الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا».


رواه البخاري برقم: (6460)، ومسلم برقم: (1055) واللفظ له، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«آلِ مُحَمَّدٍ»:
الأكثرُ: على أنَّهم أهلُ بيته. النهاية، لابن الأثير (1/ 81).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«آل محمد»: زوجاته، ومَن في نفقته، أو هم مؤمنو بني هاشم والمطلب. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 206).

«قُوتًا»:
أي: بقَدْر ما يُمْسِك الرَّمَق من الْمَطْعَم. النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 119).


شرح الحديث


قوله: «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«اللهم اجعل رِزق» بكسر الراء، مصدر بمعنى المفعول، أي: ما ينتفعون به مأكلًا ومشربًا وملبسًا. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين(4/ 450).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «اللهم ارزق آل محمدٍ قُوتًا» هكذا وقع هنا، وفي رواية الأعمش عن عُمَارة عند مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا»، وهو المعتمَد، فإنَّ اللفظ الأول صالح لأَن يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم، وأنْ يكون طلب لهم القوت دائمًا، بخلاف اللفظ الثاني، فإنه يُعيِّن الاحتمال الثاني، وهو الدالُّ على الكفاف. فتح الباري (11/ 293).

قوله: «آلِ مُحَمَّدٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: زوجاته، ومَن في نفقته، أو هُم مؤمنو بني هاشم والمطلب.التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 206).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «آل محمدٍ» أي: ذُرِيَّته وأهل بيته، أو أتباع محمد وأَحبابه على وجه الكمال. مرقاة المفاتيح (8/3233).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«آل محمدٍ» جاء عند بعض رواته زيادة: «في الدنيا» بل قضية كلام (الجامع الصغير) أنه كذلك عند مسلم، ولم أَرَهُ كذلك عند مسلم، إنما الحديث فيه بحذفه.
وقال الثعالبي في تفسير (الجواهر الحسان):
وعندي أنَّ المراد بآل محمد هنا: مُتَّبِعُوه.دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 450).

قوله: «قُوتًا»:
قال النووي -رحمه الله-:
القُوت: ما يَسُدُّ الرَّمَق، وفيه: فضيلة التقلُّل من الدنيا، والاقتصار على القُوت منها، والدعاء بذلك. شرح النووي على مسلم (7/ 146)
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «قُوتًا» قيل: كفايتهم من غير إسراف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى: «كَفافًا». شرح النووي على مسلم (18/ 105).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
القُوت: ما يُمْسِك الرَّمَق، يقال: ما عنده قُوت ليلة، وقِيْتُ ليلة، فكأنه طلب مقدار الكفاية من الرزق؛ لأن فضول الدنيا تُشغل القلب، وتخرج إلى حب الدنيا. كشف المشكل (3/ 477).
وقال الملا علي القاري-رحمه الله-:
أي: ما يُكْسِبُ قُوَّة على الطاعة، ويَسُدُّ رَمَقًا في المعيشة.
وفي رواية: «كَفافًا» بفتح الكاف، وهو من القُوت ما يَكُفُّ الرجل من الجوع، أو عن السؤال، والظاهر: أنَّ هذه الرواية تفسير للأولى، وبيان أنَّ الاكتفاء بأدنى المعيشة هو الطريق الأولى.
وقد استجاب الله دعاءه في حق من شاء ممن أراد اصطفاءه واجتباءه، ويؤيد القول الثاني وهو: أنْ يكون المراد بالآل: خواص أُمّته من أرباب الكمال، ما ورد في دعائه -عليه الصلاة والسلام- على ما رواه ابن ماجه عن عمرو بن غيلان الثقفي، والطبراني عن معاذ بن جبل: «اللهم مَن آمن بي، وصدقني، وعلم أنَّ ما جئتُ به هو الحق من عندك، فأقلل ماله وولده، وحبِّب إليه لقاءك، وعجِّل له القضاء، ومن لم يُؤمن بي، ولم يصدقني، ولم يعلم أنَّ ما جئتُ به الحق من عندك، فأكثر ماله وولده، وأطل عمره»، ولعل السبب في ذلك: ما ورد عنه -صلى الله تعالى عليه وسلم: «قليل يكفيك، خيرٌ من كثيرٍ يطغيك»، وفي رواية: «قليل تُؤَدِّي شكره، خيرٌ من كثيرٍ لا تطيقه»، ونعم ما قال بعض أرباب الحال:
زيادةُ المرءِ في دنياه نقصانُ *** وربحه غير محض الخير خسرانُ. مرقاة المفاتيح (8/3233- 3234).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا» أي: ما يقوتهم ويكفيهم، بحيث لا يُشَوِّشهُم الجَهْد المشقة، ولا تُرهقهم الفاقة، ولا تُذِلُّهُم المسألة والحاجة، ولا يكون أيضًا في ذلك فضول يخرج إلى التَّرف والتبسُّط في الدنيا، والركون إليها. المفهم (3/ 100).
وقال المناوي-رحمه الله-:
بُلْغَة تَسُدُّ رَمَقَهُم، وتُمْسِك قُوَّتَهُم، بحيث لا ترهقهم الفاقة، ولا يكون فيه فضول يفضي إلى ترفُّهٍ وتبسُّطٍ؛ ليَسْلَمُوا من آفات الفقر والغنى. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 206).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
إذا عرفتَ معنى القوت والكَفاف عرفتَ أنهما متَّحِدَان أو قريبان في المعنى، وأنه يُفهم من بعض عباراتهم أنَّ القُوت بمعنى: ما يَسُدُّ الرَّمَق، والكَفاف بمعنى القَدْر المحتاج إليه، ومع ذلك المراد في الحديث هو الكَفاف. لمعات التنقيح (8/ 407).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا» فيه: ما كان -صلَّى الله عليه وسلَّم- من القصد في أموره، والتقلُّل من دنياه، والاقتصاد منها على الحاجة، فدعاؤه -عليه السلام- أنْ يكون رزق آله قُوتًا يُقيم حالهم، ويُصلح أمرهم، ويكفيهم الجَهْد المشقة، وليس فيه فضول تُخشى عليهم فتنتهُ، ويُخاف وباله. إكمال المعلم (3/ 593).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا يدل على زهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا، وعلى تقلُّلِهِ منها، وهو حُجة لمن قال: إنَّ الكَفاف أفضل من الفقر والغنى. المفهم (3/ 100).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «قوتًا» أي: على قدر الحاجة الضرورية، ولا يكون فيه فضل عنها. حاشية السندي على سنن ابن ماجه (2/ 535).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» هذا الدعاء صيانةً لآله من الدنيا، فإنَّ السَّعَة فيها لا تأتي إلا بالطغيان في الغالب، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} الشورى: 27، وقد ظهرت إجابة دعائه في آله منذ أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، والبتول، وما زال مَنْ بعدهم مِنْ صالحي أولادهم كذلك ممن سار سيرتهم، وقد خيَّر الله نبيه -صلى اللّه عليه وسلم- بين أن يكون عبدًا نبيًّا، أو نبيًّا مَلِكًا، فاختار الأول. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 87-88).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
سلك -صلى الله عليه وسلم- طريق الاقتصاد المحمود، فإنَّ كثرة المال تُلهي، وقِلَّتَه تُنْسِي، فما قلَّ منه وكفى، خيرٌ مما كثُر وألهى. شرح المشكاة (10/ 3279).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قد عُلم بهذا الحديث أنَّ القُوت لا بد منه، والأقل منه مذمومٌ عند بعض الناس، والأكثر منه أيضًا مذمومٌ عند بعض الناس.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن ما هو الأصلح للعوامِّ والخواصِّ، فهذا الحديث حديثٌ يدخل فيه جميع الناس؛ لأن القُوت عبارةٌ عما يحتاج إليه الرجل لسد القُوت، بحيث لا إسراف ولا إقتار؛ أي: لا ضرر فيه.
والناس يختلفون في القُوت، فبعضهم اعتاد في الأكل في كل عشرة أيام يومًا، ومنهم من اعتاد فوق ذلك، فإذا بلغ الرجل الوقت الذي كان يعتاد فيه الأكل، وعلم أنه لو لم يأكل فيه للحقه ضرر، فقوتُه ما يدفع عن نفسه الضرر في ذلك الوقت، فإن طلب ذلك الشخص أكثر ممَّا كان يعتاد من القُوت؛ لكان طلبه أكثر من المعتاد إسرافًا في حقه، ولم يكن إسرافًا في حق مَن لم يكن بتلك المنزلة من التوكُّل وذَوْقِ الطاعة.
وكذلك الناس يختلفون في كثرة العيال وقلَّتها، فقوتُ كلِّ أحدٍ يتعلَّق بقَدْرِ عياله.
فالمحمود من المال ما يحصل للرجل به القوةُ على الطاعة، ولا يمنعه الاشتغالُ به من الطاعة، ولا يمنعه الجوع أيضًا من الطاعة. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 279).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنَّ مِن الرزق ما يكون بُلْغَة، ولا يُعْوِز، ولا يَفْضُل؛ لأن الكَفاف ما كان مبلغًا المحل غير قاصر فَيُشْغِل بفضول، أو مُعْوِز فَيُشْغِل في تحصيله...، وقد أجاد أبو الطيب حين يقول:
ذِكْرُ الفتى عمُرُه الثاني وحاجته *** ما فاته، وفضول العيش إشغالُ.
وفيه أيضًا: أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا لآله أنْ يكون رزقهم قُوتًا، فلا يطغون بالإكثار، ولا يحسدهم أهل الدنيا في أرزاقهم، وإذا رآهم الفقير استعمل الرضا، وإذا رآهم الغني استحيا. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 157-158).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
الشارع سَأَلَ رتبةً علياء وهي الكَفاف، فقال: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا»، وفي لفظ: «كَفافًا» أخرجه مسلم، ومعلوم أنه لا يسأل إلا أفضل الأحوال، وأسنى المقامات والأعمال، وقد اتفق الجميع على أنَّ ما أحوج من الفقر مكروه، وما أبطر من الغنى مذموم.
ولابن ماجه عن أنس مرفوعًا: «ما من غني ولا فقير إلا ودَّ يوم القيامة أنه أُوتي من الدنيا قُوتًا»؛ فالكَفاف: حالة وسطى، وخير الأمور أوساطها، وهي حالة سليمة من آفات الغنى المطغي، ومن آفات الفقر الْمُدْقِع التي كان يتعوَّذ منهما. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (19/ 131).
وقال ابن الملقن -رحمه الله- أيضًا:
فإن قلتَ: إنَّ الغنى أفضل؛ لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الأنفال: 60، والخيل: لا يقوم إلا بالغنى.
قيل له: هذه حال ضرورة إلى الغنى في هذه الحال، وإذا دعت الضرورة إلى الغنى في حال يجوز أن يكون الغنى أفضل، كما أنَّ الصلاة على هيئتها هو الغرض الذي لا يجوز غيره، وإذا دعت ضرورة الخوف إلى القصر من هيئتها في تلك الحال لم يجز على الإطلاق؛ إلا أنْ تكون تلك الصلاة في تلك الهيئة من القصر أفضل، بل الصلاة على هيئتها من التمام هو الواجب، فكما لم يغير حال الخوف من جواز قصر الصلاة من فرض تأديتها على هيئتها في غير الخوف، كذلك لا تغير الضرورة إلى الغنى في حال الجهاد أنَّ الفقر أفضل من الغنى
ألا ترى أنه -عليه السلام- كان يجعل ما أفاء الله عليه بعد نفقته في الكُراع الخيل والسلاح، وما يحتاج الجهاد إليه.
فإن قيل: إنما نقاتل العدو بالغنى وهو المال، قيل: ليس كذلك؛ لأن الله تعالى قال: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} إلى قوله: {مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال: 45-46، فقد نفى أنْ يكون المال من صفة القتال. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/466- 467).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا» أي: كَفافًا، كما جاء في الرواية الأخرى، ويعني به: ما يقوت الأبدان، ويَكُفُّ عن الحاجة والفاقة؛ وهذا الحديث حُجة لمن قال: إنَّ الكَفاف أفضل من الغنى والفقر، وقد تقدَّمت هذه المسألة في الزكاة، ووجه التمسُّك بهذا الحديث: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال، وأيضًا: فإنَّ الكَفاف حالة متوسطة بين الغنى والفقر، وقد قال -صلى اللّه عليه وسلم-: «خير الأمور أوساطها»، وأيضًا: فإنَّ هذه الحال سليمة من آفات الغنى، وآفات الفقر الْمُدْقِع، فكانت أفضل منها.
ثم إنَّ حالة صاحب الكَفاف حالة الفقير؛ إذ لا يترفَّه في طيبات الدّنيا، ولا في زهرتها، فكانت حاله إلى الفقر أقرب، فقد حصل له ما حصل للفقير من الثواب على الصبر، وكُفي مرارته وآفاته.
ولا يقال: فقد كانت حالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفقر الشديد الْمُدْقِع، كما دلت عليه أحاديث هذا الباب وغيرها، ألا ترى أنه يطوي الأيام، ولا يشبع يومين متواليين، ويشد على بطنه الحجر من الجوع والحجرين، ولم يكن له سوى ثوب واحد، فإذا غسله انتظره إلى أن يجف، وربما خرج وفيه بقع الماء، ومات ودرعه مرهونة في شعير لأهله، ولم يُخلِّف دينارًا ولا درهمًا، ولا شاةً، ولا بعيرًا، ولا حالة في الفقر أشد من هذه، وعلى هذا: فلم يكن حاله الكَفاف؛ بل الفقر، فلم يجبه الله تعالى في الكَفاف؛ لعلمه بأن الفقر أفضل له.
لأنَّا نقول: إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جُمِعَ له حال الفقر والغنى والكَفاف، فكانت أول أحواله الفقر؛ مبالغة في مجاهدة النفس وخِطَامها عن مألوفات عاداتها، فلما حَصَلَتْ له ملكةٌ ملكها، وتَخَلَّص له خُلاصةٌ سَبَكها، خيَّره الله تعالى في أنْ يجعل له جبال تهامة ذهبًا تسير معه حيث سار، فلم يلتفت إليها، وجاءته فتوحات الدنيا فلم يُعَرِّج عليها، بل صرفها، وانصرف عنها، حتى قال: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخُمْس، والخُمْس مردودٌ فيكم»، وهذه حالة الغني الشاكر، ثم اقتصر من ذلك كله على قَدْر ما يَرُدُّ ضروراته، وضرورات عياله، ويَرُدُّ حاجتهم، فاقتنى أرضه بخيبر، وكان يأخذ منها قُوت عياله، ويدخره لهم سنة، فاندفع عنه الفقر المـُدْقِع الشديد الذي لا يصحبه خير ولا ورع فيوقع صاحبه فيما لا يليق، وحصل الكَفاف الذي دعا به، ثم إنه لما احتضر وقف تلك الأرض على أهله؛ ليدوم لهم ذلك الكَفاف الذي ارتضاه لنفسه، ولتظهر إجابة دعوته حتى في أهله من بعده، وعلى ذلك المنهج نَهَجَ الخلفاء الراشدون على ما تدل عليه سيرهم وأخبارهم.
وعلى هذا: فأهلُ الكَفاف هم صدر كتيبة الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؛ لأنَّهم وسطهم، والوسط: العدل، وليسوا من الأغنياء كما قرَّرناه، فاقتضى ذلك ما ذكرناه، -والله تعالى أعلم-. المفهم (7/130- 132).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا» لا شاهد فيه لترجيح الفقر مع الصبر؛ لأنه لا ينافي الغنى مع الشكر؛ لأن شكر الغني يستلزم أنَّ رزقه كَفاف وقُوت، كما عُلم مما مرَّ في تفسيره، فاندفع بهذا الذي قرَّرته -مع أني لم أرَ مَن سبقني إليه أيضًا- ما للقرطبي وغيره هنا، فتأمَّل ذلك كله، فإنه نفيس. الفتح المبين بشرح الأربعين (ص: 445).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وأعلى الأحوال: الرزق الكَفاف، وفي الصحيح: أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقول: «اللهم اجعل رزق آل محمدٍ كَفافًا»، وفي صحيح ابن حبان والبيهقي: «خير الذِّكْر الخفي، وخير الرزق أو العيش ما يكفي».
وقد فسَّر طائفة من المفسرين قوله تعالى: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} طه: 131، قالوا: المراد: رزق يوم بيوم. شرح سنن أبي داود (7/ 391).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
هذا الحديث.. تنبيه غير آل محمد -صلى الله عليه وسلم- على إيثار القُوت والكفاف، وتثبيتهم على الفقر، وكَفِّ اللسان عن شكاية قلة الرزق والمعاش؛ لأنه إذا أريد بأفاضل الأمة وخيارهم هذا الأمر، فكيف بمن هو مفضول من الشرار (جمع الشرير كالخيار جمع الخَيِّر)؟! مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (25/ 202).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «اللهم ارزق آل محمدٍ قُوتًا» فيه: دليل على فضل الكَفاف، وأخذ البُلْغة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك؛ رغبةً في توفير نعيم الآخرة، وإيثارًا لما يبقى على ما يفنى؛ لتقتدي بذلك أمته، ويرغبوا فيما رغب فيه نبيهم -صلى الله عليه وسلم-. شرح صحيح البخاري (10/ 177).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفي دعاء النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم-: إرشاد لأُمَّتِه كل الإرشاد إلى أنَّ الزيادة على الكفاف لا ينبغي أن يُتْعِبَ الرجل في طلبه؛ لأنه لا خير فيه.
وحُكْم الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؛ فمنهم من يعتاد قلة الأكل حتى إنه يأكل في كل أسبوع مرة، فكفافه وقوته تلك المرة في أسبوع، ومنهم من يعتاد الأكل في كل يوم مرة أو مرتين، فكفافه ذلك أيضًا؛ لأنه إن تركه أَضَرَّهُ ذلك، ولم يقوَ على الطاعة، ومنهم من يكون كثير العيال، فكفافه ما يسد رمق عياله، ومنهم من يَقِلُّ عياله، فلا يحتاج إلى طلب الزيادة، وكثرة الاشتغال.
فإذًا: قَدْرُ الكفاية غير مُقدَّر، ومقداره غير مُعيَّن، إلا أنَّ المحمود ما به القوة على الطاعة، والاشتغال به على قَدْر الحاجة. مرقاة المفاتيح (8/ 3234).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
من فوائده:
- بيان فضل الكَفاف، وأخذ البُلْغَة من الدنيا، والزهد فيما فوق ذلك؛ رغبةً في توفُّر نعيم الآخرة، وإيثارًا لما يبقى على ما يفنى، واقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
- بيان استحباب الدعاء بالكَفاف؛ إذ به تُوجد السلامة من آفات الغنى والفقر جميعًا.
- أنه يدل على زهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا، وعلى تقلُّلِهِ منها، وهو حُجة لمن قال: إنَّ الكَفاف أفضل من الفقر والغنى.
- في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: إرشاد لأمته كل الإرشاد إلى أنَّ الزيادة على الكَفاف لا ينبغي أن يتعب الرجل في طلبه؛ لأنه لا خير فيه.
وحُكْم الكُفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (20/ 102).


ابلاغ عن خطا