الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«مَن استطاع منكم أن تكون له خَبِيْئَةٌ من عمل صالح فليفعل»


رواه النسائي في الكبرى برقم: (11834)، من حديث الزبير بن العوام -رضي الله عنه-. والقضاعي برقم: (434) والَّلفظ له، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (6018)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2313).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«استطاع»:
الاستطاعة والقدرة والقوة والوسع والطاقة: متقاربة في المعنى في اللغة، وأمَّا في عُرفِ المتكلمين: فهي عبارة عن صفة بها يتمكن الحيوان من الفعل والترك. التعريفات، للجرجاني (ص: 19).

«خَبِيْئَة»:
أي: شيء مَخْبُوْءٌ، أي: مُدَّخَر عند الله. التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (2/ 395).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
خبَأتُ الشيءَ أَخْبَؤُهُ خَبْأً أي: سترته، ثم أُطْلِقَ على الشيء الْمَخْبُوْء. إرشاد الساري (7/ 280).
وقال درويش -رحمه الله-:
خَبَّأ الشيء: سَتره وأخفاه، وله خَبِيْئَة خَبَأَهَا ليوم الحاجة. إعراب القرآن وبيانه (4/ 333).


شرح الحديث


قوله: «مَن استطاع منكم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: قَدَرَ، والقدرة والقوة إذا أُطْلِقَت في حق العبد ألفاظٌ مترادفةٌ عند أهل الأصول، وقال ابن الكمال: والاستطاعة عَرَضٌ يخلقه الله في الحيوان يفعل به الأفعال الاختيارية. فيض القدير (6/ 54).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «مَن استطاع منكم..»:
كلٌّ يستطيع ذلك، فالموفق من ادَّخر له الأعمال الصالحة. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 83).

قوله: «أن تكون له خَبِيْئَة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
وكأن الإشارة بقوله: «خَبْءٌ» إلى أَنَّه عمل لا يُطَّلَعُ عليه. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 83).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وقد صح عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: «ليكن لأحدكم خَبِيْئَةٌ بينه وبين ربه، فإنْ ألمَّ به شيء سأل الله بِخَبِيْئَتِه هذه»، وكان للسلف الصالح يكون لأحدهم خَبِيْئَة لا يعرفها أحد، حتى أقرب الناس إليه. شرح رياض الصالحين (ص: 31).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: فيه دليل أن الله يعظم المجازاة على ما ستر العبد بينه وبين ربه مما لا يطلع عليه أحد؛ ولذلك استحب العلماء أن يكون بين العبد وبين ربه خَبِيْئَةُ عمل من الطاعة يدَّخِرُها لنفسه عند ربه، ويدل أنها كانت خَبِيْئَةٌ بين بلال وبين ربه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعرفها حتى سأله عنها.شرح صحيح البخاري (3/ 143/ 144).
وقال الشيخ محمد الأمين المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
والسرائر: هي كل ما يخفيه الإنسان حتى في المعاملات مع الناس، كما في الأثر: «الْكَيِّسُ من كانت له عند الله خَبِيْئَةُ سِرٍّ». أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (8/ 494).
وقال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن استطاع منكم أن تكون له خَبِيْئَةٌ من عمل صالح فليفعل»؛ فيجتهد العبد، ويحرص على خصلة من صالح عملِه، يخلص فيها بينه وبين ربه، ويدَّخِرها ليوم فاقته وفقره، ويُخَبِّئُها بجهده، ويسترها عن خلقه، يصل إليه نفعها أحوج ما كان إليه.
وقد خرَّج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «بينما ثلاثة نفر -في رواية: ممن كان قبلكم- يتماشون أخذهم المطر، فأووا إلى غار في جبل؛ فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل، فانطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالًا عملتموها صالحةً لله فادعوا الله بها؛ لعله يفرَّجها عنكم...» الحديث بكماله وهو مشهور، شهرته أَغْنَتْ عن تمامه. الجامع لأحكام القرآن (15/ 126/ 127).
وقال الشيخ سليمان اللهيميد -حفظه الله-:
في هذه الشّدة ذَكر كُل واحد منهم عملًا صالحًا واكتفى به، مما يدل أن المؤمن قد تكون له خَبِيْئَة من الأعمال الصالحة هي من أَرجى أعماله عند الله تعالى، وإن كان له غيرها. شرح رياض الصالحين (ص: 31).
وقال الشيخ عطية محمد سالم -رحمه الله-:
قال بعض علماء السلف: الْكَيِّس من كانت له عند الله خَبِيْئَة سِرٍّ، كل واحد منا سيرجع إلى بيته، ويضع رأسه على الوسادة، ويطفئ الأضواء، ويغمض العينين، فليحاسب نفسه، كم له من خبيئة سر عند الله؟.شرح الأربعين النووية (43/ 13).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
ليحرص الإنسان أن يتخذ خَبِيْئَة ينفرد بها بربّه دون أن يراه أحد، ويلجأ إليه، ويتلذذ بمناجاته، لكن هذا يحتاج إلى قلوب سليمة، وقلوب حيَّة، فعلى الإنسان أن يعالج القلب قبل ذلك؛ ليحصل له مثل هذه النتائج. شرح المحرر في الحديث (56/ 15).

قوله: «مِن عملٍ صالحٍ فليفعلْ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
أي: من قَدَرَ منكم أن يمحو ذنوبه بفعل الأعمال الصالحة، فليفعل ذلك، وحذف المفعول اختصارًا. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 395).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
مَن أحبّ أَن يفتح الله قلبه أو ينوره، فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، واجتناب المعاصي،
ويكون له خَبيئة فيما بينه وبين الله تعالى من عَملٍ.المجموع شرح المهذب(1/13).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
عن الحسن قال: إنَّ كان الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فَقُهَ الفقه الكثير، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزُّوَّر (جمع زائر)، وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السِّر، فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسْمَعُ لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم. تفسير ابن كثير (3/ 428).
وقال ابن داود الخُرَيبي -رحمه الله-:
كانوا يستحبون أن يكون للرّجل خَبيئة من عمل صالح لا تَعلم به زوجته، ولا غيرها. تهذيب الكمال(14/464)
وقال ابن مفلح -رحمه الله-:
التطوعات خُفية أولى في الجملة بلا إِشكال وأَسلم من الرّياء، والسُّمْعَة.الآداب الشرعية(3/390)


ابلاغ عن خطا