الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«تَقْعُدُ الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ يومَ الجُمُعَةِ، فيكتُبُونَ الأوَّلَ والثَّانيَ والثَّالثَ، حتَّى إذا خَرَجَ الإمامُ رُفِعَتِ الصُّحُفُ».


رواه أحمد برقم: (22242) واللفظ له، والطبراني في الكبير برقم: (7691) ورقم: (8102)، من حديث أبي أُمَامَةَ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2983)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (710).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«رُفِعَتِ الصُّحُفُ»:
أي: طَوى الملائكةُ تلك الصُّحف التي يكتبون فيها المبَكِّرِين للجمعة، ورَفَعُوها للعرْض. فيض القدير (3/ 265).


شرح الحديث


قوله: «تَقْعُدُ الملائكةُ على أبوابِ المساجدِ يومَ الجُمُعَةِ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«تقعد الملائكة على أبواب المساجد» خصَّها لأنه غالب إقامة الجمعة، وإلا فلو أُقيمتْ في غير مسجد لكان كذلك. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 87).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«تقعد الملائكة» أي: الذين منهم في الأرض «على أبواب المساجد» أي: الأماكن التي تُقام فيها الجمعة، وخُصَّ المساجد؛ لأن الغالب إقامتها فيها، «يوم الجمعة» من أول النهار. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 455).
وقال العراقي -رحمه الله-:
هؤلاء الملائكة وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة، وهم غير الحَفَظَة، كذا نقله النووي وغيره. طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 173).
وقال العيني -رحمه الله-:
الملائكة المذكورون غير الحَفَظَة، ووظيفتهم كتابة حاضريها، قاله الماوردي والنووي، وقال ابن بزيزة: لا أدري هُم أم غيرهم.
قلتُ: هؤلاء الملائكة يكتبون منازل الجائين إلى الجمعة، مختصون بذلك، كما روى أحمد في مسنده عن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه-: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تقعد الملائكة على أبواب المساجد، فيكتبون الأول والثاني والثالث..» الحديث، والحَفَظَة لا يفارقون من وُكِّلُوا عليهم. عمدة القاري (6/ 173).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «يوم الجمعة» من أول النهار، بقصد كتابة المبكِّرين إليها. فيض القدير (3/ 265).

قوله: «فيكتُبُونَ الأوَّلَ والثَّانيَ والثَّالثَ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«فيكتبون الأول والثاني والثالث» تقدَّم الكلام عليه في حديث أبي هريرة عند الشيخين، وقد استوفى هنالك خمس رُتَب للداخِلين، فقوله هنا: «الأول والثاني والثالث» اقتصار على بعض الرُّتَب. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 87).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فيكتبون» في صُحُفِهم «الأول والثاني والثالث» وهكذا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 455).

قوله: «حتَّى إذا خَرَجَ الإمامُ رُفِعَتِ الصُّحُفُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «حتى إذا خرج الإمامُ» ليصعد المنبر للخطبة «رُفعتْ الصُّحفُ» أي: طَوَوْهَا، ورفعوها للعَرْضِ، فمن جاء بعد ذلك فلا نصيب له في ثواب التبكير. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 455).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«حتى إذا خرج الإمام» ليصعد المنبر للخطبة «رُفعت الصُّحفُ» أي: طَوَوْا تلك الصُّحف، ورفعوها للعرض.
والمقصود: بيان فضل التبكير، وهو نص صريح في الرد على مالك؛ حيث لم يذهب لِنَدْبِه. فيض القدير (3/ 265).
وقال العيني -رحمه الله-:
حضور الملائكة إذا خرج الإمام ليسمعوا الخطبة...، فإن قلتَ: في الرواية الأخرى من الصحيح: «فإذا جلس الإمام طَوَوْا الصُّحفَ»، فما الفرق بين الروايتين؟
قلتُ: بخروج الإمام يحضرون من غير طَيٍّ، فإذا جلس الإمام على المنبر طَوَوْهَا.
ويقال: ابتداء طَيِّهم الصُّحُف عند ابتداء خروج الإمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر، وهو أول سماعهم للذِّكْر، والمراد به ما في الخطبة من المواعظ، ونحوها. عمدة القاري (6/ 173).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قوله في حديث الجمعة: «وطُوِيَت الصُّحُف» أي: صُحف الفَضْل، فأما صُحف الفرض فإنها لا تُطوى؛ لأنَّ الفرض يسقط بعد ذلك. بدائع الفوائد (3/ 158).
وقال العراقي -رحمه الله-:
«طُوِيَت الصُّحف» المراد ما ذكره ابن العربي وغيره: صُحف المتسابقين المبكِّرين، وفي مسند أحمد عن أبي غالب قلتُ: يا أبا أمامة ليس لمن جاء بعد خروج الإمام جمعة؟ قال: بلى، ولكن ليس ممن يُكتَب في الصُّحف، وفي رواية ابن ماجه: «فمن جاء بعد ذلك، فإنما يجيء لِحَقِّ الصلاة». طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 173).
وقال العراقي -رحمه الله- أيضًا:
مراتب الناس في الفضيلة في الجمعة وغيرها بحسب أعمالهم، وهو من باب قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} الحجرات: 13، وروى ابن ماجه عن علقمة قال: «خرجتُ مع عبد الله (ابن مسعود) إلى الجمعة، فوجد ثلاثة قد سَبَقُوه، فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة ببعيد، إني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنَّ الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة، الأول والثاني والثالث، ثم قال: رابعُ أربعة، وما رابعُ أربعة ببعيد». طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 173).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
استنبط الماوردي منه: أنَّ التَّبكير لا يُستحب للإمام، قال: ويدخل المسجد مِن أقرب أبوابه إلى المنبر. شرح سنن أبي داود (5/ 472).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
اختلف العلماء هل الأفضل التَّبْكير -أي إلى الجمعة- أو التأخير؟
فأكثر أهل العلم استحب التبكير؛ لهذا الحديث وغيره من الأحاديث الدالة على استحبابه، والترغيب فيه.
قال في الْمُقْنِعِ: ويُبَكِّر إليها ماشيًا، ويدنو من الإمام، قال شارحه شمس الدين ابن أبي عمر: للسعي إلى الجمعة وقتان: وقت وجوب، ووقت فضيلة.
وذكر أنَّ وقت الوجوب من ابتداء النداء الذي بين يدي المنبر؛ فإنه المعهود على زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزمن أبي بكر وعمر، فلما كان زمنُ عثمان وكثُر الناس زاد النداءَ الثالث، وأما النداء الأول: فمستحب في أول الوقت، سَنَّهُ عثمان، والثاني: للإعلام بالخطبة، والثالث: للإعلام بقيام الصلاة.
نعم مَن مَنزِله بعيد لا يدرك الجمعة بالسعي وقت النداء، فعليه السعي في الوقت الذي يكون به مُدركًا الجمعة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ كاستسقاء الماء من البئر للوضوء.
وأما وقت الفضيلة: فمِن أول النهار، فكلما كان أبْكَرُ كان أولى وأفضل؛ وهذا مذهب الأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر.
وقال مالك: لا يُستحب التبكير قبل الزوال؛ لقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: «من راح إلى الجمعة»، والرَّواح: بعد الزوال، والغدو: قبله، كما قدمناه.
واحتج الشارح لنا ولمن وافقنا بحديث أبي هريرة، وقال: قال علقمة: خرجتُ مع عبد اللَّه (ابن مسعود) إلى الجمعة، فوجد ثلاثة قد سَبَقُوه، فقال: رابعُ أربعة، وما رابعُ أربعة ببعيد، إني سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: «إنَّ الناس يجلسون من اللَّه -عز وجل- يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعة» رواه ابن ماجه.
وتقدَّم حديث: «من غَسَّل واغتسل، وبَكَّر وابْتَكَر، ومشى ولم يركب...» الحديث.
قال: فأما قول مالك فمخالف للآثار؛ ولأن الجمعة يُستحب فعلها عند الزوال، وكان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يُبكِّر بها، ومتى خرج الإمام طُويت الصُّحف، فلم يُكْتَب مَن أتى الجمعة بعد ذلك، وأي فضيلة لهذا؟!
فإن أخَّر بعد ذلك شيئًا دخل في النهي والذم؛ كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذي جاء يتخطى رقاب الناس: «رأيتُك آنَيْتَ وآذَيْتَ» أي: أخَّرت المجيء، وقال عمر لعثمان: "أي ساعة هذه"؟! على وجه الإنكار، فكيف يكون لهذا بدَنَةٌ أو بقرة أو فَضْلٌ؟!
فمعنى قوله: «راح إلى الجمعة» أي: ذهب إليها، لا يحتمل غير هذا، انتهى.
وأيضًا المعروف حمْلُ الساعاتِ على الأجزاء الزَّمانية التي ينقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءًا، ومالكٌ لا يساعده هذا العُرْف على قوله.
وأما استدلالهم بما في بعض الروايات: «فالمهجِّر كالمهدِي بَدَنة»، والتهجير إنما يكون في الهاجرة، ومن خرج عند طلوع الشمس مثلًا، أو بعد طلوع الفجر، لا يقال له: مُهجِّر!
فالجواب عن هذا: بأنَّ المهجِّر مأخوذ من هَجْر المنزل، وتركه في أي وقت كان، واللَّه تعالى أعلم. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (3/ 167-170).
وقال الشيخ أحمد البنا الساعاتي-رحمه الله-:
وفيه: أنَّ ‌الملائكة ‌تحضر ‌الجمعة وتكتب الحاضرين لها الأول فالأول، وما ذلك إلا العظيم فضلها وامتيازها عن الصلوات الأخرى، وأن الملائكة المذكورين غير الحفظة.الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد(6/67)


ابلاغ عن خطا