الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«إذا صَلَّى أحدُكم فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فلا ‌يُؤْذِ بهما أحدًا، لِيَجْعَلْهُمَا بين رِجْلَيه، أو لِيُصَلِّ فيهما».


رواه أبو داود برقم: (655)، وابن حبان برقم: (2182)، والبيهقي في السنن الكبرى برقم: (4260)، والطبراني في المعجم الصغير برقم: (783)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (643)، صحيح سنن أبي داود برقم: (655).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«نَعْلَيْهِ»:
النَّعْلُ: ‌الحِذاءُ، ‌مؤنَّثَةٌ، وتصغيرها نُعَيْلَةٌ، تقول: نَعَلْتُ وانْتَعَلْتُ، إذا احْتَذَيت. الصحاح(5/ 1831).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
النَّعْلُ: مُؤنثة، وهي التي ‌تُلْبَس ‌فِي ‌المشْي، تُسَمَّى الآن: تاسُومة. النهاية (5/ 83).


شرح الحديث


قوله: «إذا صَلَّى أحدكم فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فلا ‌يُؤْذِ بهما أحدًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا صَلَّى أحدكم» أي: إذا أراد أن يصلي. مرقاة المفاتيح (2/ 637).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
أي: إذا أراد الصلاة، فخلع نعليه، فلا يضعهما في مكان يترتب عليه أذى لغيره. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 45).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا صَلَّى أحدكم فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فلا ‌يُؤْذِ» بسكون الهمزة، ويجوز إبدالها واوًا «بهما أحدًا» يعني: بأن يضعهما أمام غيره، أو عن يمينه، أو خلفه فيكونان أمام غيره. شرح سنن أبي داود (4/ 119).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«إذا صَلَّى أحدكم فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فلا ‌يُؤْذِ بهما أحدًا»؛ بأن يضعهما عن يمينه. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 601).

قوله: «لِيَجْعَلْهُمَا بين رجليه»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«لِيَجْعَلْهُمَا» في الفرجة التي «بين رجليه». بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 601).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وإنما لم يقل: أو خلفه؛ لئلا يقع قُدَّام غيره، أو لئلا يذهب خشوعه لاحتمال أن يُسرق. مرقاة المفاتيح (2/ 638).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«لِيَجْعَلْهُمَا» بجزم اللام، جزَمَهُ لام الأمر، يعني: لينزعْهُما من رِجْليه، ويضعْهُما «بين رِجْلَيه» يعني: إذا كانتا طاهرتين، أو في شيء يستر النجاسة ويحْجِز عنها.
ويؤخذ منه: أن المصلي يستحب أن يفرِّق بين رجليه بمقدار شبر، أو فِترٍ الفِتْرُ: ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة ونحو ذلك؛ فإن رُزَين نقَل عن الترمذي: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصَّفْدِ والصَّفْنِ» قال العراقي: عزاه رُزَين إلى الترمذي، ولم أجده عنده ولا عند غيره، وإنما ذكره أصحاب الغريب كابن الأثير في النهاية. المغني عن حمل الأسفار (ص: 180).
فالصَّفْدُ: أن يجمع بين رجليه بعضهما إلى بعض، مِن قوله تعالى: {مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} إبراهيم: 49، والصَّفن: أن يرفع إحدى رجليه في الصلاة، مِن قوله تعالى: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} ص: 31.
وروى سعيد بن منصور، عن ابن مسعود رأى رجلًا صافًّا أو صافِنًا قدميه، فقال: "أخطأ هذا السُّنة".
ويؤخذ من قوله: «لِيَجْعَلْهُمَا بين رجليه»: ترجيح طهارتهما بالمسح أو بماء بعدهما؛ فإنه إذا جعَلَهما بين رجليه لا بد أن يباشرهما بَدَنُ المصلي أو ثوبه، ولو كانا نجِسَين ما أَمَرَ بذلك. شرح سنن أبي داود (4/ 119-120).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: فيه باب من الأدب، وهو أن يُصان مَيَامِنُ الإنسان عن كل شيء يكون محلًا للأذى.
وفيه: أنَّ الأدب أن يضع الإنسان نعْلَه إذا أراد الصلاة بين يديه، أو عن يساره، إن كان وحده.
وفيه: دليل على أنه إنْ خَلَعَ نعْلَه فتَركَهَا مِن ورائه، أو عن يمينه، أو مُتباعِدة عنه من بين يديه، فتَعَقَّلَ بها إنسان أي: عَثَرَ فتَلِفَ؛ إما بأن خَرَّ على وجهه، أو تردَّى في بئر بِقُرْبِهِ، أن عليه الضمان، وهذا كواضع الحجر في غير ملكه، وناصِبِ السكين ونحوه، لا فرق بينهما، والله أعلم. معالم السنن للخطابي 288 (1/ 182).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
وإذا كان في المسجد أماكن مخصصة للأحذية كالأحواض الموجودة في هذا المسجد، فليجعلها فيها، أو تُجعل بين السواري إذا كان هناك سَوَارٍ ليس بينها صفوف، فالمهم أن الإنسان لا يؤذي بهما أحدًا. شرح سنن أبي داود (ص: 2).

قوله: «أو لِيُصَلِّ فيهما»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «أو ليُصَلِّ فيهما» يعني: إن كانا طاهِرَين. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 97).
وقال محمود خطاب السبكي -رحمه الله-:
«أو لِيُصَلِّ فيهما» إن كانا طاهِرَين، و(أو) للتخيير، ولم يقل: أو خلفه؛ لئلا يقَعَا أمام غيره، أو لئلا يذهب خشوعه؛ من خشية ضياعهما. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (5/ 45).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أو لِيُصَلِّ فيهما» ففي البخاري عن أنس «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في نعليه».
قال ابن بطال: هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة.
وهي من الرُّخَص كما قال ابن دقيق العيد، لا من المستحبات؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، وهو إن كان من مَلابس الزينة.شرح سنن أبي داود (4/ 121-122).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
الحديث دليل على جواز الصلاة في النعال، ولا ينبغي أن يُؤخذ منه الاستحباب؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة، فإن قلتَ: لعله من باب الزينة، وكمال الهيئة، فيجري مجرى الأَرْدِيَة والثياب التي يُستحب التجمل بها في الصلاة.
قلتُ: هو -وإن كان كذلك- إلا أن مُلابَسَتَه للأرض التي تكثر فيها النجاسات مما يقصر به عن هذا المقصود، ولكن البناء على الأصل إن انتهض دليل على الجواز فيُعمل به في ذلك، والقصور الذي ذكرناه عن الثياب الْمُتَجَمَّل بها يمنع من إِلْحَاقِه بالمستحبات، إلا أن يَرِدَ دليل شرعي بإلحاقه بما يُتَجَمَّل به، فيرجع إليه، ويترك هذا النظر، ومما يقوي هذا النظر -إن لم يرد دليل على خلافه-: أنَّ التزيُّن في الصلاة من الرتبة الثالثة من المصالح، وهي رتبة التَّزْيِينات والتحسينات، ومراعاة أمر النجاسة: من الرتبة الأولى وهي الضروريات، أو من الثانية وهي الحاجيَّات على حسب اختلاف العلماء في حكم إزالة النجاسة، فيكون رعاية الأُولى بدفع ما قد يكون مُزيلًا لها أرْجَح بالنظر إليها، ويُعمل بذلك في عدم الاستحباب. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 251).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وفيه: المنع من أذى الآدميين والملائكة بما فيه رائحة كريهة، أو استقذار، ويُفهم منه المنع من الأذى بالسَّب والضرب، وغير ذلك من باب الأولى. شرح سنن أبي داود (4/ 118).
قال ابن تيمية -رحمه الله-:
أمَّا الصَّلاة في النَّعل ونحوه، مثل: الجُمجم، والمداس، والزربول، وغير ذلك...، إذا عُلِمتْ طهارتها لم تُكرَه الصَّلاة فيها باتِّفاق المسلمين. مجموع الفتاوى (22/121)
وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-:
الصلاة في النعال مشروعة...، وأما السُّجاد فلا تمنع من الصلاة في النعال، لكن المهم الذي أغفله كثير من الناس هو تفقد النعال قبل دخول المسجد، وهذا خلاف ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد قال: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأي في نعليه قذراً، أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما».
فلو عمل الناس بهذا الحديث لم يكن على السجاد ضرراً إذا صلى الناس عليها في نعالهم.مجموع الفتاوى(12/387- 388)
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
إذا كان ‌المسجد ‌مفروشًا، فالأحوط أن يجعلهما في مكان مناسب، أو يضع إحداهما على الأخرى بين ركبتيه، حتى لا يوسخ الفرش على المصلين.مجموع الفتاوى(10/111)
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -رحمه الله-:
وقوله هنا: «أو لِيُصَلِّ فيهما»، وقوله في الحديث السابق: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي حافيًا ومنتعلًا» يُبيِّن أنَّ الأمر في ذلك واسع. شرح سنن أبي داود (ص: 2).
وقال العيني -رحمه الله-:
يُستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: صَوْنُ الميَامِن.
والثانية: أنه يضع نَعْليه إذا أراد الصلاة بين رجليه إن كان عن يساره أحد.
الثالثة: يَضَعْهُما عن يَساره إذا كان خاليًا عن أحدٍ.
الرابعة: ذكرها الخطابي: أن مَن خَلَع نعليه فتركها مِن ورائه، أو عن يمينه، أو مُتبَاعِدة عنه من بين يَدَيْه، فتعقَّل بها إنسان (أي: عثر) فتَلِفَ، إما بأن خر على وَجْهه، أو تردَّى في بئرٍ بقُرْبِه، أن عليه الضمان، وهذا لواضع الحجر في غير ملكه، وناصِب السكين ونحوه لا فرق بَينهما.
وقال الشيخ زكي الدين في مختصر السنن: وفي إسناده عبد الرحمن بن قيس، ويُشبه أن يكون الزعفراني البصري كنيته أبو معاوية، ولا يحتج به. شرح سنن أبي داود (3/ 199-200).


ابلاغ عن خطا