الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«لما صَوَّرَ اللهُ آدمَ في الجنَّةِ تَرَكَهُ ما شاءَ اللهُ أنْ يَتْرُكَهُ، فجَعَلَ إبليسُ يُطِيفُ بِهِ، ينظرُ ما هو؟ فلمَّا رآهُ أَجْوَفَ عرف أنَّه خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمَالَكُ».


رواه مسلم برقم: (2611)، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«صَوَّرَ»:
بالتشديد: شَكَّل صورتَه. التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (9/ 111)

«يُطِيفُ بِهِ»:
قال أهل اللغة: طاف بالشيء يطوف طوفًا وطوافًا، وأطاف يطيف: إذا استدار حواليه. شرح النووي على مسلم للنووي(16/ 164).

«أَجْوَفَ»:
أي: له جَوفٌ. المفاتيح، للمظهري (6/ 51).

«لَا يَتَمَالَكُ»:
أي: لا يكون له قوة وثبات، بل يكون متزلزل الأمر، متغير الحال، مُعَرَّضًا للآفات والشهوات. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، للبيضاوي (3/ 441).


شرح الحديث


قوله: «لما صَوَّرَ اللهُ آدمَ في الجنَّةِ»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «لما صَوَّرَ اللهُ آدمَ» يعني: أنَّ الله تعالى لما صوَّر طينة آدم، وشكَّلها بشكله على ما سبق في علمه. المفهم (6/ 596).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لما صوَّر الله آدم» بالتشديد شكل صورته. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 111).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «في الجنة» فيه أنَّ آدم -عليه السلام- خُلق في الجنة. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 54).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أنه قد استُشكل قوله: «في الجنة» مع ما ورد من أنه تعالى خلق آدم من أجزاء الأرض، وأُلقِيَ بوادٍ ببطن بين مكة والطائف، ببطن نعمان.
وأُجيب: بأنه يُحتمل: أنه تُرِك كذلك حتى مرت عليه الأطوار واستعدت صورته لقبول نفخ الروح فيها، ثم حُمِلَت إلى الجنة، ونفخ روحه فيها، وقيل: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} البقرة: 35. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 111-112).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
أرى هذا الحديث مُشْكِلاً جدًّا، فقد ثبت بالكتاب والسنة أنَّ آدم خُلق من أجزاء الأرض، فإن قيل: يحتمل أن طينته خُمِّرت في الأرض، ثم حُملت إلى الجنة، فصُوِّر فيها.
قلنا: قد اشتهر في أخبار الأولين والآخرين أنه خُلق من طين، ثم تركه حتى صار صلصالًا كالفخار، وأنه كان ملقىً ببطن نُعْمان، وهو من أودية عرفات.
وفي حديث فضل يوم الجمعة: «فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها»، وهو حديث صحيح، وقد دلَّ على أنه أُدخل الجنة وهو بشر حي، ويؤيده المفهوم من نص الكتاب: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجكَ الجَنَّةَ} البقرة: 35، ولو أخذنا بظاهر هذا الحديث لزم منه أنه خُلق في الجنة، ثم أُخرج منها، ثم أُعيد إليها، ثم أُخرج منها، وهذا قول يُخالف نصوصًا كثيرة، فلا أرى الوجه فيه إلا احتمال أن يكون الكلمتان أعني: «في الجنة» سهوًا من بعض الرواة، أخطأ سمعه فيه؛ ولأنْ نُقدِّر هذا التقدير أبر وأتقى من إحالة القول المتضاد على من عصمه الله من الخطأ فيما يخبر عنه -صلى اللّه عليه وسلم- أبد الآبدين، ودهر الداهرين. الميسر في شرح مصابيح السنة (4/ 1232).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
ظاهر الحديث: على أنه خُلِقَ في الجنة، والأخبار دالَّة على أنَّ الله تعالى خَلَقَ آدم من تُرَابٍ قبضه من وجه الأرض، وخَمَّرَهُ حتى صار طينًا، ثم تركه حتى صار صلصالًا، وكان ملقىً بين مكة والطائف ببطن نُعْمان، وهو من أودية عرفات.
وقيل: ذلك لا ينافي تصويره في الجنة؛ فإنه من الجائز أن تكون طينته لما خُمِّرَتْ في الأرض، وتُرِكَتْ فيها حتى مَضَتْ عليها الأطوار، واستعدَّتْ لقَبُول الصُّورة الإنسانية، حُمِلَتْ إلى الجنة، فصُوِّرَتْ، ونُفِخَ فيها الروح.
ولعله لما كان مادَّة آدم -عليه الصلوات والسلام- التي هي البدن من العالم السفلي أضاف النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- تكوُّن مادَّته إلى الأرض؛ لأنها نشأَتْ فيها؛ ولما كانت صورته التي بها يضاهي المَلَك، وبها يتميَّز عن سائر الحيوانات من العالم العلوي أضاف صورته إلى الجنة. شرح المصابيح (6/ 149-150).
وقال القاضي البيضاوي -رحمه الله-:
الأخبار متظاهرة على أنه تعالى خلق آدم من تراب، قُبض من وجه الأرض، وخُمِّر حتى صار طينًا، ثم تركه حتى صار صلصالًا، وكان ملقىً بين مكة وطائف ببطن نُعْمان، ولكن ذلك لا ينافي تصويره في الجنة؛ لجواز أن تكون طينته لما خُمِّرتْ في الأرض، ونزلت فيها حتى مضت عليه الأطوار، واستعدت لقبول الصورة الإنسانية، حمُلت إلى الجنة، فَصُوِّرت، ونُفِخَ فيها الروح، وقوله تعالى: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجكَ الجَنَّةَ} البقرة: 35، لا دلالة له أصلًا على أنه أُدخل الجنة بعدما نُفِخَ فيه الروح؛ إذ المراد بالسكون: الاستقرار والتمكُّن، والأمر به لا يُوْجِب أن يكون قبل الحصول في الجنة، كيف وقد تظافرت الروايات على أنَّ حَوَّاء خُلِقَت من آدم في الجنة، وهي أحد المأمورَيْن به؟
ولعل آدم -عليه السلام- لما كانت مادَّتُه التي هي البدن من العالم السفلي، وصورته التي بها يتميَّز عن سائر الحيوانات، ويُضَاهِي به الملائكة من العالم العلوي، أضاف الرسول -صلوات الله عليه- تَكَوُّن مادته إلى الأرض؛ لأنها نشأت فيها، وأضاف حصول صورته إلى الجنة؛ لأنها منها، -والله أعلم-. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/ 440).

قوله: «تَرَكَهُ ما شاءَ اللهُ أنْ يَتْرُكَهُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تركه ما شاء الله أنْ يتركه» أي: في الجنة. مرقاة المفاتيح (9/ 3636).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «تركه» لم ينفخ روحه. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 111).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«تركه ما شاء الله» (ما) هذه بمعنى المدة «أن يتركه» فيها. فيض القدير (5/ 297).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ما شاء الله أن يتركه» مدةً شاء تركه فيها، في ذهني أنه بقي مُصَوَّرًا غير منفوخ فيه الروح أربعين سنة. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 111).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
الذي أراه في ترك آدم مدة طويلة: أنه يُوطِّئه للملائكة على تفضيله عليهم؛ لينظروا في تلك المدة إلى الحِكَم التي وُضِعَ عليها إلى أنْ نُفخ فيه الروح. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 377).

قوله: «فجَعَلَ إبليسُ يُطِيفُ بِهِ، ينظرُ ما هو؟»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فجعل» الفاء للعطف على قوله: «تركه» أي: شرع «إبليس يُطِيْفُ به، يَنْظُرُ ما هو؟» أي: يتفكَّر في عاقبة أمره، وماذا يظهر منه؟ شرح المصابيح (6/ 150).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فجعل» بمعنى: طَفِقَ؛ أي: يتفكَّرُ في عاقبة أمره، وماذا يظهرُ منه، وكأنه أحسَّ أنَّ شقاوةَ نفسِه من جهته، وخاف أن يستعيذَ ويُمتحن، فوقع فيما حَذِر؛ فلهذا أَشِرَ وبطر، وقال في نفسه: إنْ أُمِرْتُ بالانقيادِ له تأبَّيتُ. المفاتيح في شرح المصابيح (6/ 50).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
أي: فلما رآها -أي: طينة آدم- إبليس أطاف بها، أي: دار حولها، وجعل ينظر في كيفيتها، وأمرها. المفهم (6/ 596-597).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ينظر ما هو؟» استئناف بيان، أو حال، أي: يتفكر في عاقبة أمره، ويتأمل ماذا يظهر منه؟ مرقاة المفاتيح (9/ 3636).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ينظر ما هو؟» أي: ما هذا الجسم الذي هو آدم؟ هل هو مملوء الجوف، أو فارغ جوفه؟ حتى دخله. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 432).

قوله: «فلمَّا رآهُ أَجْوَفَ»:
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فلما رآه أجوف» أي: ذا جوف، وقد يكون معناه: خالي الداخل، وبه سُمي الجوف وكل مُقَعَّرٍ أجوف، وجوف كل شيء قعره وداخله. إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 86).
وقال النووي -رحمه الله-:
الأجوف: صاحب الجوف، وقيل: هو الذي داخله خالٍ. شرح النووي على مسلم (16/ 164).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلما رآه أجوفَ» أي: فارغ الجوف، ليس فيه شيء. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 432).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
الأجوف في صفة الإنسان: مقابل للصمد في صفة البارئ.
قيل: السيد سُمي بالصمد؛ لأنه يُصْمَدُ إليه في الحوائج، ويُقْصَد إليه في الرغائب، من صَمَدْتُ الشيء إذا قصدته، وقيل: إنه المميز عن أن يكون بصدد الحاجة، أو في معرض الآفة، مأخوذ من الصمد بمعنى المصعد، وهو الصلب الذي لا جوف له، فالإنسان مفتقر إلى الغير لقضاء حوائجه، وإلى الطعام والشراب؛ ليملأ جوفه، فإذًا لا تماسك له في شيء ظاهرًا وباطنًا. شرح المشكاة (11/ 3603).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ورواه أبو الشيخ وزاد: «ظفرتُ به، لا يملك دفع الوسوسة عنه» أو علم أنه يُؤتى من قبل جوفه بالذنب، فإنه أتي من الأكل، أو كان قد علم أن الخلق الْمُجَوَّف ضعيف، وفيه ما يدل أن الملائكة ليسوا مُجَوَّفِين؛ ولذا لازمتهم العصمة. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 111-112).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ولعل جنس الجن ليسوا على صفة الأجوفية؛ ليتم الاستدلال بالهيئة المخصوصة الإنسانية. مرقاة المفاتيح (9/ 3636).

قوله: «عرف أنَّه خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمَالَكُ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«عرف» إبليس «أنه» أي: أن آدم «خُلق» حالة كونه «خلقًا لا يتمالك».الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 432).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«عرف أنه خُلِق» أي: مخلوق. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 301).

قوله: «لا يتمالك»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «لا يتمالك» يعني: يحبس نفسه، ويملكها عن الشهوات. إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 86).
وقال النووي -رحمه الله-:
معنى: «لا يتمالك» لا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات، وقيل: لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل: لا يملك نفسه عند الغضب، والمراد: جنس بني آدم. شرح النووي على مسلم (16/ 164).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «لا يتمالك» أي: لا يتقَوَّى بعضه ببعض، ولا قوة، ولا ثبات، بل يكون مُتَزَلْزَل الأمر، مُتَغِّير الحال، مُتَعَرِّضًا للآفات.
والتمالك: التماسك، وقيل: المعنى: لا يقدر على ضبط نفسه من المنع عن الشهوات، وقيل: لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل: لا يملك نفسه عند الغضب. مرقاة المفاتيح (9/ 3636).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «لا يَتَمَالك» أي: لا يقدر أن يملك نفسه عن المنع من الشَّهوات، وقيل: أي: لا يتماسك، وقيل: لا يملك بعضه بعضًا، بل يكون فيه أبعاض مختلفة، فيصدر منه ما يوجب تغير الأحوال عليه، وعدم الاستمرار على الطاعة، ويكون محتاجًا إلى الطعام والشَّراب والنِّكاح. شرح المصابيح (6/ 150).
وقال المباكفوري -رحمه الله-:
قوله: «لا يتمالك» أي: لا يملك نفسه في كفها عن الشهوات، وفي دفع الوسواس، والغضب ونحوه؛ لأن الجوف يغلبه ويذهب به هنا وهناك. منة المنعم في شرح صحيح مسلم (4/ 198).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «خلقًا لا يتمالك» أي: لا يملك نفسه، ولا يستغني مما يَسُدُّ جوفه من الشهوات الطعامية والشرابية، أي: لا يملك نفسه، ولا يستطيع أن يحبسه عن الشهوات، وقيل: لا يملك دفع الوسواس عنه، وقيل: لا يملك نفسه عند الغضب، والمراد: جنس بني آدم، لا كلهم؛ لأن فيهم معصومًا. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (24/ 432).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
وكان إبليس من أعلم الملائكة؛ دارسًا لحكمة الخلق، وارتباط الأسباب بالمسببات، فلما رأى في جسم آدم فراغًا يمكن أن يملأه، وبأن يجري فيه مجرى الدم، وبأن يثير شهوة البطن والفرج، وبأن ينفخ في الفراغات، فيهيج الغرائز والانفعالات، رأى أنه وذريته سيغوون ذرية آدم، وأن إتيان إبليس وجنوده إلى بني آدم من بين أيديهم، ومن خلفهم، وعن أيمانهم، وعن شمائلهم، وسيُمكِّن الوسواس الخناس من السيطرة عليهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين، وكان أكبر ميدان لهذا الإغواء ميدان الغضب الذي يُفْقِد الإنسان السيطرة على نفسه. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 99).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فوائده:
- هذا الحديث يدل على كيفية خلق آدم -عليه السلام-.
- بيان أنَّ الجنة مخلوقة موجودة، وأنَّ الله تعالى خلق آدم -عليه السلام- فيها.
- بيان عداوة إبليس لآدم وذريته من أول ما خُلِقَ، ثم استمر إلى الآن، وسيستمر إلى قيام الساعة.
- أن إبليس استدل بتَمَكُّنه من إغواء آدم -عليه السلام- بكونه أجوف؛ لأنه يحتاج إلى قضاء شهوة بطنه، وبه يحصل له فتور وغفلة، فيكون ذلك مدخلًا له.
- أنَّ هذه الجنة التي خُلق فيها آدم -عليه السلام- هي جنة الخلد... البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (41/ 56).


ابلاغ عن خطا