الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«‌لا ‌تَحْقِرَنَّ ‌من ‌المعروف شيئًا، ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ».


رواه مسلم برقم: (2626) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌لا ‌تَحْقِرَنَّ»:
بفتح المثناة فوق، وكسر القاف، وفتح الراء، وشدّ النون، أي: لا تستصغِرَنَّ، يقال: حَقَرَهُ واحْتَقَرَهُ واستَصْغَرَهُ. فيض القدير، للمناوي (1/ 121).

«‌‌المعْرُوف»:
المعروف: اسم جامع لكل ما عُرف من طاعة الله، والتقرُّب إليه، والإحسان إلى الناس.شرح المشكاة للطيبي (5/ 1544).

«طَلْقٍ»:
طلق رُوي على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، وطليق بزيادة ياء، ومعناه: سهلٌ منبسطٌ.شرح النووي على مسلم (16/ 177).


شرح الحديث


قوله: «‌لا ‌تَحْقِرَنَّ ‌من ‌المعروفِ شيئًا»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
بتشديد النون. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 165).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«‌لا تَحْقِرَنَّ» بكسر القاف، أي: تَسْتَقِل. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 356).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«‌لا تَحْقِرَنَّ» بصيغة خِطاب الواحد، وهو إنْ كان كذلك، إلا أنَّ الحكم شامل له، ولجميع الأمة؛ لقوله: «حُكمي على الواحد من أمتي حُكمي على الجماعة»، أو كما قال.
ومحل ذلك ما لم يقم دليل التخصيص، وإلا كإجزاء عناق المعز لأبي بردة في الأضحية، وإباحة النياحة لأم عطية، فلا يتعدَّى محله. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 366).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«‌لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا» أي: لا تَحْقِرَنَّ أن تُقدِّم شيئًا من الإحسان، مهما قلَّ ... ويحتمل: أن يكون النهي للآخذ، أي: لا تحتقرَنَّ شيئًا من الإحسان يُقَدَّم إليك مهما قلَّ، يقال: حقَرَ الرجل الشيء بفتح القاف يَحْقِرُه بكسرها حَقْرًا بفتح الحاء، وسكون القاف، وحُقْرة بضم الحاء وسكون القاف، وحقارة بفتح الحاء وضمها وكسرها، أي: استهان به، فهو محقور وحقير، وأحْقَرَهُ بمعنى: حَقَرَهُ، وحَقَّرَهُ بتشديد القاف: بالغ في حقره.
ويحتمل: أنْ يكون الكلام من قبيل النهي عن الشيء، والمقصود الأمر بضدِّه، فيكون كناية عن التحابب والتوادّ، أي: قوموا بما به تكون المودة والمحبة، مهما كان قليلًا. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 122).

قوله: «‌من المعروف شيئًا»
قال ابن علان -رحمه الله-:
أي: ما يُستحسن شرعًا. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 165).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
والمعروف الذي يُسمَّى فاعله محسنًا: كل ما يعدُّ معروفًا، ولو أنْ يلقى أخاه بوجهٍ طليق، كما يفيده حديث أبي ذر عند مسلم: «‌لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق». التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 401).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «من ‌المعروف» أي: ما عرفه الشرع والعقل بالحُسن، «‌شيئًا» أي: كثيرًا كان أو حقيرًا. فيض القدير (1/ 121).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«‌من المعروف شيئًا» وإن قلَّ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 366).
قال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«‌من المعروف شيئًا» فتتركه لِقِلَّتِه، فقد يكون سبب الوصول إلى مرضاة الله تعالى، كما في الحديث: «وإنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة لا يُلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات» رواه أحمد والبخاري من حديثٍ لأبي هريرة مرفوعًا. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 356).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «من ‌المعروف» أي: ما عرفه الشرع والعقل بالحُسن، «‌شيئًا» أي: كثيرًا كان أو حقيرًا. فيض القدير (1/ 121).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌ولا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا» لا تعدّن بأي شيء من المعروف حقيرًا، فتزهد فيه لحقارته، وقد تصدَّقت عائشة بحبةٍ من عنب، فقيل لها في ذلك، فقالت: كم فيها من مثقال ذرة! التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 315).

قوله: «ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلْقٍ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«‌ولو» كان ذلك المعروف. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 356).
وقال ابن علان -رحمه الله- أيضًا:
«‌ولو أنْ تلقى أخاك» (أنْ) ومنصوبها في محل الفاعل لفعل محذوف على الراجح، أي: ولو كان، أي: وُجِدَ لقاؤك أخاك بوجهٍ طليق.
والواو الداخلة على الجملة الوصلية جرى البيضاوي وغيره: أنها واو الحال، والجملة بعدها منصوبة على ذلك، وقيل: عاطفة على مقدَّر. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 366).

قوله: «‌أنْ تلقى أخاك»
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: المسلم. مرقاة المفاتيح (4/ 1341).
وقال الشيخ موسى شاهين-رحمه الله-:
«‌ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ» فيه حذف (كان) واسمها بعد (لو) أي: ولو كان المعروف من الصغر لقاءك أخاك المسلم بوجهٍ طلقٍ. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 122).

قوله: «بوجهٍ طلقٍ»:
قال النووي -رحمه الله-:
رُوي (طلق) على ثلاثة أوجه:
إسكان اللام، وكسرها، و«‌طليق‌» بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط. شرح النووي على مسلم (16/ 177).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طَلِقٍ‌» ويُروى: «‌طليق» بكسر اللام فيهما، ويقال: «‌طَلْق» بسكونها، وهو المنبسط السهل. إكمال المعلم (8/ 106).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «بوجهٍ طَلِقٍ» بفتح المهملة وكسر اللام، رواه مسلم، وفي رواية لمسلم أيضًا: «طليق» بزيادة ياء، وهما بمعنى: بوجهٍ ضحَّاك مستبشر؛ وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره؛ وبذلك يحصل التأليف المطلوب بين المؤمنين. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 356).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
«‌بوجه طَلْقٍ» أي: منطلق، وهو ضد العبوس، قال جرير: «‌ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسَّم».
وهذا من المعروف؛ لأن الإنسان ينتفع بذلك، كما ينتفع بسائر المعروف. كشف المشكل (1/ 371).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«بوجهٍ طلْقٍ» أي: متهلِّل بالبشر والابتسام؛ لأن الظاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يُشْعِر بمحبتك له، وفرحك بلقياه، والمطلوب من المؤمنين التوادّ والتحابّ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/ 165).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق » ضد العبوس، وهو الذي فيه البشاشة والسرور، فإنه يصل إلى قلبه سرور، ولا شك أن إيصال السرور إلى قلب مسلم حسنة. مرقاة المفاتيح (4/ 1336).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«‌ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طليق» الوجه الطليق: الذي فيه بشاشة وفرح، أي: افعل الخيرات كلها قليلها وكثيرها، ومن الخيرات أن يكون وجهك ذا بشاشة وفرح إذا رأيتَ مسلمًا، فإنه يوصل إلى قلبه سرورًا، إذا تركت العبوس، وتَطَلَّقْت عليه، ولا شك أنَّ إيصال السرور إلى قلوب المسلمين حسنة
وقوله: «‌طليق» كذا وقع في جميع النسخ الحاضرة، وهكذا في المصابيح، ووقع في نسخ مسلم «‌طلق» أي: بحذف الياء. مرعاة المفاتيح (6/ 328).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه: الحض على فعلِ الخير، قلّ أو كَثُر، وألا تَحْقِر منه شيئًا، وهذا كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} الزلزلة: 7.
وفيه: أنَّ طلاقة الوجه للمسلمين، والانبساط إليهم محمود مشروع، مُثاب عليه، وبخلافه التَّجَهُّم لهم، والازوراء عنهم، إلا لغرض ديني.
وكفى بخُلق نبينا -عليه السلام- في ذلك، وبما وصفه الله به، ونزَّهه عنه، من قوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران: 159. إكمال المعلم (8/ 106).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفيه: الحث على فضل المعروف، وما تيسَّر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء. شرح النووي على مسلم (16/ 177).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: ما يدل على أنَّ لقاء الأخ بالقُطُوب مكروه، وأنَّ لقاءه بالبشر مُستحب.
فإن كنتَ في حال مُقَطِّبًا لغير حال تتعلَّق بأخيك، فالأولى أن لا تُكَشِّر في وجه أخيك، مُتَكَلِّفًا ذلك لتحظى بأجره، وأجر تكلفك له، وإنَّ هذا من أدنى بِرِّكَ بأخيك، فكيف إذا كلمته وصافحته وصاحبته ورافقته إلى غير ذلك؟!
والوجه الطلق: ضد العابس. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 195).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وفي الحديث: دلالة على فعل المعروف، وما تيسر منه وإنْ قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 224).
وقال الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: الحثُّ على فعل المعروف قليلًا كان أو كثيرًا، بالمال، أو الخُلُق الحسن. تطريز رياض الصالحين (ص: 105).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
هذا الحديث من أيسر قواعد السلوك في حسن معاملة الناس، والعمل على توحيد كلمتهم، وجمع شملهم، وطلاقة الوجه، وبشاشته، مما لا ينبغي للمسلم أن يُقصِّر فيه، فهو شيء هَيِّن الفعل، عظيم الأجر، حتى قيل في المثل:
الكرمُ شيءٌ هَيِّنٌ، وجه بشوش وكلام لَيِّنٌ. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (10/ 196).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ففي هذا الحديث فوائد:
أولًا: ألا يحقر الإنسان من المعروف شيئًا، حتى لو أعطيتَ أخاك قلمًا يكتب به؛ لأنه ليس معه قلم، فهذا من المعروف؛ لا تَحْقِرَنَّه، حتى لو أمسكت بيده حينما رأيته يقع في الحفرة، أو يصطدم بحجر، فهذا من المعروف، لا تحقر شيئًا، حتى لو أعطيته شيئًا يكتب به رقم تليفونك مثلًا؛ لا تَحْقِرَنَّه، لا تحقر شيئًا أبدًا، حتى لو رأيتَ أنه يحب أن يَطَّلِع على شيء مما ينفعه، وقد خفي عليه، وأخبرته، فإن ذلك من الصدقة؛ إذن تحرص على ألا تحقر شيئًا من المعروف، كل معروف فهو صدقة، ولو أنْ تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ.
وإن لقيتَ أخاك بوجه عبوس، فلا ينبغي لك هذا، اللهم إذا اقتضت المصلحة ذلك لسبب من الأسباب، فلكل مقام مقال. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (6/ 295-296).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون المرء الذي يخاطبك من المصلحة ألا تلقاه بوجهٍ منبسطٍ، كأن يكون قد فعل شيئًا لا يُحْمَد عليه، فلا تَلْقَهُ بوجه منبسط تعزيرًا له؛ لأجل أن يرتدع ويتأدب، ولكل مقام مقال. شرح رياض الصالحين (4/ 295).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في الحديث فوائد:
منها: الحضّ على إتيان المعروف، وفَضْله، وما تيسّر منه ولو قليلًا، حتى طلاقة الوجه عند اللقاء.
ومنها: النهي عن التهاون بالمعروف، وإن قلّ.
ومنها: الحثّ على طلاقة الوجه، وبشاشته، فينبغي للمسلم أن يكون طلق الوجه غير عبوس، ولا منقبض. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 154).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
دلَّ الحديث على أنَّ طلاقة الوجه عند اللقاء مندوبة، ويُؤجَر المرء عليها.
وقوله: «‌لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا» هو أصل كبير نافع جدًّا، فإنَّ الشيطان ربما يمنع المرء عن تعاطي الخيرات، قائلًا: إنك قد ارتكبت ذنوبًا كبارًا، وتركت الأعمال الواجبة من الحسنات، فما ينفعك لو عملتَ هذا العمل الحقير، فيحرمه منه بوسوسته، ولا يدري أنَّ الحسنة ربما تجر إلى الحسنات الأخرى، وربما تقع حسنة صغيرة في حَيِّزِ مرضاة الله تعالى، فيغفر للمرء بسببها، ويُصان من ارتكاب المحرّمات من أجلها. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 469-470).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا