المرأة يتعلق قلبُها بأول زوج؛ إذ لم تعرف سواه، فيكون وِدُّها منصرفًا إليه.
ومنها: أن كثيرًا من الطباع تَنْبُو عمن كان لها زوج.
ومنها: التَّهَيُّؤ للولد.
ومنها: أن المداعبة تليق بالجواري دون غيرهن، والمداعبة تبعث على اجتماع الماء وكثرته، إلى غير ذلك من الفوائد. كشف المشكل(3/ 21).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فهلَّا بِكرًا تلاعبها وتلاعبك» يعني: لمَ لمْ تتزوَّجْ بِكرًا تكثر ملاعبتُك إياها، ومُلاعَبَتُها إياك؟
هذا الحديث يدل على أنَّ تزوُّج البكر أولى.
ويدل أيضًا على أن ما يجري بين الزوجين من الملاعبة مرضيٌّ للشارع، وهو سُنةٌ؛ لأنها سبب زيادة الأُلفة والنشاط، ومهيجُ الشهوة التي هي سبب الولادة. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 12- 13).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فهَلَّا بكرًا» أي: فهَلَّا تزوجت بكرًا، ثم علَّله بقوله: «تلاعبها وتلاعبك»، وهو عبارة عن الألفة التامة؛ فإن الثيِّب قد تكون متعلِّقة القلب بالزوج الأول، فلم تكن محبَّتها كاملة بخلاف البِكْر، وعليه ما ورد: «عليكم بالأَبْكَار؛ فإنهن أشدُّ حبًّا، وأقل خِبًّا بالخاء المعجمة مكسورة، أي: خداعًا». شرح المشكاة (7/ 2262).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وفيه: استحباب نكاح البكر؛ لكونه -عليه الصلاة والسلام- حض على ذلك.
وفي سنن ابن ماجه عن عبد الرحمن بن سالم عن عتبة بن غويم بن ساعدة الأنصاري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عليكم بالأَبْكَار؛ فإنهن أعذبُ أفواهًا، وأَنْتَقُ أرحامًا، وأَرْضَى باليسير»، ورواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن مسعود.
وقوله: «أَنْتَقُ أرحامًا» بالنون والتاء المثناة من فوق، والقاف، أي: أكثر أولادًا، يقال للمرأة الكثيرة الولد: نَاتِقٌ؛ لأنها ترمي بالأولاد رميًا، والنَّتْقُ الرمي والنفض والحركة.
وفي صحيح البخاري عن عائشة قالت: «قلتُ: يا رسول الله، أرأيتَ لو نزلتَ واديًا وفيه شجرة قد أُكل منها، وشجرة لم يُؤكل منها، في أيها كنتَ ترْتَع بعيرك؟ قال: في الشجرة التي لم يُؤكل منها، قالت: فأنا هي» تعني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يتزوج بكرًا غيرها.
وقد استشْكَل بعضهم الحضَّ على البِكر مع الحضِّ على الولود، وقال: إنهما صفتان متنافيتان؛ فإنها متى عُرفت بكثرة الولادة، لا تكون بكرًا.
وأجيب عن ذلك: بأنه قد تعرف كثرة أولادها من أقاربها، وفيه نظر، وقد يقال: هما صفتان مرغَّب فيهما، فإما أن يحصل على البكر، أو على كثرة الأولاد إن كانت ثيبًا.
والحق أنه لا تنافي بينهما، وأنه ليس المراد بالولود كثرة الأولاد، وإنما المراد مَن هي في مظنة الولادة، وهي الشابة دون العجوز التي انقطع حَبَلُهَا، فالصفتان حينئذٍ من وادٍ واحد، وهما متفقتان غير متنافيتين، والله أعلم. طرح التثريب في شرح التقريب (7/ 11).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فيه: حض على تزويج البكر، وعلى ما هو أقرب لطول الصحبة والمودة، وما تستريح إليه النفوس؛ لما فيها من طبع البشرية والضعف، وقيل: معنى «تلاعبها»: من اللُّعاب لا اللعب، يؤيده رواية البخاري في موضع آخر: «فأين أنت من الأبكار ولُعابها؟» بضم اللام كما قيده المستملي. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (14/ 208).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «تلاعبها وتلاعبك» تعليل للترغيب في الأبكار، سواء كانت الجملة مستأنفة كما هو الظاهر، أو صفة لـ«بكرًا» أي: ليكون بينكما كمال التآلف والتآنس؛ فإن الثيب قد تكون معلَّقة القلب بالسابق. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/ 573).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه: ملاعبة الرجل امرأته، وملاطفته لها، ومُضَاحَكَتُها، وحسن العشرة.
وفيه: سؤال الإمام والكبير أصحابه عن أمورهم، وتفقد أحوالهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، وتنبيههم على وجه المصلحة فيها. شرح النووي على مسلم (10/ 53).
قوله: «قال: انطلق واعمل عملًا كَيِّسًا»
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «عملًا كيِّسًا» أي: تطلب به ولدًا، أو المراد: ما ذكره أبو بكر أي: كما فسَّره أبو بكر في نهاية الحديث، وسيأتي. حاشية السندي على مسند أحمد (3/440).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قال ابن الأعرابي: الكَيْسُ: الجِمَاع، والكَيْسُ: العقل، كأنه جعل طلب الجماع عقلًا.
وقال أبو سليمان: ويحتمل أن يكون قد أُمِر بالتوقي والحذر من إصابة أهله إن كانت حائضًا لطول غيبته. الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 271).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
الكَوْسُ بالسين مهملة ومعجمة: الجماع، يقال: كَاسَ الجارية، وكاشَها، وكاوَسَها مُكاوَسَةً كواسَةً، وأَكَاسَها، كل ذلك إذا جامعها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (25/ 157).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقوله: «فالكيّس» بالفتح فيهما على الإغراء، وقيل: على التحذير من ترك الجماع، قال الخطابي: الكَيْسُ هنا بمعنى الحَذَرِ، وقد يكون الكَيْسُ بمعنى الرِّفق، وحسن التأني.
وقال ابن الأعرابي: الكَيْسُ العقل، كأنه جعل طلب الولد عقلًا.
وقال غيره: أراد الحذَر من العجز عن الجماع، فكأنه حثّ على الجماع.
قلتُ: جزم ابن حبان في صحيحه بعد تخريج هذا الحديث بأن الكَيْسَ الجماع، وتوجيهه على ما ذكر، ويؤيده قوله في رواية محمد بن إسحاق: «فإذا قدِمْتَ فاعمل عملًا كَيّسًا»، وفيه: قال جابر: «فدخَلْنا حين أمْسَينا، فقلتُ للمرأة: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني أن أعملَ عملًا كَيّسًا، قالت: سمعًا وطاعة، فدُونَك، قال: فبِتُّ معها حتى أصبحتُ» أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
قال عياض: فسَّر البخاري وغيره الكَيْسُ بطلب الولد والنسل، وهو صحيح، قال صاحب الأفعال: كَاسَ الرَّجل في عمله حَذَقَ، وكَاسَ وَلَدَ ولدًا كيّسًا.
وقال الكسائي: أكاس الرجل: وُلِدَ له وَلَدٌ كيِّسٌ. اهـ.
وأصل الكَيْسِ العقل كما ذكر الخطابي، لكنه بمجرده ليس المراد هنا، والشاهد لكون الكَيْسِ يراد به العقل قول الشاعر:
وإنما الشُّعر لبُّ المرء يُعرضه *** على الرجال فإنْ كَيْسًا وإن حمَقًا.
فقابَلَه بالحُمق وهو ضد العقل، ومنه حديث: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نفسَه وعَمِلَ لما بعد الموت، والأحْمَقُ مَن أتْبَعَ نفسَه هَواهَا».
وأما حديث: «كلُّ شيء بقدر، حتى العَجْز وَالْكَيْس» فالمراد به الفطنة. فتح الباري (9/ 342).
وقال العيني -رحمه الله-:
قال الخطابي: الكَيْسُ هنا يجري مجرى الحذر من العجز عن الجماع. ففيه الحث على الجماع، وقد يكون بمعنى الرفق وحسن التأني، وقال ابن الأعرابي: الكَيْسُ: العقل كأنه جعل طلب الولد عقلًا.(20/ 222)
وقال الكوراني -رحمه الله-:
الكَيْسُ: خلاف الحمق لغة، قال الجوهري: والمراد به في الحديث طلب الولد؛ أي: إذا قدِمْتَ لا تَعْجَلْ، كما هو شأن المسافر من المبادرة إلى الوِقَاعِ؛ لا سيما إذا كان قريب عهد بزواج؛ بل تَرَبَّصْ أوائل الطُّهر بعد الحيض؛ فإنه أسْرعُ عُلوقًا، ولم يكن لجابر إذا ذاك ولد. الكوثر الجاري (4/ 393).
قوله: «قال أبو بكر: يعني: لا تَطْرُقْهُنَّ ليلًا»:
قال محققو مسند أحمد:
أبو بكر: هو ابن عياش...، وتفسير أبي بكر بن عياش قولَه -صلى الله عليه وسلم-: «اعمل عملًا كيِّسًا» بأنه عَدَمُ الطُّرُوقِ ليلًا، لم يتابعه عليه أحد. مسند أحمد (23/ 173) الحاشية.
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)