«إذا أَراد الله بِعَبْدٍ خيرًا عَسَلَه»، قيل: وما عَسَلَه؟ قال: «يَفْتَح الله له عملًا صالحًا قبل موته، ثم يَقبضه عليه».
رواه أحمد برقم: (17784)، من حديث أبي عنبة الخولاني -رضي الله عنه-.
ورواه الطبراني في الكبير برقم: (7725)، من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-
صحيح الجامع، برقم: (307)، سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم: (1114).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«عَسَلَه»:
بفتح العين والسّين المهملتين مخففًا ويُشدّد.التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (1/522).
العَسْلُ: طِيْب الثناء، مأخوذ من العَسَل.النهاية، لابن الأثير (3/237).
وهو من عَسَلَ الطعام يَعْسِلُه ويَعْسُلُه إذا جعل فيه العسَل، كأنه شبَّه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بين قومه بالعَسل الذي يُجعل في الطعام، فيحلو به ويطيب.الفائق في غريب الحديث، للزمخشري (2/429).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
عَسَلَ الرّجل: طَيَّبَ الثناءَ عليه.
وعن ابن الأعرابي -رحمه الله-: وهو من العَسَل؛ لأن سامعه يَلَذُّ بطيب ذكره، أي: جعل له من العمل الصالح ثناءً طيبًا....
قال الأزهري -رحمه الله-: كأنه أراد رَجُلٌ عاسِلٌ ذو عسَل، أي: ذو عمل صالحٍ الثناءُ به عليه يُسْتَحْلى كالعسل.
وجارية معسُولة الكلام إذا كانت حلوة المنطق، مليحة اللفظ، طيِّبة النغمة.لسان العرب (11/446).
شرح الحديث
قوله: «إذا أَراد الله بِعَبْدٍ خيرًا عَسَلَه»:
قال الطحاوي -رحمه الله-:
طلبنا معنى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما هو، فوجدنا العرب تقول: هذا رُمح فيه عَسَل، يريدون فيه اضطراب، فشبَّه سرعته التي هي اضطرابه باضطراب ما سِواه من الرّمح، ومِن غيره.
فاحتمل: أن يكون قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عسَلَه»: أن يكون أراد بميله إياه إلى ما يُحب من الأعمال الصالحة، حتى يكون ذلك سببًا لإدخاله إياه جنته، والله -عزَّ وجلَّ- نسأله التوفيق.شرح مشكل الآثار (7/53).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا استعْمَله» فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: «يوفقه لعمل صالح قبل الموت» صحيح، وهو الأعمال بالخواتيم لا بالابتداء في الظاهر إلينا، وهي على الابتداء في علم الله وكتابه.
ورواه من لم ير الصحة: «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عسَله» وهو تصحيف غير صحيح، فلما صحفوا فسروا، فاعرضنا عنه، وهو عند العامة معلوم، وهو محتمل لما يقال فيه.
وأنتم في غنىً عن النَّصَب بما هو أصح منه.عارضة الأحوذي (8/310).
وقال المناوي -رحمه الله-:
تنبيه: أشار المؤلف بالجمع بين هذين الحديثين في موضع إلى رد قول ابن العربي الرواية: «استعمله»، وأما «عَسَله» فهو تصحيف، فبيَّن أنه غير صحيح.فيض القدير (1/ 257).
وقال العسكري -رحمه الله-:
ومما يُروى على وجهين قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عسَله» بالعين غير المعجمة، ويُروى «غسَله» بالغين المعجمة.
فحدثني إسماعيل بن يعقوب الصفار، حدثنا عبدة بن عبد الله، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عمرو بن الحمق أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عَسَله»، قيل: يا نبي الله، وما عَسَله؟ قال: يفتح له عملًا صالحًا بين يدي موته»، قرأتُه عليه بالعين غير المعجمة، فمن رواه هكذا قال: «عَسَله» مخفف، مأخوذ من العَسَل، شبَّه العمل الذي يفتح للعبد حتى يرضى عنه، ويطيِّب ذكره بالعسل، يقال: عسَلْتُ الطعام جعلْتُ فيه عسلًا، وقَنَدْتُه جعلتَ فيه قَنْدًا.
ومَن روى «غسَله» بالغين المعجمة قال: أراد يوفِّقه لعمل يَغْسل به ما قبله.تصحيفات المحدثين (ص: 200-201).
وقال الحفني -رحمه الله-:
قوله: «استعمله» ذكر هذا الحديث للردِّ على من توهَّم أن «عَسَله» في الحديث السابق مُحرَّف من «استعمله»، فبيَّن الحافظ أنهما روايتان، ولا تحريف.حاشية الحفني على الجامع الصغير (ص: 88).
وقال المناوي -رحمه الله-:
تنبيه: أشار المؤلف بالجمع بين هذين الحديثين في موضع إلى ردّ قول ابن العربي -رحمه الله- الرواية: «استعمله»، وأما «عَسَله» فهو تصحيف، فبيَّن أنه غير صحيح. فيض القدير (1/256).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عَسَله» بفتح العين والسين، المهملتين، مخففًا ويُشدّد في النهاية: أي: طيُّب ثناؤه فيهم، مأخوذ من العسَل، يقال: عَسَلَ الطعام إذا جعل فيه العسل، شبَّه ما رزقه الله من العمل الصالح الذي طاب به ذكره بالعسل، الذي يُجعل بين الطعام فيحلو به ويطيب.التنوير شرح الجامع الصغير (1/ 522).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «عَسَله» بعين مهملة، في (المجمع): العَسْل: طِيْب الثناء، مأخوذ من عَسَل الطعام: إذا جعل فيه العسل، شبَّه العمل الصالح الذي طاب به ذكره بعَسَلٍ يُجعل في طعام.حاشية السندي على المسند (4/263-264).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
قوله: «عَسَله»: بفتح العين والسّين المهملتين: من العَسْل، وهو طِيْب الثناء.
وقال بعضهم: هذا مَثَل، أي: وفَّقه الله لعمل صالح يُتحِفه به، كما يُتحِف الرّجُل أخاه إذا أطْعَمه العَسَل.الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 395).
قوله: «قيل: وما عَسَلَه؟»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«قيل» أي: قالوا: يا رسول الله، «وما عَسَله؟» أي: ما معناه؟ التيسير شرح الجامع الصغير (1/64).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«قيل:» يا رسول الله، «وما عَسَله؟» كأن المخاطَبين ما كانوا عارفين بمعنى هذا اللفظ، فقالوا: ما معنى عَسَله؟ التنوير شرح الجامع الصغير (1/522).
وقال البغوي -رحمه الله-:
ويُروى: «إذا أراد الله بعبد خيرًا عَسَله» قيل: ما عَسَله؟ فذكر مثل معناه، والعَسْل: طِيْب الثناء.شرح السنة (14/ 291).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
هذه كلمة عربية غير مستعملة في هذه البلاد، «إذا أراد الله بعبد خيرًا عَسَله»، هذا في الحديث، أي: وفّقه لعمل صالحٍ حُلو.سلسلة الهدى والنور (685/8).
قوله: «يَفْتَح الله له عملًا صالحًا قبل موته، ثم يقبضه عليه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«قال: يفتح له عملًا صالحًا قبل موته» أي: قُبَيْلَه، «ثم يقبضه عليه» شبَّه ما رزقه الله من العمل الصالح بالعسَل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء، ويُصْلِح كل ما خالطه.التيسير شرح الجامع الصغير (1/64).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «قبل موته، ثم يقبضه عليه» أي: يُلْهِمُه التوبة، وملازمة العمل الصالح كما يجب وينبغي، حتى يملّ الخلق، ويستقذر الدنيا، ويحن إلى الموت، ويشتاق إلى الملأ الأعلى، فإذا هو برسل الله تعالى يردُّون عليه بالرَّوح والريحان، والبشرى والرضوان، من رب راضٍ غير غضبان، فينقلونه من هذه الدار الفانية، إلى الحَضْرة العالية الباقية، فيرى لنفسه الضعيفة الفقيرة نعيمًا مقيمًا، وملكًا عظيمًا.فيض القدير (1/257).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «ثم يقبضه عليه» وهو متلبس بذلك العمل الصالح، ومن مات على شيء بعثه الله عليه.التيسير شرح الجامع الصغير (1/64).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «قال: يفتح له عملًا صالحًا قبل موته، ثم يقبضه عليه» فيكون ذلك حُسْن الختام.
ولا يخفى أنه ليس في الحديث دليل على ما قاله ابن الأثير -رحمه الله- من طِيب الثناء، بل قد فَسَر -صلى الله عليه وسلم- «عَسَله» بغير ذلك، إلا أن يقال: فسرَّه ابن الأثير -رحمه الله- باللازم؛ إذ من لازم من صلُح حاله طاب الثناء عليه.التنوير شرح الجامع الصغير (1/522).
وقال المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «ثم يقبضه عليه» كما في رواية، أي: يميته وهو متلبسٌ به.تحفة الأحوذي (6/ 294).
وقال الحكيم الترمذي -رحمه الله-:
فهذا عبد أدركته دولة السعادة، فأصاب حظّه ومُراده، بعد ما قطع عُمره في رفض العبودية وتعطيلها، وعطّل الحدود، وأهمل الفرائض، فلمّا قرُب أوان شُخوصه إلى الحقّ أدركته السعادة بذلك الحَظّ الذي كان سبق له، فاسْتنار الصّدر بالنور، وانكشف الغطاء، فأدركته الخشية، وعظمت مساوئه عنده، فاستقام أمره، فعمل صالحًا قليلًا، فأُعطي جزيلًا.نوادر الأصول (1/395).
وينظر للاستفادة الرواية الأخرى من (هنا)
ومن (هنا)