الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«إنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملكُ ليَقْبِضَ رُوحه، فقيل له: هل عملتَ من خَيْر؟ قال: ما أَعْلم، قِيل له: انْظُر، قال: ما أعلم شيئًا، غير أني كنتُ أُبَايُع الناس في الدنيا، وأُجَازِيْهِم، فَأُنْظِرُ الـمُوسِر، وأَتَجاوَز عن الـمُعْسِر، فأدخله الله الجنة».


رواه البخاري برقم: (3451)، ومسلم برقم: (2934)، ورقم: (2935)، من حديث حذيفة -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


قوله: «انْظُر»:
أي: تَفَكَّر. شرح المصابيح، لابن الملك (3/396).

قوله: «أُجَازِيْهِم»:
أي: أتقاضاهم حقًّا. أعلام الحديث، للخطابي (3/ 1565).
يقال: تجازيت دَيْنِيْ على فلان إذا تقاضيته، والْمُتَجَازي: الْمُتَقاضي. الصحاح، للجوهري (2/2302).

قوله: «أتَجاوز»:
أي: أعفو. شرح المصابيح، لابن الملك (3/396).

قوله: «فَأُنْظِر»:
أي: أُمْهِلُ. شرح المصابيح، لابن الملك (3/ 396).
الإنظار: التأخير والإمهال. لسان العرب لابن منظور (5/219).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
بصيغة المتكلم من الإنظار بمعنى: الإمهال. لمعات التنقيح (5/515).

قوله: «الـمُوْسِر»:
الغني، والميسرة: السّعة والغِنى. لسان العرب، لابن منظور (5/296).

قوله: «الـمُعْسِر»:
المُعسِر: نقيض الْمُوسِر، وأَعْسَر فهو مُعْسِر: صار ذا عُسْرَة وقِلَّة ذات يد، وقيل: افْتَقَر. لسان العرب (4/564).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلكم»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «إنّ رجلًا» لم يُسَمَّ. إرشاد الساري (5/420).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
وقوله: «فيمن كان قبلكم» الظاهر: أنه من بني إسرائيل. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/323).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «ممن كان قبلكم» أي: من الأمم السابقة. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (17/397).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «كان فيمن قبلكم» بحذف صدر الصلة، وفي نسخة صحيحة: «فيمن كان قبلكم» على الأصل، فإنَّ الصلة لا تكون إلا جملة. مرقاة المفاتيح (5/ 1908).

قوله: «أتاه الملك ليَقْبِضَ روحه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أتاه الملك» أي: عزرائيل (ملك الموت) -عليه الصلاة والسلام-، أو بعض أتباعه، وجُمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض في ذلك بأن المقدمات قد يتولاها هو، وقد يتولاها أتباعه.
والصحيح: أنه يقبض الأرواح وملائكة الرحمة أو العذاب يتناولونها منه، وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} السجدة: 11.
وأما القابض الحقيقي فهو الله لا إله إلا هو، وهذا معنى قوله سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الزمر: 42. مرقاة المفاتيح (5/1908).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «أتاه الملك؛ ليقبض روحه، فقيل» أي: فقبضها، فبعثه الله. إرشاد الساري (5/420).

قوله: «فقيل له: هل عملتَ من خيرٍ؟ قال: ما أعلم»:
قال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
قوله: «فقيل له» أي: في الآخرة. منحة الباري بشرح صحيح البخاري (6/ 543).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقيل له» أي: قاله سبحانه، أو بعض الملائكة، وما أبعد من قال: أو بعض الناس.
والظاهر: أنَّ هذا السؤال قبل قبض روحه، كما يقتضيه أول الحديث. مرقاة المفاتيح (5/1908).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «قيل له: هل عملتَ من خيرٍ؟» هذا السؤال منه في القبر. المفاتيح في شرح المصابيح (3/403).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«فقيل له: هل عملتَ من خير؟» الظاهر: أنه يقال له بعد موته؛ لقوله: «فأدخله الله الجنة» بالفاء. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/323).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «هل عملتَ من خير؟» أي: مما ينفع الناس. لمعات التنقيح (5/515).

قوله: «قيل له: انْظُرْ، قال: ما أعلم شيئًا، غير أني كنت أُبَايُع الناس في الدنيا وأُجَازِيْهِم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «قيل له: انظر» أي: تفكر وتدبر، «قال: ما أعلم شيئًا، غير أني كنتُ» أي: قبل ذلك «أبايع الناس» أي: أعاملهم «في الدنيا» أي: في أمورها «وأُجَازِيْهِم» أي: أحسن إليهم حين أتقاضاهم. مرقاة المفاتيح(5/1908).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قوله: «فأجازيهم» بضم الهمزة وبالجيم والزاي: أتقاضاهم الحق، آخذ منهم، وأعطيهم. إرشاد الساري (5/420).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله:«وأجازيهم» أي: فأُحسِن إليهم. المفاتيح في شرح المصابيح (3/403).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وأجازيهم» أي: أقاضيهم، والمجازاة: المقاضاة، أي: آخذ منهم وأعطي.
ووقع في رواية الإسماعيلي: «وأجازفهم» بالجيم والزاي والفاء، وفي أخرى بالمهملة والراء، وكلاهما تصحيف لا يظهر، -والله أعلم-. فتح الباري (6/496- 497).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «أجازيهم» أتقاضاهم. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (14/ 89).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
«وأجازيهم»: أي: يتقاضهم، تقول: جازيتُ فلانًا وتجازيته: إذا تقاضيته، من: جزى دينه، أي: قضاه، والإنظار: الإمهال. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 220).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أجازيهم» أي: أراعيهم، وأَنْظَر إلى أحوالهم في المعاملة، -والله تعالى أعلم-. حاشية السندي على صحيح البخاري (2/ 105).

قوله: «فَأُنْظِر الـمُوسِر»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ابن التين -رحمه الله-: رواية من روى «وأُنْظِر الْمُوسر» أولى من رواية من روى: «وأُنْظِر المعسر»؛ لأن إنظار المعسر واجب.
قلتُ: ولا يلزم من كونه واجبًا أن لا يُؤجر صاحبه عليه، أو يكفر عنه بذلك من سيئاته. فتح الباري (4/308).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فأُنظِر الْمُوسِر» أي: فأُمهل الغني؛ يعني: إذا كان لي دَينٌ على أحدٍ لم أكن أُضَيِّق عليه، بل كنتُ أؤخرهُ عن وقت الأداء إلى وقت آخر، وإن كان له قدرةٌ على الأداء. المفاتيح في شرح المصابيح (3/403).

قوله: «وأتَجاوز عن الـمُعْسِر»:
قال المظهري -رحمه الله-:
أي: وأُبرئ ذِمتَه عن دَيني. المفاتيح في شرح المصابيح (3/403).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «وأتجاوز عن المُعسِر» أي: أعفو عن الفقير، وأُبْرِئُ ذمته عن الدَّيْن كله أو بعضه. مرقاة المفاتيح (5/1908).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «وأتجاوز عن المسعر» أي: لا يطالبه إلى الميسرة، أو يبرئه من الدين. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (6/ 323).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «الْمُعسر» أي: العاجز عن قضاء الدَّيْن الذي حلَّ أجله وأُمْهِلُهُ؛ من الإنظار، وهو الإمهال والتأخير. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (14/ 142).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الْمُعسر هنا: هو الذي يتعذَّر عليه الأداء في وقت دون وقت.
فندب الشرع إلى تأخيره إلى الوقت الذي يمكن له ما يُؤدي.
وأما المُعْسِر بالإفلاس: فتحرم مطالبته إلى أن يتبيَّن يساره. المفهم (4/ 436).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
وهذا فيه: الحث على التيسير، وعدم التعسير، وعدم التّشديد، سواء كانوا مُوسرين أو مُعْسِرين، وهذا مع الإسلام والتوحيد لا بد من هذا. الحلل الإبريزية (3/94).

قوله: «فأدخله الله الجنة»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «فأدخله الله الجنة»، وفي رواية: «قال الله تعالى: أنا أحق بذا» أي: أنا أولى بهذا الكرم والتجاوز «منك، تجاوزوا عن عبدي». شرح المصابيح (3/396).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «فأدخله اللَّه الجنة» بأن حكم ووعد ذلك، وجعل قبره روضة من رياض الجنة، وإن كان بعد البعث فهو على الحقيقة. لمعات التنقيح (5/515).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقول: يحتمل أنَّ «فقيل» مسندًا إلى الله تعالى، وأن يكون في القيامة؛ لقوله بعد ذلك: «أُبَايِعُ الناس في الدنيا».
وقوله: «فأدخله الله الجنة» والفاء في «فقيل» عاطفة على مُقدَّر، أي: أتاه الملك ليقبض، فقبضه، فبعثه الله تعالى، فقال له، فأجابه، فأدخله الله الجنة.
وعلى التقدير الأول: فَقُبِض، وأُدْخِل القبر، فتنازع ملائكة الرحمة والعذاب فيه، فقيل له ذلك، وينصر هذا الوجه الرواية الأخرى: «تجاوزوا عن عبدي». شرح المشكاة (7/2115-2116).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: فضل إنظار الْمُعسر، والوضع عنه قليلًا أو كثيرًا، وفضل المسامحة في الاقتضاء من الْمُوسر.
وفيه: عدم احتقار أفعال الخير، فلعله يكون سببًا للسعادة والرحمة. شرح النووي على صحيح مسلم (10/224).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فيه: فضل المسامحة في الاقتضاء والاستيفاء، سواء كان من مُعسر أو مُوسر. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (27/401).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
يدل على أنَّ العبد يصلح أن يحسن ظنه بالله -عزَّ وجلَّ- عند دنو أجله، وقد نبهه الملك على ذلك، حتى ذكَّره ما كان يعمل من عمل صالح، فلم يجد إلا أنه كان يُنْظِر المؤمنين، ويضع عن الْمُعْسر منهم، فذكَّره به، فاطمأنت نفسه إليه، فأدخله الله الجنة.
والحكمة في حسن الظن عند دنو الأجل: أن الله تعالى عند ظن عبده، فإذا قُبِض على ما ذكر من عمل صالح كان مؤنسًا له، فإذا لم يذكر عملًا صالحًا، ورد على الله مستوحشًا. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 218).


ابلاغ عن خطا