الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شجرَةٍ على ظَهْرِ طريقٍ، فقال: واللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمينَ؛ لا يُؤْذِيهِمْ، فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ».


رواه البخاري برقم: (652)، ومسلم برقم: (1914) واللفظ له، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«غُصْن»:
بضم المعجمة مُفرَد، والجمع غُصُونٌ وأغْصَانٌ، وهي أطراف الشجر ما دامت فيها ثابتة. النهاية لابن الأثير (3/ 370).

«ظَهْرِ طريقٍ»:
أي: ظاهِرِه، لا في جَنْبَيْهِ. مرقاة المفاتيح، للمظهري (4/ 1340).

«لَأُنَحِّيَنَّ»:
بتشديد الحاء، أي: لأُبْعِدَنَّ. مرقاة المفاتيح (4/ 1340).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لأُنَحِّيَنَّ» من التَّنْحِيَة: الإزالة، أي: لأُزِيْلَنّ هذا، أي: الْمُضِرّ. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 368).


شرح الحديث


قوله: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شجرَةٍ على ظَهْرِ طريقٍ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌مرَّ رَجُلٌ» من المسلمين، «‌بغُصْنِ» أي بفَرْعِ «‌شجرة» نبَتَتْ. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 449).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وقال: «‌غُصْن شجرة» ولم يقل: «‌بغصن (فقط)»؛ ليُشعر بأنه لم يكن مقطوعًا عنها. شرح المشكاة (5/ 1549).
وقال الطيبي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «‌على ظهر طريق» أي: على ظاهِرِه وفَوْقِه. شرح المشكاة (5/ 1549).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «‌على ظَهْرِ طريق» أي: في هَواءِ طريق. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 449).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «على ظهر طريق» أي: على صُلْبهِ ووسطه، لا في طَرَفِه وحاشِيَتِه، وكانت الشجرة شجرة شوك. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 111).

قوله: «فقال: واللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمينَ؛ لا يُؤْذِيهِمْ»:
قال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «لأُنَحِّيَنَّ» مِن التَّنْحِيَة، أي: أُبْعِدَه، وأجْعَلَه على ناحية من الطريق، وجانبه منها. لمعات التنقيح (4/ 357).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «لأُنَحِّيَنَّ» ولم يقل: لأَقْطَعَن؛ ليُؤْذِن بأن الشجرة كانت ملْكًا للغير، أو كانت مُثمِرة. شرح المشكاة (5/ 1550).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «‌هذا عن المسلمين» عن طريقهم. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 549).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌هذا» الغُصْنَ «‌عن» هواء طريق «‌المسلمين» ومَمَرِّهم؛ كي «‌لا يُؤْذِيهم» هذا الغصن في مرُورِهم، فأزَالَهُ عن طريقهم...الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 449).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «‌لا يُؤْذِيَهُم» بالرفع، على أنه استئناف، فيه معنى التعليل، أي: لكيلا يُؤْذِيَهُم. مرقاة المفاتيح (4/ 1340).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «لا يُؤْذِيهِم» أي: إرادة أن لا يؤْذِيهم. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 368).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «‌لئلا يؤْذِيهِم» ببقائه. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 549).

قوله: «فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌فأُدْخِل» ماضٍ مجهول «‌الجنةَ» بالنصب على أنه مفعول ثانٍ، أي: فنَحَّاه، فأُدْخِل الجنة، كذا قدَّره بعضهم. مرقاة المفاتيح (4/ 1340).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «‌فَأُدخِل الجنة» يمكن أنْ يَدخُل هذا الرَّجل الجنة بالنية الصالحة، وإن لم يُنَحِّه، ويمكن أنْ يكون قد نحَّاه.
فالفاء على الوجه الأول سببية، والسبب مذكور، وعلى الثاني فصيحة تدل على محذوف هو سبب لما بعد الفاء، والتقدير: أُقْسِمُ بالله أنْ أُبْعِدَ الغصن من طريق المارَّة، فأبرَّ قسَمَه حتى سهَّل للمارَّة العبور، فَقُبِلَ منه وأُدْخِلَ الجنة. شرح المشكاة (5/ 1549).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «‌فَأُدخِل الجنة» بسبب فعْله ذلك أُدْخِل الجنة، أي: شَكَرَ الله له رأْفَتَه ورحمته بالمسلمين، فأَدْخله الجنة...
وفيه: الحث على نفع المسلمين، والرحمة لهم، والسعي في دفع المضرَّة عنهم، وأنه مِن أعظم ما يُريد الله لعباده، فيا خيبة مَن جَلَبَ عليهم كل بلاء، وأنزل بهم كل مشقة، وحمَّلَهم كل كلفة. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 549-550).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «‌فأُدخل الجنة» بالبناء للمفعول، وظاهر هذا الخبر دخوله الجنة بمجرد نيَّته للفعل الجميل.
ويحتمل: أنه فعَل ذلك، وترَكَ ذِكْره الراوي إما سهوًا، وإما لأمر آخر. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (2/ 368).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
في الرواية الأخرى: «‌فأُدْخل الجنة» وكل ذلك إنما حصل لذلك الرَّجُل بحسن نيَّته في تنْحِيَتِه الأذى، ألا ترى قوله: «‌والله لأُنَحِّيَنَّ هذا عن المسلمين؛ لا يُؤذِيهِم». المفهم (6/ 603).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-
ليس بِرفْع الغصن نَالَ المغفرة فيما نعْلَمُه، ولكن بتلك الرَّحمة التي عَمَّ بها المسلمين، فشَكَر الله له عَطْفَه، ورَأْفَتَه بهم. نوادر الأصول في أحاديث الرسول (1/ 183).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ذكر مسلمٌ الأحاديث في الثواب على إماطة الأذى، وإزالته عن الطريق، كمَن قطَعَ شجرة كانت تُؤْذِي، وإزالة غُصْن شوك، وقد جاء في الحديث الآخر: أنه من شُعَب الإيمان.
فكل ما أَدْخَل نفْعًا على المسلمين، أو أزالَ عنهم ضررًا، فهو منه؛ لكونه كله من النصيحة الواجبة على المسلمين بعضهم لبعض، التي بايع عليها النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- أصحابه من النصح لكل مسلم، بنُصْحِه في حضْرَته وغَيْبَتِه بكل قول وفعل يعود عليه بمنفعة لدِينه ودنياه. إكمال المعلم (8/ 97).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وفيه: أنَّ الشجرة إذا كانت تُؤْذي عموم الناس في طُرُقهم فإنها تُقطع وإن كانت ملْكًا لواحد منهم من غير إذْنه، إلا أنَّ هذا يُبنى على أنَّ الشجرة تكون قد أُحْدِثت بعد الطريق المسلوك فيها؛ لأنه لم يذكر في هذا الحديث أنها كانت غير مملوكة، بل أطلق، فأُدخل في الإطلاق ما يملكه الآدميون، وما لا يملكونه. الإفصاح عن معاني الصحاح (8/59- 60).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق، سواء كان الأذى شجرة تُؤذي، أو غصنَ شوك، أو حجرًا يُعْثَرُ به، أو قذرًا، أو جيفة، وغير ذلك، وإماطة الأذى عن الطريق من شُعَب الإيمان. شرح النووي على مسلم (16/ 171).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
إماطة الأذى عن الطريق وهو أقل درجات الأعمال، ومع ذلك فأعْظِم بها من صدقة، فقد غَفَرَ الله لمن جَزَّ غُصْنَ شَوْكٍ عن الطريق. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 600).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإذا كان الله -عز وجل- يشْكُر عَبدَه ويغْفُر له على إِزَالَة غُصْن شوك من الطَّرِيق، فلا يدْرِي ما له من الفضل والثَّوَاب إذا فعَل ما فوق ذلك. عمدة القاري (5/ 172).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الْمُهَلَّبُ: إماطة الأذى، وكل ما يؤذي الناس في الطُّرُق مأجور عليه، وفيه: أنَّ قليل الأجر قد يَغْفِر الله به كثير الذنوب.
وفيه: دليل أنَّ طَرْح الشوك في الطريق والحجارة والكُنَاسَة والمياه المفسِدة للطُّرق، وكل ما يؤذي الناس تُخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة. شرح صحيح البخاري (6/ 600).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
وفي الحديث: فضل إماطة ما يؤذي الناس عن طريقهم.
وفيه: أنَّ قليل الخير يحصل به كثير الأجر.
وفيه: التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين، وأزال عنهم ضررًا.
وقد أخرجه في الأدب، وأخرجه البخاري في المظالم في باب مَن أخَذَ الغُصن وما يُؤذي الناس في الطريق فرمى به، بلفظ: «‌بينما رَجُلٌ يمشي بطريقٍ وَجَدَ غصنَ شوكٍ على الطريق، فأَخَّرَهُ، فشَكَرَ الله له، فغَفَر له»، قال ابن المنير: وإنما ترجم به لئلا يتخيَّل إن الرَّمي بالغصن وغيره ما يؤذي تصرُّفٌ في ملْك الغير بغير إذنه، فيُمتَنع، فأراد أنْ يُبيِّن أنَّ ذلك لا يمتنع؛ لما فيه من النَّدب إليه. مرعاة المفاتيح (6/ 340).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: فضيلة كل ما نفَع المسلمين وأزال عنهم ضررًا، وأنَّ ذلك سببٌ للمغفرة، ودخول الجنة. تطريز رياض الصالحين (ص: 107).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-
فيه فضيلة إزالة الأذى عن الطريق، وأنه سبب لدخول الجنة.
وفيه أيضًا: دليل على أنَّ الجنة موجودة الآن؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى هذا الرَّجُل يتقلَّب فيها، وهذا أمرٌ دلَّ عليه الكتاب والسنة، وأجمَع عليه أهلُ السُّنة والجماعة؛ أنَّ الجنة موجودة الآن؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آل عمران: 133، (أُعِدَّتْ): يعني هُيِّئَتْ، وهذا دليل على أنها موجودة الآن، كما أنَّ النار أيضًا موجودة الآن، ولا تَفْنَيان أبدًا، خلَقَهما الله -عزّ وجلّ- للبقاء، لا فناء لهما، ومَن دَخَلهما لا يفنى أيضًا، فمن كان من أهل الجنة بقي فيها خالدًا مخلَّدًا فيها أبد الآبدين، ومن كان مِن أهل النار من الكفار دخَلَها خالدًا مخلَّدًا فيها أبدَ الآبدين.
وهذا الحديث: دليل على أن مَن أَزال عن المسلمين الأذى فله هذا الثواب العظيم في أمر حسيٍّ، فكيف بالأمر المعنوي؟!
هناك بعض الناس -والعياذ بالله- أهل شَرٍّ وبلاء، وأفكار خبيثة، وأخلاق سيئة، يصدُّون الناس عن دِين الله، فإِزالة هؤلاء عن طريق المسلمين أفضل بكثير، وأعظم أجرًا عند الله.
فإذا أُزِيل أذى هؤلاء، إذا كانوا أصحاب أفكار خبيثة سيئة إلْحَادِية، يُرَدُّ عليها، وتَبْطُل أفكارهم. شرح رياض الصالحين (2/ 175-176).


ابلاغ عن خطا