الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ أَخْوَفَ ما أَخَافُ على أُمَّتي كلُّ مُنافقٍ عَلِيْمِ اللسان».


رواه أحمد برقم: (134) ورقم: (310) واللفظ له، من حديث عمر -رضي الله عنه-.
ورواه ابن حبان برقم: (80)، والبزار برقم: (3514)، والطبراني في المعجم الكبير برقم: (593)، والبيهقي في شُعب الإيمان برقم: (1639)، من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1013)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (132).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أُمَّتِي»:
أُمَّة الإجابة. التيسير شرح الجامع الصغير (1/52).

«منافق»:
هو الذي يستر كُفْرَه، ويُظْهِر إيمانه. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/98).

«عليم»:
أي: كثير عِلْمِ اللسان. التيسير شرح الجامع الصغير (1/309).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ أَخْوَفَ ما أخافُ على أُمَّتي»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«إنَّ أَخْوَفَ ما أخافُ على أُمَّتي» في إفساد دِينِها. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 460).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال الطيبي -رحمه الله-: قوله: «أَخْوفَ ما» أضاف (أفْعَلَ) إلى «ما» وهي نكرة موصوفة؛ ليدل على أنه إذا استقصى الأشياء المخوَّف منها شيئًا بعد شيء، لم يُوجَد شيء أخْوَفُ من قول: «كلُّ مُنافقٍ عَلِيمِ اللسان». فيض القدير (2/419).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«أَخْوَفَ» أي: مِنْ أَخْوَفِ «ما أخافُ على أُمَّتي»، وفي رواية أحمد: «على هذه الأُمَّة». فيض القدير (1/221).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«أَخْوَفَ» هنا للمبالغة...، فكلُّ منافقٍ أَخْوَفُ هنا، وليس كلُّ أَخْوَفٍ منافقًا، بل المنافق مخُوف، ولكن جاء به على المعنى. عقود الزبرجد في على مسند الإمام أحمد (2/157).
وقال أبو البقاء العُكبري -رحمه الله-:
وفي الكلام تجوُّز؛ لأن (أَخْوَفَ) هنا للمبالغة، وخبر (إنَّ) هو اسمها في المعنى، فكلُّ منافقٍ أَخْوَفُ هنا، وليس كلُّ أَخْوَفٍ منافقًا، ولكن المنافق مخُوف، ولكن جاء به على المعنى. إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث النبوي (ص: 74).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ أَخْوَفَ» هو اسم تفضيل، مبني للمفعول «ما أَخَافُ» قيل: (ما): نكرة موصوفة، والعائد محذوف، أي: أَخْوَفُ شيء أخَافُه.
قلتُ: ويحتمل: أنها موصولة. حاشية السندي على المسند (1/93).

قوله: «كلُّ مُنافقٍ عَلِيْمِ اللسان»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «كلُّ منافقٍ» أي: نفاقًا عمليًا. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/67).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
المنافق إما حقيقي، وهو النفاق الاعتقادي، أو مجازي وهو المرائي، وهو النفاق العَمَلي. تحفة الأحوذي (7/ 378).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
النفاق وما تَصَرَّف منه اسمًا وفعلًا هو اسم إسلامي، لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستُر كُفْرَه، ويُظْهِرُ إيمانه، وإن كان أصلُه في اللغة معروفًا، يقال: نَافَقَ يُنافِقُ مُنَافَقَةً ونِفَاقًا، وهو مأخوذ من النَّافِقَاء: أحَدُ جُحْرَة اليَرْبُوع، إذا طُلب من واحد هرب إلى الآخر، وخرج منه. وقيل: هو من النَّفَقِ: وهو السِّرب الذي يُسْتَتر فيه؛ لسِتْرهِ كُفْرَه. النهاية (5/98).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كلُّ منافقٍ عَلِيمِ اللسان» أي: عالِمٌ للْعِلْمِ، مُنْطَلِقُ اللسان به، لكنه جاهلُ القلب، فاسد العقيدة، يغُرُّ الناس بِشَقْشَقَةِ لسانه، فيقعُ بسبب اتِّباعِهِ خَلْقٌ كثيرٌ في الزَّلل، وقد كان بعض العارفين لا يظهر لتلميذه إلا على أشرف أحواله؛ خوفًا أن يقتدي به فيها، أو يَسُوءُ ظنُّه به فيها، فلا ينتفع. فيض القدير (1/221).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كلُّ منافقٍ» من كان باطنُه على خلاف ظاهره.
«عَلِيمِ اللسان» أي: عِلْمُه مُقتَصِر على لسانه، ليس لقلبه منه حَظٌّ. حاشية السندي على المسند (1/93).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«كلُّ مُنافقٍ عَلِيمِ اللسان» أي: كثير عِلْم اللسان، جاهل القلب والعمل، اتخذ العلمَ حِرْفةً يتَأَكَّل بها، ذا هَيْبَة وأُبَّهة يَتَعزَّز ويَتَعاظَم بها، يدعو الناس إلى الله، ويفرُّ هو منه، ويستقبِح عَيبَ غيره، ويفعل ما هو أقْبح منه، ويُظهِر للناس التَّنسُّك والتَّعبد، ويُسَارِر ربَّه بالعظائم إذا خلا به، ذِئْبٌ من الذئاب، لكن عليه ثياب، فهذا هو الذي حذَّر منه الشارعُ -صلى الله عليه وسلم- هنا؛ حذرًا من أن يَخْطفك بحلاوة لسانه، ويُحْرِقك بنار عِصْيانه، ويقْتُلك بِنَتَنِ باطِنِه وجَنَانه.
قال الزمخشري -رحمه الله-: والمنافقون أخْبثُ الكفرة وأبغضُهم إلى الله تعالى، وأَمْقَتُهُم عنده؛ لأنهم خلَطُوا بالكفر تمويهًا وتدليًا، وبالشكر استهزاء وخداعًا؛ ولذلك أنزل فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ} النساء:145 انتهى.
وكان يحيى بن معاذ -رحمه الله- يقول لعلماء الدنيا: يا أصحاب القصور قُصُوركم قَيْصَرِية، وبُيوتكم كِسْرَوِية، وأبوابكم ظَاهِرِيَّة، وأَخْفَافُكُم جَالُوْتِيَّة، ومَرَاكِبُكُم قَارُوْنِيَّة، وأَوَانِيكُم فِرْعَوْنِيَّة، ومآثِمُكُم جاهلية، ومَذَاهِبُكُم شَيْطَانِيَّة، فأين الْمُحَمَّدية والعالمية؟!
وأكثر علماء الزمان ضَرْبَان:
ضَربٌ مُنْكَب على حُطام الدنيا، لا يَمَل من جَمْعِه، وتراه شَهْرَه ودَهْرَه يَتَقَلَّب في ذلك كالهَمجِ (ذباب صغير كالبعوض يقع على وجوه الدواب) في المزَابِل يطير من عَذِرَة إلى عَذِرَة، وقد أخَذَت دنياه بمجامع قلبه، ولَزِمَهُ خوفُ الفقر، وحبُّ الإكثار، واتخذ المال عدَّة للنوائب، لا يتَنَكَّر عليه تغَلُّب الدنيا.
وضَربٌ هم أهل تَصَنُّعٍ ودَهاء وخِداع وتزَيُّن للمخلوقين، وتَملَّق للحُكَّام شُحًا على رئاستهم، يلتقطون الرُّخَص، ويُخادعون الله بالحِيَل، دَيْدَنُهم الـمُداهَنة، وساكِنُ قلوبهم الْمُنَى، طمأنينتهم إلى الدنيا، وسكونُهم إلى أسبَابِها، اشتغلوا بالأقوال عن الأفعال، وسيُكَافِئُهم الجبَّار المتعال. فيض القدير (2/419).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «كلُّ منافق عَلِيمِ اللسان» هو مَنْشَأ الأَخْوَفِيَّة، والمراد به بليغ القول فيما تستميل به القلوب، حلو العبارة، قويم الحُجَّة، فيَضِل به العِبَاد، ونِسْبة العلم إلى اللسان مع أنَّ العلم حصول صُور الشيء في العقل، أو عنده؛ لأنه فارغ القلب عن العلم، واعتقاد الحق، بل قلبُه مملوء بالضَّلالات، والاعتقاد الكفريات، فعِلْمُه ليس إلا في لسانه. التنوير شرح الجامع الصغير (1/460-461).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
وفيه: النهي عن جِدال المنافق عَلِيمِ اللسان، وفي هذا الزمن المنافقون يتكلمون في الصُّحُف والفضائيات، وهم زنادقة، يُضِلُّون الناس عن الحق، ويجادلون بالباطل، ويدافعون عن السُّفُور والْمُجُون، ويَطْعنون في الأحاديث التي فيها الأمر بالحجاب، والمنافقون عندهم فصاحة، وعندهم شُبَهٌ، فينبغي للمسلم أن يحْذَرهم، ويُحذِّر منهم. شرح صحيح ابن حبان(4/20).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
فقد قال عمر -رضي الله عنه-: "إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ على هذه الأُمَّة المنافق العَلِيم، قالوا: وكيف يكون منافقًا عَلِيمًا؟ قال: عَلِيمُ اللسان، جاهلُ القلب والعمل".
وقال الحسن -رحمه الله-: "لا تكن ممن يجْمَعُ عِلْمَ العلماء، وطَرائِف الحكماء، ويجْري في العمل مجْرَى السفهاء. إحياء علوم الدين (1/ 59).
وقال الحفني -رحمه الله-:
وقوله: «عَلِيمِ اللسان» أي: طَلْقِ اللسان في العلوم والفصاحة، خالي القلب من العمل به.
وإنما خاف -صلى الله عليه وسلم- على أُمَّته منه؛ لأنه لفهمه العلم يقتدي به الناس، فيُضِلُّهم. حاشية الحفني على الجامع الصغير (ص: 50) مخطوط.


ابلاغ عن خطا