الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«يتْبع الميت ثلاثة، ‌فيرجع ‌اثنان، ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله».


رواه البخاري برقم: (6514)، ومسلم برقم: (2960)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «يتْبَع الميت»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«يتْبع الميت» بسكون الفوقية، وفتح الموحدة، ولأبي ذرٍ: «يتَّبِع» بتشديد الفوقية، وكسر الموحدة. إرشاد الساري (9/ 299).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «يتبع الميت» كذا للسرخسي والأكثر، وفي رواية المستملي: «المرء»، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: «المؤمن»، والأول المعتمد، فهو المحفوظ من حديث ابن عيينة، وهو كذلك عند مسلم. فتح الباري (11/ 365).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
«يَتْبَعُ المُوْمِنَ» كذا في أصل الأصيلي، ولأبي زيد: «يَتْبَعُ المَيِّتَ» وهو المعروف، وهي رواية الكافَّة، والأمر عام في كل ميت مؤمن وكافر؛ إنما يُتْبَعُ كلًّا عمله. مطالع الأنوار على صحاح الآثار (1/ 298).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «يتبع الميت» من منزله إلى مدفنه في الغالب. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 384).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «يتبع الميت» فإن قلتَ: التبعية في بعضها حقيقة، وفي بعضها مجاز، فكيف جاز استعمال لفظ واحد فيهما؟
قلتُ: أما عند الشافعية فهو من الجائزات، وأما عند غيرهم فيحمل على عموم المجاز. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (23/ 29).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الكرماني: التبعية في حديث أنس بعضها حقيقة وبعضها مجاز، فيُسْتَفاد منه استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه.
قلتُ: هو في الأصل حقيقة في الحس، ويطرقه المجاز في البعض، وكذا المال، وأما العمل فعلى الحقيقة في الجميع، وهو مجاز بالنسبة إلى التبعية في الحس. فتح الباري (11/ 366).
وقال العيني -رحمه الله-:
قيل: التبعية في بعضها حقيقة، وفي بعضها مجاز، فكيف جاز استعمال لفظ واحد فيهما؟
وأجيب: بأنه يجوز عند الشافعية ذلك، وأما عند غيرهم فيحمل على عموم المجاز. عمدة القاري (23/ 97).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
قوله: «يتبع» بعض التبعيات حقيقة، وبعضها مجاز؛ فإطلاقُ اللفظ عليها جمعٌ بين الحقيقة والمجاز على رأي الشافعية، ومن منعه يجعلُ ذلك من عموم المجاز. اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (16/ 25-26).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «يتبع الميت» تبعه: مشى خلفَه، ومرَّ به فمضى معه، هذا حقيقة، والمراد هنا: معنى مجازي عام، وهو تعلُّقها به بعده، وكونها معه إلى حين، كأنها تمشي خلفه، وتمضي معه. لمعات التنقيح (8/ 409).

قوله: «ثلاثة»:
قال السيوطي -رحمه الله-:
رواه البُخاري ومسلم والترمذي والنسائي بلفظ: «ثلاثة»، وكذا هو في النسخة التي عندي من المسند. عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد (1/ 134).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ثلاثة» أي: من أنواع الأشياء. مرقاة المفاتيح (8/ 3235).
وقال أبو البقاء العكبري -رحمه الله-:
في حديث أنس: «يتبع الميت ثلاث» والوجه أن يُقال: ثلاثة؛ لأن الأشياء المذكورة مذكَّرات كلها؛ ولذلك قال: «يرجع اثنان، ويبقى واحد» فذكَّر، والأشبه أنه من تغيير الرواة من هذا الطريق.
ويحتمل: أنْ يكون الوجه (ثلاث) عُلَق، والواحدة عُلَقة؛ لأن كلًّا من هذه المذكورات عُلقة، ثم إنه ذكَّر بعد ذلك حملًا على اللفظ بعد أن حمل الأول على المعنى، ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} الأحزاب: 31، بتأنيث الأول، وتذكير الثاني. إعراب ما يشكل من ألفاظ الحديث (ص: 32).

قوله: «‌فيرجع ‌اثنان، ويبقى معه واحد»:
قال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فَيَرْجِعُ اثْنانِ» إلى مكانهما، ويتركانه وحده. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 59).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
«وَيَبْقَى وَاحِدٌ» أي: لا ينفكّ عنه. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/60).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
فيرجع الأهل والمال، وينقطع التعلق بينهما وبينه، ويبقى معه متصلًا به العمل. لمعات التنقيح (8/ 409).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«فيرجع اثنان، ويبقى واحد» ذكره مجملًا، ثم مفصلًا؛ ليكون أوقع في النفس، وأقر فيها، فقال: «يرجع أهله» بعد دفنه «وماله» كذلك أو ما يبقى مما هُيىء لِمُؤَن الدفن بعد تمامه، «ويبقى عمله» معه مرتهنًا هو به، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} المدثر: 38. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 384).

قوله: «يتبعه أهله وماله وعمله»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «يتبعه أهلُهُ ومالُهُ وعملهُ» توضيح لقوله: «ثلاثة». البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 60).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «يتبعه أهله» أي: أولاده وأقاربه، وأهل صحبته، ومعرفته. مرقاة المفاتيح (8/ 3235).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «يتبعه أهله وماله» متابعة الأهل على الحقيقة. شرح المشكاة (10/ 3280).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وماله» كالعبيد والإماء والدابة والخيمة، ونحوها. مرقاة المفاتيح (8/ 3235).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «أهله وماله» أي: الذي كان ماله قبل موته، أي: بعضه كعبيده، وما يصحب مع أهله لنفقة على مُؤَن دفنه. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 384).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال الداودي: المراد بالمال: ما يُلقى عليه من سريره، وما يلبسه أهله، وما يخرج وراءه من رقيقه. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 611).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وأما متابعة المال والعمل فعلى الاتساع؛ فإن المال حينئذٍ له نوع تعلُّق بالميت، من التجهيز والتكفين ومؤنة الغسل والحمل والدفن، فإذا دُفِنَ انقطع تعلُّقه بالكلية. شرح المشكاة (10/ 3280).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «يتبعه أهله وماله وعمله» هذا يقع في الأغلب، ورُبَّ ميت لا يتبعه إلا عمله فقط، والمراد: من يتبع جنازته من أهله ورفقته ودوابِّه على ما جرت به عادة العرب، وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا، سواء أقاموا بعد الدفن أم لا. فتح الباري (11/ 365).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
قوله: «أهله وماله» على الغالب، وإلا قد يكون معدوم المال، ولا أهل له، وأهله: إخوانه، أبوه، وماله: الأدوات التي يُحْفَرُ بها قبره، وما يكون على كفنه من طُرَّاحة ... إلخ. الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (4/ 259).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«وماله» أي: عبيدهِ وخدمه المماليك له، وهذا يُمثِّلُ الرّجل الغني الذي له عبيد وخدم مماليك، يتبعونه.شرح رياض الصالحين(2/98)
وقال فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
الغالب أنَّ المرء إذا مات تبعه أهله، وما احتيج إليه من ماله في تجهيزه، وإذا دفن رجعوا، ودخل عمله معه في قبره، كما في حديث البراء: «ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أَبْشِرْ بالذي يَسُرُّك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح» الحديث. تطريز رياض الصالحين (ص: 313).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
إذا مات الإنسان تَبِعَه الْمُشَيِّعون له؛ فيتبعه أهله يُشَيِّعُونه إلى المقبرة، وما أعجب الحياة الدنيا! وما أخسّها! وما أدناها! يتولَّى دفنك من أنت أحب الناس إليه، يدفنوك، ويبعدونك عنهم، ولو أنهم أُعْطُوا أجرة على أن تبقى جسدًا بينهم ما رضوا بذلك، فأقرب الناس إليك، ومن أنت أحب الناس إليهم؛ هم الذين يتولون دفنك؛ يتبعونك، ويُشَيِّعونك.
ويتبعه ماله: أي عبيده وخدمه المماليك له، وهذا يمثل الرجل الغَني الذي له عبيد وخدم مماليك، يتبعونه، ويتبعه عمله معه، فيرجع اثنان، ويدعونه وحده، ولكن يبقى معه عمله، -نسأل الله أن يجعل عملنا وإياكم صالحًا-؛ فيبقى عمله عنده أنيسه في قبره ينفرد به إلى يوم القيامة. شرح رياض الصالحين (2/98).
قال ابن علان -رحمه الله-:
«وعمله» أي: جميع ما عمله في الدنيا، كما يُومئ إليه إضافة المفرد.
ويُحتمل: أن يُراد ما عمله مما يتعلَّق به جزاء، دون ما كُفِّر لنحو توبة، أو عمل صالح، أو فضل إلهي، فيكون عامًّا أُريد به خاص. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (4/ 384).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
والمراد من العمل: ثواب العمل، وقيل: بل يجعل الله عمله في صورة أجمل إنسان يُؤنسه في قبره، أو ينور أرض قبره، رواه الإمام أحمد وغيره، والتبعية لا تستدعي الإرادة حتى يقال: كيف يتبع العمل؟ قال تعالى: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} القصص: 42. الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (10/ 183).

قوله: «فيرجع أهله وماله»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«فيرجع أهله وماله» إذا انقضى أمر الحزن عليه، سواء أقاموا بعد الدفن أم لا. إرشاد الساري (9/ 299).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيرجع أهله وماله» أي: كما تشاهد حاله ومآله. مرقاة المفاتيح (8/ 3235).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قوله: «فرجع عنه» الذي أرى فيه أنه من رجوع الخذلان، كما يقال: رجع فلان عن فلان أي: خذله، فالمعنى: أنه خذله أهله وماله، ولا يخذله عَمله. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 124-125).

قوله: «ويبقى عمله»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ويبقى» أي: معه «عمله» أي: ما يترتب عليه من ثواب وعقاب؛ ولذا قيل: القبر صندوق العمل، وفي الحديث: «القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران» متفق عليه. مرقاة المفاتيح (8/ 3235).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
معنى: «ويبقى عمله» يدخل معه القبر، فإن كان سعيدًا مُثِّل له أحسن صورة، فيُؤْنِسه ويُبَشِّره ما كان روحه معه في قبره، فيقول: من أنت يرحمك الله؟ فيقول: عملك، وإن كان سيئًا مُثِّل له في أقبح صورة، فيقول له: من أنت؟ فيقول: عملك، ويصحبه كذلك حَتَّى يُحشر. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 611).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
معنى بقاء عمله: أنه يدخل معه القبر. فتح الباري (11/ 365).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
أي: يبقى مع الميت أحد الثلاثة التي تَبِعَتْه، وهو عَمَلُه الذي عَمِلَه، فينبغي الاهتمام بصلاحه، لا بصلاح الاثنين الباقيين، إلا فيما يتعلّق بأمور الآخرة، كتعليم أهله دينهم، والقيام بماله؛ لينفقه في سبيل اللَّه تعالى. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (19/ 131).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
المال يرجع عن صاحبه أولًا، ولا يدخل معه قبره، ورجوعه كناية عن عدم مصاحبته له في قبره، ودخوله معه.
وقد فسر بعضهم المال الراجع: بمن يتبعه من رقيقه، ثم يرجعون مع الأهل، فلا ينتفع الميت بشيء من ماله بعد موته، إلا ما كان قدّمه بين يديه، فإنه يقدم عليه وهو داخل في عمله الذي يصحبه في قبره، وأما ما خلَّفه وتركه فهو لورثته لا له، وإنما كان خازنًا لورثته. شرح حديث يتبع الميت ثلاث(ص: 6).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
معنى هذا الحديث: أنه يتبع الميت ثلاث صور من صور الأحوال فيما أرى، ومعناها: أنَّ الإنسان إذا مات تبعه في زوال الحال أهله، وقد ينصرف هذا إلى الزوجة، وقد تكون هي وغيرها، فإن موسى -عليه السلام- لم يكن معه إلا ابنة شعيب {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} طه: 10، وإنما الذي رأيتُ في قول موسى -عليه السلام- لأهله: {امْكُثُوا} أنه خاطبها بخطاب الجماعة، ولم يقل: امكثي؛ ليكون ذكر الجمع أقرب إلى الخفاء؛ لأنه لو قال: امكثي لتعينت للسامع، وخرجت من شياع الجمع إلى انفراد الوحدة.
وكذلك المال، فإنه ينتقل بموته إلى الوارث، والعمل ينتقل عن استمراره إلى الانقطاع. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 124-125).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وفي الحديث: الحثّ على تحسين العمل؛ ليكون أنيسه في قبره. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 322).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
من فوائده:
- بيان أن العمل يدخل القبر مع الإنسان، فينتفع به إن كان صالحًا، ويتضرّر به إن كان غير صالح...
- التنبيه على الاهتمام بإصلاح العمل، حيث إنه لا يفارق عامله في دار البقاء.
- أن مما يجب على العاقل عدمَ الاشتغال بالأهل والمال عن الأعمال الصالحات، إلا فيما له تعلّق بالآخرة، كتعليم أهله دينهم، وتوجيههم إلى الخير، والقيام بماله ليصل به رَحِمَه، ويواسي به الفقراء والمحتاجين، وينفقه في سبيل الله تعالى، فإن هذا يُعِدّ من أعماله الصالحات التي تدخل معه القبر، وينتفع بها، وما عدا ذلك فهو فتنة، وقد حذّر الله تعالى منها. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (45/ 61).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: دليل على أنَّ الدنيا تزول، وكل زينة الحياة الدنيا ترجع، ولا تبقى معك في قبرك، المال والبنون زينة الحياة الدنيا ترجع، من الذي يبقى؟ العمل فقط، فعليك يا أخي أن تحرص على مراعاة هذا الصاحب الذي يبقى، ولا ينصرف مع من ينصرف، وعليك أن تجتهد حتى يكون عملك عملًا صالحًا يُؤْنِسُك في قبرك إذا انفردت به عن الأحباب والأهل والأولاد. شرح رياض الصالحين (2/98- 99).


ابلاغ عن خطا