الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«كلُّ معروفٍ صدقة، وإنَّ مِن المعروف أن تلْقَى أخاك بوَجْهٍ طَلْقٍ، وأن تُفْرِغَ مِن دَلْوِكَ في إِنَاءِ أخيك».


رواه أحمد برقم: (14709)، والترمذي برقم: (1970)، ورواه البخاري برقم:(6021) مختصرًا، «كلُّ معروفٍ صدقة»، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- ومسلم برقم: (1005) مختصرًا، من حديث حذيفة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (4557)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (2684)،


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«معروف»:
المعروف: اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله، والتقرُّب إليه، والإحسان إلى الناس. شرح المشكاة للطيبي (5/ 1544).

«صدقة»:
الصدقة ما أعطيتَه في ذات الله للفقراء. لسان العرب (10/196).

«طَلْق»:
طَلْق رُوي على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، وطَلِيق بزيادة ياء، ومعناه سهلٌ منبسطٌ. شرح النووي على مسلم (16/ 177).

«تُفْرِغ»:
من الإفراغ أي: تَصُبَّ. مرقاة المفاتيح (4/ 1341).

«دَلْوِكَ»:
الدَّلْوُ واحدة الدِّلاء، وهي التي يُسْتَقَى بها الماء، تُذكَّر وتُؤنَّث، والتأنيث أَعلى وأكثر. لسان العرب (2/ 1417).

«إِنَاء»:
الإِنَاءُ: وعاء الماء، والجمع القليل: آنية، والكثير: الأواني. المُغرب (1/323).


شرح الحديث


قوله: «كلُّ معروف صدقة»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
أي: كل ما يُفعل من أعمال البِرّ والخير كان ثوابُه كثواب من تصدق بالمال. المفهم (3/49).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
المعروف: فعل الخير والبِر، وإنما كان المعروف صدقة؛ لأنه لا يجب. كشف المشكل (1/395).
وقال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
المعروف: اسم لكل فعل يُعرف حُسْنه بالشرع، أو يُعرف بالعقل من غير أن يُنازع فيه الشرع، وكذلك القول المعروف، وقد قيل: الاقتصاد في الجود معروف؛ لأنه مستحسن بالشرع وفي العقل.الميسَّر (2/446-447).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
المعروف: اسمٌ جامِعٌ لكل ما عُرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وهو من الصفات الغالبة، أي: أَمْرٌ معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه. الكاشف عن حقائق السنن (5/1544).
وقال المُظهري -رحمه الله-:
المعروف ما عُرف من جملة الخيرات، يعني: كل ما فيه رضا الله تعالى من الأفعال والأقوال فهو صدقة. المفاتيح (2/533).
وقال ابن المَلَك -رحمه الله-:
«كل معروف» أي: ما عُرف فيه رضاء الله من الأقوال والأفعال.
«صدقة» أي: ثوابه كثواب الصدقة. شرح مصابيح السنة (2/465).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
المعروف: ما عُرف حُسنه شرعًا، يشمل الواجب والمندوب والنهي عن المنكر. الكوثر الجاري (9/423).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
المعروف مندوب إليه، ودلَّ هذا الحديث أنَّ فِعْله صدقة عند الله، يُثيب المؤمن عليه، ويجازيه به وإن قلَّ؛ لعموم قوله: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». التوضيح (28/330).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«كل معروف» يفعله الإنسان أو يقوله من الخير مما نَدَبَ إليه الشارع، أو نهى عنه، يُكتَب له به «صدقة». إرشاد الساري (9/26-27).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«كل معروف» أي: ما عُرف من جملة الخيرات من عَطِيَّة مال أو خُلق حَسَنٍ، أو ما عُرف فيه رضا الله من الأقوال والأفعال. مرقاة المفاتيح (4/1336).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«كل معروف» من الخير فعلًا أو تركًا «صدقة» يُكتَب له ثوابها. منحة الباري (9/181).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: كل ما يُفعل من أنواع البِرِّ وثوابه من تصدق بالمال.
والمعروف لغة: ما عُرف، وشرعًا: قال ابن عرفة: الطاعة، ولما تكرَّر الأمر بالصدقة في الكتاب والسنة مَالَتْ إليها القلوب، فأخبرهم بأن كل طاعة من قول أو فعل، أو بَذْلِ صدقة يشترك فيها المتصدقون، حثًّا منه للكافة على المبادرة إلى فعل المرء طاقته، وسميت صدقة لأنها مِن تصْديقِ الوعد بنفع الطاعة عاجلًا، وثوابها آجلًا. فيض القدير (5/32).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
المعروف: ضد المنكر.
والصدقة هي ما يعطيه المتصدِّق لله تعالى، فيشمل الواجبة والمندوبة. سبل السلام (2/637).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كل معروف» قيل: هو ما تَقْبَله الأنفس ولا تجد منه نكيرًا. التنوير (8/200).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
«كل معروف صدقة» أي: كل ما يُفعل من أعمال الخير والبر فثوابه كثواب مَن تصدق بالمال. عون المعبود (13/198).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
المعروف: ما عُرف في الشرع حُسْنه إن كان مما يُتعبَّد به لله، وإن كان مما يتعامل به الناس فهو مما تعارف الناس على حُسْنه، وهذا الحديث «كل معروف» يشمل هذا وهذا، فكل عمل تَتعبَّد به إلى الله فإنه صدقة، كما ورد في حديث سابق: «كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وأَمْرٍ بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة»، وأما ما يتعارف عليه الناس على حُسْنه مما يتعلق بالمعاملة بين الناس فهو معروف، مثل الإحسان إلى الخلق بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان. شرح رياض الصالحين (2/190-192).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
هذه من الكلمات الجامعة: «كل معروف فهو صدقة»، إن قابَلْتَ صاحبك بوجهٍ طَلْقٍ فهو صدقة؛ لأنه معروف، كلٌّ يثني على ذلك، إن أعطيته شيئًا ولو قليلًا فهو معروف، إن عفوتَ عنه فهو معروف، إن أنفقت على أهلك، إن أَعَرْتَ صاحبك فهو معروف؛ إذَنْ كل معروف فإنه صدقة، وكل مُنكر فإنه ليس بصدقة؛ لأنه مُنكر ويجب إنكاره. فتح ذي الجلال (6/295).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«كل معروف» أي: كل خير وبِر ونَفْع مِن قول أو فعل يُقدِّمه المسلم لغيره ولو بدفع الأذى عنه؛ مريدًا بذلك وجه اللَّه «صدقة» أي: فيه أجر عند اللَّه -عز وجل-.
ما يفيده الحديث: الترغيب في بذل المعروف.
أنَّ كل خير يفعله الإِنسان بنية صالحة يُثِيبُه اللَّه -عز وجل- عليه.
أنَّ الصدقة ليست قاصرة على بذل المال. فقه الإسلام (10/194).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«كلُّ معروف صدقة» مبتدأ وخبره، أي: كل شيء عُرِف شرعًا بأنه من أعمال البِرّ، فله حكم الصدقة بالمال في الثواب، فلا ينبغي أن يحتقر الإنسان شيئًا من المعروف، ولا أن يبخل به. البحر المحيط الثجاج (19/325).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«كلُّ معروف صدقة» وهذا لفظ عام يشمل الإعانة والتيسير وتنفيس الكرب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل شيء فيه خير ومعروف؛ لأن «كلُّ معروف صدقة» المقصود به كل ما هو في مقابل المنكر، بحيث إن الإنسان يُحسن إلى أخيه، سواء كان بإعانته بفعله، أو بجاهه، أو بماله، أو بأي وسيلة من وسائل النفع؛ فإن ذلك كلَّه صدقة، وقد جاء في بعض الأحاديث ما يُفسِّر ذلك، حيث قال: «والكلمة الطيبة صدقة، وفي بُضْعِ أحدكم صدقة» إلخ، وكل هذا من أنواع المعروف. شرح سنن أبي داود (562/18).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«كُل معروفٍ صدقة» أي: له حكمها في الثواب عند الله. إكمال المعلم (3/527).
وقال النووي -رحمه الله-:
أي: له حكمها في الثواب، وفيه بيان ما ذكرناه في الترجمة، وفيه أنه لا يَحْتَقِر شيئًا من المعروف، وأنه ينبغي أن لا يبخل به، بل ينبغي أن يُحْضِرَهُ قولُه. المنهاج شرح صحيح مسلم (7/91).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«صدقة» أي: ثواب على كل مسلم، صدقة، أي: في مكارم الأخلاق. التوشيح (8/3650).

قوله: «كُل معروفٍ صدقة»
قال ابن رجب -رحمه الله-:
فالصدقة تُطلَق على جميع أنواع فعل المعروف والإحسان، حتى إنَّ فضل الله الواصل منه إلى عباده صدقة منه عليهم.
وقد كان بعض السلف ينكر ذلك، ويقول: (إنما الصدقة ممن يَطْلب جزاءها وأجرها)، والصحيح خلاف ذلك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في قصر الصلاة في السفر: «صدقةٌ تصدَّقَ الله بها عليكم، فاقبلوا صدَقَتَه». جامع العلوم (2/59).
وقال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
والصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة؛ وذلك لأن عليه أن يتحرى الصدق فيها، وقد استُعمل في الواجبات، وأكثر ما يُستعمل في المتَطَوَّع به، ويُستعمل أيضًا في الحقوق التي يتجافى عنها الإنسان، قال الله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} المائدة: 45، {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} المائدة: 45، أي: تجافى عن القصاص الذي هو حقه، وقد أجرى في التنزيل ما يُسامَحُ به المعسرُ مجرى الصدقة، قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} البقرة: 280، فقوله: «كل معروف صدقة» أي: يحُلُّ فعلُ المعروف محلَّ التصدق بالمال، ويقع التبرع بذلك معه في القربة، فالمعروف والصدقة وإن اختلفا في اللفظ والصيغة فإنهما يتقاربان في المعنى، ويتفقان في الأمر المطلوب منهما، وقد عرفنا الاختلاف بينهما من الكتاب، قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ} النساء: 114، وعرفنا الاتفاق بينهما في المعنى من السُّنة. الميسَّر (2/446-447).
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
الصدقة ما يُخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة؛ وذلك لأنَّ عليه أن يتحرى الصدق فيها. وقد استُعمل في الواجبات، وأكثر ما يُستعمل في التطوع به، ويستعمل أيضًا في الحقوق التي تجافى عنها الإنسان. مرعاة المفاتيح (6/343).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
هذا الحديث قد صرح بأن كلَّ معروف صدقة، ومن ذلك بِشْرُ الرَّجل في وجه الرَّجل، وقد جاء مبيَّنًا في حديث آخر، أنَّ إرشاد الرَّجل إلى الطريق التي لا يعرفها صدقة، وأن حِلْمَه عن السفيه إذا كان قادرًا صدقة، ويتسع هذا إلى ما لا يقدر إحصاءه إلا الله -سبحانه-.
وكما ينبغي أن يعتد به فاعله يجب أن يعتده المفعول معه، ومن هذا الباب تصل الصدقات إلى من لا يقبل صدقة الأموال، فإن الرَّجل قد يُؤْثِر الرَّجل بمجلسه، أو يرفعه عليه، أو يقدم سؤاله أو حاجته قبل حاجته، ويكون المحسَن إليه في ذلك غنيًّا لا يقبل صدقات الأموال، فهذا الفقه في الاحتساب يجعل الصدقة مكتوبة على غني.
ومن هذا المعروف: أن يتصدق على زوجته بإعفافها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «في بُضْعِ أحدكم صدقة» يعني: على أهله؛ لأنه قد تشتد حاجتها، ويعظم فقرها من ذلك إلى ما لا يمكنها الضعف أن تذكره، ولا تُبدي ما بها من الحاجة إليه. الإفصاح (2/238).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله- أيضًا:
إنما أَشْعَر -صلى الله عليه وسلم- بهذا القول المتصدِّق أنه ليس الصدقات مقصورةً على الأموال التي ربما لا يقبلها إلا غنيًا؛ إنَّ الصدقة قد تكون كلمةَ حِكْمةٍ، فيتصدق بها على الجهَّال، وفي هدايتك الطريق لمن لا يعرفها، وإن كان الملك فإنك مُتَصَدِّقٌ عليه بالهداية، وهذا هو، وإن كان في طريق السَّعي بالأقدام صدقة، فإنه في طريق السعي إلى الحق صدقة فوق هذه الصدقة، وهكذا إذا تصدَّقْتَ على رَجُلَين مُتنَازِعَين في مسألة حِسَاب لا يعرفان كلمةً للفصل بينهما؛ فأتيتَهما بها، وفَصَلتَ بينهما بذِكْرِها كنتَ مُتَصدقًا عليهما بقضاءٍ يَفْصِل بينهما، وكذلك إذا رأيت أخاك المؤمن وقد استشاط به غضبُه ألْهَاهُ عن معرفة الصواب في سبيلٍ يسلُكها من القول، وأشَرْتَ له إلى الأَنَاةِ، وحرَّرتَ له قولًا يُخَلِّصُه فيه من حوادث الغضب الشديد كنتَ مُتصدقًا عليه بذلك.
وكونك إذا رأيت المسلم وقد ذهب به إسلامه، ونهض في إسلامه إيمانُه إلى أن حمَّل نفسه من أعباء العبادة ما لم يندُبْه الْمُشَرِّع إليه، تصدَّقْتَ عليه تُبَصِّرَنَّهُ الحق، وأنَّ مِن صدَقَتك عليه أمْرَه بالرفق كنتَ في ذلك متصدقًا، وكذلك إذا رأيت أخاك المسلم قد كَشَفَ بسوء تدبيره شيئًا من أسرار حاله؛ الصالحِ له كتْمُها وستْرها، فمدَدْت دليلَ حِلْمك وعقلك على ما كَشَفَهُ خَرْقُهُ، فسترت ذلك منه كنت متصدقًا عليه بصدقة، وعلى ذلك فكل معروف صدقة يقبلها من لا يقبل المال، ويتصرف في مواطن لا يغني كثير المال ما يغني القليل من هذه فيها. الإفصاح (8/325-326).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن المنكدر عن أبيه كالأول، وزاد: «ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ، وأن تُلْقِيَ مِن دَلْوِكَ في إناءِ أخيك»...، قال ابن أبي جمرة: (يطلق اسم المعروف على ما عُرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البِرِّ سواء جرت به العادة أم لا). قال: (والمراد بالصدقة: الثواب، فإن قارَنَتْهُ النية أُجِرَ صاحبه جزمًا، وإلا ففيه احتمال).
قال: (وفي هذا الكلام إشارة إلى أنَّ الصدقة لا تنحصر في الأمر المحسوس منه، فلا تختص بأهل اليسار مثلًا، بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة). فتح الباري (10/448).

قوله: «وإنَّ من المعروف أن تَلْقَى أخاك بوجه طَلْق»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
ومن المعروف: النَّصَفَة وحُسن الصُّحبة مع الأهل وغيرهم، وتلقى الناس بوجه طَلِق وبشاشة. الكاشف عن حقائق السنن (5/1544).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقوله: «أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق» يُروى بكسر اللام، وياء بعدها. وطَلْق الوجه بتسكين اللام بغير ياء، وهما لغتان، يقال: رجل طَلْقُ الوجه، وطَلِيقُ الوجه، وهو المنبسط الوجه السَّمِحه، يقال: طَلُقَ وجْهُه: بضم اللام يُطْلِقُ طَلاقَةً. المفهم (6/ 612).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقوله: «أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلِقٍ‌»، ويُروى: «‌طَلِيقٍ» بكسر اللام فيهما، ويقال: «‌طلْقٍ» بسكونها، وهو المنبَسط السَّهل.
وفيه: الحض على فعلِ الخير، قلَّ أو كثر، وألا تحقر منه شيئًا، وهذا كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} الزلزلة: 7.
وفيه: أنَّ طلاقة الوجه للمسلمين، والانبساط إليهم محمود مشروع، مُثابٌ عليه، وبخلافه التجهُّم لهم، والازْوِرَاء عنهم، إلا لغرض ديني.
وكفى بخُلق نبينا -عليه السلام- في ذلك، وبما وصفه الله به، ونزَّهه عنه، من قوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران: 159. إكمال المعلم (8/ 106).
وقال النووي -رحمه الله-:
«‌أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ» رُوي (طلق) على ثلاثة أوجه:
إسكان اللام، وكسرها، و«‌طليق‌» بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط.
وفيه: الحث على فضل المعروف، وما تيسَّر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء. شرح النووي على مسلم (16/ 177).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«‌طلقٍ» أي: منطلِق، وهو ضد العبُوس، قال جرير: «‌ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسَّم».
وهذا من المعروف؛ لأن الإنسان ينتفع بذلك، كما ينتفع بسائر المعروف. كشف المشكل (1/ 371).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تلقى أخاك» أي: المسلم «بوجهٍ» بالتنوين «طَلْقِ» بفتح الأول وسكون الثاني، وقيل: بتثليث الأول وسكون ثانِيْهِ وبفتح وكسر، ويقال: طليق أي: ضاحِك مسْتَبْشِر. مرقاة المفاتيح (4/1341).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
«أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق» ضد العبُوس، وهو الذي فيه البشاشة والسرور، فإنه يصل إلى قلبه سرور، ولا شك أن إيصال السرور إلى قلب مسلم حسنة. مرقاة المفاتيح (4/ 1336).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«‌أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلِقٍ» بفتح المهملة وكسر اللام، رواه مسلم، وفي رواية لمسلم أيضًا: «طَلِيق» بزيادة ياء، وهما بمعنى: بوجهٍ ضحَّاك مُسْتبْشِر؛ وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفْعِ الإيحاش عنه، وجَبْر خاطره؛ وبذلك يحصل التأليف المطلوب بين المؤمنين. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 356).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«‌أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طلْقٍ» أي: مُتَهلِّل بالبِشْرِ والابتسام؛ لأن الظاهر عنوان الباطن، فلقياه بذلك يُشعر بمحبتك له، وفَرَحُكَ بلقياه، والمطلوب من المؤمنين التوادّ والتَّحابّ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 165).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ» بإسكان اللام، ويقال: طليق، والمراد سهلٌ منبسطٌ. سبل السلام (2/ 637).
وقال المغربي -رحمه الله-:
قوله: «‌بوجهٍ طلقٍ» يجوز في «‌طَلْقٍ» إسكان اللام وكسرها، ويقال: طليق، بزيادة الياء، ومعناه: بوجهٍ سهْلٍ منبسط.
وفي الحديث: دلالة على فعل المعروف، وما تيسر منه وإنْ قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 224).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«‌أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق»، الوجه الطليق الذي فيه بشاشة وفرح، أي: افعل الخيرات كلها قليلها وكثيرها، ومن الخيرات أن يكون وجهك ذا بشاشة وفرحٍ إذا رأيتَ مسلمًا، فإنه يوصِل إلى قلبه سرورًا، إذا تركتَ العُبُوس، وتَطَلَّقْتَ عليه، ولا شك أنَّ إيصال السرور إلى قلوب المسلمين حسنة.
وقوله: «‌طَلِيقٍ» كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة، وهكذا في المصابيح، ووقع في نسخ مسلم «‌طَلْقٍ» أي: بحذف الياء. مرعاة المفاتيح (6/ 328).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: ما يدل على أنَّ لقاء الأخ بالقُطُوبِ مكروه، وأنَّ لقاءه بالبِشْر مُستحب.
فإن كنتَ في حالٍ مُقَطِّبًا لغير حال تتعلَّق بأخيك، فالأولى أن لا تُكشِّر في وجه أخيك، مُتكَلِّفًا ذلك؛ لتحظى بأجره، وأجر تَكَلُّفِك له، وإنَّ هذا من أدنى بِرِّك بأخيك، فكيف إذا كلَّمْتَه وصافحته وصاحَبْته ورافقته إلى غير ذلك؟!
والوجه الطَّلْق: ضد العَابِس. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 195).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: الحثُّ على فعل المعروف قليلًا كان أو كثيرًا، بالمال، أو الخُلُق الحسن. تطريز رياض الصالحين (ص: 105).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
هذا الحديث مِن أَيْسَرِ قواعد السلوك في حُسن معاملة الناس، والعمل على توحيد كلمتهم، وجمع شملهم، وطلاقة الوجه وبشاشته مما لا ينبغي للمسلم أن يُقصِّر فيه، فهو شيء هيِّن الفعل، عظيم الأجر، حتى قيل في المثل: الكرمُ شيءٌ هينٌ، وجه بشوش وكلام لينٌ. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (10/ 196).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ومن ذلك: أن تلقى أخاك بوجه طلق لا بوجهٍ عَبُوس، وأن تُلِينَ له القول، وأن تُدخِل عليه السرور؛ ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: إن من الخير: إذا عاد الإنسان مريضًا أن يُدخِل عليه السرور ويقول: أنت في عافية، وإن كان الأمر على خلاف ما قال، بأن كان مرضه شديدًا، يقول ذلك ناويًا أنه في عافية أحسن ممن هو دونه؛ لأن إدخال السرور على المريض سبب للشفاء؛ ولهذا تجد أن الإنسان إذا كان مريضًا مرضًا عاديًّا صغيرًا، إذا قال له الإنسان: إن هذا شيء يسير هين لا يضر سُرَّ بذلك ونسي المرض، ونسيان المرض سبب لشفائه، وكون الإنسان يعلق قلبه بالمرض فذلك سبب لبقائه...
إذنْ كل معروف صدقة، لو أن أحدًا إلى جنبك ورأيته مُحْترًا يتصبب العرق من جنبيه، فروَّحْتَ عليه بالمروحة، فإنه لك صدقة؛ لأنه معروف، لو قابَلتَ الضيوف بالانبساط، وتعجيل الضيافة لهم، وما أشبه ذلك فهذا صدقة. شرح رياض الصالحين (2/190-192)

قوله: «وأن تُفْرِغَ مِن دَلْوِكَ في إناءِ أخيك»:
قال ابن المَلَك -رحمه الله-:
«وأن تُفْرِغَ» أي: تَصُبَّ «تُفْرِغَ مِن دَلْوِكَ» عند استقائك «في إناء أخيك»؛ كي لا يحتاج إلى تعب الاستقاء. شرح مصابيح السنة (2/474).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأن تُفْرِغَ» من الإفراغ أي: تَصُبَّ «مِن دَلْوِكَ» أي: عند استقائك «في إناء أخيك»؛ لئلا يحتاج إلى الاستقاء، أو لاحتياجه إلى الدَّلْوِ والدِّلاء. مرقاة المفاتيح (4/1341).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
«وأن تُفْرِغَ» من الإفراغ بالغين المعجمة، أي: تَصُبَّ الماء من دلوك في إناء أخيك، محمول على ظاهره، أو المراد الإحسان إليه من فضل مالِكَ. لمعات التنقيح (4/360).
وقال المُظهري -رحمه الله-:
يعني: إذا استَقَيتَ الماء من بئر، وجاءك مسلم على رأس البئر، فتعطيه ماءك؛ كي لا يحتاج إلى تعبِ الاستقاء، ثم استقيت مرة أخرى لنفسك، يكون لك هذا صدقة. المفاتيح (2/539).
وقال الشيخ أحمد الساعاتي -رحمه الله-:
يعنى: إعطاء الماء لمن لم يكن عنده، لا سيما إذا كان محتاجًا اليه لشُرْب آدمي أو حيوان، فهو من أعظم الصدقات وأنواع المبرات. الفتح الرباني (9/ 174).
وقال الشيخ عطية بن محمد سالم -رحمه الله-:
«أن تُفْرِغَ مِن دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيك» ولو أن سيارة انتهى منها البنزين، وأعطيتَ صاحبها جالون بنزين، ولو بالثمن فهو صدقة؛ لأنه منقطع في الطريق، ويتمنى أن يشتريه ولو بأضعاف قيمته. شرح الأربعين النووية (58/4).


ابلاغ عن خطا