«ما من مُسلِمَيْن يلتقيان، فيتصافحان إلا غُفِرَ لهما قبل أن يفترقا».
رواه أحمد برقم: (18546)، وأبو داود برقم: (5212)، والترمذي برقم: (2727)، وابن ماجه برقم: (3703) من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (525)، صحيح أبي داود برقم: (5212).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
قوله: «فيتصافحان»:
المصافحة: ضرب الكفِّ على الكفِّ عند اللقاء. الاقتضاب في غريب الموطأ، لليفرني (1/ 191).
شرح الحديث
قوله: «مَا من مسلمَيْن يلتقيان فيتصافحان»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«ما» يحتمل: كونها حجازية، دخلت «من» المزيدة تأكيدًا على اسمها، ويحتمل: كونها تميمية، وعلى كلٍّ فالجملة الفعلية خبر. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 363).
وقال الملا على القاري -رحمه الله-:
قوله: «ما من مسلمين» «من» مزيدة لمزيد الاستغراق. مرقاة المفاتيح (7/ 2964).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«من» زائدة؛ لتأكيد الاستغراق المفهوم من الجملة المنفية. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «مسلمين» مبتدأ مرفوع بالألف المقدرة الممنوعة؛ لأجل الياء المجلوبة؛ لأجل «من» الزائدة؛ لأن «ما» النافية مهملة؛ لأجل «من» الزائدة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15).
وقال المناوي -رحمه الله-:
الذكران أو الأنثيان، أو ذكر وأنثى هي حليلته أو مَحرمه. فيض القدير (1/ 300).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وجملة «يلتقيان» أي: يجتمعان، في محل الرفع: صفة المبتدأ. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «يلتقيان» أي: يتلاقيان. مرقاة المفاتيح (7/ 2964).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
وجملة «فيتصافحان» بأيديهما في محل الرفع، معطوفة على جملة «يلتقيان». مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «يلتقيان فيتصافحان» زاد ابن السُّنِّي: «ويتكاشفان عن أحوالهما بودٍّ ونصيحة». التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 368).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«فتصافحا» وضع كل منهما يده في يد الآخر عَقِب تلاقيهما بلا تراخٍ بعد سلامهما، زاد الطبراني: «وضحك -أي: تبسم- كل منهما في وجه صاحبه». فيض القدير (1/ 300).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيتصافحان» أي: بعد سلام أحدهما على الآخر. مرقاة المفاتيح (7/ 2964).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فيتصافحان» أي: عَقِبَ الملاقاة من غير تَوَانٍ كما تومئُ إليه الفاء. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 363).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: أنَّ من السنة أنَّ المسلم إذا لقي أخاه المسلم أنْ يُسَلِّم عليه، ويأخذه بيده، فيصافحه، ولا تحصل هذه السنة إلا بأن تقع بشرة أحد الكفين على الآخر، فأما إذا تلاقيا، ووضع كل واحد منهما كُمَّهُ على كُمِّ الآخر، ويدهما في أكمامهما، لا تحصل المصافحة المعروفة.
وقد كَثُر هذا في زماننا بأن يضع كل واحد منهما كُمَّهُ على كُمِّ الآخر، وبعضهم يشير بطرف كُمِّه إلى الآخر، ولا يلتقي الكُمَّان...، وهذا أصلح حالًا من انحناء كل واحد منهما للآخر؛ فإنه منهي عنه. شرح سنن أبي داود (19/ 546).
وقال النووي -رحمه الله-:
المصافحة سنة عند التلاقي؛ للأحاديث الصحيحة، وإجماع الأئمة. المجموع شرح المهذب (4/ 633).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: المصافحة وَضْعُ الكفِّ على الكفِّ، والأخذ باليد أعمُّ.
قلتُ: الغالب في المتعارف أخذ الكفِّ بالكفِّ، وفي اللُّغة: ضرب صفحة اليد على اليد، ولا شك أنَّ وضع اليد يَسْتَلْزِمُه.
وفي الأحاديث: دلالة على استحباب المصافحة، فإنها تُورثُ المحبَّة، وفي رواية الترمذي والإمام أحمد وابن ماجه: «ما من مسلمين يتصافحان إلَّا غُفِرَ لهما قبل أن يتفرَّقا». الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 32).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي -رحمه الله-:
وأمّا المصافحةُ فلم يَرَهَا مالك؛ لأنّه لم يسمع بها، والحديثُ لم يصحَّ عنده فيها، وقد اجتمع مع سفيان بن عُيَيْنَة فصافحه سفيان، وقال له: كذلك صافح النّبيُّ -عليه السّلام- جعفر حين قَدِمَ من أرض الحَبَشَةِ، فقال مالك: ذلك مخصوصٌ بجعفر، قال له: ما الدَّليلُ على خصوصه؟ قال: لأنّه لم يفعله النّبيّ -عليه السّلام- لغيره، فكان كالنَّسخ.
واحتجّ سفيان بحديث البراء بن عازب: «مَا من مُسلِمَينِ يَلتَقِيَانِ ...» الحديث، فأجاز المصافحة بهذا الحديث. المسالك في شرح موطأ مالك (7/ 274-275).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
في (القنية) من كتب الحنفية: لا بأس بمصافحة المسلم جاره النصراني إذا رجع بعد الغيبة، ويتأذى بترك المصافحة.
وفي (المصنف) عن ابن محيريز: أنه صافح نصرانيًّا في مسجد دمشق، قال: والسنة في المصافحة بكلتا يديه، ويأتي بعده. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 106)
وقال النووي -رحمه الله-:
واعلم أنَّ هذه المصافحة مستحبّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناسُ من المصافحة بعد صلاتَيِ الصبح والعصر، فلا أصلَ له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإنَّ أصل المصافحة سنّة، وكونهم حافَظوا عليها في بعض الأحوال، وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. الأذكار (ص: 266).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُعلقًا:
ولا يخفى أنَّ في كلام الإمام نوع تناقض؛ لأن إتيان السُّنة في بعض الأوقات لا يُسمَّى بدعة، مع أنَّ عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على وجه الاستحباب المشروع، فإن محل المصافحة المشروعة أول الملاقاة، وقد يكون جماعة يتلاقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلام ومذاكرة العلم وغيره مُدَّة مديدة، ثم إذا صلَّوْا يتصافحون، فأين هذا من السنة المشروعة؟!
ولهذا صرح بعض علمائنا: بأنها مكروهة حينئذٍ، وأنها من البدع المذمومة، نعم، لو دخل أحد في المسجد والناس في الصلاة أو على إرادة الشروع فيها، فبعد الفراغ لو صافحهم -لكن بشرط سبق السلام على المصافحة-، فهذا من جملة المصافحة المسنونة بلا شبهة، ومع هذا: إذا مَدَّ مسلم يده للمصافحة، فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد؛ لما يترتب عليه من أذى يزيد على مراعاة الأدب، فحاصله: أنَّ الابتداء بالمصافحة حينئذٍ على الوجه المشروع مكروه لا المُجابرة، وإن كان قد يقال: فيه نوع معاونة على البدعة، -والله أعلم-. مرقاة المفاتيح (7/ 2963).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
المراد المصافحة من غير تقبيل، ولا التثام. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 510).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وأفهم اقتصاره على المصافحة أنه لا ينحني لصاحبه إذا لَقِيَه، ولا يلتزمه، ولا يُقَبِّلُه، كما يفعله الناس، وقد ورد النهي عن ذلك صريحًا؛ ففي حديث الترمذي عن أنس قال: «قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا، قال: أفَيَلْتَزِمُه ويُقَبِّلُه؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم» قال الترمذي: حسن صحيح. فيض القدير(5/ 499).
قوله: «إلا غُفِر لهما قبل أن يفترقا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«إلَّا» للاستثناء الْمُفَرَّغ لا عمل لها، وجملة «غُفِرَ لهما» خبر المبتدأ. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15-16).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «إلا غُفِر» بالبناء لما لم يُسَمَّ فاعله، ونائب فاعله قوله: «لهما».دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 363).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وقوله: «إلا غُفِر لهما قبل أن يتفرقا»؛ لِمَا عَلِمَه الله من سلامة قلوبهما، وعدم الشحناء فيها؛ ولذا إنه «لا يغفر يوم الخميس والاثنين للمتهاجرين حتى يصطلحا». التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 510).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والظرف في قوله: «قبل أن يتفرقا» متعلِّق بـ(غُفِر)، والتقدير: ليس مسلمان ملتقيان فمتصافحان إلَّا مغفورًا لهما قبل تفرُّقهما بأبدانهما...مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15-16).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «قبل أن يتفرقا» بالأبدان أو بالفراغ عن المصافحة، وهو الأظهر في إرادة المبالغة. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (22/ 15-16).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «قبل أن يتفرقا» الظاهر أنه عبارة عن سرعة وجود المغفرة، فافهم. لمعات التنقيح (8/ 46).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «إلا غُفِر لهما قبل أَن يتفرقا» أي: بالأبدان، وبالفراغ من المصافحة، وهو أظهر في إرادة المبالغة. مرقاة المفاتيح (7/ 2964).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «غُفِر لهما»، زاد أبو داود: «قبل أن يتفرقا»، المراد الصغائر قياسًا على النظائر.
فيندب لكل مسلم إذا لقي مسلمًا وإن لم يعرفه السلام عليه ومصافحته. فيض القدير (1/ 300).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
والذي يُكَفَّر بالأعمال الصالحة صغائر الذنوب المتعلقة بحق الله سبحانه.
«قبل أن يتفرقا» ففيه تأكيد أمر المصافحة، والحث عليها، نعم، يُستثنى من عموم الأمر بالمصافحة: المرأة الأجنبية، والأمْرَد الحسَن. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 363).
وقال الشيخ فيصل بن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: تأكيد أمر المصافحة والحث عليها؛ لإِخبار الصادق -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنه يغفر للمتصافحين في مقامهما. تطريز رياض الصالحين (ص: 530).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
ويُستثنى الأمْرَد الجميل الوجه، فتحرُم مصافحته، ومن به عاهة كالأبرص والأجذم، فتكره مصافحته، كما قاله العبادي. إرشاد الساري (8/ 120).
وقال القسطلاني -رحمه الله- أيضًا:
يُستثنى من ذلك المرأة الأجنبية، والأمْرَد الحسَن. إرشاد الساري (9/ 154).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وينبغي أن يُحْتَرَز عن مصافحة الأمْرَد الحسَن الوجه، فإنَّ النظر إليه حرام، كما بسطنا القول فيه في كتاب النكاح.
قال أصحابنا: كل من حرُم النظر إليه، حرُم مسُّه، بل الْمّس أشدّ، فإنه يَحِلُّ النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوجها، وفي حال البيع والشراء ونحو ذلك، ولا يجوز مَسُّها في شيء من ذلك. شرح المشكاة (10/ 3058).