الإثنين 24 رمضان 1446 هـ | 24-03-2025 م

A a

أنه رأى فتىً وهو يصلي قد أطال صلاته، وأَطْنَبَ فيها، فقال: من يعرف هذا؟ فقال رجل: أنا، فقال عبد الله: لو كنتُ أعرفه لأمرته أن يُطيل الركوع والسجود، فإني سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنّ العبد إذا قام يصلي أُتِيَ بذنوبه فوُضِعتْ على رأسه أو عاتقه، فكُلّما ركع أو سجد تساقطت عنه»


رواه ابن حبان في صحيحه برقم: (1734)، والطبراني في الأوسط برقم: (7314)، والبيهقي في شعب الإيمان برقم: (2877)، من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (1671)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1398).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أطنب»:
الإطناب: المبالغة في مدح أو ذم، والإكثار فيه. لسان العرب (1/ 562).
وقال المناوي -رحمه الله-:
الإطناب: أداء المقصود بأكثر من العبارة المتعارفة، مِنْ ‌أطنبَ الرجل إذا بالغ في قوله بمدح أو ذَمٍّ. التوقيف على مهمات التعاريف (ص54).

«عاتِقِهِ»:‌
العاتق: موضع الرداء من الْمَنْكِب يُذَكَّر ويُؤنَّث. مختار الصحاح (ص: 199).
وقال المناوي -رحمه الله-:‌
العاتق: ما بين المنكبين؛ لارتفاعه عن جميع الجسد. التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 233).


شرح الحديث


قوله: فإني سمعتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنَّ العبد إذا قام يصلي»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إن العبد»، أي: الإنسان المؤمن، «إذا قام يصلي» فرْضًا أو نفلًا. فيض القدير (2/368).

قوله: «أُتِيَ بذنوبه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«أُتِيَ» بالبناء للمفعول، أي: جاءه الملك، أو من شاء الله من خلقه بأمره، «بذنوبه» كلها، ظاهره يشمل الكبائر، وقياس ما يجئ في نظائره استثناؤها. فيض القدير (2/ 368).
وقال المناوي رحمه الله- أيضًا:
«أُتِيَ» بالبناء للمفعول، أي: جاءه الملك، «بذنوبه» كلها، فيه شمول الكبائر. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 294).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أُتِيَ بذنوبه» عامٌّ للكبائر والصغائر. التنوير شرح الجامع الصغير (3/506).

وقال ابن العربي -رحمه الله-:
الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبار؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة؛ كفَّارة لما بينهنّ إذا ما اجْتُنِبَتِ الكبائر».
فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تُكَفّرُ الكبائر، فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى.
إنَّ هذا التكفير إنما هو الذنوب المتعلقة بحقوق الله -سبحانه-، أما المتعلقة بحقوق الآدميين، فإنما يقع النظر فيها بالمقاصَّة مع الحسنات والسيئات...
ولو وقعت الطهارة باطنًا بتطهير القلب عن أوضار المعاصي، وظاهرًا باستعمال الماء على الجوارح بشرط الشرع، واقترنت به صلاةٌ جُرِّد فيها القلب عن علائق الدنيا، وطُرِدَت الخواطر، واجتمع الفكر على أجزاء العبادة، كما انعقد عليه إحرامُها، واستمرَّت الحال كذلك حتى خرج بالتسليم عنها، فإن الكبائر تُغفر، وجملة المعاصي -والحالة هذه- تُكفَّر، وكذلك كان وضوء السلف. عارضة الأحوذي (1/13-14).

قوله: «فَوُضِعَتْ على رأسه أو عاتقه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«أو عاتقيه»: تثنية عاتق، وهو ما بين المنكب والعُنُق، وهو محلُّ الرداء، ويُذَكَّر ويُؤنَّث، ثم يحتمل: أنَّ الموضوع الصحف التي هي فيها، ويحتمل: أن تُجسَّد، ويحتمل: أنه مجاز على التشبيه. فيض القدير (2/ 368).

قوله: «فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه»:
قال المباركفوري -رحمه الله-:
قلتُ: لا شك في أنَّ الظاهر هو حمله على الحقيقة، وأما إثبات عالم المثال، فعندي فيه نظر، فتفكر. تحفة الأحوذي (1/ 26).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
ما قاله العلامة المباركفوري -رحمه الله- حسن جدًّا، والحاصل: أنَّ حمله على الظاهر هو الصواب، كما دلَّت عليه النصوص المتقدمة، -والله تعالى أعلم-. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (2/ 559).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
إنْ قلتَ: حديث ابن عمر الآتي: «إنَّ العبد إذا قام يصلي أُتِيَ بذنوبه كلها فَوُضِعَتْ على رأسه وعاتقه، كلما ركع أو سجد تساقطت»، يُشْعِرُ بأن التكفير بالصلاة الإيقاع والمساقطة بأفعالها من الركوع والسجود.
قلتُ: المراد أنها كُفِّرت بالوضوء، ونفس سقوطها عنه يكون في خلال صلاته، ووجهه: أنَّ الوضوء ليس مقصودًا لذاته، بل هو شرط لغيره، فإذا أَوْقَعَ المشروط به تحقق له الإثابة بفعله. التنوير شرح الجامع الصغير (3/ 437).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه» حتى لا يبقى عليه ذنب، وذِكْرُ الركوع والسجود ليس للاختصاص؛ بل تحقيقًا لوجه التشبيه؛ فإنَّ مَن وضع شيئًا على رأسه لا يستقرُّ إلا ما دام مُنتصبًا؛ فإذا انحنى تساقط، فالمراد أنه كلما أتم ركنًا من الصلاة سقط عنه ركن من الذنوب، حتى إذا أتمها تكامل السقوط.
وهذا في صلاة متوفِّرة الشروط والأركان والخشوع، كما يُؤْذِنُ به لفظ (العبد) و(القيام)؛ إذ هو إشارة إلى أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد حقير ذليل، ومن لم يكن كذلك فصلاته التي هي أعظم الطاعات أعظم إبعادًا له عن الله من الكبائر. فيض القدير (2/368).
وقال العيني -رحمه الله-:
هذا الحديث: يدل على أنَّ تطويل الركوع والسجود أفضل من تطويل القيام.
فإن قيل: فهذا لا يصلح حجة لما قاله أهل المقالة الثانية؛ فَلِمَ ذكره ها هنا؟!
قلتُ: ذكره ليُجيب عن سؤال يَرد عليهم به، كما يقوله الآن.
فإن قال قائل: فهذا تفضيل الركوع والسجود على القيام، قيل له: ما فيه ما ذَكَرْتَ، وإنما فيه ما يُعطى المصلي على الركوع والسجود من حطِّ الذنوب عنه، ولعله يُعطى بطول القيام أفضل من ذلك، على أن ما فيه عن ابن عمر، والذي روي عن النبي -عليه السلام- من تفضيل طول القيام أولى منه، -والله أعلم-.
تقرير السؤال أن يقال: إنكم قد قلتم: إن طول القيام أفضل، ورجحتم ذلك بالأحاديث الصحيحة، فهذا حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يدل على أن تطويل الركوع والسجود أفضل.
وتقرير الجواب من وجهين:
الأول: أن يقال: لا نُسَلِّم لزوم تفضيل تطويل الركوع والسجود على طول القيام؛ لأن المفهوم منه أن المصلي يُثاب على ركوعه وسجوده بحطِّ الذنوب عنه، ولا ينافي ذلك أن يُعطى بطول القيام أكثر من ذلك، وأفضل منه.
والثاني: أن تفضيل تطويل الركوع والسجود في هذا الحديث من كلام ابن عمر -رضي الله عنهما-، حيث قال: «لو كنتُ أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود»، وتفضيل طول القيام من كلام النبي -عليه السلام-، حيث قال: «طول القيام»، لَمَّا سُئِل: أيّ الصلاة أفضل؟ فالأخذ بقول النبي -عليه السلام- أولى وأحق. نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (7/ 223).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
فإن قال قائل: ففي هذا الحديث تفضيل الركوع والسجود على القيام، فقيل له: ما فيه ما ذَكَرْتَ، وإنما فيه ما يُعطاه المصلي على الركوع والسجود من حطِّ الذنوب عنه، ولعله يُعطى بطول القيام أفضل من ذلك.
وأما ما فيه عن ابن عمر، فإن الذي روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تفضيله طول القيام أولى منه. شرح معاني الآثار (1/ 477).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وكذا حديث ابن عمر ليس فيه تفضيلهما -أي: الركوع والسجود- على طول القيام، وإنما فيه ما يُعطاه المصلي على الركوع والسجود من حطِّ الذنوب عنه، لعله يُعطى بطول القيام أفضل من ذلك، نبَّه عليه الطحاوي، وحديث ابن مسعود يشهد بصحة هذا القول. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (9/ 64).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم -رحمه الله-:
إنما شُرع تكرار السجود في كل ركعة دون غيره؛ لأنه أبلغ ما يكون في التواضع، وأفضل أركانها الفعلية، وسرُّها الذي شُرِعَتْ لأجله، وخاتمتها وغايتها، فكان تكرُّره أكثر من تكرُّر سائر الأركان، ولابن حبان عن ابن عمر مرفوعًا: «إذا قام العبد يصلي أُتِيَ بذنوبه فوضعت على رأسه، أو على عاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه» حاشية الروض المربع (2/ 59).
وقال الخطيب الشربيني -رحمه الله-:
فائدة فيها بشرى: روى ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا: «إن العبد إذا قام يصلي أُتِيَ بذنوبه فَوُضِعَتْ على رأسه أو على عاتقه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه»، أي: حتى لا يبقى منها شيء -إن شاء الله تعالى-. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 391).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء: هل الأفضل في صلاة التطوع طول القيام، أو كثرة الركوع والسجود؟، فذهبت طائفة إلى أن كثرة الركوع والسجود فيها أفضل، وروي عن أبي ذرٍّ: أنه كان لا يُطِيْلُ القيام، ويكثر الركوع والسجود، فسُئل عن ذلك، فقال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ركع ركعة، وسجد سجدة؛ رفعه الله بها درجة، وحُطَّتْ عنه بها خطيئة».
وروي عن ابن عمر: أنه رأى فتىً يُصَلِّي قد أطال صلاته، فلما انصرف قال: من يعرف هذا؟ قال رجل: أنا، قال عبد الله: لو كنتُ أعرفه؛ لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا قام العبد يصلي أُتِيَ بذنوبه فَجُعِلَتْ على ‌رأسه ‌وعاتقيه، وكلما ركع وسجد تساقطت عنه».
وقال يحيى بن رافع: كان يقال: لا تُطِلِ القراءة في الصلاة، فيعرض لك الشيطان فيفتنك.
وقال آخرون: طول القيام أفضل، واحتجوا بما روى وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر قال: سُئل رسول الله أيُّ الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت».
وهو قول إبراهيم وأبي مجلز والحسن البصري، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وقال أشهب: هو أحب إليّ لكثرة القراءة، على سعة ذلك كله.
قال الطحاوي: وليس في حديث أبي ذرٍّ ما يخالف هذا الحديث؛ لأنه قد يجوز أن يكون قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من ركع لله ركعة وسجد سجدة؛ رفعه الله بها درجة، وحَطَّ عنه خطيئة».
وإن زاد مع ذلك طول القيام كان أفضل، وكان ما يعطيهم الله من الثواب أكثر، هذا أَوْلى ما حُمِلَ عليه معنى الحديث؛ لئلا يُضَادّ الأحاديث الأُخَر، وكذلك حديث ابن عمر ليس فيه تفضيل الركوع والسجود على طول القيام، وإنما فيه ما يُعطاه المصلي على الركوع والسجود من حطِّ الذنوب عنه، ولعله يُعطى بطول القيام أفضل من ذلك، وحديث ابن مسعود يشهد بصحة هذا القول. شرح صحيح البخاري (3/125-126).
وقال الأصبهاني -رحمه الله-:
واختلف العلماء: هل الأفضل في صلاة التطوع طول القيام أو كثرة الركوع والسجود؟
فروي عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- أنه كان لا يطيل القيام، ويُكْثِر الركوع والسجود، فسُئل عن ذلك، فقال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ركع ركعة وسجد سجدة؛ رفعه الله بها درجة، وحطَّ عنه بها خطيئة».
وروي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه رأى فتىً يصلي قد أطال صلاته، فلما انصرف قال: من يعرف هذا؟ قال رجل: أنا، قال عبد الله: لو كنتُ أعرفه لأمرته أن يطيل الركوع والسجود، فإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا قام العبد يصلي أُتِيَ بذنوبه، فَجُعِلَتْ على رأسه وعاتقيه؛ فكلما ركع وسجد تساقطت عنه». شرح صحيح البخاري (3/144-146).
وقال النووي -رحمه الله-:
في هذه المسألة ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل، حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة، وممن قال بتفضيل تطويل السجود: ابن عمر -رضي الله عنهما-.
والمذهب الثاني: مذهب الشافعي -رضي الله عنه- وجماعة أن تطويل القيام أفضل؛ لحديث جابر في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أفضل الصلاة طول القنوت»، والمراد بالقنوت: القيام؛ ولأن ذكر القيام القراءة، وذكر السجود التسبيح والقراءة أفضل؛ لأن المنقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يطول القيام أكثر من تطويل السجود.
والمذهب الثالث: أنهما سواء، وتوقَّف أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- في المسألة، ولم يقض فيها بشيء.
وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما في الليل فتطويل القيام؛ إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل؛ لأنه يقرأ جزأه، ويربح كثرة الركوع والسجود.
وقال الترمذي: إنما قال إسحاق هذا؛ لأنهم وصفوا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل بطول القيام، ولم يُوْصَفْ من تطويله بالنهار ما وُصِف بالليل، -والله أعلم-. شرح النووي على مسلم (4/ 200-201).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
واختلف أهل العلم هل الأفضل إطالة القيام أم إطالة الركوع والسجود؟
فمنهم من قال: الأفضل إطالة القيام، ومنهم من قال: الأفضل إطالة الركوع والسجود، والصحيح: أن الأفضل أن تكون الصلاة متناسبة، وإلا فإن القيام بلا شك أطول من الركوع والسجود في حَدِّ ذاته، لكن ينبغي إذا أطال القيام أن يطيل الركوع والسجود، وإذا قصَّرَ القيام أن يُقَصِّرَ الركوع والسجود. شرح رياض الصالحين (2/103- 104).


ابلاغ عن خطا