الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«يُحْشر الـمُتَكبِّرون يوم القيامة أَمْثَال الذَّرِّ في صُوَر الرِّجال، يَغْشَاهُم الذُّلُّ من كل مكان، فيُسَاقُون إلى سِجْنٍ في جهنم يُسَمَّى بُولَسَ، تَعْلُوهم نَار الأَنْيَار، يُسْقَوْنَ من عُصَارَةِ أهل النَّار طِيْنَةَ الخَبَالِ».


رواه أحمد، برقم: (6677)، والترمذي، برقم: (2492)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم: (11827)، واللفظ لهما.
صحيح الجامع برقم: (8040)، صحيح الترغيب، والترهيب برقم: (2911).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يُحْشر»:
قال أبو موسى المديني -رحمه الله-:
الحشر: الجمع بكُرْهٍ وسَوْق. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/452).

«الـمُتَكبِّرون»:
قال مرتضى الزبيدي -رحمه الله-:
الكِبْر والتَّكَبُّر والاسْتِكْبار مُتَقَاربة، فالكِبْرُ: حالة يتخصص بها الإنسان من إِعْجَابه بنفسه، وأن يرى نفسه أَكْبَر من غيره، وأعظَم الكِبْر التَّكَبُر على الله بالامتناع عن قَبُول الحقّ. تاج العروس (14/9).

«الذَّرِّ»:
النَّمل الأحمر الصَّغير، واحدتها ذرَّة. النهاية، لابن الأثير (2/157).

«صُوَر»:
الصورة: تَرِدُ في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته. النهاية، لابن الأثير (3/58).

«الذُّلُّ»:
قال أبو عبيد الهروي -رحمه الله-:
الذُّلُّ: ضِدُّ العِزِّ. الغريبين في القرآن والحديث (2/681).

«بُولَسَ»:
قال أبو موسى المديني -رحمه الله-:
"بُولِسَ" كذا أَملاهُ الِإمامُ أَبو القَاسِم، بضَمِّ الباء، ويجوز كسرُ لَامِه وفَتْحُها، ولَعلَّه من الِإبْلاس إن كان عَربِيًّا. المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (1/ 185).
وقال محمد الخادمي -رحمه الله-:
ولعل السجن إنما سمي به؛ لأن الداخل به يَئِسَ من الخلاص عما قريب، وإن صحَّت الرواية فيه بضم الموحدة وكسر اللام أو فتحها فلعله أعجَمِيٌّ؛ إذ ليس في الأسماء مثاله. بريقة محمودية (2/ 200).

«عُصَارَةِ أهل النار»:
أي: صَدِيْدهم الـمُنْتِن الـمَحمي غَاية الحرارة الـمُعبَّر عنه بحميم. مرقاة المفاتيح، للقاري (9/299).

«طِيْنَةُ الخَبَالِ»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
والخَبَال -بفتح الخاء المعجمة- وهو في الأصل الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول. تحفة الأحوذي (7/163).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
(طينة الخبال): تفسير لما قبله، وهو بفتح الخاء بمعنى الفساد...، وهو اسم عُصَارَة أهل النار، وهو ما يسيل منهم من الصديد والقيح والدم. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/ 3193).

«نَار الأَنْيَار»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
لم أجده مشروحًا، ولكن هكذا يُروى، فإن صحَّت الرواية فيحتمل أن يكون معناه: نار النِّيران، فجمع النَّار على أنْيَار، وأصلها: أَنْوار، لأنَّها من الواو، كما جاء في رِيْح وعِيْد: أَرْيَاح وأَعْيَاد، من الواو، -والله أعلم-. النهاية في غريب الحديث والأثر (5/127).


شرح الحديث


قوله: «يُحْشر الـمُتَكبِّرون يوم القيامة».
قال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
يُحْمَلُ ذلك على المجاز دون الحقيقة، أي: أَذِلَّاء مُهَانِين يَطَؤهم النَّاس بأرجلهم، وإنما مَنَعَنَا عن القول بظاهره: ما أخبرنا به الصَّادق المصْدُوق-صلى الله عليه وسلم-: إن الأجساد تُعاد على ما كانت عليه من الأجزاء، حتى إنَّهم يُحشرون غُرْلًا، يُعَاد منهم ما انفصل عنهم من القِلْفَة، وإلى هذا المعنى أشار بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «يَغْشَاهم الذُّلُّ من كل مكان». الميسر في شرح مصابيح السنة (3/1093).
وقال الطيبي -رحمه الله- (بعد ذكره لكلام التُّورِبِشْتِي):
قال الأشرف -رحمه الله-: إنما قال: «في صور الرجال» بعد قوله: «أمثال الذَّرِّ» قطعًا منه حَمْلَ قولِهِ: «أمثال الذَّرِّ» على الحقيقة؛ وتَعْيِينًا لجَرْيِهِ على المجاز؛ ودفعًا لوَهْمِ من يَتَوَهم أن الـمُتَكبر لا يُحشر في صُورة الإنسان؛ وتحقيقًا لإعادة الأجساد الـمَعدومة على ما كانت عليه من الأجزاء.
قال المظهر: يعني صُوَرُهُم صُوَر الإنسان، وجُثَتُهُم كَجُثَّة الذَّرِّ في الصِّغَر.
أقول: لفظ الحديث يساعد هذا؛ لأن قوله: «أمثال الذَّرِّ» تشبيه لهم بالذَّرِّ، ولا بد من بيان وجه التشبيه؛ لأنه يحتمل أن يكون وجه التشبيه الصِّغَر في الجُثَّة، وأن يكون الحَقَارة والصَّغَار.
فقوله: «في صور الرجال»: بيان للوجه ودفع وَهْم من يتَوَهَّم خلافه.
وأما قوله: «إن الأجساد تُعَاد على ما كانت عليه من الأجزاء»؛ فليس فيه أنه لا تُعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذَّرِّ؛ لأن الله تعالى قادر عليه، وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين.
وعلى هذا: الحَقَارة مَلْزُوم هذا التَّركيب، فلا ينافي إرادة الجُثَّة مع الحقارة. شرح المشكاة (10/3248).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله بعد ذكره لكلام التُّورِبِشْتِي-:
وأما قوله: إن الأجساد تُعَاد على ما كانت عليه من الأجزاء، فليس فيه أن لا تُعاد تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذَّرِّ؛ لأنه تعالى قادر عليه، وفيه الخلاف المشهور بين الأصوليين، وعلى هذا: الحقارة مَلْزُوم هذا التركيب، فلا ينافي إرادة الجُثَّة مع الحقارة. ا. ه.
وفيه: أنه لا كلام في قدرته تعالى على كل شيء، وإنما الكلام في أنه هل تُعَلَّق القدرة به أم لا؟ وإذا صح في الخبر: أن الخلق كلهم يحشرون غُرْلًا، فلا شك أنه لا بد من تحقُّقِ إعادة جميع الأجزاء الأصلية من الـمُتَّصلة والـمُنْفَصلة، كالأظفار الـمَقْلُوْعَة، والشُّعُور الـمَحْلُوقة، وأمثال ذلك؛ تصديقًا لكلام الشارع، وتحقيقًا لما أخبره به، وحصول هذا كله في ذَرَّة من المحالات العقلية، ونفيه يعتبر في القواعد النقلية منها قوله تعالى: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} الأعراف: 40، فإن المراد به: أن دخول الكفار الجنَّة من الـمُحَال الذي لا يَقَع أبدًا كوجود الجمل في سَمِّ الخِيَاط.
إذا عَرَفْت هذا علمتَ أن الشيخ التوربشتي عَدَلَ عن الحقيقة إلى المجاز للضرورة الـمُلجِئَة له إليه، لكن يأباه ما في سياق الحديث على ما حقَّقه بقيَّة الشُّراح.
فالتَّحقيق: أن الله يُعِيْدُهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صُوَرِهم، وجمع أجزائهم المعدومة تحقيقًا لوصف الإعادة على وجه الكمال، ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصُّورة المذكورة إهانة وتذليلًا لهم؛ جزاء وِفاقًا، أو يَتَصَاغَرُون من الهَيْبَة الإلهية عند مجيئهم إلى موضع الحِسَاب، وظهور أثر العقوبة السُّلطانية التي لو وُضِعَتْ على الجبال لصارت هَباء مَنْثُورًا.
وقد ثبت تبديل صور أهل جَهنَّم على أشكال مختلفة، وصور مُتباينة؛ كصور الكلاب والخنازير والحمير، بحسب ما يليق بصفاتهم وحالاتهم، وقد تَكْبُر جُثَّتُهُم حتى يكون ضِرْسُ الكافر كجبل أُحُد على ما ورد في الحديث، وكذا تغيير صور أهل الجنة من السَّواد إلى البياض، ومن القِصَر إلى الطُّول الـمُعْتَدل، ومن الكِبَر إلى السِّنِّ الـمُتوسط، وجعلهم جُرْدًا مكحَّلين، وأمثال ذلك. وبه يزول الإشكال، -والله أعلم بحقيقة الحال-.
ويدل على ما قررنا: أن تبديلهم إنما هو في آخر أمرهم.
قوله بطريق الاستئناف البياني أو على الحال البياني: «يُساقون»: بضم القاف، أي: يسحبون ويُجَرُّون «إلى سجن» ... مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/299).

قوله: «أَمْثَال الذَّرِّ في صُوَر الرِّجال يَغْشَاهُم الذُّلُّ من كل مكان»
قال ابن المَلَك -رحمه الله-:
قوله: «يُحْشَر المتكبرون أمثال الذَّرِّ» بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء: جمع ذَرَّة.
«يوم القيامة في صورة الرجال»، يريد: أن صورهم صورة الإنسان، وجُثَثَهم النمل الصغار.
«يغشاهم»، أي: يأتيهم.
«الذُّلُّ من كل مكان»، أي: من كل جانب، يعني: يكونون على غاية الذُّلِّ والحَقَارة، يطؤهم أهل المحشر بأرجلهم. شرح مصابيح السنة (5/353).
وقال عبد الحق الدّهْلوي -رحمه الله-:
اختلفوا في معنى هذا الحديث، فمنهم مَنْ أَوَّلَه وقال: المراد بحشرهم أمثال الذَّرِّ كونهم أَذِلَّاء، ويطؤهم الناس بأرجلهم...، ومنهم مَنْ حَمَلَهُ على ظاهره.
وحديث: (الأجساد تُعَادُ على ما كانت عليه من الأجزاء) لا يُنَافيه؛ لأنه قادر على إعادة تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذَّرِّ..
ومعنى قوله: «في صور الرجال»: أن صورهم صور الإنسان وجثتهم كجثة الذَّرِّ في الصِّغَر، وأما قوله: «يغشاهم الذُّلُّ من كل مكان»؛ فلا دلالة فيه على إرادة المجاز كما لا يخفى. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/351).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
الظاهر هو الحمل على الحقيقة، ولا مخالفة بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل على أن الأجساد تُعَادُ على ما كانت عليه من الأجزاء حتى إنهم يُحْشَرون غُرْلًا. تحفة الأحوذي (7/164).
وقال ابن حجر -رحمه الله- في اختلاف مقدار حجم الكافر وضرسه يوم القيامة:
وكأنَّ اختلاف هذه المقادير محمول على اختلاف تعذيب الكفار في النار، وقال القرطبي في المفهم: إنما عَظُمَ خَلقُ الكافر في النار؛ ليعظُم عذابه، ويضاعف أَلَمُه، ثم قال: وهذا إنما هو في حق البعض، بدليل الحديث الآخر: «إن المتكبرين يُحْشَرون يوم القيامة أمثال الذَّرِّ في صور الرجال، يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بُوْلَس»، قال: ولا شك في أنَّ الكفار متفاوتون في العذاب، كما عُلِمَ من الكتاب والسنة. فتح الباري (11/ 423).
قال البيضاوي -رحمه الله-:
مثَّل الـمُتكبِّرين في ذُلِّهم وحقارتهم بالذَّرِّ في صِغَر قدرها، وحقارة جُرْمِهَا, بحيث لا يُحَسُّ بها ما لم تُشْرِق الشمسُ عليها, ويدل عليه قوله: «يغشاهم الذُّل من كل مكان»، أي: يَتَضاعَف ذُلُّهم, ويتوجَّه إليهم من كل جهة؛ جزاء بمثل ما عملوا بالناس, وعلى هذه جرت السنَّة الإلهية. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/278).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «أمثال الذَّرِّ»، (الذَّرُّ): جمع ذَرَّة، وهي النَّملة الصغيرة؛ يعني: صورتهم صورة الإنسان، وجثَّتهم كجثة الذَّرِّ في الصغر.
والمراد بهذا الحديث: أن المتكبرين يكونون يوم القيامة على غاية الذُّلِّ والحَقَارةِ. المفاتيح في شرح المصابيح (5/256).
وقال الملا علي قاري -رحمه الله-:
قوله: «يُحْشَر المتكبرون أمثال الذَّرِّ» أي: في الصِّغَر والحقارة، «يوم القيامة في صور الرجال»، أي: من جهة وجوههم أو من حيثية هيئتهم من انتصاب القامة، «يغشاهم»، أي: يأتيهم، «الذُّلُّ من كل مكان»، أي: من كل جانب.
والمعنى: أنهم يكونون في غَايَة من الـمَذَلَّة والنَّقِيْصَة يطؤهم أهل المحشر بأرجلهم من هوانهم على الله.
وفي النهاية: الذَّرُّ النمل الأحمر الصغير، واحدها: ذَرَّة، وقيل: الذَّرَّة يراد بها: ما يُرَىْ في شعاع الشمس الداخل في النافذة.
قلت: نعم قد يُرَادُ بها؛ بل الظاهر أنه المراد في قوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} الزلزلة: 8، كما أنه المراد جَزْمًا في قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} النساء: 40، وأما إرادة هذا المعنى في هذا المقام، فغير صحيح؛ لقوله: «في صُور الرِّجال»، وما فيه من المقال. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/299).
وقال أبو عبدالله القرطبي -رحمه الله-:
تَصْغُرُ لهم أجسامهم في المحشر حتى يَضُرُّهُم صِغَرُها، وتَعْظُم لهم في النار حتى يَضُرُّهم عِظَمُها. الجامع لأحكام القرآن (10/ 95).

قوله: «فيُسَاقُون إلى سِجْنٍ في جهنم يُسَمَّى: بُوْلَسَ تَعْلُوهم نَار الأَنْيَار»:
قال المباركفوري -رحمه الله-
«يُسَاقون» بضم القاف، أي: يُسْحَبُون ويُجَرُّون. «إلى سجن»، أي: مكان حَبْسٍ مُظْلِم مُضَيَّق مُنْقَطع فيه عن غيره، «يُسمَّى»، أي: ذلك السجن، «بَوْلَس» قال في المجمع: هو بفتح باء وسكون واو وفتح لام.
وقال في القاموس: بُوْلَس بضم الباء وفتح اللام: سجن بـجهنم.
وقال الحافظ المنذري -رحمه الله-: و بضم الموحدة وسكون الواو وفتح اللام. انتهى.
«تعلوهم»، أي: تُحِيطُ بهم وتغشاهم كالماء يعلو الغريق، «نار الأَنْيَار» ... قيل: إنما جمع نار على أَنْيَار وهو واوي؛ لئَلَّا يَشْتَبِه بجمع النّور. تحفة الأحوذي (7/163).
وقال محمد الخادمي -رحمه الله-:
«يُساقون إلى سجن في جهنم» بالزجر والقهر، والسائقون هم خَزَنَةُ جهنم، غِلَاظٌ شِداد، كما قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} الزمر:71. بريقة محمودية (2/ 200).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال القاضي -رحمه الله-: وإضافة النار إليها للمبالغة؛ كأنَّ هذه النار لِفَرطِ إِحْراقها، وشِدَّةِ حرِّها تفعل بسائر النِّيران ما تفعل النار بغيرها.
أقول: أو لأنَّها أصل نِيْرَان العالم؛ لقوله تعالى: {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} الأعلى: 12، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ناركم هذه جُزء من سبعين جزءًا من نار جهنم»، على ما ذكره البيضاوي. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (8/3193).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
و«بَوْلَس»: فَوْعَل من (الإبْلَاس) بمعنى: الْيَأْس, ولعل هذا السجن إنما سُمِّي به؛ لأن الدَاخل فيه أَيْسَ من الخلاص عمَّا قريب, وإن صحَّت الرواية فيه بضم الباء وكسر اللام أو فتحها, فلعله أعجَمِيٌّ, إذ ليس في الأسماء مثاله.
«تعلوهم نار الأَنْيَار»، أي: تَغْشَاهم وتُحِيْطُ, كالماء يعلو الغَرِيق, و«أنْيَار»: جمع نَار, كـ(أنياب): جمع نَاب. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (3/279)
وقال التُّورِبِشْتِي -رحمه الله-:
وفيه: «نار الأنيار»: المشهور في الأَنْيَار أنها جمع النِّيْر، وهو العلم، وهو أيضًا الخشبة المعترضة في عُنُقِ الثَّورين، ويُجْمَع على: نيران وأَنْيِار، وجمع النار: نُور وأنْور ونِيْران، فلعل بعض الرواة رواه كذلك؛ قياسًا على النيران والأَنْيَار.
ومعنى نار الأنوار: أن النار تحترق منها احتراق الأشياء من النار. الميسر في شرح مصابيح السنة (3/1093).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«نار الأَنْيَار»، أي: نار حرارتها أشد من جميع أنواع نار جهنم. المفاتيح في شرح المصابيح (5/256).
وقال عبد الحق الدِّهْلوي -رحمه الله-:
وقوله: «يُسَمَّى بُوْلَس»: من البَلْس بمعنى: اليأس والتَّحَيُّر، ومنه اشْتُقَّ: إبليس، وصحح في الشروح بفتح الباء واللام، وفي (القاموس) بضمهما.
وقال أيضًا: والمراد بنار الأَنْيَار: نار تفعل بالنيران ما تفعل النار بالحطب. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/351).

قوله: «يُسْقَوْنَ من عُصَارَةِ أهل النَّار طِيْنَةَ الخَبَالِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يُسْقَوْن»: بصيغة المجهول، وفيه إشارة إلى الإكْرَاه وإِيْماءٌ إلى زيادة الإحراق الْمُؤَثِّر إلى بطونهم أيضًا، «من عُصَارة أهل النار»، أي: صَدِيْدِهم الـمُنْتِن الـمَحمي غَاية الحرارة، الـمُعبَّر عنه بحميم، «طِيْنَة الخَبَال»: تفسير لِمَا قبله، وهو بفتح الخاء بمعنى: الفساد. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/299).
وقال ابن المَلَك -رحمه الله-:
«يُسْقَون من عُصَارة أهل النار طينة الخَبال» بفتح الخاء المعجمة: اسم عُصارة أهل النار، وهو ما يسيل منهم من الصَّدِيد والقَيِح والدم. شرح مصابيح السنة (5/353).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«عُصَارة أهل النار طينة الخبال»، يعني: اسم عُصَارة أهل النار: طينة الْخَبَال، و«عُصَارة أهل النار»: ما يسيل منهم من الصَّدِيْدِ والدم والقَيْح. المفاتيح في شرح المصابيح (5/256).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
«من عُصَارة أهل النار» بضم العين المهملة، وهو ما يسيل منهم من الصَّدِيْدِ والقَيْح والدم، «طينةِ الخبالِ» بالجرِّ بدلٌ من «عُصَارة أهل النار»، والخَبَال: بفتح الخاء المعجمة، وهو في الأصل الفساد، ويكون في الأفعال والأبدان والعقول. تحفة الأحوذي (7/163).
وقال عبد الحق الدّهْلوي -رحمه الله-:
قوله: «طينة الخبال» بدل من «عُصَارة أهل النار»، وهي ما يسيل منهم من الصَّدِيد والقَيْح والدم...، والخبل في الأصل بمعنى: الفساد، ويكون في الأبدان والأفعال والعقول. لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (8/351).
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث ما يدلُّ على أن العُقُوبات في الآخرة تُنَاسب الذنوب الـمُكْتَسبة في الدنيا، وقد تكون على المقابلة. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/30).
وقال ابن كثير -رحمه الله-:
في وجه الجمع بين الأحاديث الواردة في تعظيم أجسام الكفار في النار وبين هذا الحديث:
فالمراد: أنهم يُحْشَرون يوم القيامة في العَرَصَات كذلك، فإذا سِيْقُوا إلى النار، ودخلوها عَظُمَ خلقُهم، كما دلت على ذلك الأحاديث التي أوردناها؛ ليكون ذلك أنكى وأشدَّ في عذابهم، وأعظمَ في خِزيهم، كما قال: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} النساء: 56. -والله سبحانه أعلم-. البداية والنهاية (20/ 143).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه معظَّمٌ عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله، الجبَّارون المتكبرون يُحْشرون يوم القيامة كأمثال الذَّرِّ يطؤهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عَالُوْن على عباد الله، لكنهم يوم القيامة موضوعون مَهِيْنُون قد أخزاهم الله -عزّ وجلّ-. لقاء الباب المفتوح (10/ 348).


ابلاغ عن خطا