الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ الله تعالى إذا أَنعَم على عبدٍ نِعمةً يُحِبُّ أن يَرى أثر النِّعمة عليه، ويَكره الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ، ويُبغض السائل الْمُلحِف، ويُحِبُّ الحَيِي العفيف الْمُتَعَفِّفَ».


رواه البيهقي في شُعب الإيمان برقم: (5791) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1711)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1320).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌الْبُؤْس»:‌
الشَّقَاء، وَسُوء الْعَيْش. تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (ص: 267).
وقال المناوي -رحمه الله-:
هو شِدَّة الحال والفاقة. فيض القدير (2/ 202).

«التَّبَاؤُسَ»:
إظهار الفقر والفاقة والمسألة. التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/ 250).

«الْمُلحِف»:
يقال: أَلْحَفَ في المسألة إذا أَلَحَّ فيها. التنوير شرح الجامع الصغير للصنعاني (3/ 259).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«الْمُلحِف» الْمُلِحّ الملازم، قيل: وهو مَنْ عنده غداء ويسأل عشاء. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 267).

«الحَيِي»:
رجلٌ حَيِيٌّ: ذو حياءٍ، بوزن فعيلٍ، والأنثى بالهاء. لسان العرب (14/ 218).

«العفيف»:
أي: الْمُنْكَف عن الحرام وسؤال الناس. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 243).

«الْمُتَعَفِّفَ»:
الْمُتكلِّف العفَّة، وهي كفُّ ما ينبسط للشهوة من الآدمي إلا بِحَقِّه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 243).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ الله تعالى إذا أَنعَم على عبد نِعمة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إنَّ الله إذا أَنعَم على عبد نعمة» وهي كل ملائم تُحْمَدُ عاقبته.فيض القدير(2/ 202).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إنَّ الله إذا أنعم على عبد نعمة» في ماله وحاله. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).

قوله: «يُحِبُّ أن يَرى أثر النّعمة عليه»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «يُحِبُّ أن يُرى» مُغيّر صيغة، يرى الناس «أثر النعمة عليه»، وفي رواية: «في مأكله وملبسه». التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يُحِبُّ أن يرى أثر النعمة عليه» أي: أثر الْجِدَة من فيض النّعم عليه؛ زيًّا وإنفاقًا وشُكرًا لله تعالى، فهو تارة يكون بالقال، وتارة يكون بالحال، وتارة يكون بالفعال. فيض القدير (2/ 225).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«يُحِبُّ أن يرى أثر النعمة عليه»؛ لأنه إنما أعطى عبده ما أعطاه لِيُبْرِزَه إلى جوارحه؛ ليكون مُهابًا بها، مُكرمًا، فإذا منعه فقد ظلم نفسه، وضيَّعها.فيض القدير(2/ 202).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه (أي: الحديث): أنه يندب لذي النعمة إظهار أثرها في طعامه ولباسه؛ إذ دلالة كونه تعالى يحب الشيء على نَدْبِيَّتِه أقل ما يكون. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفيه: دليل أن المراد بمحبَّته الجمال: محبته لإظهار العباد نعمهم. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 295).

قوله: «ويَكره الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ»
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ويَكره الْبُؤْسَ» هو من بئس كسمع: إذا اشتدت حاجته، «وَالتَّبَاؤُسَ» هو إظهار الحاجة والتفاقر. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«البؤس» أي: لا يحب إظهار الحاجة.
«ولا التباؤس» تكلُّف إظهار الفاقة برثاثة الملبس، وانكسار النفس، بل يحب تعالى العفيف الْمُتعفف، كما يأتي، وفي كلام النهج نهج البلاغة: العفاف زينة الفقر، والكبر زينة الغنى.
وظاهره: أنه لا يحب ذلك من غني ولا فقير. التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 484).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«التباؤس» أي: إظهار التَّمَسْكُن والتَّخَلْقُن والشِّكاية؛ لأن ذلك يؤدي لاحتقار الناس له، وازدرائهم إياه، وشماتة أعدائه.
فأما إظهار العجز فيما بينه وبين ربه بلا كراهة لقضائه، ولا تَضَجُّر، فمطلوب. فيض القدير (1/ 235).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ويبغض البُؤْسَ والتَّبَاؤُس» ومن آثار جمال أفعاله تقدَّس: الرضا من عباده باليسير من الشكر، وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل المدخول، ويجعل الحسنة عشرًا، ويزيد من شاء ما شاء، ويعفو عن السيئات، ويستر الزلَّات، فعلى عباده أن يتجمَّلوا معه في إظهار نعمته عليهم، المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره، والطلب ممن سواه، وتجنب أضداد ذلك من إظهار البُؤْس والفاقة.
فإن قلتَ: ينافي هذا الحديث ما سبق من الأمر بلبس الخشن من الثياب.
قلتُ: قد يقال: إنَّ ذلك يختلف باختلاف الأحوال، ولكل مقام مقال، وقد كان جعفر الصادق -رضي الله عنه- يلبس الْجُبَّة على بدنه، ويلبس الثياب الفاخرة فوقها، فقال له بعض من اطلع على حاله في ذلك، فقال: نلبس الْجُبَّة لله، والخَزَّ لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه. فيض القدير (2/ 225).

قوله: «ويُبغض السائل الْمُلحِف»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«الْمُلحِف» أي: الْمُلِحّ الملازم أخذًا، من اللِّحاف الذي يشتمل به الإنسان، ويتغطى به؛ للزومه ما يُغَطِّيه، ومنه: لاحَفَهُ، أي: لازمه.
قال الحرالي: هو لزوم ومدافعة في الشيء، من حروف الحلق، الذي هو انتهاء الخبر إلى الغاية، كذلك اللحف هو انتهاء السؤال إلى الغاية. انتهى.
وفي الفردوس (للديلمي): قيل: المراد هنا بالْمُلْحِف مَن عنده غداء وهو يسأل العشاء.
وقد ذم الله تعالى السائل إلحافًا في ضمن ثنائه على ضده بقوله: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} البقرة: 273. فيض القدير (2/ 283).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
إنما نهى عن الإلحاح لما يؤدي إليه من الإبرام، واستثقال السائل، وإخجال المسؤول، حتى أنه إن أخرج شيئًا أخرجه عن غير طيب نفس، بل عن كراهة وتبرُّم، وما استُخْرِج كذلك لم يُبَارَك فيه؛ لأنه مأخوذ على غير وجهه. المفهم (9/ 51).
وقال النووي -رحمه الله-:
اتفق العلماء عليه -أي: النهي عن السؤال- إذا لم تكن ضرورة، واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين:
أصحهما: أنها حرام؛ لظاهر الأحاديث.
والثاني: حلال مع الكراهة، بثلاث شروط: أن لا يُذِلَّ نفسه، ولا يُلِحَّ في السؤال، ولا يؤذي المسؤول، فإن فقد أحد هذه الشروط، فهي حرام بالاتفاق، -والله أعلم-. شرح النووي على مسلم (7/ 127).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
الناس يختلفون في هذا المعنى، فمنهم من يصبر عن السؤال عند الحاجة ويتعفف، ويدافع حاله، وينتظر الفرج من الله تعالى، ومنهم من لا يصبر، ويسأل بحسب حاجته وكفايته، ومنهم من يسأل وهو يجد للاستكثار، وهذا هو الْمُلْحِف الذي لا ينبغي له المسألة. شرح صحيح البخاري (3/ 516).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
وهذا بالنسبة لسؤال الخلق، أما بالنسبة لسؤال الله، والطلب منه فهو -أي: الإلحاح- محمود. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 348).

قوله: «ويُحِبُّ الحَيِي العفيف الْمُتَعَفِّفَ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ويُحِبُّ الحَيِي» فعيل من الحياء، صفة مُشَبَّهة، ككريم من الكرم. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ويُحِبُّ الحَيِي العفيف» أي: الْمُنْكَفّ عن الحرام، والسؤال للناس، «الْمُتَعَفِّفَ» أي: الْمُتَكلِّف العفَّة.
قال الحرالي: التعفُّف: تكلُّف العفَّة، وهو كفُّ ما يبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه.
وفيه: أنه يندب لكل أحد، بل يتأكد على من يُقتدى به: تحسين الهيئة، والمبالغة في التجَمُّل والنظافة والملبوس بجميع أنواعه، لكن التوسط نوعًا من ذلك بقصد التواضع لله تعالى أفضل من الأرفع، إلا إنْ قصد به إظهار النعمة، والشكر عليها، كما اقتضاه هذا الحديث، والتوسعة على العيال، لكن بغير تكلُّف كقرض؛ لحرمته على فقير جهل المقرض إلا إذا كان له ما يتيسر الوفاء منه إذا طولب. فيض القدير (2/ 202).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«العفيف» فعيل أيضًا من عَفَّ: كفَّ عما لا يحل ولا يجمُل، «الْمُتَعَفِّفَ» الْمُظْهِر للعِفَّة، الْمُتَكلِّف لها، فالمراد: العفيف في نفسه، الحامل لنفسه على العفَّة.
والكراهة منه تعالى للأمر والشيء يحتمل تحريمه له، ويحتمل عدمه، ومثله بغضه للشيء يحتمل الأمرين. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 259).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: فإذا أخذ مع العلم بأن باعث المعطي هو الحياء منه، أو من الحاضرين، ولولاه لما ابتدأه به، فهل هو حلال أو شبهة؟
فأقول: ذلك حرام محض، لا خلاف فيه بين الأمة، وحكمه حكم أخذ مال الغير بالضرب والمصادرة؛ إذ لا فرق بين أن يضرب ظاهر جلده بسياط الخشب، أو يضرب باطن قلبه بسوط الحياء، وخوف الْمَلام، وضرب الباطن، أشد نكاية في قلوب العقلاء. إحياء علوم الدين (4/ 212).


ابلاغ عن خطا