أنَّه تزوج امرأةً من بني جُشَمَ، فقالوا: بالرَّفَاءِ والبَنِينَ، فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم بارِكْ لهم، وبارِكْ عليهم».
رواه أحمد برقم: (1739)، ورقم: (15740)، ورقم: (15741)، والنسائي برقم: (3371)، وابن ماجه برقم: (1906) واللفظ له، من حديث عَقِيلِ بنِ أبي طالبٍ -رضي الله عنه-
صحيح الجامع برقم: (428)، صحيح سنن ابن ماجه برقم: (1906).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«جُشَم»:
أحياءٌ من مُضَرَ، ومن اليَمَنِ، ومن تَغْلِبَ، وفي ثَقِيفٍ، وفي هَوازِنَ. القاموس المحيط، للفيروزآبادي (ص: 1088).
«الرَّفَاءِ»:
الالْتِئَام وجَمْع الشَّمْلِ، وإنجاب الأولاد الذكور. القاموس المحيط للفيروزآبادي (ص: 42).
شرح الحديث
قوله: «أنَّه تَزَوَّجَ امرأةً من بني جُشَمَ»:
قال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «تزوج امرأة من بني جُشم» في جامع الأصول عن الحسن: أنَّ عليًّا هو المتزوج من بني جُشم، وعَزَاه إلى النسائي. نيل الأوطار (6/ 157).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
عن الحسن عن عقيل بن أبي طالب: أنه قَدم البصرة، فتزوج امرأة فقالوا له: بالرفاء والبنين. فتح الباري (9/ 222).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «امْرَأَةً مِنْ بَنِي جُشَمَ» هكذا في بعض نُسخ المجتبى بالجيم المضَمومة، وفتح الشين المعجمة، وهو الذي في مسند أحمد، وسنن ابن ماجه.
وأما ما وقع في الكبرى، ومعظم نُسخ المجتبى من قوله: «جُثم» بجيم، فثاء مثلّثة، فالظاهر: أنه تصحيف، والصواب: الأول، فإني لم أجد من ذكر قبيلة اسمها جُثم بالثاء المثلثة، بل الذي ذُكر في القاموس، وشرحه التاج، واللباب، ولبّ اللباب إنما هو جُشَم بالشين المعجمة، -واللَّه تعالى أعلم-.
وجُشم غير منصرف للعَلَمِيّة والعدل عن جاشم، أي: عظيم، وهو اسم لعدّة قبائل من الأنصار وغيرهم، كما بُيِّنَ ذلك في كُتب الأنساب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 115).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «تزوج امرأة من بني جُشم» لم أرَ من ذكر اسمها. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (11/ 189).
قوله: «فقالوا: بالرَّفَاءِ وَالْبَنِينَ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فقالوا» له؛ أي: قال الناس لعقيل في الدعاء له: «بالرفاء والبنين» كعادتهم في الجاهلية. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (11/ 189).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فَقِيلَ لَهُ»، وفي رواية أحمد: «فدخل عليه القوم فقالوا: بِالرِّفاءِ والْبَنِينَ». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 115).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وقولهم: «بالرفاء والبنين» في محل النصب على الحال؛ أي: هذا النكاح مُلْتَبسًا بالرفاء والبنين، وإنما نُهي عنه؛ لأنه كان من شعار الجاهلية، فكُرِهَ لذلك. البدر التمام شرح بلوغ المرام (7/ 22).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
الرّفاء: الالْتِئَام والاتفاق؛ فهو دعاء للمتزوج بأن يحصل الالْتِئَام والاتفاق بينهما. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين(ص: 260)
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
الرّفاء: الالتحام والاتفاق أي: تزوجتَ زواجًا يحصل به الاتفاق والالتحام بينكما والبنون؛ فيهنؤون بالبنين سلفًا وتعجيلًا، ولا ينبغي للرجل أَن يُهنئ بالابن ولا يُهنئ بالبنت، بل يُهنئ بهما أو يترك التّهنئة؛ ليتخلص من سُنة الجاهلية؛ فان كثيرًا منهم كانوا يهنئون بالابن وبوفاة البنت دون ولادتها.تحفة المولود ص:(29)
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«بالرفاء» الباء متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى؛ أي: المقام؛ أي: أعرستَ بالرفاء والبنين، ذكره الزمخشري.
والرفاء -بالكسر والمد- من الرُّفُوِّ يجيء لمعنيين:
أحدهما: التسكين، يقال: رَفَوْتُ الرجل إذا سكَّنتُ ما به من رَوْع؛ أي: خوف.
والثاني: التوافق والالْتِئَام، ومنه: رَفَوْتُ الثوب؛ أي: لأمتُ خرقه، وضممتُ بعضه إلى بعض.
وكانت هذه تَرْفِئَة الجاهلية، ودعاءهم للمتزوج.مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه(11/ 190).
قوله: «فقال: لا تقولوا هكذا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فقال» عقيل للناس الداعين له بالرفاء: «لا تقولوا هكذا» أي: بالرفاء والبنين. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (11/ 190).
وقال النووي -رحمه الله-:
ويكره أن يقال له: بالرفاء والبنين. الأذكار (ص: 283).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واختلف في علة النهي عن ذلك؛ فقيل: لأنه لا حمد فيه، ولا ثناء، ولا ذكر لله.
وقيل: لما فيه من الإشارة إلى بُغض البنات؛ لتخصيص البنين بالذكر.
وأما الرفاء: فمعناه: الالْتِئَام، من رَفَأْتُ الثوب ورَفَوْتُهُ رَفْوًا ورَفَاء، وهو دعاء للزوج بالالْتِئَام والائتلاف، فلا كراهة فيه.
وقال ابن المنير: الذي يظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية؛ لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلًا لا دعاءً، فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يُكْرَه، كأن يقول: اللهم ألِّف بينهما، وارزقهما بنين صالحين مثلًا، أو ألَّف الله بينكما، ورزقكما ولدًا ذكرًا، ونحو ذلك.
وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي، قال: شهدتُ شريحًا وأتاه رجل من أهل الشام، فقال: إني تزوجت امرأة، فقال: بالرفاء والبنين.. الحديث، وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطأة، قال: حدَّثتُ شريحًا أني تزوجتُ امرأة، فقال: بالرفاء والبنين؛ فهو محمول على أن شريحًا لم يبلغه النهي عن ذلك.
ودل صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع، ولا شك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره، ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له: «تزوجت بكرًا أو ثيبًا؟» قال له: «بارك الله لك»، والأحاديث في ذلك معروفة. فتح الباري (9/ 222).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في قول ابن المنيّر: فيظهر أنه لو قيل للمتزوّج... إلخ، نظر، لا يخفى؛ إذ فيه عدول عن الدعاء المأثور إلى غيره، وقد قال اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب: 21، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الحشر: 7، فما ثبت الأمر به عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو: «بارك اللَّه لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير»، ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في السنة أولى بالاتباع، فإنه أجمع لكلّ ما يطلبه الإنسان من الخيرات، فإن البركة تعمّ كلّ خير في الدنيا والآخرة، فلا داعي للعدول عن السنّة، فلا تكن أسير التقليد، فإنه ملجأ البليد، ومَسْرَح العنيد. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 117).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال الطبري: والذي أختار من الدعاء: ما صحَّت به الرواية عن النبي -عليه السلام- أنه قال: «إذا رفَّأ الرجل بتزويج قال: بارك الله لك وبارك عليك»، ورواه الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -عليه السلام-، وغير محظور الزيادة على ذلك. شرح صحيح البخاري (7/ 275).
قوله: ولكن قولوا كما قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «اللهم بَارِكْ لهم، وبَارِكْ عليهِم»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «ولكن قولوا» لي في الدعاء «كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»؛ لأنه كان يقول للمتزوج: «اللهم بارك لهم، وبارك عليهم» يعني: أن الدعاء بالرفاء والبنين كانت ترْفِئَة الجاهلية، ثم نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وأرشد إلى ما في حديث الباب، فروى بقي بن مخلد عن رجل من بني تميم قال: كنا نقول في الجاهلية: بالرفاء والبنين، فلما جاء الإسلام علَّمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال: «قولوا: بارك الله لكم، وبارك فيكم، وبارك عليكم». مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (11/ 190).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ولكن قولوا..» فنهى -صلى الله عليه وسلم- عن عادتِهم، وبدَّلَه بهذه السُّنة الإِسلامية. شرح المصابيح (3/ 205).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وكان يقول -صلى الله عليه وسلم- بدله، ونعم البدل، فإنه أتم فائدة، وأعم عائدة. مرقاة المفاتيح (4/ 1696).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
والمعنى: أنه إذا أراد الدعاء للمتزوج دعا له بالبركة، وبدل قولهم في جاهليتهم: بالرفاء والبنين بقوله هذا؛ لأنه أتم نفعًا، وأكثر عائدةً؛ ولما في الأول من التنفير عن البنات. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (2/ 103).
وقال المغربي -رحمه الله-:
وفي الحديث دلالة على شرعية الدعاء للناكح. البدر التمام شرح بلوغ المرام (7/ 22).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
دلّ الحديث على أنَّ الدعاء بالبركة للمتزوج مشروع، وهي لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره. كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (5/ 414).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
فغيَّر رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أسلوب الجاهلية، واستبدله بالدعاء بالبركة للزوجين، والجمع بينهما في خير، كما غيَّر ما كان عليه الجاهليون من تحايا كَأَنْعِمْ صباحًا، وعِمْ مساء، بالسلام الذي هو تحية أهل الإسلام. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (6/ 196).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
كان هذا من دعاء الجاهلية، وعوّض الله المسلمين بغيره، بارك الله لك وعليك، وجمع بينكما في خير، هذه السّنة، السّنة أن يُدعى للمتزوج: بارك الله لك وعليك وجمع بينكما في خير.فتاوى نور على الدرب(21/108- 109)
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
من فوائده:
- ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- النسائي في المجتبى وهو بيان كيفيّة الدعاء للمتزوّج، وهو الدعاء بالبركة.
- البعد عن عادات الجاهليّة، وتقاليدهم، والتقيد بالسنّة قولًا وفعلاً؛ لأن الهدى والرشاد والفلاح مرتبطة بها...
- مشروعيّة تهنئة المتزوّج، والدعاء له بالبركة والخير.
- إظهار المسلم الفرح والسرور إذا حصل خيرٌ لأخيه المسلم، فإن ذلك من الإيمان؛ للحديث المتّفق عليه، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: «لا يُؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 117-118).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
جاء «بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ، وَبَارَكَ لَكُمْ»، ولفظ أحمد وأبي داود: «بارك اللَّه لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير»، ولفظ ابن ماجه: «اللَّهم بارك لهم، وبارك عليهم»، وفي لفظ له: «بارك اللَّه لكم، وبارك عليكم، وجمع بينكما في خير». ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28/ 117).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)
وينظر في حكم التهنئة بـ(بالرفاه والبنين) (هنا) و (هنا)