«يا عائشة، بيت لا تمر فيه جِياع أهله، يا عائشة، بيت لا تمر فيه جِياع أهله»، أو «جاع أهله» قالها مرتين أو ثلاثًا.
رواه مسلم، برقم: (2046)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«جِياع»:
بكسر الجيم، جمع: جائع. مرقاة المفاتيح (7/ 2704).
الجوعُ: نقيضُ الشِبَع.الصحاح، للجوهري (3/ 1201).
شرح الحديث
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله:-
«بيت» مبتدأ، وجملة: «لا تمر» موجود «فيه» صفة المبتدأ، وهي المسوغة للابتداء بالنكرة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (19/ 356).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وهذا إنما قاله على حكم المدينة، فإن الطعام كان عندهم قليلًا، إنما كانوا يشبعون من التمر. كشف المشكل (4/ 402).
قوله: «جِياع أهله»، أو «جاع أهله»:
قال القرطبي -رحمه الله-:
هذا إنما عنى به النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، ومن كان على حالهم، ممن غالب قوتهم: التمر، وذلك: أنه إذا خلا البيت عن غالب القوت في ذلك الموضع كان عن غير الغالب أخلى، فيجوع أهله؛ إذ لا يجدون شيئًا، ويصدق هذا القول على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد، أو يكون الغالب فيه صنفًا واحدًا، فيقال على بلد ليس فيه إلا البر: بيت لا بر فيه جياع أهله.
ويفيد هذا: التنبيه على مصلحة تحصيل القوت، وادِّخاره؛ فإنَّه أسكن للنفس غالبًا، وأبعد عن التشويش. المفهم (5/ 320).
وقال ابن العربي -رحمه الله:-
قوله: «بيت لا تمر يه جياع أهله» فإن التمر كان قوتهم، فإذا خلا منها البيت جاع أهله، كما يقول أهل الأندلس: بيت لا تِيْنَ فيه جياع أهله، ويقول أهل إيران: بيت لا رب فيه جياع أهله، وأنا أقول ما يناسب الحقيقة والشرعة، وتُصْدِّقه التجربة: بيت لا زبيب فيه جياع أهله، وأهل كل بلد يقولون في قوتهم الذي اعتادوه مثله. عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي (8/ 8).
وقال النووي -رحمه الله-:
«جِياع أهله» فيه: فضيلة التمر، وجواز الادخار للعيال، والحث عليه. شرح النووي على مسلم (13/ 230).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «جياع أهله» الجياع: جمع جائع، هذا الحديث يدل على أن كل بيت لا تمر فيه يجوع أهلُه، وإن كان فيه الخبز وغيره من الأطعمة، وليس الأمرُ كذلك، بل مرادُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من هذا الحديث أهلَ المدينة، ومَنْ كانت عادتُهم أن يكون التمرُ قوتَهم، وليس لهم الخبز، أو يكون لهم الخبز، ولكن اعتادوا أن لا يشبعوا بالخبز دون التمر، ويُحتمل: أن يريد -صلى الله عليه وسلم- تعظيم شأن التمر؛ كيلا يحتقرَ الناسُ التمرَ الذي هو نعمةٌ من نِعَمِ الله. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 508).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
يستحب ادِّخار التمر؛ لحديث عائشة أَنَّ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، قال: «بيتٌ لا تمر فِيهِ جياع أهله». الإقناع (2/ 644).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«بيت لا تمر فيه جياع أهله» حجة في جواز ادِّخار الأقوات من التمر وشبهه مما يُدَّخَر، وتحريض عليه. إكمال المعلم (6/ 533).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فيه: فضيلة التمر، وجواز الادِّخار للعيال، والحث عليه.
أقول: يمكن أن يحمل على الحث على القناعة في بلاد يكثرُ فيها التمر، يعني: بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله، وإنما الجائع من ليس عنده تمر. شرح المشكاة (9/ 2847).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«جياع» جمع جائع؛ لأن من عادتهم ألَّا يشبَعُوا بالخبز دون التمر. شرح المصابيح (4/ 552).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«جِياع» -بكسر الجيم-: جمع جائع «أهله» قيل: أراد به أهل المدينة ومن كان قوتهم التمر، أو المراد به تعظيم شأن التمر، «قالها مرتين أو ثلاثًا». مرقاة المفاتيح (7/ 2704).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وقوله: «جياع» خبر المبتدأ، و«أهله» مرفوع به؛ لأنه وصف يعمل عمل فعله؛ لأنه جمع جائع؛ من جاع يجوع جوعًا؛ إذا أخذه الجوع، وهو ضد الشبع. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (19/ 356).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «جياع أهله» -بكسر الجيم- جمع جائع، قيل: لأن التمر كان يقوتهم؛ فإذا خلا منه البيت جاع أهله وأهل بلده بالنظر إلى قوتهم يقولون كذلك. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 316).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«بيت لا تمر فيه جِياع أهله»؛ لكونه أنفس الثمار التي بها قوام النفس والأبدان مع كونه أغلب أقوات الحجاز ...، وفيه: تنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادِّخاره. فيض القدير (3/ 209).>
وقال نجم الدين الغزي -رحمه الله-:
«بَيْتٌ لا تمر فيه جِياعٌ أهله» أي: بيت في المدينة ونحوها من البلاد التي عمدة أقواتها لأهلها التمر.
فهذه الأحاديث وأمثالها: تدل على أن تناول هذه الطيبات وأمثالها لا تُخِلُّ بالزهادة، ولا بالعبادة إذا كان العبد يتناولها على وجه الشرع -سواء كان ذلك في صوم، أو فطر-.
قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف: 31. حسن التنبه لما ورد في التشبه (8/ 80).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«بيت لا تمر فيه جياع أهله»؛ لأنه من أقرب المأكولات التي بها قوام الأنفس مع كونه غالب أقوات أهل الحجاز...، وفيه: تنبيه على مصلحة تحصيل القوت وادِّخاره. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 565).
وقال محمد الحوت الشافعي -رحمه الله-:
وَهُوَ مَحْمُول على أهل الْمَدِينَة؛ لِأَن طعامهم التَّمْر. أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (ص:105).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وهذا بالنسبة إلى أهل المدينة، ومثلها من البلاد التي يكثر فيها التمر، ويكون غالب قوت أهل البلد التمر، فإذا خلا عنه بيت يكون أهله جياعًا، وأما إذا كان عندهم ذخيرة من التمر فهم شِبَاع، وكذلك كل أهل بلدة بالنظر إلى غالب قوتهم. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (11/ 557).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
كان التمر قوتهم؛ فإذا خلا منه البيت جاع أهله، وفي الحديث: بيان فضيلة التمر، وجواز الادِّخار للعيال، والحث عليه، وفيه حث على القناعة في بلاد كَثُرَ فيها التمر، والمعنى: أن من قَنِعَ به لا يجوع. الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (7/ 94).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وهو -يعني: الحديث- محمول عند أهل العلم على من كان من طعامه التمر كأهل المدينة في وقته -صلى الله عليه وسلم- وأشباههم ممن يقتاتون التمر. مجموع الفتاوى(25/ 280).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
وفي هذا الحديث: دليل على أن البيت الذي فيه تمر لا يجوع أهله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يجوع أهل بيت عندهم التمر».
وذلك أن التمر غذاء وفاكهة؛ ولأن التمر غذاء جاهز لا يحتاج إلى طبخ ولا أي شيء آخر، بخلاف غيره من الأرز، أو الحبوب، أو غيرها، فيحتاج إلى إشعال النار، ويحتاج إلى طبخ، ويحتاج إلى مدة، وقد يكون الإنسان جائعًا، ولا يستطيع الصبر، بخلاف التمر، فهو جاهز. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (6/ 100).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«بيت لا تمر فيه جياع أهله»، وهذا يدلنا على أهمية التمر، وأنه غذاء وطعام.
قوله: «بيت لا تمر فيه جياع أهله» هذا في البلاد التي يكون فيها التمر، وليس معنى ذلك أنّ كُلَّ بيت لا يوجد فيه تمر يكون أهله جياعًا؛ لأن كثيرًا من الناس عندهم أنواع من الأطعمة المتنوعة غير التمر وهم شباع، ولكن هذا في حق من يكون غذاؤهم التمر وقوتهم التمر، فإنهم إذا فقدوه كانوا جياعًا كما كان الحال في المدينة، بحيث تمضي عليهم مدة وليس عندهم إلا التمر والماء. شرح سنن أبي داود (432/ 27).
وقال الشيخ أبو إسحاق الحويني -حفظه الله-:
«بيتٌ لا تمرَ فيه جياعٌ أهله» بعض الناس قد يشكل عليه معنى الحديث فيقول: نحن لسنا أهل تمر، ومع ذلك نحس بالشبع، ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود: أنه قد يدخل الرجل بيته وهو شديد الجوع، فيجد امرأته لا تزال تعد الطعام، ويحتاج بعض الوقت حتى يكون الطعام جاهزًا، فما الذي يقيم صلبه بسرعة ويجعله يشعر بالشبع؟ التمر أو أي مادة سكرية؛ ولكن التمر أفضلها، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: «جياعٌ أهله» ليس المقصود به الجوع الدائم، ولكن الجوع المؤقت الذي يزول بالتمر، أي: أن الرجل سيعاني من الجوع ولو للحظات إذا لم يكن في بيته تمر. دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني (112/ 12).
وقال ابن مفلح -رحمه الله-:
وهو -يعني: التمر- حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاده، وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة، والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية، وهو لهم أنفع منه لأهل البلاد الباردة لبرودة بواطن سكانها، وحرارة بطون سكان البلاد الباردة؛ ولذلك يكثر أهل الحجاز، واليمن وما يليهم من البلاد المشابهة لها من الأغذية الحارَّةِ ما لا يتأتى لغيرهم ...، وتمر العالية من أجود تمرهم. الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 124-125).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
وهو -يعني: التمر- مُقَوٍّ للكبد، مُلَيِّنٌ للطبع، يزيد في الباءة، ولا سيما مع حب الصُنوبر، ويبرئ من خشونة الحَلق، ومن لم يعتدهُ كأهل البلاد الباردة فإنه يُورِثُ لهم السدد، ويؤذي الأسنان، ويُهيِّج الصداع، ودفع ضرره باللوز والخشخاش كل شيء يابس يحك بعضه بعضًا، وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود، فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقيه، فإذا أديم استعماله على الريق، خفف مادة الدود، وأضعفه وقلَّله، أو قتله، وهو فاكهة وغذاء، ودواء وشراب وحلوى. زاد المعاد(4/ 268).
وقال ابن القيم -رحمه الله- أيضًا:
وهو غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به، كأهل المدينة وغيرهم، وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية،...
وأما أهل المدينة، فالتمر لهم يكاد أن يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم، وهو قوتهم ومادتهم، وتمر العالية من أجود أصناف تمرهم، فإنه متين الجسم، لذيذ الطعم، صادق الحلاوة، والتمر يدخل في الأغذية والأدوية والفاكهة، وهو يوافق أكثر لأبدان، مُقَوٍّ للحار الغريزي، ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من الأغذية والفاكهة، بل يمنع لمن اعتاده من تَعَفُّنِ الأخلاط وفسادها. الطب النبوي (ص: 73).
وقال العيني -رحمه الله-:
والرُّطب والتمر من طَيِّبِ ما خلق الله -عزَّ وجلَّ- وأباحه للعباد، وهو طعام أهل الحجاز وعمدة أقواتهم، وقد دعا إبراهيم -عليه السلام- لتمر مكة بالبركة، ودعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتمر المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، فلا تزال البركة في تمرهم وثمارهم إلى الساعة. عمدة القاري (21/ 67).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«لا يجوع أهل بيت عندهم التمر» النفي نفي انبغاء، أي لا ينبغي أن يجوعوا، فعندهم زادهم، ولا يعتبرون جياعًا، وإن جاعوا، فسبب الجوع غالبًا فقدان الطعام، وهم غير فاقدين، وفي (رواية): «بيت لا تمر فيه جياع أهله»، وهو من قبيل الادعاء والمبالغة، أي: أن التمر هو القوت، وكأن غيره من الأقوات لا يُعْتَدُّ به، فالقوت موجود ما وُجِدَ التمر، والقوت منعدم ما انعدم التمر. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 257).