مَرّ عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنا أدعو بأُصْبُعَيَّ، فقال: «أَحِّدْ أَحِّدْ»، وأشار بالسبابة.
رواه أبو داود برقم: (1499)، والنسائي برقم: (1273)، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
ورواه أحمد برقم: (12901)، من حديث أنس -رضي الله عنه- بلفظ: «بإصبعين».
صحيح سنن أبي داود برقم: (1499)، صحيح سنن النسائي برقم: (1273).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
قوله: «وَأَنَا أَدْعُو»:
أي: أُشِيْرُ.بذل المجهود في حل سنن أبي داود، للسهارنفوري (6/228).
قوله: «بِأُصْبُعَيَّ»:
الإصبع: اسم يقع على السُّلامي والظفر والأُنْمُلَة والأُطْرَة والْبُرْجُمَة معًا، ويُستَعار للأثر الحسيّ؛ فيقال: لك على فلان إصبع، كقولك: لك عليه يد. المفردات في غريب القرآن، للراغب (ص: 78).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«وأنا أدعو بِأُصْبُعَيَّ» بتشديد ياء التثنية. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (7/264).
قوله: «أَحِّدْ أَحِّدْ»:
بفتح الهمزة، وكسر المهملة الثقيلة والجزم؛ وكرَّره للتأكيد. شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (2/58).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
أي: أَشِرْ بالأصبع الواحدة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/228).
قوله: «السَّبَّابَةِ»:
هي الإصبع التي تلي الإبهام؛ وهي بينها وبين الوسطى، صفة غالبة، وهي المسبحة عند المصلين. تاج العروس (3/35).
وقال العظيم آبادي -رحمه الله-:
«وأشار بالسبابة» من يده اليمنى، وهي التي تلي الإبهام، سميت سبابة؛ لأنها كانت يُشَارُ بها عند السب والشتم. عون المعبود (7/264).
شرح الحديث
قوله: «مَرّ عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَا أَدْعُو بِأُصْبُعَيَّ»:
قال محمود السبكي -رحمه الله-:
يعني: أُشِيْر بِأُصْبُعَيَّ حال الدعاء، ولعل هذا كان في التشهد في الصلاة، كما يُشعِر بذلك سَوْق النسائي هذا الحديث في تراجم التشهد في الصلاة. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/162-163).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
قال مولانا محمد يحيى المرحوم عن شيخه -رحمه الله-: أي: من مسبِّحتَي كلتا يديَّ، لا من يد واحدة. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/228).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «كان يدعو» أي: يشير «بإصبعيه» الظاهر: أنهما الْمُسَبِّحتان. مرعاة المفاتيح (3/241).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد ـ-حفظه الله- ـ :
«مرَّ عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أدعو بأصْبُعَيَّ...» يعني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ وسعد -رضي الله عنه- يدعو بإصبعيه، ويشير بهما... يُحْتَمَل: أنه كان في الصلاة في التحيات، ويُحْتَمَل: أنه كان في غير الصلاة، ولكنه كان يشير بأصبعيه، وهو يدعو، والإشارة تكون بأصبع واحدة، وذلك عندما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أو ما إلى ذلك مما فيه الإشارة. شرح سنن أبي داود (179/17).
قوله: «أَحِّدْ أَحِّدْ»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أحِّدْ أحِّدْ» أصله: (وحِّد) قُلبت الواو همزةً، أمرٌ من وَحَّد يُوَحِّد توحيدًا، والمعنى: أشِرْ بإصبع واحدة؛ فإن الذي تدعُوه واحدٌ، وكان سعد يُشيرُ بإصبعيْه، فأمره رسولُ الله أن يُشير بالسّبَّابة. شرح سنن أبي داود (5/410).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أَحِّد» بفتح الهمزة، وكسر الحاء المهملة مشددة، ثم مهملة: فعل أمر من الوحدة، فالهمزة بدل من الواو. التنوير شرح الجامع الصغير (1/411).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«أَحِّدْ أَحِّدْ» هو بصيغة الأول، كرَّره تأكيدًا لفظيًّا. التنوير شرح الجامع الصغير (1/411).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فقال: أحِّدْ أحِّدْ» بفتح الهمزة، وتشديد الحاء المهملة فيهما، أي: اقتصر على الأصبع الواحد من اليد اليمنى، وأَشِر بها؛ لأن الذي يدعوه واحد، وهو الله تعالى؛ ليجمع الداعي بين القلب والأصبع الواحد في التوحيد. شرح سنن أبي داود (7/264).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
والمعنى: ارفع إصبعًا واحدة؛ لأنك تشير إلى وحدانية من هو واحد، لا ثاني له؛ لا في الذات ولا في الصفات، ولعل التكرار لهذا المعنى. مرقاة المفاتيح (2/ 736).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «أَحِّدْ أَحِّدْ» يا سعد، كرَّره للتأكيد، ولا يعارضه خبر الحاكم عن سهل «ما رأيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- شاهرًا يديه يدعو على منبره، ولا غيره، كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه ويدعو»؛ لأن الدعاء له حالات؛ ولأن هذا إخلاص أيضًا؛ لأن فيه رفع أصبع واحدة من كل يد، أو أنه لبيان الجواز؛ على أن هذا الحديث قد حمله بعضهم على الرفع في الاستغفار؛ لما رواه أبو داود عن ابن عباس مرفوعًا: «المسألة: رفع يديك حذو منكبيك، والاستغفار: أن تُشِير بأصبع واحدة، والابتهال: أن تَمُدَّ يديك جميعًا»، وزعم بعضهم أن ذلك كان في التشهد ولا دليل عليه. فيض القدير(1/184).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«أحِّدْ أحِّدْ» كرَّر للتأكيد في التوحيد، أي: أَشِرْ بإصبع واحدة؛ لأن الذي تدعوه واحد، وهو الله تعالى، وأصله وحِّد أمر مخاطب من التوحيد، وهو القول بأن الله تعالى واحد، قُلِبَتْ الواو همزة.
وإيراد المصنف هذا الحديث في التشهد يدل على أنه حمله على الإشارة في جلسة التشهد، وعليه حمله النسائي أيضًا، حيث أورد حديث أبي هريرة هذا، وحديث سعد في التشهد، وترجم عليهما «باب النهي عن الإشارة بإصبعين، وبأي إصبع يشير؟»، وأخرجه الترمذي في الدعوات كالبيهقي، وصنيعهما يدل على أنهما حملاه على الدعاء، لا على الإشارة في التشهد، بل عَدَّاهُ أدبًا من جملة آداب الدعاء، وهو الذي فهمه أبو داود، حيث أخرج حديث سعد في الدعاء.
ولا شك أن الحديث يحتمل كلا المعنيين، لكن الاحتمال الثاني الذي ذهب إليه الترمذي وأبو داود والبيهقي أي: حَمْلُه على أدب الدعاء أظهر. مرعاة المفاتيح (3/241).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«أحِّد أحِّد» يعني: أَشِرْ في دعائك بأصبع واحدة، وهي السبَّابة. شرح سنن أبي داود (179/17).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وقد جاء تفسير الأصبع التي يشير بها في رواية سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- الآتية بعد هذا بأنها السبّابة.
والحديث يدلّ على استحباب الإشارة بالإصبع الواحدة عند الدعاء. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (15/76).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
ولا شك أن الشهادة موطن من مواطن الرفع، الشهادة: أشهد ألا إله إلا الله، موطن من مواطن الرفع؛ ولذا لما رفع المصلي إصبعيه جاء في الحديث: «أحِّدْ أحِّدْ»، ومثل هذا الكلام إنما يقال لمن رفع إصبعيه وقت الشهادة، فقيل له: «أحِّدْ»؛ لأن هذا يخالف التوحيد، -رفع إصبعين- يخالف التوحيد، فعلى هذا: ترفع الإصبع مع لفظ الشهادة، ووقت الدعاء مع الدعاء. شرح المحرر في الحديث (18/21).
قوله: «وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
قوله: «بالسبَّابة» أي: من يده اليمنى، فعلَّمه التوحيد بالقول، وتعيين الأصبع بالفعل. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (6/228).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
السنة أن يُشِيْر الداعي إذا أشار بأصبعه السبَّابة وحدها. الاستذكار (2/538).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
استفاضت السُّنن بأنه يُشار بالأصبع الواحدة في الدعاء في الصلاة وعلى المنابر يوم الجمعة وفي غير ذلك. بيان تلبيس الجهمية(4/ 509)
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «وأشار بالسبابة» أي: من اليمين.
فعلَّمه التوحيد بالقول، وعيَّن له الأصبع بالإشارة. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (8/162-163).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «وأشار بالسبابة» من يده اليمنى، وهي التي تلي الإبهام؛ سميت سبابة لأنها كانت يُشَار بها عند السب والشتم.
فيه دليل على تعليم من تراه يتقرب إلى الله تعالى بما ليس هو مشروع، وإن لم يَسْأل. شرح سنن أبي داود (7/264).
وقال الكماخي -رحمه الله-:
وينبغي أن يشير في التوحيد بأصبع واحدة؛ ليقطع المطابقة قال تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} النحل: 51.
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، وفي نسخة: نقول، أي: نُفْتِي، ينبغي أن يُشِير أي: الموحد بأصبع واحدة، أي: حالة الدعاء مطلقًا، وكذا في التشهد عند قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، بأن يرفعها عند قوله: لا إله، ويضعها عند قوله: إلا الله؛ ليوافق النفي الرفع، والإِثبات الوضع، موافقته بين القول والفعل، وهو قولُ أبي حنيفة. المهيأ في كشف أسرار الموطأ (4/ 262).
وقال النووي -رحمه الله-:
وتكره الإشارة بِمُسَبِّحَة اليسرى، حتى لو كان أقطع اليمنى، لم يُشِرْ بِمُسَبِّحَة اليسرى؛ لأن سنتها البسط دائمًا، -والله أعلم-. روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 262).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
ثم إنَّ عدم الإشارة في الدعاء بأصبعين عَدَّهُ الحليمي والطرطوشي والزركشي من شروط الدعاء، لا من آدابه، وقالوا: من شرطه أن لا يُشِير إلا بالسبَّابة من يده اليمنى فقط. إتحاف السادة المتقين (5/ 33).