الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«إنَّ مِن أُمَّتِي قومًا يُعطَوْنَ مِثْلَ أُجُورِ أَوَّلِهِمْ، يُنْكِرون المنكر».
وفي رواية بزيادة الفاء: «فيُنْكِرون المنكر».


رواه أحمد برقم: (23181)، ورقم:(16592) عن رجل من الصحابة -رضي الله عنهم-.
صحيح الجامع برقم: (2224)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1700).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أُمَّتِي»:
أُمَّتِي: تُطلق على أُمَّة الإجابة، وهم المسلمون، وقد تُطلق ويُراد بها أُمَّة الدعوة. فتح الباري، لابن حجر (1/ 236). والمراد هنا: أُمَّة الإجابة.
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
إطلاق -صلى الله عليه وسلم- لأُمَّتِه، فإنه متى استُعمل لم يأتِ إلا في أُمَّة الإجابة. التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 533).

«أَوَّلِهِمْ»:
أي: أوَّل هذه الأُمَّة، وهم الصَّحْب والتابعون بإحسان. فيض القدير، للمناوي (6/ 281).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ مِن أُمَّتِي قومًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إنَّ مِن أُمَّتِي» أمة ‌الْإِجَابَة. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«إنَّ من أُمَّتِي قومًا» أي: جماعة لهم قُوَّةٌ في الدِّين. فيض القدير (2/ 536).

قوله: «يُعطَوْنَ مِثلَ أُجُورِ أَوَّلِهِمْ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «يُعطَوْنَ» على بناء المفعول.
قوله: «أَوَّلِهِمْ» أي: أوَّل الأُمَّة، وهم الصحابة. حاشية السندي على مسند أحمد (ص: 425).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يُعطَوْنَ مِثْلَ أُجُورِ أَوَّلِهِمْ» أي: يُثيبُهم الله مع تأخُّر زَمنهم، مثل إثابة الأولين من الصدر الأول، الذين نصروا الإسلام، وأسسوا قواعد الدِّين. فيض القدير (2/ 536).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يُعطَوْنَ مِثلَ أُجُورِ أَوَّلِهِمْ» أي: الصدر الأول، الذين نصروا الإِسلام، وجاهدوا في الله تعالى، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ} التوبة: 100. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 129).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: يُثيبُهم الله مع تأخُّر زمنهم مثلَ إثابة الصدر الأول، من السَّلف الصالح. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 349).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«يُعطَوْنَ مِثْلَ أُجُورِ أَوَّلِهِمْ» أي: يُثيبُهم الله مع تأخُّر زمنهم مثلَ ثواب الصدر الأول على إنكار المنكر. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 142).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «مِثْلَ أجْرِ أَوَّلِهِمْ» ظاهره يدل على المساواة في الثواب.
وفي حديث آخر: «سيأتي زمانٌ يكون للعامل فيه أجْرُ خمسين»، قيل: خمسين منهم أو منا يا رسول اللَّه؟ قال: «بل خمسين منكم» أو كما قال، وهذا يُوجِب الأفضلية، وتأويله ما ذكرنا. لمعات التنقيح (9/ 829).
وقال الدهلوي -رحمه الله- أيضًا:
وقوله: «أجرُ خمسين منكم» يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية، وقد جاء أمثال هذا في أحاديث أُخر، وتوجيهه كما ذكروا: أنَّ الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي.
وقد تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة، وقال: يمكن أن يجيء من بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم، أو أفضل، ومختار العلماء خلافه. لمعات التنقيح (8/ 379).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضًا فالأجر إنما يقع تفاضُله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأما ما فاز به مَن شاهَد النبي -صلى الله عليه وسلم- من زيادة فضيلة المشاهدة، فلا يعدله فيها أحد. فتح الباري (7/ 7).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ولا بُعد في أنْ يكون في بعض الأعمال لغيرهم -أي الصحابة- من الأجور أكثر مما لهم فيه، ولا تلزم منه الفضيلة المطلقة التي هي المطلوبة بهذا البحث، والله أعلم. المفهم (1/ 503).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وجَمَعَ الجمهورُ بين الأحاديث: بأنَّ للصحبة فضيلة ومزية لا يوازيها شيء من الأعمال، فلِمَن صحِبَه -صلى الله عليه وسلم- فضيلتها، وإن قَصُر عملُه وأجره باعتبار الاجتهاد في العبادة، وتكون خيْرِيَّتُهم على من سيأتي باعتبار كثرة الأجر، لا بالنظر إلى ثواب الأعمال، وهذا قد يكون في حق بعض الصحابة.
وأما مشاهير الصحابة، فإنهم حازوا السبق من كل نوع من أنواع الخير، وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث.
وأيضًا: فإنَّ المفاضلة بين الأعمال بالنظر إلى الأعمال المتساوية في النوع، وفضيلة الصحبة مختصة بالصحابة لم يكن لمن عداهم شيء من ذلك النوع. سبل السلام (2/ 581).
وقال المغربي -رحمه الله-:
واحتُج من حيث القياس: بأنَّ السبب في كون القرن الأول خير القرون، أنهم كانوا غرباء في إيمانهم؛ لكثرة الكفار، وصبرهم على أذاهم، وتمسكهم بدينهم.
فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدِّين، وتمسكوا به، وصبروا على الطاعة حين ظهرت المعاصي والفتن، كانوا أيضًا غرباء، وزَكَت أعمالُهم في ذلك، كما زَكَت أعمالُ أولئك. البدر التمام شرح بلوغ المرام (10/ 42-43).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وأما أعمال مَن بعد الصحابة فلم يرد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق، إنما ورد ذلك مقيدًا بأيام الفِتنة، وغُربة الدِّين، حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلًا من الصحابة، فيكون هذا مخصِّصًا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة، فأعمال الصحابة فاضلة، وأعمال من بعدهم مفضولة، إلا في مثل تلك الحالة.نيل الأوطار (8/ 360).

قوله: «يُنْكِرون المنكر»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فيُنْكِرون»: كأنه بمنزلة العِلَّة، أي: لأنهم يُنْكِرون المنكر، فصاروا كالأولين، حيث إنَّ هؤلاء جاهدوا على المعاصي، والأولون جاهدوا على الكفر، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على مسند أحمد (ص: 425).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«يُنْكِرون المنكر» أي: ما أنكره الشرع، قالوا: ويجب الأمر بالواجب، والنهي عن الحرام، ويُندب الأمر بالمندوب، والنهي عن المكروه، بشرط العلم بوجه المعروف والمنكر، وانتفاء المفسدة.
وفي اشتراط ظن التأثير خُلْفٌ، ولا يختص بالوالي، إلا ما يُفضي إلى القتال، ولا بالمجتهد إلا ما يُفتقَر إليه، ولا بمن لا يرتكب مثله.
وهو فرض كفاية، فيسقط بقيام البعض. فيض القدير (2/ 537).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وكأنه قيل: لماذا يُعطَوْنَ ذلك؟ فقال: «يُنْكِرون المنكر»؛ فإنها أعظم صفات الصدر الأول: الإنكار على المشركين باليد واللسان والجنان.
وفيه: حثٌّ على إنكار المنكر، وله شرائط معروفة في الفروع. التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 129-130).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«يُنْكِرون المنكر» أي: يُغَيِّرونه عند القدرة عليه، ويُنْكِرونه عند العجز. السراج المنير شرح الجامع الصغير (2/ 142).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي-رحمه الله-:
أخرج عن رجل من الصحابة: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ في آخر أُمَّتِي قومًا يُعطَون من الأجر مثلَ ما لِأَوَّلِهِمْ؛ يُنْكِرون المنكر..»، فقيل لإبراهيم بن موسى: من هُم؟ قال: أهل الحديث، يقولون: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: افعلوا كذا، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعلوا كذا. مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن ابن ماجه (1/ 349).
وقال ابن داود الحنبلي الصالحي -رحمه الله-:
وعن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن الحضرمي قال: أخبرني مَن سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّ في آخر أُمَّتِي قومًا يُعطَوْنَ من الأجر مثلَ ما لِأَوَّلِهِمْ، يُنْكِرون المنكر»...
فمن أنكر منكرًا، وبذل فيه جهدًا، وأخلص لله تعالى قصده، كان من آخر الصدر الأول عارفًا، كما تقدم في الحديث آنفًا. الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص: 20).
وقال الشيخ خالد السبت-حفظه الله-:
هذه منزلة أصحاب هذا العمل الفاضل، ولا ريب أنَّ ذا من أعظم الشرف الذي يتشرفون به في حياتهم، وبعد مماتهم، فهم يَحْيَون شرفاء، متوظِّفين بوظيفة الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، ولو قام واحد منهم بكلمة حق في وجه سلطان جائر، ثم قتله ذلك الجبار، فإنه لا يكون شهيدًا فحسب، بل يكون سيدًا للشهداء، مع حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه-. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص: 55).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
تذاكرتُ مع الأستاذ أبي بكر الطرطوشي: «للعامِلِ فيها أجر خمسين منكم» قالوا: بل منهم، قال: «بل منكم؛ لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، وهم لا يجدون على الخير أعوانًا»، وقلتُ له: كيف يكون أجر من يأتي من الأُمَّة أعظم من أجر الصحابة، وهم أسسوا وأقاموا الدِّين؟! وقد قال فيهم -عليه السلام-: «لو انْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ ما بَلَغَ مدَّ أحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»؟!
فتلخَّص لنا: أنَّ الصحابة لهم أعمال لا يُدرَكُون فيها، ولهم أعمال تُساوي أعمال مَن بعدهم؛ فإذا اجتهد في عمله زاد عليهم، لا سيما في باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ وفي آخر الزمان يكثر الفساد؛ لقوله: «بدأ هذا الدِّين غريبًا، وسيعود غريبًا»، فإذا أخلص المرء في ذلك الوقت، تضاعف أجره؛ لقيامه بالحق، وقد عُدِمَ المعين؛ ولهذا المعنى قال -عليه السلام-: «لأنكم تجدون على الخير أعوانًا، ولا يجدون على الخير أعوانًا»؛ ولأنه ينقطع القيام بالحق في ذلك الوقت. أحكام القرآن الصغرى (1/242-243).
وقال أبو شامة -رحمه الله-:
ومِن اتِّباع سُنّة رسول الله، وسُنّة خلفائه الراشدين -رضى الله عنهم-: إنكار المنكر، وإحياء السُّنن، وإِماتة البدع، ففي ذلك أفضل أَجرٍ، وأجمل ذِكرٍ. الباعث على إنكار البدع (ص: 17).


ابلاغ عن خطا