«يُبْعَثُ كُلُّ عبدٍ على ما ماتَ عليه».
رواه مسلم برقم: (2878)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
ورواه أحمد برقم: (14373) ولفظه : «مَن ماتَ على شيءٍ، بعَثَهُ اللهُ عليه».
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«يُبْعَثُ»:
أي: يُحشر يوم القيامة. مرقاة المفاتيح، للقاري (8/ 3350).
شرح الحديث
قوله: «يُبْعَثُ كُلُّ عبدٍ»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«يُبْعَثُ» بالبناء للمفعول. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 346).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «يُبْعَثُ كلُّ عبدٍ» أي: يُحشَر يومَ القيامة. شرح المصابيح (5/ 454).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «كُلّ عبدٍ» والمراد منه: المكلَّف ولو حرًّا وامرأة. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 346).
قوله: «على ما ماتَ عليه»:
قال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: معناه: يُبعث على الحالة التي مات عليها، ومثله الحديث الآخر بعده: «ثم بُعِثُوا على نِيَّاتهم».شرح النووي على مسلم (17/ 210).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «على ما مات عليه» أي: من العمل خيرًا كان، أو شرًا، فيجازى به، رواه مسلم، وكذا ابن ماجه، وفي رواية أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا: «يُبعث الناس على نياتهم». مرقاة المفاتيح (8/ 3350).
وقال البغوي -رحمه الله-:
قوله: «على ما مات عليه» المؤمن على إيمانه، والكافر على كُفرهِ. شرح السنة (14/ 402).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «على ما مات عليه» من الكفر والإيمان، والطاعة والمعصية، والذِّكر والغفلة، فالْمُعْتبر هو الخاتمة. لمعات التنقيح (8/ 548)
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «على ما مات عليه» من خير وشر؛ ولذا قال -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن الجهاد: «إن قُتِلْتَ صابرًا محتسبًا بُعِثْتَ صابرًا محتسبًا، وإن قُتِلْتَ مُرائيًا مكابرًا بُعِثْتَ مُرائيًا ومكابرًا». التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 194).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«على ما مات عليه» أي: على الحالة التي مات عليها من خير وشر، ومنه أخذ المؤلف (السيوطي) أنَّ الزَّامِر يأتي يوم القيامة بمزماره، والسكران بِقَدَحِهِ، والمؤذن يؤذن. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 507).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«على ما مات عليه»:
قال الهروي: وليس قول من ذهب به إلى الأكفان بشيء؛ لأن الإنسان إنما يكفن بعد الموت، ثم هذا الحديث يُوضِّحه حديث أبي داود عن ابن عمر وقيل: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد والغزو، قال: «إن قُتِلْتَ صابرًا محتسبًا بُعِثْتَ صابرًا محتسبًا، وإن قُتِلْتَ مُرائيًا مُكاثرًا بُعِثْتَ مُرائيًا مُكاثرًا على أي حال قَاتَلْتَ أو قُتِلْتَ بعثك الله بتلك الحال».
وفي حديث أبي هريرة عن أنس مرفوعًا: «من مات سكرانًا فإنه يُعَايِنُ ملك الموت سكرانًا، ويُعَايِنُ منكرًا ونكيرًا سكرانًا، ويبعث يوم القيامة سكرانًا إلى خندق في وسط جهنم، يُسمّى السكران». فيض القدير (6/ 457).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
ولذلك قال بعض الصحابة: يُحشر الناس يوم القيامة على مثل هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء، ومن وجود النعيم بها، واللذة، وغير ذلك. فيض القدير (6/ 225).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«على ما مات عليه» زاد في رواية ابن حبّان: «المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه» والمعنى: أنَّ العبد يبعثه الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة على الحال التي مات عليها، من خير، أو شرّ. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (44/ 163).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
قوله: «على ما مات عليه» وهذا عامٌّ في كل صورةٍ ومعنى. العدة في شرح العمدة (2/ 775).
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
إلا ما عفا الله عنه من السيئات، وسَمَحَ فيه لأهل الإيمان من التَّبِعَات. إكمال المعلم (8/ 62).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
اعلم أنَّ الإنسان قد يبقى زمانًا على الكفر، ثم ينتقل إلى الإيمان، أو على المعاصي، ثم ينتقل إلى الطاعة.
وقد يكون على الإيمان والطاعة فينتقل إلى الكفر والمعاصي، فالأحوال تتغير وتتقلب في الدنيا، والعمل على الخواتيم، فإذا مات الإنسان على حالةٍ فقد خُتِمَ له بها، فعليها يُبْعَثُ. كشف المشكل (3/ 112).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وهذا يقتضي أنَّ كل من مات على عبادة حُشِرَ وأَثَرُ تلك العبادة عليه، وقد روي عن سفيان أنه توضأ ليلة موته ستين مرة؛ ليموت طاهرًا. الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 57).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
ففيه تحريض للإنسان على حسن العمل، وملازمة السنن المحمدي في سائر الأحوال، والإخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال؛ ليموت على تلك الحالة الحميدة، فيُبْعَث كذلك.
وفي ختم المصنف (الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين) هذا الباب بهذا الحديث كمال الحسن، فإنه محرّض على تحسين العمل، والازدياد من الطاعات في سائر الأوقات؛ لاحتمالها للموت، وفي أواخر العمر، وسنّ الكبر، وحال المرض أولى.
فالحديث المذكور واسطة العقد، وختامه مسك، رواه مسلم، ورواه ابن ماجه. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/346- 347).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: تحريضٌ للإِنسان على حسن العمل، وملازمة الهَدْي المحمدي في سائر الأحوال، والإِخلاص لله تعالى في الأقوال والأعمال؛ ليموت على تلك الحالة الحميدة، فيُبْعَثُ كذلك، -وبالله التوفيق-. تطريز رياض الصالحين (ص: 101).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هل يُؤخذ من هذا الحديث (أي: حديث الرجل الذي وقصته ناقته فمات فإنه يبعث ملبيًا) قاعدة: أنَّ من مات على شيء بعث عليه؟
يقول العلماء: إنه لا يمكن أن نستدل بالأخص على الأعم، ويمكن أن نستدل بالأعم على الأخص؛ لأن استدلالنا بالأعم على الأخص استدلال العموم على بعض أفراده، لكن استدلالنا بالأخص على الأعم معناه: أننا زدنا على النص. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (2/ 519).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فإنَّ هذا الحديث (الرجل الذي وقصته ناقته فإنه يُبعث ملبيًا) موافق لأصول الشرع، والحكمة التي رُتِّب عليها المعاد، فإن العبد يُبعث على ما مات عليه، ومن مات على حالة بُعث عليها، فلو لم يرد هذا الحديث لكانت أصول الشرع شاهدة به. -والله أعلم-. زاد المعاد (2/ 220).