«إذا أصابَ أحدَكُم همٌّ أو لَأْوَاءٌ، فليقل: اللهُ اللهُ ربي، لا أُشْرِكُ به شيئًا».
رواه الطبراني في الأوسط برقم: (5290) واللفظ له، وابن حبان برقم: (864) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (348)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم:(2755).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«أَصَابَ»:
أي: نزل به. المفاتيح في شرح المصابيح، للمظهري (4/ 208).
«هَمٌّ»:
أي: حُزْنٌ. التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي (1/ 74).
وقيل: الهم: أشد الحزن ومعظمه. الميسر في شرح مصابيح السنة، للتوربشتي (2/ 574).
«لَأْوَاءٌ»:
بفتح، فسكون، فمَدٍّ: شِدَّةٌ، وضيقُ معيشة.التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 74).
شرح الحديث
قوله: «إذا أصابَ أحدَكُم همٌّ أو لأْوَاءٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «إذا أصاب أحدكم همٌّ» أطلق القاموس: إنه الحزن.
وقيل: الهم مختص بالآتي، والحزن بالماضي. فيض القدير (1/ 285).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الهَم: هو الحزن من خوف ما يُتَوَقَّع. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 570).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
الهم: هو الحزن الذي يذيب الإنسان، تقول: همني الشيء، أي: أذابني، وسنام مهموم، أي: مُذاب، قال الراجز:
وأنهم مهموم السنام الوادي
ويقال: أَهَمَّنِي: إذا طرح في قلبه الهم، والمثل: هَمُّكَ ما أَهَمَّك، كما تقول: شغلك ما شغلك.
وعلى هذا الذي ذكرناه: يصح أنْ يُقال: الهم أشد الحزن ومعظمه؛ لاقتران خوف الوقوع به؛ ولأن الشيء المتوقع من المكروه لا يزال يزداد تأثيره حتى يقع، فإذا وقع رجع أمره إلى الانحطاط. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 574).
قوله: «أو لأْوَاءٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
بفتح فسكون فمد: شدة وضيق معيشة. فيض القدير (1/ 285).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أو لأْوَاءٌ» اللأواء: الشّدة، وضيق المعيشة، وهي بلام مفتوحة، وهمزة مفتوحة، وواو مفتوحة، آخره همزة ممدودة. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 570).
قوله: «فليقل: اللهُ اللهُ ربي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فليقل» ندبًا. فيض القدير (1/ 285).
قوله: «اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي »:
قال السندي -رحمه الله-:
الأوَّل مبتدأ، والثَّاني تأكِيدٌ له. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 445).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «اللهُ اللهُ» برفعهما للتأكيد. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 398).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «اللهُ اللهُ» وكرَّره استِلْذذًا بذكره، واستحضارًا لعظمته، وتأكيدًا للتوحيد، فإنه الاسم الجامع لجميع الصفات الجلالية والجمالية والكمالية. فيض القدير (1/ 285).
وقال مجدي بن عبد الوهاب الأحمد:
قوله: «اللهُ اللهُ» تأكيد لفظي؛ وهو منادى، حُذِفَ منه حرف النداء (يا) في اللفظين، وتقدير الكلام: يا الله، يا الله. شرح حصن المسلم (ص: 181).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ربِّي» خبرٌ. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 445).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ربي» أي: المحسن إليَّ بإيجادي من العدم، وتوفيقي لتوحيده، وذكره، والمربي لي بجلائل نعمه، والمالك الحقيقي لشأني كله، ثم أفصح بالتوحيد، وصرح بذكره المجيد، فقال: «لا أُشرِك به شيئًا»، وفي رواية: «لا شريك له». فيض القدير (1/ 285).
قوله: «لا أُشركُ به شيئًا»:
قال السندي -رحمه الله-:
جملةُ: «لا أُشرِكُ» خبرٌ بعد خبرٍ.
ومعنى: «لا أُشْرِكُ بِهِ» أي: في العبادة، أو إثباتِ الألوهيَّة. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 445).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «ربي، لا أُشركُ به» أي: بعبادته «شيئًا» من الخلق، برياء، أو طلب أجر.
فالمراد: الشرك الخفي، أو المراد: لا أُشركُ بسؤاله أحدًا غيره. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 398).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «لا أُشرِك به شيئًا»، وفي رواية: «لا شريك له» أي: في كماله وجلاله وجماله، وما يجب له، وما يستحيل عليه.
والمراد: أنَّ ذلك يفرج الهم والغم والضنك والضيق إنْ صدقت النية، وخَلُصَت الطَّوِيَّة. تتمة: وقع أنَّ عبد الرحمن بن زياد بن أنعم المحدِّث الراحلة -رضي الله تعالى عنه- أسرته الروم في جماعة في البحر، وساروا به إلى قسطنطينية، فرفعوه إلى الطاغية، فبينما هم في حبسه؛ إذ غشيهم عيد، فأقبل عليهم فيه من الحار والبارد، ما يفوق المقدار؛ إذ دخلت امرأة نفيسة على الملك، وأخبرت بحسن صنيعه بالعرب، فمزَّقت ثيابها، ونثرت شعرها، وسوَّدت وجهها، وأقبلت نحوه، فقال: ما لَكِ؟ قالت: إنَّ العرب قتلوا ابني وأخي وزوجي، وتفعل بهم الذي رأيت! فأغضبه، فقال: عليَّ بهم، فصاروا بين يديه مُسْمَطِين، فضرب السَّيَّاف عنق واحدٍ واحدٍ، حتى قرب من عبد الرحمن، فحرك شفتيه، فقال: اللهُ اللهُ ربي، لا أُشركُ به شيئًا، فقال: قدموا شماس العرب -أي: عالمهم-، فقال: ما قلتَ؟ فأعلمه، فقال: من أين علمته؟ فقال: نبينا -صلى الله عليه وسلم- أمرنا به، فقال: وعيسى -عليه الصلاة والسلام- أمرنا بهذا في الإنجيل، فأطلقه، ومن تبعه. فيض القدير (1/ 285).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فليقل: اللهُ اللهُ ربي، لا أُشركُ به شيئًا» لما كان القلب مخلوقًا لمعرفة فاطره وخالقه ومُحْيِيه والإيمان به، والأنس به، والسرور والابتهاج بالإقبال عليه، والرضاء عنه، والتوكل عليه، والحب والبغض فيه، ودوام ذكره، وأنْ يكون أحب إليه من كل شيء سواه، ولا حياة له، ولا نعيم، ولا لذة إلا به، كانت الأحزان والهموم التي هي آلام القلوب إذا فقد هذه الأمور التي هي بمنزلة غِذاه وصحته وحياته- متسارعة إليه من كل صوب، واردة عليه من كل جهة، تثيرها الشرك بالله، والغفلة عنه، والاستهانة بِمَحَابِّه ومراضيه، وترك التفويض إليه، والاعتماد عليه، والشك في وعده ووعيده، فدواء هذا الهم هو إفراغ التوحيد عليه، وغسل دَرَنِ همه وغمه.
وهذه الكلمات الشريفة التي أرشد إليها -صلى الله عليه وسلم- طبيب القلوب، ورسول علام الغيوب، هي الأدوية النافعة، والمراهم القاطعة الناجعة، قد اشتملت على التوحيد، وإثبات الربوبية، والتحقُّق بالعبودية، والتأكيد للكلمة الشريفة، بقلع شجرة الغفلة من أصلها، وتجثيث شجرته الخبيثة من أرض القلب، وتأتي أدوية أخرى في دواء هذا الداء كلها عائدة إلى معنى ما ذكرنا. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 570-571).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والمراد: أنَّ ذا يُفرِّج الهَمِّ والغَمِّ إنْ صدقت النية. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 74).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «اللهُ اللهُ ربي لا أُشركُ به شيئًا» قال المظفري في كتاب الدعاء له: كانت هذه الكلمات آخر كلام عمر بن عبد العزيز عند الموت. التحبير لإيضاح معاني التيسير (4/ 249).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
ولا كمال للقلب إلا في ذكره لخالقه وفاطره وإلهه، فإذا غفل عن ذلك، وثبت عليه جيوش الهموم والغموم والأحزان، وبث الشيطان جنود الوساوس إليه من كل وجهة، فإذا فزع إلى الاستنصار بالتوحيد، والإقرار بالألوهية لمولاه، والعبودية لنفسه، هزم جيش عدوه، وكسر مقانب المقنب: جماعة الخيل والفرسان الأحزان، وهذا شيء تدركه القلوب التي تطمئن بذكر الله التي بَقِيَتْ فيها حياة، لا القلوب الميتة، فإنه ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 222).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
الكروب ترد على النفوس من آثار الذنوب، وأدران الشهوات، فإذا جُلِيَتْ بكلمة التوحيد مع الإخلاص، والإقرار بالإلهية، ونفي الشريك غَسَلَت تلك الأوساخ، وأذهبت تلك الكروب، وأنارت القلب. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 370-371).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فالتوحيد ملجأ الطالبين، ومفزع الهاربين، ونجاة المكروبين، وغياث الملهوفين، وحقيقته: إفراد الرب سبحانه بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل والخضوع. إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/135).
وقال مجدي بن عبد الوهاب الأحمد -حفظه الله-:
وأما الحديث فإنَّ سياقه يدلُّ على أنَّ الذي يدعو مُصاب بكربٍ؛ فيكون تقديره: يا الله، يا الله، فرِّج عني ما بي من الكرب، فأنت ربي، ولا أُشركُ بك شيئًا. شرح حصن المسلم (ص: 181).
وقال العيني -رحمه الله-:
في هذا دليل لاستحباب الدعاء والاستعاذة من هذه الأشياء المذكورة، وما في معناها، وهذا هو الصحيح الذي أجمع عليه العلماء، وأهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار، وذهبت طائفة من الزُّهَّاد، وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلامًا للقضاء.
وقال آخرون منهم: إنْ دعا للمسلمين فحسن، وإن دعا لنفسه فالأولى تركه، وقال آخرون منهم: إن وجد في نفسه باعثًا للدعاء استُحِبَّ وإلا فلا، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسّنّة في الأمر بالدعاء، وفعله، والإخبار عن الأنبياء -عليهم السلام- بفعله. شرح أبي داود (5/ 465).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
فكون المسلم يدعو بهذا الدعاء، فهو يريد التخلص من الشيء الذي يهمه، مثل ما مرَّ في أن من دعا الله بلفظ الجلالة، فقد دعا باسم الله الأعظم، فيكون ذلك من أسباب القبول. شرح سنن أبي داود (182/ 9).